ã

أردوس مدينة خضراء رغم أنف الفحم!

هان لي وقاو يان

أردوس عاصمة نبق البحر

منطقة صيد في لواء دالاد

حصاد وافر في لواء دالاد

سماء زرقاء وحقول ممتدة، تهب الريح وتنحني الأعشاب فتظهر قطعان الماشية من بينها. هذا البيت من الشعر الصيني القديم الذي يعكس جمال مروج منغوليا الداخلية له في قلوب الصينيين وقع خاص. غير أن اللون الأخضر في مروج منغوليا الداخلية تعرض لانتكاسة شديدة في العصر الحديث، حتى كاد أن يختفي. اليوم تعود إلى أردوس مناظرها القديمة الفاتنة.

تعرضت أردوس خلال فترة بين عامي 1998 و2000، لجفاف شديد أتى على الأخضر واليابس فيها، فاختفى العشب وتصحر 80% من مراعيها وقلت المحاصيل. الفلاحون والرعاة هنا يزرعون ويرعون ويحصدون ويعيشون وفق النمط الإنتاجي القديم، والنتيجة هي أن الفقر ظل قرينا لهم.

وقد سعت الدورات السابقة لحكومة أردوس إلى إيجاد حلول لتلك المشاكل وجربت سبلا متعددة، ولكن النتائج كانت جد ضئيلة. قال يون فنغ، أمين لجنة الحزب بأردوس:"يسعى الفلاحون لتوسيع مساحة حقولهم من أجل زيادة دخولهم، لكن هذا الأسلوب يزيد مدى التصحّر، فالتناقض بين الأنماط الإنتاجية التقليدية والبيئة البيولوجية وبين الطبيعة والإنسان هو أهم المشكلات، ومن ثم بات حل هذا التناقض ضرورة ملحة".

في عام 2000، وضعت حكومة أردوس خطة لجعل المدينة خضراء من خلال إدارة علمية في الزراعة والرعي وتعديل هياكل الصناعات والأنماط الاستثمارية، ووضعت خمسة إجراءات رئيسية، هي حظر رعي الماشية في أماكن معينة ومواسم معينة، ومزاولة الزراعة والرعي بشكل دوري، وتشجيع تربية الحيوانات الداجنة في مراع مسقوفة أو حظائر، ونقل الفلاحين والرعاة إلى أماكن مناسبة، وتحويل الأراضي المزروعة إلى غابات ومروج. ونفذت أردوس لأول مرة في الصين نظام حظر الرعي طول السنة في بعض الألوية التي تعرضت للتصحر الشديد مثل لواء إيجين هورو ولواء جونقار ولواء دالاد والألوية الأربعة الغربية، يوشين وهانغجين وأوتق وأوتق فرونت، أما الألوية الخفيفة التصحّر فينفذ الحظر فيها في الفترة بين أبريل ويونيو فقط، وفي فترة رفع الحظر يوضع حد أعلى لعدد الحيوانات التي ترعى.

عن هذه الإجراءات قال يانغ مينغ، مدير مصلحة الزراعة والرعاية بأردوس: "في أردوس جفاف وعواصف كثيرة طول السنة، خاصة في الربيع، ومعالجة التصحر ترفع تكاليف المحاصيل، والفلاح في أردوس لا يستطيع أن يعيش اعتمادا على هذه الأرض الفقيرة، فيترك الزراعة ويذهب إلى المدينة للبحث عن عمل آخر".

حققت الإجراءات الجديدة نتائج ملحوظة، ففي نهاية عام 2006، بلغت نسبة الغطاء الأخضر 75% من مساحة المدينة، مقارنة مع أقل من 30% في عام 1999؛ وارتفع عدد الماشية من 6.15 ملايين رأس عام 2000 إلى 13.82 مليون رأس الآن؛ ورغم أن المساحة المزروعة بالحبوب انخفضت من 400 ألف هكتار عام 2000 إلى 368 ألف هكتار عام 2005، ازداد مردود الحبوب من 650 ألف طن عام 2000 إلى 1.15 مليون طن عام 2005، مما أثبت أن تحويل الأراضي المزروعة إلى غابات ومروج كان حلا ناجعا؛ في نفس الوقت، تم إرشاد 400 ألف من الفلاحين والرعاة للعمل في مهن جديدة، حيث ارتفع معدل الدخل السنوي للفرد منهم من 2453 يوانا عام 2000 (الدولار الأمريكي يساوي 7.6 يوانا) إلى 5308 يوانات عام 2006.

 

حظر الرعي هو الحل

عندما أعلنت حكومة أردوس إجراءات حظر رعي المواشي في عام 2000 اهتزت المدينة كلها؛ فتقاليد الرعي التي ورثها أبناء أردوس عن آبائهم وأسلافهم منذ قرون عديدة تتحطم أمامهم، ولهذا اعترض الغالبية العظمى من الرعاة على تلك الإجراءات ولم يؤيدها إلا نفر قليل من ذوي العقول المتفتحة. وبالنسبة لعمدة أردوسي، دو تسي، لم تكن الأيام الأولى بعد إعلان الإجراءات وقتا مريحا أبدا.

حاول المسئولون شرح تلك الإجراءات لإقناع الرعاة بها، ففي اجتماع تعبوي لتطبيق نظام الحظر في عام 2000، قال سو جيا رونغ، مدير مكتب الإعلام للجنة الحزب بأردوس: "إن المائة مو من المروج (الهكتار يساوي 15 مو) تكفي لرعي عشرة أغنام فقط، ولكن الآن تكفي لعشرين، وثلاثين رأسا. إن مروجنا مهددة بأن تصبح جرداء إذا واصلنا هذا الرعي الجائر فيها. قد نربح كثيرا من الرعي المفرط حاليا، ولكن ماذا سنترك لأحفادنا؟ علينا أن نحد من الرعي فلا سبيل آخر أمامنا".

على الرغم من الولادة المتعثرة لنظام حظر الرعي إلا أنه كان مؤشرا لبداية الإصلاح في قطاع تربية المواشي بالصين. وأثبتت التجربة نجاعته، فالفلاح وي أر نيو، من قرية تشجياليانغ ببلدة بوجيانغهايتسي، كان لديه في عام 2000 أربعين رأس غنم يرعاها في ثلاثمائة مو تحت سيطرته في المروج. كان رعي أغنامه يلتهم كل وقته، فقد كان العثور على العلف الكافي مهمة شاقة. بعد تنفيذ نظام حظر الرعي عام 2001، أصبح لديه ثمانون رأس غنم يربيها في حظيرة مسقوفة يوفر لها الأعلاف من الشعير الذي يزرعه في قطعة أرض مساحتها 80 مو والذرة التي يزرعها في 10 مو. وأصبح لدى الرجل وقت يسمح له بمزاولة تجارة صغيرة، وارتفع دخله السنوي من أغنامه إلى 15 ألف يوان سنويا، مقارنة مع ثلاثة آلاف يوان في السابق.

يبلغ عدد المواشي التي ترعى في لواء دالاد 3.7 ملايين رأس، وهذا يضعه في المركز الأول بمنطقة منغوليا الداخلية. يوجد به أيضا خمس مؤسسات رئيسية في قطاع الزراعة وتربية المواشي، هي مؤسسات سيجيتشينغ ودونغدا وهواسن وتشنجين وشينوييوان. تستفيد أكثر من 35 ألف أسرة من هذه المؤسسات، التي يحقق الفلاحون والرعاة من خلالها 40% من دخلهم.

تبلغ الطاقة الإنتاجية لشركة سيجيتشينغ عشرة آلاف طن من لحم الغنم بالدرجة الأولي سنويا. وتباع منتجاتها بماركة "منغشيآنغ"، في مدن بكين وشانغهاى وقوانغتشو وهونغ كونغ.

تحسنت البيئة الإيكولوجية في أردوس تحسنا ملحوظا منذ تنفيذ سياسة حظر رعى المواشي قبل سبع سنوات، فقد ارتفع متوسط طول العشب من 15 سم عام 2000 إلى 40 سم الآن، ويبلغ حجم إنتاج العشب في المو الواحد 59.1 كيلوجراما، مقارنة مع 19.7 كيلوجراما عام 2000، بالإضافة إلى ذلك، انخفض عدد النباتات السامة في المروج انخفاضا ملحوظا، وازداد عدد الحيوانات البرية، مما أثبت أن نظام حظر رعي المواشي هو الحل لتعديل العلاقة بين الإنتاج والطبيعة.

 

 

التهجير من أجل حياة وبيئة أفضل

مساحة أردوس واسعة وعدد سكانها قليل، ولعل هذا هو السبب في أنه لم يكن ضروريا أن تقام مرافق بنية أساسية كاملة في كل حي سكني. في عام 2000 اتخذت الحكومة قرارا جريئا بإعادة توزيع المواطنين وتهجيرهم، حيث نقل عدد من الفلاحين والرعاة، خاصة في المناطق ذات الظروف القاسية، إلى المدينة أو مناطق ذات ظروف أفضل مع توفير أعمال مناسبة لهم.

ليو تشينغ رو، قروي في لواء أوتق فرونت، استفاد من مشروع إعادة توزيع الفلاحين. حاليا يبلغ دخله السنوي من بيع لحوم الغنم والبقر 14 ألف يوان. أما القروي تشانغ شي هوا، فوجد عملا في المدينة، وفتحت زوجته دكانا صغيرا في حي سكني، ويصل دخلهما الشهري خمسة آلاف يوان. بلغ عدد الذين تم تهجيرهم 400 ألف فلاح وراع، يمثلون حاليا نصف عدد سكان المدينة.

من أجل التنمية الزراعية والبيئية، نفذت أردوس في عام 2005، خطة لتقسيم المدينة إلى ثلاث مناطق هي منطقة التنمية العالية ومنطقة التنمية المحدودة ومنطقة حظر التنمية.

تتكون منطقة التنمية العالية من ضواحي أردوس وضفتي النهر الأصفر، حيث تمارس فيها الزراعة وتربية المواشي الحديثة على نطاق واسع. أما منطقة التنمية المحدودة فلا يسمح بتوسيع نطاق الأعمال فيها، مع تقليل وظائفها الاقتصادية تدريجيا حتى تتحول بعد 20 سنة إلى مروج، أما منطقة حظر التنمية فسوف يتم نقل سكانها إلى مكان آخر مناسب خلال 20 سنة، ثم تغطيتها بالنباتات حتى تصبح منطقة إيكولوجية حديثة.

ومن المتوقع أنه في نهاية فترة "الخطة الخمسية الحادية عشرة" (2006-2010)، سيتم إنجاز منطقة إيكولوجية حديثة على مساحة عشرين ألف كيلومتر مربع من المروج. وسيتم نقل مائتي ألف من الفلاحين والرعاة وتوفير أعمال مناسبة لهم، إلى جانب إدراج كبار السن من الفلاحين والرعاة في نظام الضمان الاجتماعي. وسيبقى 240 ألف فلاح فقط يزرعون الأرض.

 

السيطرة على الرمال صناعة جديدة

طبوغرافية أردوس معقدة، فنحو 96% من أرضها عبارة عن صحارى وتربة رملية وسهوب وأودية، وتجرف مياه النهر الأصفر مائة مليون طن من رمل أردوس سنويا. يذكر فلاح عجوز من لواء إيجين هورو الأيام الغابرة قائلا: "كان الجو صعبا جدا، كلما فتحت باب بيتي لا أرى شيئا إلا الرمل."

الآن، يتحسن الجو كثيرا، يحل اللون الأخضر محل اللون الأصفر. وعندما زار السيد تسنغ تشينغ هونغ، نائب رئيس الجمهورية، والسيد تسنغ بي يان، نائب رئيس مجلس الدولة، أردوس دهشا لمشهد اللون الأخضر، وأثنيا على منظر أردوس بأنه يضارع بعض المدن بجنوب الصين.

تعيش السيدة ين يوه تشن مع زوجها في أعماق صحراء ماوأوس (Mau Us). منذ عشرين عاما تزرع متطوعة الأعشاب من أجل استصلاح الأرض، فحولت 50 ألف مو من الأرض المقفرة إلى واحة غناء. وحاليا يبلغ دخل السيدة ين وزوجها من زراعة الأعشاب عشرة آلاف يوان سنويا. في عام 2005، رُشحت السيدة ين لجائزة نوبل السلام لمساهماتها العظيمة في حماية البيئة. قالت: "من قبل، لم يكن هنا نبات أخضر، بل كثبان رملية متحركة، بدأت زراعة الأعشاب عام 1985، الأعشاب التي زرعتها عاشت، واستطاعت تثبيت الرمال المتحركة".

نبق البحر (Seabuckthorn) نوع من النباتات الواسعة الاستخدام في الصين للسيطرة على الرمل. في عام 1998، نفذت وزارة الري مشروع استصلاح الأرض بالسيطرة على الرمل على ضفتي النهر الأصفر. في عام 1999، بدأ حي دونغشنغ بأردوس زراعة نبق البحر وكان الأول بين أحياء أردوس. اليوم تشكل في حي دونغشنغ حزام أخضر طوله أكثر من مائتي كيلومتر. في عام 2005، أنشئت في حي دونغشنغ حديقة صناعية لزراعة نبق البحر على مساحة 2.5 كيلومتر مربع باستثمار عشرة ملايين يوان.

خلال السبع سنوات الماضية، تعمق فهم أبناء أردوس لفكرة "المدينة الخضراء" وشهدوا تغيرات هائلة؛ من الرعي العشوائي إلى الإدارة العلمية في الصناعة الإيكولوجية، من الريف إلى الحضر، ومن الصحراء إلى الواحة،. لقد دخلت مدينة أردوس مرحلة جديدة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.