ã

هونغ كونغ

عشر سنوات بعد العودة

حسين إسماعيل

خليط من الأجناس والثقافات

كنت واحدا من بين عدد قليل من العرب شهدوا عن قرب لحظة إنزال العلم البريطاني في هونغ كونغ ورفع العلم الصيني في الدقيقة صفر من أول مايو عام 1997. سافرت إلى هونغ كونغ قبل حفل التسليم والتسلم من الإدارة البريطانية، التي حكمت الجزيرة الصينية قرنا ونصف القرن تقريبا، إلى الإدارة الصينية. وصلت قبل الموعد  بيومين وانتظرت بشغف تلك اللحظة التي تمنى دنغ شياو بينغ أن يكون نجمها، ولكن القدر لم يمهله، فالرجل الذي هندس وقاد خطة استعادة هونغ كونغ من بريطانيا رحل في شهر فبراير من ذات العام، ولكن الصيغة التي وضعها لاستعادة الجزيرة الصينية ((دولة واحدة، نظامان)) ظلت باقية وسارية المفعول. شاهدت الدموع في عيني الحاكم البريطاني (السابق) لهونغ كونغ كريس باتن وهو يغادر هونغ كونغ على متن سفينة بريطانية، وشاهدت ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز وهو يتسلم علم بلاده ملفوفا والرئيس الصيني جيانغ تسه مين يرفع علم وطنه.

وقد قرأت قبل وبعد عودة هونغ كونغ إلى الصين كثيرا من الكتابات الغربية التي تجادل في استطاعة الصين الحفاظ على نجاح هونغ كونغ بل وقدرة هونغ كونغ الرأسمالية ذاتها في التكيف مع نظام حكم يقوده حزب شيوعي. واليوم أتذكر ما قرأته عام 1996 في كتاب بعنوان "هونغ كونغ.. التحدي للصين China's Challenge " الذي تحدث عن التحديات التي ستواجهها الصين في هونغ كونغ عام 1997 وما بعده، والتي حددها مايكل ياهودا، مؤلف الكتاب، بأنها ستكون رئيسيا الصدام بين الثقافتين السياسيتين، لهونغ كونغ والبر الرئيسي، والتعامل مع مصالح اقتصادين متناقضين. 

حقا، كانت هونغ كونغ تمثل تحديا للقيادة الصينية، فهي النموذج لاستعادة ماكاو الذي حدث في ديسمبر عام 1999، كما أنها مثل حي يضعه بر الصين الرئيسي أمام تايوان مفاده أنه من الممكن أن يتعايش الجانبان برغم اختلاف النظام السياسي واختلاف نمط الحياة، كما أنها تطبيق ناجح لصيغة ((دولة واحدة، نظامان))، فوفقا للقانون الأساسي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة بجمهورية الصين الشعبية، الذي شرفت بتكليفي بترجمته إلى اللغة العربية، تحتفظ هونغ كونغ بدرجة عالية من الحكم الذاتي، وباستثناء مجالي العلاقات الخارجية والدفاع الوطني، اللذين هما مسئولية الحكومة المركزية، تتمتع هونغ كونغ بسلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية مستقلة.

بعد خمس سنوات من زيارتي الأولى لها، سافرت إلى هونغ كونغ مرة أخرى، في مايو 2002، فلم أر شيئا تغير وإنما مزيد من التقدم ومزيد من الازدهار في تلك المدينة الدولية التي تعج بالنشاط. لقد حافظت هونغ كونغ على وضعها كالمركز القيادي لآسيا في التجارة والأعمال المالية الإقليمية والدولية وواحدة من أكثر المناطق ديناميكية وقدرة تنافسية اقتصادية في العالم. في هونغ كونغ، تستمتع بالمناظر الطبيعية الجميلة والثقافة التجارية، تجد أفضل السلع الحديثة وأيضا تغريك بساطة نمط الحياة التقليدي في تلك المنطقة الواقعة في أقصى نقطة من جنوب شرقي بر الصين الرئيسي وتغطي 1104 كم مربع. وفي هونغ كونغ الوجه الصيني هو السائد، ففي عام 2006 وصل عدد سكانها 6,99 ملايين نسمة، 95% منهم من أصل صيني، بينما اللغة الرسمية هي الصينية والإنجليزية.

ماذا حدث في هونغ كونغ بعد عشر سنوات من عودتها إلى الصين؟

تطبق هونغ كونغ سياسة التجارة الحرة ولديها نظام استثمار حر ومفتوح ليس به أي حواجز تجارية، ويعامل المستثمرون الأجانب دون أي تمييز وقد تم تصنيف هونغ كونغ كأكثر اقتصاد حر في العالم في مؤشر الحرية الاقتصادية لمدة 13 سنة متتالية. وهونغ كونغ مركز مالي كبير وقطاع المال في هونغ هونغ تقوده قوى السوق بشكل رئيسي. والعديد من المؤسسات المالية مقارها أو لها فروع في هونغ كونغ وعملة هونغ كونغ قابلة للتحويل ويقوم سوق النقد الأجنبي بصفقات مع عملاء من كافة أنحاء العالم 24 ساعة في اليوم. في عام 2006 جاء ترتيب احتياطي هونغ كونغ من النقد الأجنبي الثامن في العالم. وهونغ كونغ هي الكيان التجاري الحادي عشر في العالم، ومصدر رئيسي للملابس الجاهزة والساعات بأنواعها ولعب الأطفال والإلكترونيات والعديد من منتجات الصناعة الخفيفة. وهونغ كونغ ليست فقط مركزا للتجارة العالمية، بل هي أيضا عاشر أكبر مصدر للخدمات في العالم، إذ تقدم خدمات متخصصة لجملة واسعة من القطاعات. وهونغ كونغ مركز إقليمي ودولي للنقل الجوي. يعمل مطار تشب لاب كوك الدولي في هونغ كونغ على مدار الساعة، وقد تم تصنيفه كأفضل مطار في العالم سنويا منذ عام 2001، كما أن موقع ميناء هونغ كونغ الفريد جغرافيا بمياهه العميقة، إلى جانب مرافق الميناء المتقدمة والتشغيل العالي الكفاءة جعله أكثر ميناء إشغالا في العالم ومركز عالمي للشحن البحري.

وقد ازدهرت صناعة المؤتمرات والمعارض في هونغ كونغ بعد عام 1997، فاستضافت في ديسمبر عام 2005 المؤتمر الوزاري السادس لمنظمة التجارة العالمية، وهي الاختيار الأول للمعارض الدولية من كل نوع، وباتت هذه الصناعة محركا رئيسيا يقود التنمية الاقتصادية فيها.

وربما يدهش البعض عندما يعلم أن السياحة هي أكبر مصدر للدخل بالعملات الأجنبية في هونغ كونغ، فهي مفتوحة لأبناء 170 دولة يمكن أن يدخلوها بدون تأشيرة، كما أن حاملي جوازات منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة يتمتعون بإعفاء من تأشيرة الدخول في 135 دولة. ومنذ سبتمبر عام 2003، أصبح مسموحا لأبناء عشرات من المدن الصينية زيارة هونغ كونغ، ففي كل شهر يسافر بين هونغ كونغ والبر الرئيسي نحو مائة رحلة بحرية ومائة رحلة ركاب جوية، وأكثر من أربعمائة رحلة قطار وأكثر من ثلاثين ألف رحلة أوتوبيس. والشركات التي مقارها في هونغ كونغ هي المصدر الرئيسي للاستثمار في البر الرئيسي كما أن البر الرئيسي من أكبر المستثمرين المباشرين في هونغ كونغ.

لقد حافظت هونغ كونغ على بريقها الجاذب، بكل ما توفره لقاطنيها من تيسيرات حياة ومتعة، فالاستمتاع في هذه الجزيرة نمط حياة. في وقت النهار، تكاد عيناك لا تلاحق حركة البشر والمرور، فوسائل النقل العام بها؛ سكة حديد، ترام، أتوبيسات، تاكسيات ومعديات، تنقل عشرة ملايين راكب يوميا برغم أن عدد سكانها المقيمين لا يتجاوز سبعة ملايين نسمة، كما أسلفنا. إيقاع سريع لحياة تظنها مجنونة، ولكن ما إن يفرغ هؤلاء الناس من أعمالهم وتغيب الشمس حتى ترى صورة أخرى في تلك الجزيرة التي تتيح لأهلها كافة إمكانيات الاستجمام والترفيه، ويكفي أن مساحة الغطاء الأخضر تمثل 70% من إجمالي مساحة هونغ كونغ. ولا عجب أن يكون العمر المتوقع لسكان هونغ كونغ هو 81,8 سنة، ويحتل المرتبة الثانية في العالم، وفقا لتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2006. وتوفر هونغ كونغ الرعاية الصحية المجانية لكل مقيم يحمل بطاقة الهوية لهونغ كونغ، والتعليم الابتدائي المجاني لمدة تسع سنوات لأطفالها.

ويعود بريق هونغ هونغ في جانب كبير منه إلى تنوعها الثقافي والبشري، فأنت ترى في شوارعها وجوها من كل لون وجنس، وترى بها أماكن عبادة لكل الملل والنحل، معابد بوذية وكنائس ومساجد ومعابد هندوسية وغيرها، بل يجري حاليا بناء مسجد خاص للنساء فقط، لتوفير مكان عبادة للمسلمات القادمات من إندونيسيا والفليبين للعمل بهونغ كونغ. والناس هنا لا يفوتون فرصة للاستمتاع إلا ويغتنمونها، سواء في عيد الربيع الصيني التقليدي أو أعياد الكريسماس.

وأبناء هونغ كونغ، على الرغم من انفتاحهم الشديد على الثقافة الغربية مازالوا يحتفظون بكثير من عادات الصينيين القديمة، فهم يختارون لزواجهم يوما مباركا يظنون أنه يجلب السعادة  للزوجين الجديدين طول العمر، ويختارون من الأرقام ما يعتقدون أنه فأل خير، ومازالوا على إخلاصهم للأطعمة الكانتونية، التي تنتمي إلى مطبخ قوانغتشو الصيني.

ويوما بعد يوم تزداد هونغ كونغ اندماجا مع البر الرئيسي. ففي يونيو 2003 وقعت "اتفاقية الشراكة الاقتصادية الوثيقة بين البر الرئيسي وهونغ كونغ" التي بموجبها تُعفى المنتجات المصنعة في هونغ كونغ التي تصدر إلى البر الرئيسي من الرسوم الجمركية، ويفتح عدد من أسواق البر الرئيسي لقطاعات الخدمات في هونغ كونغ.  وفي ديسمبر العام الماضي أعلن دونالد تسانغ، الرئيس التنفيذي للمنطقة، أن هونغ كونغ أدرجت ضمن الخطة الخمسية الوطنية الحادية عشرة للصين، التي تنص على أن الحكومة المركزية ستدعم تطوير قطاعات الخدمات المالية والسياحة، والخدمات اللوجستية وخدمات المعلومات في هونغ كونغ، وسوف تحافظ على وضع هونغ كونغ كمركز دولي للخدمات المالية والتجارة والشحن.

لقد راهن البعض على مستقبل هونغ كونغ بعد عودتها إلى وطنها، ولكن الصينيين أثبتوا أن "أهل مكة أدرى بشعابها".

husseinismail@yahoo.com                       

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.