ã

كل شئ يهون، ليكون الابن عازف بيانو

هوانغ نان سونغ يقدم عرضا

هوانغ نان سونغ ولانغ لانغ

هوانغ نان سونغ شارك في الدورة السابعة لمسابقة هوروويتز (Horowitz) الدولية للبيانو في أوكرانيا، أكتوبر 2006

النجاح الذي حققه عازف البيانو الصيني العالمي لانغ لانغ لا ينفصل عن جهود أبيه، مثله مثل حالات كثيرة في الصين، التي بدأت الدراسات الموسيقية بها متأخرة نسبيا ومع ذلك يصعد الشباب الصينيون منصات الشرف في المسابقات الموسيقية الدولية الكبرى من حين لآخر. قد تكون معرفة آباء هؤلاء الموسيقيين الصغار محدودة وليسوا من أثرياء القوم، ولكنهم مفعمون بالأمل أن يصبح أبناؤهم ذات يوم موسيقيين مشهورين، ولهذا لا يضنون بوقتهم ومالهم من أجل بلوغ هذا الهدف.

هوانغ نان سونغ هو فتى الساعة في المدرسة المتوسطة التابعة للمعهد المركزي للموسيقى، برغم أن الصبي ذا الثلاثة عشر ربيعا سيلتحق بالمعهد رسميا في شهر سبتمبر هذا العام. يشيد به معلموه ويفخر به مدير المعهد، ولما لا، وهو الذي قدم عروضا مشتركة مع نجم البيانو الصيني لانغ لانغ مرات، وهو الذي فاز بالعديد من جوائز مسابقة سيلر (SEILER) الدولية للبيانو وغيرها من المسابقات الدولية الكبرى.

الصين اليوم حاولت أن تقترب من العالم الخاص لتلك الموهبة الواعدة، فكان هذا اللقاء مع والده هوانغ شيوي أن؛ الأب الذي رفض إرسال ابنه للدراسة بمدرسة آبينهام (Uppingham) المتوسطة في بريطانيا.

 

ولد خاص

قال هوانغ شيوي أن إنه لا يشك في أن مدرسة آبينهام ستوفر لابنه بيئة ممتازة، ومع ذلك رفض الأب الفرصة، التي أتيحت لابنه بعد أن رشحته المدرسة المتوسطة بالمعهد المركزي للموسيقى للمنحة الدراسية التي تشترط أن يكون عمر المتقدم أقل من 13 سنة وأن يكون متخصصا في عزف البيانو. وقد أصر الأب على الرفض حتى بعد أن قررت الجهة الممولة للمنحة زيادة مخصصاتها من 150 ألف إلى 300 ألف جنيه إسترليني، أما سبب الرفض فهو أن المدرسة لا توافق أن يكون الأب برفقة ابنه مرافقة دائمة في بريطانيا، وتوفير زيارتين له فقط سنويا. حجة هوانغ شيوي أن هي أن تعلم العزف على البيانو يحتاج تدريبا لوقت طويل، وهو وحده الكفيل بضمان ذلك ورعاية ابنه.

المدرسة البريطانية لم تيأس من محاولة الفوز بهذا الطفل المعجزة، فذهب مديرها ورئيس قسم آلات المفاتيح بها إلى الوالد أكثر من مرة لمحاولة إقناعه بأن يوافق على انضمام ابنه للمدرسة، وتعهد رئيس قسم الآلات بأن يتولى بنفسه تعليم الطفل الموهوب وأن يخصص له ستة دروس بيانو في الأسبوع، بينما الآخرون يدرسون مرتين فقط، والأكثر، إتاحة الفرصة له للدراسة بمعهد الموسيقى الملكي البريطاني مرة كل أسبوع. ومع ذلك أصر الأب على رفضه لأن آبينهام مدرسة غير متخصصة في الموسيقى. وهو يعتقد أن المادة الرئيسية التي يجب أن يتعلمها ابنه هي العزف على البيانو، أما المواد الأخرى، فيمكن أن يدرسها بنفسه.

الأب المتواضع يرفض أن يقال إن ابنه موهوب، ويفضل أن يصفه بأنه "طفل خاص إلى حد ما". هوانغ شيوي أن، مثل كثير من الآباء الصينيين، دفع أكثر من عشرة آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر7 يوانات) ثمنا لبيانو اشتراه لابنه وهو في الثالثة من عمره، في وقت كان متوسط الدخل السنوي للموظف في مدينته، تشيتايخه بمقاطعة هيلونغجيانغ، حوالي ستة آلاف يوان فقط. الأكثر أنه ألحق طفله بمراكز للتدريب على الرسم وكرة الطاولة. وبعد أن أمضى الطفل خمس أو ست سنوات في التدرب على الرسم وكرة الطاولة، اختار الأب أن يتعلم الابن البيانو، وأطاع الطفل رغبة أبيه ولم يكن يتذمر من ساعات التدريب الطويلة كل يوم، فبز أقرانه بسرعة.

يؤمن هوانغ شيوي أن بأن التربية والتعليم أهم من الموهبة وأن الطفل الذي يكون عمره أربع أو خمس سنوات لا يستطيع الاختيار بنفسه والسيطرة على رغباته، ولهذا على الأباء أن يحددوا بوصلة المستقبل لأبنائهم في هذه الفترة الحاسمة. وقد استطاع هوانغ نان سونغ، وهو في الرابعة من عمره، القراءة.

 

لا وقت للعمل

يسكن هوانغ شيوي أن وابنه هوانغ نان سونغ منذ خمس سنوات في غرفة مساحتها حوالي عشرة أمتار مربعة بجانب ملعب كرة السلة في حرم المعهد المركزي للموسيقى. الغرفة مكتظة بالكتب إضافة إلى البيانو، الذي يعزف هوانغ نان سونغ عليه منذ طفولته، وسريرين. قال هوانغ شيوي أن: "ابني يحب القراءة، ومهمتي الأخرى هي شراء الكتب له، وهو ولد عاقل ليس له طلبات مبالغ فيها، ولعبته الوحيدة هي طائرة بالريموت كنترول، ولكن، قليلا ما يلعب بها لضيق الوقت".

نعم إنه الوقت، أكبر مشكلة تواجه هوانغ شيوي أن الذي استقال من عمله بعد أن قرر أن يتعلم ابنه عزف البيانو وألحقه بالمدرسة الابتدائية. هذا الرجل ذو الاثنين وأربعين عاما الذي درس تخصص الاتصالات في جامعة البريد والاتصالات ببكين، برغم ما حققه زملاؤه من مال ومناصب، غير نادم على قراره برغم اعترافه بأنه "لو واصلت العمل لكنت الآن مليونيرا."

في عام 2002، حقق هوانغ نان سونغ نتائج ممتازة في مسابقات البيانو بمدينة تشيتايخه، فقرر أبوه الرحيل به إلى بكين. يقول عن حياته الجديدة في هذه المدينة الغريبة عليه إنه في البداية، لم يكن ماهرا في الطبخ. وقد انتظر شهرين حتى انتقل إلى مسكنه المتواضع بمعهد الموسيقى حتى يكون متكيفا مع أجواء الموسيقى وقريبا من مكتبة المعهد الزاخرة بالمراجع الموسيقية.

ومن أجل إعداد ابنه لامتحان القبول بالمدرسة الابتدائية التابعة للمعهد المركزي للموسيقى ذهب هوانغ شيوي أن بابنه للعديد من معلمي الموسيقى، وكان يلازمه في كل درس واجتهد، وهو غير المتخصص في الموسيقى، لمعرفة إرشادات المعلمين ودلالة كلماتهم فكان كأنه يدرس البيانو مع ابنه. وبعد أكثر من سنتين في بكين، التحق الابن بالمدرسة التي أرادها الأب.

حاليا يشعر الأب بأن الوقت يضيق عليه الخناق أكثر، فقال: "أنا مشغول للغاية برغم أنني لا أعمل." وفي عام 2006، رافق الأب ابنه لحضور مهرجانات ومسابقات موسيقية في ألمانيا وأوكرانيا وفرنسا واليونان واليابان، وفي كل مرة كان الابن، حسب قول الأب، يفوز بالجوائز، ومنها جائزتان على المستوى الأول. وقال الأب إنه رتب كل نشاطات ابنه حتى نهاية عام 2007، حيث سيشارك في الدورة العاشرة لـ"جسر الصباح الموسيقي" (Morningside music bridge) بكندا في يوليو، كما سيشارك في مهرجان أوساكا الموسيقي الدولي باليابان في أكتوبر.

يعيش الطفل هوانغ نان سونغ حياة يومية مبرمجة، فهو يستيقظ في السادسة والنصف ثم يؤدي بعض التمرينات الرياضية ويقرأ في بعض الكتب الإنجليزية والأعمال الكلاسيكية الصينية، ويتناول وجباته الثلاث في مواعيد محددة، وما بقي من وقت، حوالي سبع أو ثماني ساعات، يكون من نصيب التدرب على العزف. وعندما سافر ذات مرة إلى خارج الصين بدون أبيه، حمله الأب ورقة مدون بها البرنامج اليومي.

هوانغ شيوي أن مشغول حتى النخاع، فعندما يفرغ الابن من دروسه، يمضي حياته بين غسل الملابس والطبخ وشراء الكتب والأقراص المدمجة الموسيقية. قال هوانغ: "ربما لا يعرف ابني ما أبذله من أجله والأمل الذي أعلقه عليه، ولكنه يعلم جيدا أنه لا يستطيع أن يعيش بدون أبيه."

 

مثل كل أب صيني

قال هوانغ شيوي أن: "إنه عندما يتعلق الأمر بالتعليم، وخاصة الموسيقى، فإن الآباء في الصين مستعدون لبذل كل غال ورخيص، وأنا واحد من آلاف الآباء، ويوجد عدد كبير غيري من أولياء أمور تلاميذ المدرسة المتوسطة التابعة للمعهد المركزي للموسيقى يستأجرون غرفا بالقرب منه ليكونوا مع أطفالهم وما أفعله من أجل تعليم ابني شيء عادي، وأعتقد أن تضحية الآباء من أجل مستقبل أبنائهم من أسباب التنمية الصينية السريعة."

قد يكون من الصعب على الآباء غير الصينيين فهم تلك التصرفات المبالغة للآباء الصينيين، ولكن هوانغ شيوي أن يثق بأن "من يزرع أكثر يحصد أكثر". كما قال: "هناك فروق بين الآباء من شمالي الصين وجنوبيها، فأبناء الجنوب المهرة في التجارة يهتمون بتعليم أبنائهم أيضا، ولكنهم يفضلون أن يتركوا ثروة لهم. وأنا أعتقد أن الإنسان لا ينبغي أن يحيا من أجل الحياة فقط، بل يجب أن تكون له غايات سامية، والموسيقى في تقديري تشكل الأخلاق". بعد كل تلك السنوات في مرافقة ابنه، أصبح لهوانغ شيوي أن أذن موسيقية، يلاحظ بها أي تقدم صغير لابنه.

بالإضافة إلى الدراسة لدى معلمي الموسيقى، يحرص هوانغ شيوي أن على أن يحضر ابنه حفلات البيانو الموسيقية، وإذا كانت أسعار التذاكر معقولة يرافق ابنه. وذات مرة، في عام 2003، قدم لانغ لانغ عرضا في مسرح بولي بلازا ببكين، وكان سعر التذكرة ثمانمائة يوان فاشترى الأب تذكرة لابنه وانتظر هو خارج المسرح.

والسيد هوانغ شيوي أن يصر على أن تكون كافة تنقلات ابنه هوانغ نان سونغ، بالتاكسي من أجل توفير الوقت، بينما يتنقل هو عندما يكون بمفرده بالدراجة أو بأتوبيسات النقل العام. وقد أنفق الرجل كل مدخراته ويعيش حاليا على القروض من الأقارب والأصدقاء الذين قال إنهم يعلمون جدية العمل الذي ينهض به ولهذا فإنهم مستعدون للدعم. وفي عام 2006، استقالت زوجة هوانغ شيوي أن هي الأخرى من وظيفتها وانتقلت إلى بكين، ولكن هذه المرة لرعاية ابنة خالة ولدها هوانغ نان سونغ، أيضا من أجل الاستعداد لامتحان القبول بذات المدرسة التي يدرس بها ابنها.

والسيد هوانغ شيوي أن لا يساوره أي قلق على مستقبل ابنه، فهو على ثقة بأن الموسيقى الغربية لها آفاق مشرقة بالصين، على الرغم من أنها دخلت الصين قبل ستين أو سبعين سنة ليس أكثر. ويدلل على صواب رأيه بأن عددا كبيرا من الصينيين الذين احترفوا الموسيقى في الدول الغربية عادوا إلى الوطن. وهو أيضا يرى أن الصين حققت نجاحا رائعا بأسلوبها الخاص في مجال التعليم الموسيقي، وردا على السؤال الذي يسأله كثيرا الغربيون، عن سبب إجادة الصينيين العزف على الآلات الموسيقية الغربية، يقول إن السر في بدء تعليم الأطفال في سن مبكرة واهتمام الآباء.

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.