ã

عندما كان عمري ست عشرة سنة

لي لي جيوان

صورة عائلية قبل خمس عشرة سنة، دون تشو (اليسار)، وحفيده بو دون بين ذراعيه، وابنه دون لا (اليمين)

دون لا أمام فندقه

دون لا في صالة الاستقبال

  

كانت الساعة تتهادى بين الثامنة والتاسعة وقت الأصيل، وكان الليل يزحف نحو بلدة ساجيا الصغيرة في هضبة تشينغهاي – التبت. كنت وبعض المصورات دخلنا فندقا صغيرا لم يمض على افتتاحه غير ستة شهور. جلسنا في بهو الاستقبال ذي الزخارف الآسرة نحتسي الشاي بالزبد في طاسات فضية، على أنغام موسيقى محلية. في تلك الليلة حكي لنا صاحب الفندق عن نفسه وعن أبيه وابنه، كان عندما كل منهم في سن السادسة عشرة.

 

دون تشو: النهوض تحت السماء الزرقاء في ساجيا

يتذكر دون تشو، صاحب الفندق، عام 1960 جيدا، فقد كان عمره ست عشرة سنة. في ذلك العام أتم دراسة الاقتصاد والمالية في مدينة شيكاتسي، وجاء ساجيا للعمل في مصلحة المال والحبوب لمحافظة ساجيا، وهي مصلحة مهمة معنية بإدارة شؤون المال والحبوب في المحافظة.

كان مقر حكومة المحافظة يقع في بلدة ساجيا التي ترتفع عن سطح البحر أكثر من 4300 متر، وكانت أفخم بناية بها هي معبد ساجيا. نزل دون تشو في معبد ساجيا، ومنه رأى السماء الزرقاء والسحب البيضاء، شعر بسعادة بالغة فالشاب كان مجرد عبد قبل نصف سنة.

بدأ دون تشو حياة العبودية وهو في الثامنة من عمره. كان يرعى، حافي القدمين، بقر وغنم سيده من الربيع إلى الشتاء كل سنة. وقد استقر في يقين الفتى، آنذاك، أنه سيمضي حياته كلها قنا، مثل أبيه وجده وأجداد جده. ولكن حدث ما لم يخطر له ببال.

عدما كان الفتى دون تشو في سن الخامسة عشرة تحررت التبت، وأصبح الأقنان سادة وطنهم. في مسقط رأسه بمنطقة شيكاتسي، أقامت لجنة الحزب الشيوعي الصيني مكتبها مقابل بيت أسرته. ذات يوم، سأله الأمين العام للجنة الحزب في شيكاتسي: "هل تريد أن تدرس؟" قال دون تشو: "طبعا!". وبالفعل تم إلحاق الفتى بدورة في  المالية والاقتصاد. كانت هذه أول مرة أمسك فيها دون تشو ورقة وقلما، وبعد ستة شهور أصبح موظفا في بلدة ساجيا.

أدرك وهو ابن ست عشرة سنة أن الحياة عجيبة وبها أشياء كثيرة تحتاج دراسة وفهما.

اجتهد الفتى دون تشو في عمله، وبعد أن تجاوز العشرين سنة بقليل أصبح مدير قسم التجارة بالمصلحة، وبعد أن بلغ الثلاثين أصبح نائب أمين لجنة الحزب في أحد أحياء ساجيا، وفي عام 1979 تولى منصب نائب رئيس مصلحة التجارة لمنطقة شيكاتسي، وفي عام 1981 تولى منصب نائب المحافظ في عدد من محافظات شيكاتسي، ثم أصبح النائب الأول لرئيس للجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب لمحافظة ساجيا حتى تقاعده في عام 2003.

كان يمكن أن يبقى دون تشو في شيكاتسي ويعيش بها حياة أفضل فلماذا عاد إلى ساجيا؟ لأن رفيقة عمره التي تزوجها وهو في سن العشرين من ساجيا، البلدة التي اختارها مستقرا له طول حياته. رُزق دون تشو بأول أبنائه في عام 1968، ثم أنجب ولدا وبنتين، ولأن رعاية أربعة أبناء مهمة شاقة على زوجته، انتقل من مدينة شيكاتسي إلى ساجيا لمساعدتها. كل ذلك مر عليه أكثر من عشرين سنة.

الأبناء الأربعة لم يخيبوا أمل أبيهم، فالابن الأكبر دون لا، يدير هو وزوجته الفندق الذي نزلنا به، وتخرج الابن الثاني، ني ما، في جامعة البريد والاتصالات ببكين وحصل على ماجستير الإدارة الاقتصادية من جامعة سيتشوان، والآن هو رئيس فرع منطقة التبت لشركة الاتصالات الإلكترونية الصينية، وواحدة من ابنتيه طبيبة في مستشفى تبتي والأخرى موظفة في حكومة محافظة ساجيا.

 

دون لا.. في عبق الشاي بالزبد وخمر شعير الهضاب

في اليوم الأخير من السنة التبتية، ارتدى ملبسا تبتيا جديدا وخرج من البيت مع شمس الأصيل.

من عادة أهل التبت أن تعد كل أسرة أطعمة فاخرة لعشاء آخر ليلة في السنة. كان الجو باردا ولكن نظيفا، وكان دون لا يكاد يستنشق رائحة شاي الزبد وخمر الشعير.

من العادة أن يتناول دون لا عشاءه مع أهله في تلك الليلة، ولكن والد تشن لا دعاه إلى بيته لتناول العشاء في ذلك اليوم. وحسب عادة أهل التبت في ساجيا، فإن دعوة والد تشن لا للفتى تعني أنه وافق على ارتباطه بابنته ذات الستة عشر ربيعا.

في ذلك العام كان دون لا أتم دراسته ويساعد أمه في رعاية اخوته وزراعة الأرض ورعي الماشية، إضافة إلى إجادته عمل النجارة.

نشأ دون لا وتشن لا في نفس البلدة ويعرفان بعضهما منذ الطفولة. ذات مرة طلبت أسرة تشن لا من الفتى دون لا أن يقوم بأعمال النجارة لبيت جديد لهم، ومن يومها وقع الفتى في غرام الفتاة، ولكن لم يكن لديه من المال ما يكفي لشراء هدايا لها، فاكتفى بدعوتها لمشاهدة أفلام الفيديو. بعد وقت لاحظت الأسرتان ما بين الاثنين فباركتا علاقتهما. وفي عام 1985، كان الشاب والفتاة قد بلغا الثامنة عشرة من العمر، وتزوجا وفي السنة التالية أنجبا طفلة جميلة.

تعلم دون لا من أبيه أن من يتقن صنعة يضمن حياة مستقرة. وبالفعل حقق دون لا، بفضل مهنة النجارة، مالا كثيرا وكون فرقة بناء وتحسنت حياته يوما بعد يوم.

في العام قبل الماضي أقام  دون لا وزوجته فندقا بتكلفة بلغت 16ر1 مليون يوان (حوالي مائة وخمسين ألف دولار أمريكي)، من مدخراتهما ومن قروض بنكية. يتولى إدارة الفندق الزوجان وابنتهما، فهم الذين يقومون بكل الأعمال من التنظيف إلى استقبال النزلاء الذين يأتون من منطقة التبت الذاتية الحكم ومقاطعات أخرى ومن كوريا الجنوبية واليابان، ويفضلون الإقامة بهذا الفندق لقربة من معبد ساجيا البوذي الذي يأتون من أجل زيارته.

 

بو دون.. التحليق إلى فضاء أوسع

يعود بو دون من غرفة الدرس إلى مهجعه كل يوم في الساعة التاسعة مساء تقريبا. خلال المكالمة الهاتفية التي يتلقاها كل يوم أحد أسبوعيا من أسرته، يكون أول ما يقوله: "أريد أن أتكلم مع جدي وجدتي"، فالعلاقة بينه وبين جده حميمة.

بلغ عمره ست عشرة سنة وقد مضى على فراقه لأسرته خمس سنوات، وهو بالصف الأول في مدرسة شيوتشو الثانوية في مدينة جياشينغ بمقاطعة تشجيانغ.

بعد أن حصل على المركز الأول بمحافظة ساجيا في الشهادة الابتدائية، وكان عمره إحدى عشرة سنة نال فرصة الدراسة بمدرسة إعدادية أفضل في مدينة شانغهاي، وبعد أن حقق المركز الأول في الشهادة الإعدادية انتقل إلى مدرسة ثانوية في جياشينغ.

يشتاق بو دون إلى أهله دائما، خاصة في فصل الصيف الممطر الحار الخانق، فهو يحن إلى الجو الصافي في بلدته، ولكنه، كما قال لجده، أراد أن يخرج من حدود ساجيا والهضبة إلى العالم مثل عمه ني ما.

عندما عاد بو دون إلى بيته بعد سنوات الدراسة الأربع في المدرسة الإعدادية، لاحظ أبواه أن عادات الولد تقترب من أبناء هان وأنه يجيد اللغة الصينية. ولكن الأهم أنه ما زال متواضعا مهذبا.

الآن، بو دون أفضل طلاب مدرسته، والطريق مفتوح أمامه للدراسة بالجامعة ويقول أهله إنهم سيقفون خلفه حتى النهاية.

لقد قرر بو دون أن يحلق في الآفاق، ولكنه يعي أن ظله سيظل باقيا إلى الأبد في عيون أهله وفي ساجيا، حتى وإن طار بعيدا بعيدا.

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.