ã

مسجد ماديان، ديوان حياة مسلمي بكين

ساحة مسجد ماديان

في مناسبة المولد النبوي

قاعة الصلاة

مسجد ماديان من أقدم وأشهر مساجد بكين الثمانية والستين، وهو أكبر مسجد في منطقة هايديان. يرجع تاريخه إلى أكثر من أربعمائة سنة، أدرج في قائمة الآثار التاريخية والثقافية المشهورة على مستوى المدينة. وقد أخذ اسمه لوقوعه في حي ماديان القديم الذي يقطنه عدد كبير من المسلمين، فهو ثاني أكبر تجمع لأبناء قومية هوي، بعد شارع نيوجيه. على مدى أكثر من أربعمائة سنة ظل مسجد ماديان شاهدا على تقلبات الدهر وتحول ماديان من قرية صغيرة إلى حي حديث ومركز تجاري. ومع ارتفاع مستوى معيشة المسلمين قاموا بتجديد هذا المسجد الذي يعد محور حياتهم العملية والروحية. إن مسجد ماديان دليل حي على تطور الإسلام في بكين وشاهد على التغيرات الكبيرة في حياة مسلمي ماديان.

مسجد ماديان الأمس واليوم

يقع حي ماديان في شمالي بكين، وقد قطن عدد كبير من المسلمين هذه المنطقة منذ أسرة مينغ (1368-1644م)، وكانت مهنتهم الرئيسية هي تجارة المواشي. ويقال إن عدد المسلمين في ماديان في تلك الفترة لم يكن يقل عن عددهم في نيوجيه. وفي بداية فترة أسرة تشينغ (1644-1911م)، شهد قطاع لحوم البقر والغنم أو الأطعمة الإسلامية الخفيفة تطورا كبيرا بفضل الموقع الحيوي لمنطقة ماديان التي تضاعف عدد سكانها من المسلمين مرات، فأنشئوا مسجدا صغيرا اسمه جينغدو(العاصمة)، كان اللبنة الأولى لمسجد ماديان الذي بني عام 1662، على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع، بعد أن خصص الإمبراطور كانغ شي (1661- 1722م) لأسرة تشينغ مبلغا لبنائه استجابة لمطالب المسلمين المتكررة. بيد أن هذا المسجد العريق ظل بعد ذلك ولمدة تقرب من مائتي سنة مخربا بسبب قلة الرعاية وعدم الترميم حتى أمسى آيلا للسقوط. وقد استمر ذلك الوضع المؤسف حتى زمن الإمبراطور داو قوانغ (1821-1851م)، عندما قررت لجنة إدارة المسجد فتح باب التبرع الشعبي لترميمه وتجديده. وبعد جهود أهلية كبيرة تم تجديد قاعة الصلاة وقاعة التدريس وإقامة مدرسة ابتدائية للعلوم الإسلامية والغرف التابعة، ووضع في باحة المسجد نصب حجري عليه عبارة "المشقات العديدة في بناء هذا المسجد إنما من أجل تعليم العلوم الإسلامية" لتشجيع المسلمين على الاجتهاد والإخلاص في الدين جيلا بعد جيل. مع مرور الأيام اشتهر مسجد ماديان وبلغ صيته المدن المجاورة. ولكن، مرة أخرى، تعرض المسجد خلال المائة سنة التالية للتخريب، من الطبيعة ومن البشر حتى كاد ينهار تماما، والأكثر أنه تمت مصادرة المسجد وتحويله إلى ورش صناعية خلال فترة الثورة الثقافية(1966-1976).

بعد تبني الصين سياسة الإصلاح والانتفاخ عام 1978، عبر مسلمو ماديان عن رغبتهم في بناء مسجد لهم، يصلون فيه ويغتسلون ويدرسون العلوم الإسلامية ويمارسون النشاطات الدينية. وقد استجابت الحكومة لهم بأن خصصت عشرين مليون يوان (11 مليون دولار أمريكي وقتذاك) لإعادة بناء مسجد ماديان. من جانبهم بذل مسلمو ماديان على مدى سنوات جهودا كبيرة لاستعادة حقوق ملكية عقارات المسجد وإعادة بناء قاعة الصلاة والميضأة والمباني التابعة وترميمها واستدعاء الأئمة للإشراف على النشاطات الدينية فيه، حتى عاد مسجد ماديان إلى سابق عهده المزدهر.

بعد عملية إعادة البناء الأولى ظلت قاعة الصلاة الكبرى غير مناسبة لصلاة كثير من المسلمين بسبب استخدامها كورش لفترة طويلة، ولهذا قام المسلمون في ماديان بتمتين الهيكل الرئيسي للقاعة وترتيب واجهاتها الخارجية والداخلية وتزيين السقف بالزخارف، كما أقاموا قاعتي تدريس وقاعة صلاة للنساء وميضأة في جانبي قاعة الصلاة. في نهاية عام 2006، أنجز مشروع زخرفة المسجد من الخارج بتكلفة حوالي مليون يوان (128 ألف دولار أمريكي)، فظهرت مسجد ماديان بصورة رائعة تدهش الأبصار.

يبدو مسجد ماديان في ثوبه الجديد شبيها بالدار الرباعية الصينية القديمة. مساحته الحالية 3800 متر مربع، ويتكون من ثلاث دور متراصة، تتوزع فيها ست وثلاثون غرفة من المباني الرئيسية والإضافية توزيعا متناسقا، مما يشكل مجموعة كاملة من البنايات. وللدار الأولى بوابتان جانبيتان، وراءهما حاجز زخرفي من الطوب، ارتفاعه أكثر من أربعة أمتار وعرضه عشرة أمتار، وإلى الداخل من الحاجز يقوم عامود خشبي منقوش جيدا، وهو يواجه ممرا مؤديا إلى الدار الثانية التي ينتصب فيها قوس ومقصورتان لاستيعاب الأنصاب الحجرية، ومنها نصبان حجريان من عهد الإمبراطور داو قوانغ لأسرة تشينغ، كُتب على النصب الأيمن باللغة الصينية "ارحمنا في الدنيا والآخرة"، وعلى النصب الأيسر "لا إله إلا الله"، وعلى النصبين نقوش برسوم صينية تقليدية وإطارات من زهور الزينة. وللدار الثانية بوابتان أيضا، وفي الدار الثالثة يلفت نظرك إناء دوغ الكبير الذي يواجه قاعة الصلاة، وثلاث أشجار خرنوب قديمة، عمر كل منها أربعمائة سنة ونيف، وهي محمية على مستوى الدولة، طول أقدمها أكثر من عشرة أمتار وقطرها 1.5 متر. تحمي هذه الأشجار المسجد من العواصف والأمطار والشمس، ذلك بالإضافة إلى زهور وأعشاب ونباتات كثيرة مزروعة في بستان الدار. أما قاعة الصلاة فترتفع متر ونصف عن الأرض ولها سلم حجري من تسع درجات، ويبلغ ارتفاع القاعة ذاتها أكثر من ستة أمتار، ومساحتها تعادل مساحة ست عشرة غرفة وتتسع لمائتي مصل. قاعة الصلاة تجسد الطراز المعماري الصيني التقليدي، كما هي مرآة لفنون الزخرفة المسجدية، على جدرانها نقوش خشبية بكتابات عربية وزهور جميلة، تشكل مع أبوابها ونوافذها الدقيقة النقش منظرا خلابا. على جانبي باب القاعة وسقف القاعة لافتات كبيرة من الخيزران مكتوب عليها كلمات عربية تحيط بها رسوم صينية تقليدية. الديكور في داخل قاعة الصلاة مهيب بسيط لا تكلف فيه. أرضية القاعة مغطاة بسجاجيد صلاة بيضاء. في شمال قاعة الصلاة الكبرى قاعة للنساء، تتسع لمائة مسلمة.

يرتاد مسجد ماديان ما بين ثلاثين وأربعين مسلما للصلاة يوميا، وفي صلاة يوم الجمعة يصل العدد إلى ثلاثمائة وفي صلاة العيدين يأتيه أكثر من ثمانمائة مسلم للصلاة، يفترشون الساحة الواقعة بين السور وبناية المسجد، منهم مسلمون مقيمون حول المسجد ومسلمون جاءوا من أحياء بكين الأخرى ومن خارج بكين، ومنهم مسلمون أجانب مقيمون في بكين وطلاب وافدون يدرسون في الجامعات القريبة من هذا المسجد مثل جامعة اللغات والثقافة وجامعة الطيران والفضاء ببكين وجامعة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والجامعة المركزية للقوميات وجامعة بكين للإدارة الصناعية والتجارة الخ.

مسلمو ماديان اليوم

على مدى العشرين سنة الماضية، شهدت حياة مسلمي ماديان تغيرات كثيرة، أكبر تغير هو مساكنهم. إمام المسجد مو روي البالغ من العمر أربعين عاما، الذي تخرج في معهد العلوم الإسلامية ببكين، أثنى على هذا التطور قائلا: "كان ماديان في السابق قرية للفقراء من قومية هوي، كانوا يعيشون في غرف متهالكة بنيت في بداية القرن العشرين، وكانت الشوارع ضيقة لا تصلح إلا لعبور المشاة والدراجات. مع مرور الزمن زاد عدد السكان ولكن ظروفهم السكنية تدهورت أكثر حتى بات حل مشكلة المساكن ضرورة ملحة، وعليه قررت حكومة بكين وحكومة حي هايديان تنفيذ مشروع إعادة تعمير البنايات القديمة اعتبارا من نوفمبر عام 1995. وأصدرت قرار "السماح بعودة سكان الشارع إلى نفس المنطقة بعد اكتمال المشروع وتشجيعهم على الانتقال إلى الخارج". في عام 1997، أعيد بناء منطقة قريتي ماديان الجنوبية والشمالية، وأطلق عليها اسم "يويلان يوان" (حديقة المغنولية)، وهي مكونة من عدة عمارات عالية يسكنها أكثر من 500 أسرة من قومية هوي، ويبلغ متوسط مساحة السكن للفرد عشرين مترا مربعا، مقارنة مع خمسة أمتار مربعة قبل إعادة بناء المساكن."

كان أبناء قومية هوي بماديان يعيشون على تجارة الماشية واللحوم، وقد شهد هذا القطاع ازدهارا في ثلاثينات القرن الماضي، فقد كانوا يبيعون حوالي مائة ألف رأس غنم في السنة. إلا أنه مع تطور صناعة التبريد ومعالجة اللحوم في ثمانينات القرن الماضي، لم تعد تجارة اللحوم مصدر الرزق الرئيسي لمسلمي ماديان، ومن هنا اتجهوا إلى الانخراط في مهن أخرى. ما تينغ شيانغ، ابن قومية هوي، وهو صاحب متجر تايبينغ تشوانغ الإسلامي الذي يقع بالقرب من المسجد، قال: "منذ قديم الزمان، عمل أجدادي في تجارة المواشي بماديان لأنهم لم يستطيعوا أن يجدوا وظيفة أخرى، اليوم، بفضل مشروع الطريق الدائري الثالث الذي أنشئ عام 1988 ومشروع طريق تشانغبينغ- بادالينغ السريع في تسعينات القرن الماضي وتوسيع شارع دهواي الذي يمر بماديان، أصبح ماديان حيا متعدد الوظائف، بما في ذلك التجارة والسياحة والترفيه، مما يوفر لنا كثيرا من فرص اكتساب الرزق، ففتحت هذا المتجر وحققت مبيعات لا بأس بها. الآن، أولمبياد بكين 2008 على الأبواب، أتمنى عندئذ أن يزور متجري عدد أكبر من الزبائن كون ماديان يقع بالقرب من القرية الأولمبية".

بعد صلاة الجمعة في مسجد ماديان، التقينا بالتاجر الباكستاني محمد موهالا، صاحب شركة للتصدير والاستيراد، مقرها الرئيسي في ماديان. قال بصينية طليقة: "عشت في منطقة ماديان لمدة أكثر من ثلاثين سنة، كل يوم جمعة أصلى هنا، وقد شاهدت التغيرات الجذرية التي تحدث في ماديان، فماديان اليوم ليس ماديان الأمس، حيث الطرق أضحت واسعة والمباني عالية والميدان أخضر والمتاجر والمطاعم الكبرى حلت محل الطريق الضيق القديم وعشرات الأزقة، يمكنني القول بأن ماديان خير مثال لتطور أحياء المسلمين في بكين."

إمام المسجد الشيخ هونغ تشنغ، الذي يبلغ عمره 76 سنة، له سمعة طيبة بين أبناء قومية هوي في ماديان. اختاره مسلمو المنطقة بالإجماع لتولي رئاسة مكتب إدارة المسجد بفضل مساهماته في تعليمهم العلوم الدينية وإرشادهم إلى الأخلاق الطيبة. قال الشيخ هونغ عن تطوير هذا المسجد: "أعمل في مسجد ماديان منذ عشرين سنة، ولهذا له في نفسي مكانة عظيمة، وأراه جنة للمسلمين بعيدة عن ضجيج المدينة. من جهة، أتمنى لمسجد ماديان أن يحافظ على شكله الأصلي وسماته التقليدية، لأنه ممثل لثقافة قومية هوي والبنايات الصينية القديمة، ومن جهة أخرى، أتمنى له أن يواكب تقدم العصر، وأن تتنوع وظائفه الاجتماعية من أجل جذب كثير من المسلمين، لذا، وضعنا برامج تتضمن إقامة دورات لتعليم اللغة العربية وبناء روضة لأطفال المسلمين ومركز للنشاطات الثقافية في المستقبل."

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.