ã

الصينيون أصولهم مصرية، والسر في سانشينغدوي

تشانغ شيوي ينغ

قناع برونزي بعينين جاحظتين

قناع برونزي

تمثال برونزي لرأس طائر

 

آثار ثقافة سانشينغدوي، التي تحمل لقب"عجيبة الدنيا الثامنة"، تقع في سهل تشنغدو، غربي الصين. هذه الآثار التي يرجع تاريخها إلى ألفي سنة قبل زمن التماثيل الصلصالية للجنود والخيول لضريح الإمبراطور تشين شي هوانغ لأسرة تشين (221 – 207 ق.م)، تكشف عن مستوى حضاري مدهش، فمن الصعب أن نتخيل مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه الإنسان قبل أربعة آلاف سنة، ولا يعرف علماء الآثار من الذي ترك آثار سانشينغدوي. عندما اكتشفت ظن الناس أنها تراث لمخلوقات من كوكب آخر، والآن بعد ثمانين عاما من اكتشافها مازالت آثار سانشينغدوي لغزا محيرا.

 

الكشف المدهش

في سجل يصف اليوم العاشر لأعمال التنقيب عن آثار الحفرة الأولى في سانشينغدوي، 30 يوليو عام 1986 جاء ما يلي: "شيء أصفر يلمع من قلب تراب أسود، ويتواصل التنقيب بشوكة من الخيزران وفرشاة، ليظهر شيء يشبه السمك لونه ذهبي...".

في الساعة الثانية والنصف ليلة الحادي والثلاثين من شهر يوليو الشديد الحرارة، كان عالم الآثار تشن شيان دان ينقب في الحفرة الأولى بموقع سانشينغدوي. قال تشن الذي يعمل بمعهد سيتشوان للآثار: "في البداية ظننت أن القطعة الأثرية هي سمكة ذهبية، ثم بدت أمامي في صورة طائر، ومع مواصلة التنقيب اكتشفت أنها طويلة؛ أكثر من متر ومادتها من الذهب. وهنا توقفت، فلم أجرؤ على مواصلة التنقيب".

نقل تشن شيان دان ما رأى إلى رئيس فريق التنقيب الأثري تشن ده آن، الذي أخبر بدوره  حكومة محافظة قوانغهان ومعهد سيتشوان للآثار. وفي ضحى ذلك اليوم، كانت القطعة الأثرية تعرض أمام الناس.. عصا ذهبية طولها أكثر من متر، مرسوم عليها وجه لإنسان مبتسم وعلى رأسه تاج ملك، مما دعا إلى الاعتقاد بأن صاحب الصورة ذو مكانة اجتماعية مرموقة، وربما كان ملك مملكة سانشينغدوي.

بلغ عدد الآثار التي اكتشفت في الحفرة الأولى حوالي مائة قطعة، منها أدوات ذهبية وأدوات برونزية وأدوات يشمية وأدوات حجرية وأدوات فخارية الخ، وعندما عرضت أصيب من رآها بدهشة بالغة. قال تشن ده آن: "هذه الآثار رقيقة وخفيفة وأشكالها نادرة، خاصة العصا الذهبية."

في مساء الرابع عشر من أغسطس، وبينما كان الأثريون ينقبون في موقع آخر يبعد ثلاثين مترا عن الحفرة الأولى، عثروا على أكثر من ألف ومائة قطعة أثرية، من بينها أدوات برونزية، أحدها تمثال برونزي في طول الإنسان الحقيقي. لم يعثر الأثريون في الصين على تماثيل بهذا الحجم منذ الكشف عن التماثيل الصلصالية للجنود والخيول في مقبرة تشين شي هوانغ. ومن المكتشفات ثلاثة أقنعة برونزية لوجوه بشر غريبة، أولها ضخم الحجم، عرضه 142 سم وله أذنان كبيرتان، والثاني ملامحه ليست صينية؛ فالأنف عريض ومرتفع، وحدقتا العين أفقيتان جاحظتان، وقطر الحدقة  5ر13 سم وطولها 5ر16 سم.

اكتشف آثار سانشينغدوي أول مرة فلاح في عام 1929، إذ عثر على أداة من اليشم وهو يحفر مصرف مياه. بعد ذلك جرت عمليات تنقيب للموقع تسع مرات، كان أكبرها في يوليو عام 1986، حيث عثر الأثريون على أكبر عدد من الآثار بالموقع في تلك المرة.

 انتشرت أخبار سانشينغدوي في العالم بسرعة، وقالت صحيفة ((الإندبندنت)) البريطانية: "آثار  سانشينغدوي أكثر تأثيرا من التماثيل الصلصالية للجنود والخيول. وبدأت أوساط الآثار والتاريخ تهتم بسانشينغدوي، وأصبحت كلمة "سانشينغدوي" معروفة في العالم.

 

من هم أصحاب مملكة سانشينغدوي؟

من هم القوم الذين عاشوا قديما في منطقة مقاطعة سيتشوان الحالية، وهل هم الذين أبدعوا ثقافة سانشينغدوي؟

لا يوجد اتفاق بين علماء الآثار والتاريخ في هذه القضية.

تقع منطقة سيتشوان في قلب حوض سيتشوان، وهي منطقة محاطة بالجبال ومنعزلة عن العالم الخارجي تقريبا. قال تشن شيان دان: "إن تاريخ آثار سانشينغدوي يعود إلى الفترة ما بين أواسط  وأواخر أسرة شانغ، (1766 – 1122 ق.م)، وهي فترة لم يكن صنع الأدوات البرونزية قد وصل إلى مرحلة متطورة."

وهناك رأي بأن مدينة آنيانغ في مقاطعة خنان كانت قلب الحضارة ومركز الدولة في الصين القديمة. والصين هي أكثر دولة في العالم صنعت أدوات برونزية، وكل الآثار البرونزية المكتشفة لعصر أسرة شانغ وصنعت في ولايات تابعة لها. ومن هنا يرى نفر من علماء الآثار أن آثار مملكة سانشينغدوي بنيت على قاعدة التكنولوجيا لأسرة شانغ، وهو رأى يرفضه علماء آخرون على أساس أن الأسلحة البرونزية كانت من الأسلحة المتقدمة في ذلك العصر، ولذلك احتفظت أسرة شانغ بأسرارها ولم تنقلها إلى دول أخرى. ويؤيد هذا الرأي العالم الياباني هيدنوري أوكامورا، Hidenori Okamura الذي قال أن  البرونز في أسرة شانغ والبرونز المكتشف في سانشينغدوي مأخوذان من نفس المنطقة وذلك بعد أن قام بقياس نظائر الرصاص للأدوات البرونزية المكتشفة في الموقعين.

ويعتقد تشن ده آن أن هناك علاقة وثيقة بين ثقافتي أسرة شانغ وسانشينغدوي. وقد وجد عالم آثار أمريكي نوعا من الرصاص في الأدوات البرونزية لأسرة شانغ، وهذا النوع من البرونز ليس منقولا من المناطق القريبة من آنيانغ، بل ربما نقل من منطقة سيتشوان أو جنوب غربي الصين. وقد نقل أبناء أسرة شانغ الأعمال البرونزية من مناطق جنوب غربي الصين، ومنها سيتشوان، حيث كانت هناك علاقات تجارية بين أسرة شانغ وجنوب غربي الصين، كما انتقلت تكنولوجيا سبك البرونز من أسرة شانغ إلى سانشينغدوي.

وهناك اعتقاد في الصين بأن السكان الأصليين لمنطقة سيتشوان جاءوا من المنطقة الجبلية لأعلى نهر مينجيانغ، وهو أكبر نهر في مقاطعة سيتشوان. في عصر أسرة شيا (القرن 21 – سنة 1766 ق.م) وأسرة شانغ ، عاش أبناء قوميتي دي وتشيانغ في منطقة سيتشوان. وتذكر سجلات التاريخ أن سان تسونغ، أول ملوك مملكة شو، ينتمي لقومية دي أو قومية تشيانغ، وكل البنايات التي عثر عليها في سانشينغدوي وفي باودون قبلها، وجينشا بعدها تقع في جهة الشمال الغربي وتواجه أبوابها جهة الجنوب الشرقي، على نفس طريقة البناء للسكان الأصليين، وفقا لبعض العلماء، ولكن آخرين يرون أن الأمر ليس أكثر من أن هذه الجهة تمتد باتجاه النهر.

وقد عثر الأثريون على دليل جديد في جبل ينغبان في أعلى نهر مينجيانغ.يؤيد الرأي الأول.

وقد شرح ذلك عالم الآثار تشانغ تشينغ قائلا: "وجدت آثار في جبل ينغبان يرجع تاريخها إلي ما قبل 3500 سنة إلى 3000 سنة، حيث كان الخيزران يستخدم كهيكل لبنايات من الطين والقش، وهي نفس طريقة البناء في آثار سانشينغدوي وفي المناطق الريفية بسيتشوان حاليا. هذا يدل على أن ثقافة السكان الأصليين انتقلت من المنطقة الجبلية إلى السهول، وهي ثقافة تختلف عن ثقافة منطقة النهر الأصفر في نفس العصر.

ويعتقد عالم الآثار الأسترالي نويل برنارد Noel Barnard، الذي درس الأدوات البرونزية الصينية أكثر من 30 سنة، أن ثقافة سانشينغدوي ثقافة مختلطة وذات خصائص محلية، فهي ثقافة متعددة المصادر.

بيد أن دراسات حديثة أثبتت أن سيتشوان لم تكن منطقة منعزلة كما ظن الناس، بل كانت تمر بها طرق عامة، وحسب هوه وي، من متحف جامعة سيتشوان، بدأ التبادل التجاري والديني لسيتشوان مع مناطق أخرى قبل عشرة آلاف سنة.

ولكن كل هذه التفسيرات تظل عاجزة عن توضيح مسألتين: لماذا لا يوجد مصدر لثقافة العصا الذهبية وأقنعة الوجه البرونزية الكبيرة في شمالي الصين و حوض نهر اليانغتسي ومنطقة سيتشوان؟ ولماذا اكتشف كثير من الأصداف البحرية والتماثيل البرونزية لحيوانات بحرية وأسنان الفيل في سانشينغدوي؟

ونحن نعتقد أن ثقافة سانشينغدوي ليست ثقافة محلية خالصة، إذا يوجد فيها أثر لعوامل ثقافية من جنوبي آسيا. فقد اكتشف العلماء بها نوعا من الأصداف التي كانت تعيش في شمالي المحيط الهندي، وجاء إليها عبر الهند، التي كان يستخدم أهلها هذه الأصداف في صنع العقود. وحيث أن كل الأصداف التي اكتشفت في سانشينغدوي عليها فتحات ومنظومة بالخيط، يعتقد العلماء أنها كانت مستخدمة في عقود قديما.

الأصداف البحرية لم تكتشف في سانشينغدوي فقط بل في مواقع أخرى في مقاطعة سيتشوان ومقاطعة يوننان. لكن هذه المناطق لا تقع بجانب البحر، ولا يمكن أن تكون تلك الأصداف انتقلت من أي مكان غير الهند. إذا ربطت هذه المواقع الأثرية في مقاطعتي سيتشوان ويوننان، فإنها تشكل طريقا تجاريا من جنوب غربي الصين إلى الهند، سمي "طريق الحرير الجنوبي". هذا يعني أن نوعا من التبادل الثقافي كان قائما بين سيتشوان ومنطقة جنوبي آسيا، كما أن تماثيل الحيوانات البحرية البرونزية المكتشفة في سانشينغدوي دليل آخر على وجود تبادل ثقافي بين منطقة سيتشوان والهند، فإن لم يكن الناس في سيتشوان قد رأوا حيوانات فكيف نحتوا تماثيل لها؟

دوان يوي، رئيس معهد التاريخ بأكاديمية سيتشوان للعلوم الاجتماعية، كتب في مقال له إن منبع ثقافة العصا الذهبية والقناع الذهبي والأقنعة والتماثيل البرونزية وغيرها هو حضارة الشرق الأدنى، التي هي حضارة ما بين النهرين – الأكادية، والحضارة المصرية.

لقد عرفت العصا في المرحلة الرابعة للحضارة العبيدية في غربي آسيا حوالي في عام 4000 ق.م. وقد اكتشف كثير من العصي في منطقة ما بين النهرين، حيث كانت العصا ترمز إلى سلطة الإله وسلطة الملك في ذلك العصر، وبعده صارت رمزا للسلطة العليا في مناطق كثيرة مع انتشار الثقافة.

وقد اكتشفت آثار للقناع الذهبي من فترة الحضارة الأوروكية ببلاد ما بين النهرين،  واكتشف تمثال رأس حجري لامرأة مغطى برقيقة ذهبية أو رقيقة نحاسية. وفي سورية  اكتشف تمثال برونزي مغطى برقيقة ذهبية. وكثير من الآثار المكتشفة في غربي آسيا مغطاة برقائق ذهبية. وفي مصر القديمة وماشيني كانت عادة تغطية وجه الإنسان ذي المكانة العالية، بالذهب موجودة. وفوق هذا وذاك، تختلف سمات أقنعة الوجه  المكتشفة في سانشينغدوي عن ملامح الوجه الصيني، بل تميز بخصائص شعوب أجنبية.

أما من ناحية الأسلوب الفني، فإن التماثيل البرونزية في سانشينغدوي تشبه التماثيل البرونزية المكتشفة في غربي آسيا، إذا تتسم تماثيل البشر بالواقعية، بينما تماثيل الآلهة فيها مبالغة تعكس احترام الناس للآلهة.

وكانت التماثيل البرونزية تستخدم لأغراض دينية في مصر وغربي آسيا ومنطقة بحر إيجة، واكتشفت في معابد وقبور الملوك. وبالمثل اكتشفت تماثيل برونزية في سانشينغدوي كانت تستخدم لأغراض دينية ولها قدسية، بطريقة مشابهة لاستخدامها في منطقة الشرق الأدنى. بالمقابل كانت التماثيل البرونزية تستخدم في الزخرفة والتزيين في ثقافة شمالي الصين، وكان إناء دينغ رمزا لسلطة الدولة والسلطة الدينية. أي أن هناك اختلافات كبيرة بين ثقافة سانشينغدوي وثقافة شمالي الصين. وعلى هذا الأساس يعتقد دوان يوي أن ثقافة سانشينغدوي ثقافة مختلطة اندمجت فيها الثقافة المحلية والثقافة الأجنبية.

ويؤكد الباحث المستقل، سو سان، أن المصريين القدماء هم الذين صنعوا التماثيل البرونزية التي عثر عليها في سانشينغدوي، ويدلل على رأيه هذا بالقول إن الصين لم تعرف صهر البرونز في تلك الفترة، كما أن كل المكتشفات البرونزية في الصين تنتمي إلى المرحلة المتطورة لثقافة البرونز، ولا توجد مكتشفات للمرحلة الأولية للأدوات البرونزية، ولهذا فإن هناك شكوكا في أن الصين هي التي ابتكرت تكنولوجيا صهر البرونز. كانت الفترة بين عامي 3800 إلى 3500 ق.م، هي عصر البرونز في العالم، وكانت مصر القديمة أكبر دولة على الأرض. وقد تكون التكنولوجيا المتقدمة انتقلت من مصر إلى الصين ومنها صهر البرونز،  ربما جاء المصريون القدماء إلى الصين عن طريق البحر، ومعهم التقنية الحديثة. ولكن هذا الرأي لا يلقى قبولا عند كثير من علماء الآثار.

تشانغ هوي، الباحث المستقل أيضا، متخصص في اللغة الفارسية القديمة، يرى أن أهل منطقة سيتشوان ينتمون إلى قبائل كانت تعيش في بلاد فارس والهند وآسيا الوسطى، وقد هاجروا إلى سيتشوان وأبدعوا ثقافة سانشينغدوي. ويعتقد أن تماثيل الوجه البرونزية ليست منحوتة بطريقة مبالغة، وإنما وفق ملامح وجه الآريين في منطقتي إيران والهند، مستشهدا بأن تلك التماثيل تشبه في شكلها تماثيل برونزية اكتشفت في منطقة إيران وأن الفرس صنعوا تماثيل برونزية وذهبية جميلة في ذلك العصر.

الحقيقة أن علماء من الغرب طرحوا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فكرة أن مصدر الثقافة الصينية يعود إلى الشرق الأوسط، بل ذهب أثانيسي كيرشر   Athanase Kircher (1601- 1680م) إلى أن أصل الصينيين يعود إلى مصر. وفي أواخر القرن التاسع عشر، قال العالم البريطاني جي تشالمر J. Chalmers، والعالم الفرنسي تي لاكوبريه ، وT. Lacouperie، إن أصل الثقافة الصينية يعود إلى بابل. ولكن الأدلة التي تؤيد الرأي القائل بأن أصل الثقافة الصينية يعود إلى الشرق الأوسط ليست كافية وتكتنفها أخطاء واضحة.

ولكن ما حدث عام 2003، عندما اكتشف الأثريون النمساويون أثناء تنقيبهم في مصر حرير شو على رأس مومياء ترجع إلى زمن الأسرة الحادية والعشرين (حوالي عام 1800 ق.م) يثبت أنه كانت هناك تبادلات، مباشرة أو غير مباشرة، بين مصر ومنطقة شو، التي هي منطقة سيتشوان حاليا.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت عينات للحامض النووي DNA لجينات بقايا إنسان في مقبرة ترجع لعصر الربيع والخريف (770 – 476 ق.م) من أسرة تشو الشرقية (770 – 256 ق.م) بمنطقة لينتسي في مقاطعة شاندونغ، إلى أن تلك الجينات التي يرجع تاريخها إلى منطقة لينتسي قبل 2500 سنة تشبه جينات الإنسان الأوروبي الحديث، وأن جينات الإنسان في نفس المنطقة قبل 2000 سنة تشبه جينات الإنسان الحديث في منطقة كازاخستان، وأن جينات الإنسان الحديث في منطقة لينتسي تشبه جينات الإنسان الحديث في شرقي آسيا. وهذا دليل على أنه كانت هناك تبادلات كثيرة بين شرقي آسيا وأوروبا وبين غربي أسيا وأوروبا.

 

الثقافة المندثرة

اكتشف الأثريون في موقع سانشينغدوي الأثري كثيرا من قطع البرونز التي كونت، عندما تم تجميعها معا، تمثالا يرتفع  262 سم، لإنسان طوله 172 سم يرتدي ملابس فاخرة، وقبعة طولها 10 سم، قائم على قاعدة ارتفاعها 80 سم. واكتشف الأثريون أيضا شجرة برونزية طولها 398 سم قائمة على قاعدة ولها تسعة فروع على كل منها طائر. هذه الشجرة التي يرجع تاريخها إلى خمسة آلاف سنة تعكس المعارف الرياضية والحسابية لأبناء تلك المنطقة.

على أقنعة الوجه البرونزية فتحات مربعة منحوتة وليست مصهورة، فبأي آلة نحتت تلك الفتحات؟

واكتشف في شانشينغدوي العديد من الآثار الذهبية مثل الأقنعة الذهبية والنمور الذهبية وأوراق الخيزران الذهبية الخ. ومن غير المعروف على وجه الدقة متى بدأ الصينيون يستخدمون الذهب، فوفقا لأول كتاب صيني وهو ((شان هاي جينغ))، عرف الصينيون الذهب في فترة  أسرة شانغ. وحسب ((موسوعة الصين)) استخدمت الأدوات الذهبية على نحو ضيق قبل أسرة هان (206 ق.م – 220 م) وفي فترة أسرة تانغ (618 – 907 م) شاع استخدامها. فكيف عرف أبناء سانشينغدوي صنع الرقائق الذهبية؟

فضلا عن ذلك، كانت تكنولوجيا قطع ونحت الأدوات اليشمية عالية أيضا. فبأي آلة كانوا  يقطعون وينحتون اليشم الصلب؟

أسئلة كثيرة يسعى العلماء للعثور على إجابة لها في كتب التاريخ.

كانت منطقة شمالي الصين منطقة مركزية في تاريخ الصين، وكانت منطقة شو، أي منطقة سيتشوان، منطقة حدودية عاش فيها أبناء عدد من الأقليات العرقية. ونظرا لصعوبة المواصلات بين شمالي الصين ومنطقة شو ثمة عدد قليل من السجلات التاريخية عن تلك  المنطقة. ظهر أول كتاب سجل تاريخ منطقة شو وقصصا منها في فترة الممالك الثلاث (220 – 280 م) وأسرة جين (265 – 420 م). حسب قصص الكتاب، كانت شو خاضعة لسلطة زعماء قبليين مثل تسان تسونغ ويوي فو وكاي مينغ الخ.

العصا الذهبية التي اكتشفت في سانشينغدوي عليها عبارة "يوي فو وانغ"، أي الملك يوي فو، منحوتة من اليسار إلى اليمين. فهل صاحب تلك العصا هو الملك يوي فو؟ حسب ما ورد في سجلات التاريخ كان الملك تسان تسونغ يسمى "سان تسونغ تسونغ مو" أي تسان تسونغ الجاحظ العينين. هل قناع وجه الإنسان البرونزي ذو العينين الجاحظتين هو وجه سان تسونغ؟

حسب حجم  الموقع الأثري في سانشينغدوي وعدد الآثار التي اكتشفت به، يقدر العلماء أنه كان مدينة كبيرة قديما. في أواخر ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي، عثر العلماء على أطلال أسوار مدينة في سانشينغدوي، قدر العلماء مساحتها بثلاثة كم مربعة حسب الأسوار. وقال عالم الآثار سون هوا: "مساحة المدينة كبيرة ونادرة جدا في ذلك العصر. من المؤكد أنها اشتملت على قصور ملكية ومعابد وغرف وورش، وتوجد قبور وراء المدينة، فهي أطلال مدينة قديمة كاملة".

وقد اكتشفت سلسلة من الآثار في سهل تشنغدو؛ مثل قرية باودون في مدينة شينجين وقرية مانغتشنغ في مدينة دوجيانغيان وقرية شوانغخه وقرية تسيتشو في مدينة تشونغتشو وقرية قوتشنغ في محافظة بيشيان وقرية يويفو في مدينة ونجيانغ وغيرها، يرى علماء الآثار أنها تابعة لفترة بداية ثقافة سانشينغدوي.

في عام 2001، عثر الأثريون على موقع أثري في قرية جينشا القريبة من مدينة تشنغدو، يرجع تاريخه إلى أواخر أسرة شانغ في عصر الربيع والخريف من أسرة تشو الشرقية. وجد العلماء في هذا الموقع كثيرا من الأدوات البرونزية واليشمية والحجرية والذهبية. وتلك المكتشفات تقدم خيوطا هامة لحل لغز سانشينغدوي.

دوان يوي قال إن ثقافة سانشينغدوي تشتمل على آثار باودون التي ظهرت في بداية ثقافة سانشينغدوي، بينما ظهرت آثار جينشا في الفترة الأخيرة لثقافة سانشينغدوي. وهكذا فإنها تستعرض تطور ثقافة سانشينغدوي وهي ثقافة مستقلة تماما عن ثقافة شمالي الصين.

ولكن ما هي صورة سانشينغدوي إن كانت مملكة في التاريخ حقا؟

تشاو ديان تسنغ، مدير مصلحة دراسة الآثار لمقاطعة سيتشوان، يعتقد أنها تشبه مدينة مكة مكرمة إلى حد ما، فقد كانت مدينة مقدسة في منطقة سيتشوان، وكانت تشمل منطقة هضبة يونقوي (يوننان – قويتشو) ومنطقة فيتنام وتايلاند. فقد كان الناس يأتون من تلك المناطق إلى سانشينغدوي لأغراض دينية."

ويعتقد دوان يوي أن حكام سانشينغدوي مارسوا السلطة باسم السماء، وكانوا يقبضون على السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية والدينية. ويأتي الوزراء في المرتبة التالية للحكام، ومن بعدهم ملاك العبيد. وكان لها جيش نظامي. وعثر في سانشينغدوي على تماثيل برونزية قائمة لجنود يحملون أسلحة ودروعا، وهو الشكل الذي كان شائعا للجنود في ذلك العصر.

ويرى العلماء أن التماثيل البرونزية القائمة للإنسان بملابس فخمة ترمز الملوك أو الكهنة، وتماثيل الوجه البرونزية ترمز إلى زعماء القبائل أو الكهنة. ربما هذه التماثيل تعبر عن النشاطات الدينية.

 

الاختفاء الغامض

استمر ازدهار مملكة شو القديمة أكثر من ألفي سنة، ولكنها اختفت بطريقة غامضة، حيث انقطع ذكر منطقة شو من سجلات التاريخ لمدة ألفي سنة. فكيف انهارت مملكة شو؟ الآراء تختلف. ثمة رأي بأنها هلكت نتيجة حرب أهلية. يقول سون هوا، نائب رئيس معهد ونبو للآثار بجامعة بكين: "الآثار التي اكتشفت في الحفرتين مرتبة على النحو التالي: في الدائرة الخارجية أدوات يشمية، وفي الدائرة الوسطى أدوات برونزية كبيرة، وفي المركز أسنان فيل. وأنا أعتقد أن هذه الآثار كانت أدوات دينية في ذلك الوقت. بعد انتهاء النشاطات الدينية، وضعها ساحر في الحفرتين بهذا الترتيب. كانت السلطة السياسية في مملكة سانشينغدوي تتكون من هيئتين متعادلتي السلطة. عندما اختل التوازن حدث التناقض فانهارت المملكة. وأعتقد أن الآثار التي في الحفرتين استخدمت في آخر نشاط ديني قبل هلاك مملكة سانشينغدوي."

وقال سون هوا إنه يعتقد أن مملكة سانشينغدوي كانت المملكة الوحيدة في منطقة شو وكانت ثقافتها هي الوحيدة بها أيضا، حيث أن الآثار التي اكتشفت بها كلها أقل حجما من سانشينغدوي. وعلى هذا نعتقد أن سانشينغدوي كانت عاصمة المملكة، بينما الآثار الأخرى كانت لقرى المملكة. وفي نفس الوقت عثر على مواقع أثرية كبيرة أخرى ترجع لفترات متأخرة عن موقع سانشينغدوي في سهل تشنغدو وفي جنوبي مقاطعة شنشي، وهي أماكن قريبة من مقاطعة سيتشوان وفي شمالها.

وهناك رأي آخر بأن الفيضانات هي التي أهلكت سانشينغدوي، التي يجري في شمالها نهر ياتسي، ويقطعها نهر مامو. ولكن لم يتم العثور على رواسب لفيضان في سانشينغدوي، ورغم اكتشاف آثار لفيضانات في بعض الأماكن بالموقع، لم يعثر على أثر لها في كافة الأماكن، كما أن وجود الآثار مرتبة ومنظمة لا يشير إلى أنها ارتطمت بفيضانات.

فهل كانت الحروب هي سبب هلاك سانشينغدوي؟

لقد عثر الأثريون على آثار مخربة ومحروقة في موقع سانشينغدوي، وهو ما دعا البعض إلى الاعتقاد بأن المنطقة شهدت حروبا، إذ يرى  تشو تشانغ يي، نائب رئيس متحف جينشا في مدينة تشنغدو، أن سبب تخريب الآثار إما حروب أهلية أو غزوات خارجية، وقال إنه يميل إلى فرضية الغزو الخارجي، استنادا إلى استبعاد فكرة أن تؤدي الحروب المحلية إلى تخريب الأغراض الدينية. ويعتقد تشو تشانغ يي أن مملكة جينشا هي التي غزت سانشينغدوي، لأنه بعد سقوط الأخيرة نهضت مملكة جينشا التي خربت وأحرقت كل التماثيل والأدوات البرونزية للمملكة القديمة.

آثار سانشينغدوي تسمى "العجيبة الثامن في العالم"، ولكن لم يتم التنقيب إلا في واحد بالمائة من مساحة تلك المنطقة الأثرية التي يقدر العلماء مساحتها باثني عشرة كم مربع، يحتاج التنقيب فيها واستكشافها كلها إلى مائة سنة.

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.