ã

سياسة اليابان في الشرق الأوسط

قونغ شاو بنغ

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشئون الخارجية ببكين

اليابان دولة مستورد للبترول

التبادلات الاقتصادية بين اليابان ومصر تحقق زيادة مستمرة

 

يقوم رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بزيارة إلى منطقة الشرق الأوسط هذا الشهر، مايو 2007، بعد أقل من شهرين، من استضافة طوكيو في منتصف مارس، محادثات سلام رباعية ضمت مسئولين من فلسطين وإسرائيل واليابان والأردن، فيما يعد إضافة جديدة للزحام على الطريق إلى سلام الشرق الأوسط. وقد سعى المؤتمر إلى تهدئة التوترات بين إسرائيل وفلسطين من خلال التركيز على التعاون الاقتصادي، إذ تشعر اليابان منذ فترة بأنها يمكن أن تلعب دورا خاصا في الشرق الأوسط يتيح لها تعزيز العلاقات مع الدول العربية ويمكّنها من أن تكون وسيطا بين الإسرائيليين والفلسطينيين في عملية السلام. وقد علق تاتسو أريما، مبعوث اليابان الخاص للشرق الأوسط، على المحدثات بقوله إن "الحوار بين إسرائيل والفلسطينيين أهم الآن من أي وقت مضى. ولكن المراقبين للأوضاع في الشرق الأوسط  قد يرون لقاء طوكيو محيرا، وسبب الحيرة هو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم والمتحدة أعادوا إحياء خريطة الطريق الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، فلماذا اليابان، وهي دولة تابعة مخلصة للولايات المتحدة، تقدم على هذه الخطوة، وتتبعها بزيارة آبي للمنطقة؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نسترجع انبثاق سياسة اليابان تجاه الشرق الأوسط. خلال فترة الحرب الباردة وضعت اليابان أسس استراتيجيتها الوطنية وفقا للسياسة الخارجية الأمريكية. ولكن اليابان، كدولة تعتمد في 78% من استهلاكها من الطاقة على واردات النفط، ومعظمها من الدول العربية المنتجة للبترول، كان عليها أن تنظر بعين الاعتبار إلى مصالحها الوطنية الخاصة عند صياغة سياستها تجاه الشرق الأوسط.

عندما اندلعت حرب عام 1973 ضد إسرائيل، فرضت الدول العربية المنتجة للنفط مقاطعة نفطية ضد الدول التي ساندت إسرائيل. ومن أجل تأمين إمدادات الطاقة إليها، كانت اليابان من أوائل الدول المتقدمة التي ساندت الدول العربية وأيدت حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. وبهذه الخطوة نأت اليابان بنفسها عن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وإذا كان ثمة إعلان في الصين قبل سنوات لشركة تويوتا اليابانية للسيارات يقول: "إنك تجد تويوتا في أي مكان تذهب إليه"، فإن تويوتا خلال السبعينات والثمانينات لم تكن موجودة في إسرائيل، كنتيجة لسياسة اليابان تجاه الشرق الأوسط،  في ذلك الوقت. بيد أن اليابان تلقت ضربة موجعة في واشنطن لانحرافها عن المسار الأمريكي في الشرق الأوسط، ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى اللوبي اليهودي القوي في واشنطن. وتمثل ذلك في معاقبة اليابان في التجارة الثنائية، بينما لم تكن طوكيو تستطيع أن تفعل شيئا.

وفر انتهاء الحرب الباردة فرصة ذهبية لليابان لتغير سياستها في الشرق الأوسط وتخفف ضغط الولايات المتحدة عليها، وأن تسعى لأن تكون قوة سياسية رئيسية في العالم. بعد غزو العراق للكويت في الثاني من أغسطس عام 1990، شنت الولايات المتحدة عملية عاصفة الصحراء بمساعدة قوة دولية مشتركة. وقد ساهمت اليابان في تلك العملية بعشرة مليارات دولار أمريكي وأرسلت قواتها البحرية إلى صراع مسلح خارج الحدود لأول مرة منذ نهاية الحرب بالعالمية الثانية. كما أن عملية السلام العربية- الإسرائيلية، بعد حرب الخليج وفرت لليابان أيضا فرصة لتحسين علاقاتها مع إسرائيل وتقليل ضغط اللوبي اليهودي عليها.  في ديسمبر عام 1994 زار رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين اليابان، ومن هناك أعلن فتح البورصة الإسرائيلية أمام المستثمرين اليابانيين. ووقع البلدان أيضا اتفاقا للتعاون الاقتصادي والتقني. وفي سبتمبر العام التالي رد رئيس الوزراء الياباني توميتشي مورو الزيارة.

ولكن اليابان لا تنسى أبدا التحوط لأحزمتها، فطوكيو لعبت دورا فاعلا في مسيرة السلام العربية الإسرائيلية والمفاوضات المتعددة الأطراف ذات العلاقة، كما أنها قدمت معونات اقتصادية  لمصر وسورية ولبنان والأردن.

إن الهدف الأكثر أهمية من ذلك التحرك الياباني هو تمهيد الطريق لتكون قوة سياسية رئيسية. وقد حققت تلك التحركات الهدف الياباني بشكل رئيسي. في فبراير عام 1996 وصلت قوة حفظ سلام يابانية إلى مرتفعات الجولان، في دلالة رمزية للدور الياباني في الصراع العربي الإسرائيلي لأول مرة في التاريخ.

وعندما أصبح جونشيرو كويزومي رئيسا لوزراء اليابان عاد بسياسة اتباع اليابان للولايات المتحدة في سياستها تجاه الشرق الأوسط إلى نقط البدء. بل إنه اتخذ خطوة أبعد بإرسال قوات يابانية إلى العراق عام 2003 دعما لقوات الاحتلال الأمريكي. ولكنه اكتشف بعد ذلك بقليل أن سياسته تواجه تحديين، الأول هو أنه بعد جهود عشرات السنين لتطوير طاقة نووية كمصدر بديل للطاقة، لازالت اليابان تعتمد في 50% من استهلاكها من الطاقة على النفط المستورد، الذي يأتي 75% منه من الشرق الأوسط. وباختصار فإنه سيكون انتحارا لليابان أن تتبع سياسة الولايات المتحدة على حساب علاقاتها مع دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط. ومن جانب آخر، وعدت حكومة كويوزومي الشعب الياباني بأن اليابان ستصبح عضوا دائما بمجلس الأمن للأمم المتحدة، وحيث أن هناك 22 دولة عربية بالأمم المتحدة، فإن اليابان لا تستطيع أن تتجاهلها.

على هذا قام كويزومي بزيارة إلى الشرق الأوسط في يوليو عام 2006 وأعلن وهو في الأردن مبادرته المعروفة باسم ممر السلام والرخاء، والتي تعهدت فيها اليابان بتمويل إسرائيل وفلسطين والأردن لبناء حديقة صناعية زراعية بوادي الأردن. تقوم هذه الحديقة ذات المشاركة العامة والخاصة، بزراعة ومعالجة المنتجات الزراعية، وبيع منتجاتها لدول الشرق الأوسط المنتجة للنفط من خلال مركز مواصلات في الأردن. واعتقد كويزومي أن إقامة هذا المشروع لن تفيد فقط السكان المقيمين في منطقة مشروع الحديقة وإنما أيضا ستحسن العلاقات بين العرب واليهود. ولكن لسوء الحظ وصل كويزومي نهاية عمله السياسي قبل أن ينطلق مشروع ممر السلام والرخاء، وتركه لخلفة شينزو آبي ليواصله، وقد جاء لقاء طوكيو كجزء من متابعة هذه المبادرة.

ليس صعبا أن ندرك أن سياسة اليابان تجاه الشرق الأوسط هي نتاج تناقضات، وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت هذه السياسة ذات الطابع التفضيلي لكلا الطرفين سوف تنال تفهما من الدول العربية بدون مقاومة ورفض من الولايات المتحدة.                      

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.