ã

الرياح الساخنة والباردة للعلاقات الروسية الأمريكية

يو سوي، باحث بمركز بحوث العالم المعاصر في بكين

تقلبات دائمة في العلاقات الروسية الأمريكية

رواد الفضاء الروس والأمريكيون يزورون مركز بايكونور للفضاء

روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تزيدان التعاون الصناعي بينهما

لم يكن التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا بعد اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واشنطون بأنها تحاول فرض إرادتها علي العالم  هو الأول من نوعه، ولعله ليس الأخير أيضا. انتقادات بوتين التي جاءت في كلمة له بألمانيا يوم 10 فبراير هذا العام، أثارت ردود فعل غاضبة من جانب الإدارة الأمريكية، فقد قال البيت الأبيض إنها أدهشته وخيبت أمله، في حين اعتبر روبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي، اتهام بوتين بأنه كلام فظ من جاسوس قديم. صحيح أن المتحدث باسم بوتين قال إن الرئيس الروسي لم يحاول استفزاز واشنطن وإن "الأمر لا يتعلق بمواجهة بل إنها دعوة للتفكير"، ولكن هذا يثير مرة أخرى طبيعة العلاقات المتأرجحة دائما بين موسكو وواشنطون، فهي دافئة أحيانا، وباردة أحايين كثيرة.

إن العلاقات الروسية الأمريكية الحالية انبثقت من المرحلة السوفيتية. في ذلك الوقت كانت علاقات بين قوتين عظميين. ولكن مع تراجع القوة الوطنية الشاملة لروسيا، تحولت العلاقة إلى علاقة بين قوة كبرى والقوة العظمى الوحيدة في العالم، وهذا يعني أن روسيا صارت ضعيفة الشأن. وقد سعى بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا، في عامه الأخير بالسلطة، إلى التحول من سياسته الخارجية ذات التوجه الغربي التام إلى سياسة متعددة الاتجاهات، وظل الغرب مقتنعا بأن يلتسين متمسك بالديمقراطية على النمط الأوروبي والأمريكي، الذي اختاره.

وعندما تولى فلاديمير بوتين السلطة أعلن بوضوح من البداية أنه لن يتبع المسار الأوروبي- الأمريكي، وإنما سيبعث الروح الروسية. ولكن العقلية السياسية التي تشكلت في السنوات الأخيرة لم تكن لتتحول بسرعة، ولهذا ظلت العلاقات الأمريكية الروسية في السنوات الأولى لإدارة بوتين عميقة، وقد كان تبادل الزيارات بين رئيسي البلدين في تلك السنوات خير تعبير عن العلاقات الطيبة بينهما. وخلال زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة في نوفمبر عام 2001 وقع بوتين مع الرئيس جورج بوش بيانا مشتركا حول العلاقات الثنائية الجديدة. كانت الرسالة هي أن روسيا والولايات المتحدة تجاوزتا مخلفات الحرب الباردة ولم يعد أي منهما يعتبر الآخر عدوا. وخلال زيارته إلى موسكو في مايو 2002، وقع بوش مع بوتين بيانا مشتركا حول تخفيض قوات الهجوم الاستراتيجي وإقامة "شراكة استراتيجية جديدة". ونص البيان على "أن روسيا والولايات المتحدة ملتزمتان بمبادئ تطوير علاقاتنا الثنائية على أساس الصداقة، التعاون، القيم المشتركة، الثقة، المكاشفة". ونص البيان بالتحديد على أن كلا الجانبين"يرغبان في تعزيز الاستقرار والسيادة ووحدة الأراضي لكل الدول" في آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز. وذهب بوش بعيدا فأبلغ بوتين أنه سوف يدفع الكونغرس ليلغي تشريعا يقيد نمو التجارة الثنائية، والاعتراف بروسيا كاقتصاد سوق في أسرع وقت ممكن، ومساعدة روسيا في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وقال بوتين إن علاقات روسيا والولايات المتحدة تدخل مرحلة جديدة.

ثم عاشت العلاقات الروسية الأمريكية مدا جديدا عام 2001، بعد حادثة 11 سبتمبر، عندما قدمت روسيا يد المساعدة للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب. كانت روسيا بحاجة إلى التودد للولايات المتحدة، كجزء من استراتيجيتها للنهوض الوطني، ولكن موسكو أدركت أن واشنطن لا يُعتمد عليها.

ومع دفع بوتين سياسته الإصلاحية البراغماتية،  وبخاصة بعد تبني ما يسمى "الديمقراطية القابلة للتنفيذ" للحفاظ على استقرار البلاد، طفقت الولايات المتحدة تشعر بمزيد من عدم الارتياح لما يقوم به بوتين، وانتقدته واشنطون بالارتداد عن طريق الديمقراطية، والسعي إلى حكم الفرد المطلق ومحاولة العودة إلى المرحلة السوفيتية. وقامت الولايات المتحدة مرارا بالتحريض على، ودعم "الثورات الملونة" في الأراضي السوفيتية السابقة. هذه التغيرات السياسية أضعفت المزايا الجيوسياسية لروسيا ووترت العلاقات الروسية الأمريكية.

إن برودة العلاقات الروسية الأمريكية تعود في جانب كبير منها إلى حقيقة أن الولايات المتحدة أمست القوة العظمى الوحيدة في العالم، مع التقدم غير المكبوح للعولمة الاقتصادية بقيادة الدول الغربية المتقدمة، ومع الأفول ثم النهوض من جديد لقوة روسيا.

وبينما واشنطن، كقوة لا ينازعها أحد في الشئون الدولية، لعبت دورها كاملا، رفضت روسيا أن تخضع للتهديد، بل سعت إلى إبراز أن لها قولا في القضايا الهامة، التي كانت مصالحها وقوتها فيها على المحك. ولكن روسيا تعي حدودها عندما يتعلق الأمر بالنفوذ الدولي. مقارنة مع الولايات المتحدة، هي مازالت عملاقا عسكريا ولكن ذات اقتصاد قزم، ومن ثم فإنها تؤكد بقدر متساو على الأمن العسكري والأمن الاقتصادي. واستبدلت فكرة أن القوة العسكرية تمثل القوة الوطنية بفكرة القوة الوطنية الشاملة. وباتت استراتيجيتها الأمنية جزءا من إستراتيجيتها التنموية.

في الشئون الخارجية، سعت روسيا إلى تقليل الأعداء وزيادة الأصدقاء قدر الإمكان، وتحسين دبلوماسيتها وتفادي العزلة. ومبادئها الرئيسية هي: عدم السماح بأن تكون أي من الجمهوريات السوفيتية السابقة رأس حربة لأي حركات معارضة لروسيا، إفشال جهود الحلفاء الغربيين، بأي ثمن، لتطويق روسيا بطريقة أو بأخرى، والتأكيد على أن البلاد غير مهددة بالانتشار النووي.

لقد سعت روسيا، بحرص، بين مراكز قوة متعددة، وخاصة حول الولايات المتحدة، في محاولة لبناء توازن في القوة لها بأقل تكلفة. وقد استخدم بوتين يده الحديدية ذات القفاز المخملي وتحرك أولا، وقتما كان ممكنا، في الشئون الدولية لنيل نصيب أكبر لروسيا من أي شيء يمكن أن يفيدها. وكانت المقدمات المنطقية لروسيا لإنجاز نهضة وطنية هي تأمين الوحدة الوطنية وتسريع الاقتصاد والاستقرار السياسي، في حين كانت السياسة الأمريكية تجاه روسيا هي تقويض كل ذلك. ومع تحسن أوضاع الاقتصاد الروسي ارتفعت قدرتها على التصدي للولايات المتحدة ومواجهتها.

إن روسيا ليس لديها نوع من آلية التعاون الطويل المدى في الشئون السياسية أو العسكرية مع الولايات المتحدة، كتلك التي بين الولايات المتحدة وحلفائها أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولا حتى ذلك النوع من التعاون الاقتصادي الذي طورته واشنطن مع بكين. كما أن هناك وجهات نظر مختلفة بين موسكو وواشنطون حول التهديد الذي يفرضه الإرهاب، ومن ثم رؤيتهما لإجراءات مكافحة الإرهاب. وكل هذا يبين الضعف النسبي لأسس الشراكة الاستراتيجية الروسية- الأمريكية.

ولكن العلاقات الروسية- الأمريكية، دافئة أو باردة، استطاعت أن تبقى بفضل طبيعتها البراغماتية، فعندما تحتل المساعدة المتبادلة الأولوية يتألق تعاونهما وتنسيقهما، ولكن عندما يأتي الخلاف والمواجهة إلى المقدمة يركز كل منهما على إزاحة الآخر من الطريق. وعبر سنوات حاول تعاونهما الاستراتيجي أن يجد أرضية مشتركة حتى في وقت برودة علاقاتهما.

وبالنظر إلى المستقبل، نجد أن عوامل مثل المصالح الوطنية، وضع القوة الكبرى، والصدى العالمي، هي التي ستؤثر على العلاقات الروسية الأمريكية. هذا يعني أن البلدين سوف يتدافعان أكثر مما يتعاونان.

إن الولايات المتحدة تحاول جعل روسيا الضعيفة ولكن المستقرة، تتبنى القيم الأمريكية، ولكن روسيا التي تتحدث عن العودة إلى جذورها الأوروبية مازالت تتذكر أنها دولة أوربية- آسيوية كبيرة. وتخطط روسيا لتطوير الجزء الآسيوي من أرضها الشاسعة وتولي أهمية أكبر لمنطقة آسيا- المحيط الهادي. وقد أثارت الشراكة الاستراتيجية لروسيا مع كل من الصين والهند انتباه واهتمام الولايات المتحدة بآسيا.

بيد أنه يمكن توقع أن يتواصل التعاون الروسي- الأمريكي، بغض النظر عن مدى برودة علاقتهما، وعلى سبيل المثال أطلق البلدان آلية تعاون ثنائي جديدة وحوارا حول الأمن الاستراتيجي في سبتمبر عام 2006. وبعد شهرين من ذلك، عندما توقف بوش في روسيا في طريقه لحضور قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي بفيتنام، التقى معه بالمطار بوتين لمدة ساعة. وتبع هذا اللقاء توقيع اتفاق في 19 نوفمبر بين البلدين حول عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية. وهو الاتفاق الذي أزال أكبر عائق من طريق روسيا إلى منظمة التجارة. 

وكما كشفت حرب العراق عن الضغينة الأوروبية تجاه واشنطون فإنها أيضا أعطت روسيا الفرصة لتلعب دور الوسيط عبر جانبي الأطلسي. إن العلاقات الروسية الأمريكية معقدة حقا، وحتى مع القوى التي تفضل التعاون البراغماتي، فإنه من غير المحتمل، إن لم يكن مستحيلا، أن يصبح البلدان شريكين استراتيجيين بالمعنى الحقيقي.              

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.