يعرف المسنون من أبناء العاصمة الصينية التماثيل التي تصنع من عجين القمح الملون. ويتذكر الكبار في بكين صانع تلك التماثيل عندما كان يجوب الشوارع والأزقة حاملا شيالة على كتفه بها المواد الخام التي يبدع منها تماثيل لشخصيات تاريخية مثل الجنرال قوان قونغ، ولشخصيات من أعمال أدبية مثل الملك القرد أو الحيوانات الصغيرة التي يحبها أطفال بكين. والحقيقة أن فن النقش على العجين يجد جذوره في فن صنع التماثيل الفخارية في عهد الدويلات المتحاربة (475-221 ق.م) بالصين، حيث أثبتت عدة اكتشافات أثرية أن التماثيل المصنوعة من العجين ظهرت في زمن أسرة هان، وقبل ثماني سنوات اكتشفت في منطقة شينجيانغ مجموعة تماثيل مصنوعة من العجين في مقبرة يرجع تاريخها إلى فترة أسرة تانغ (618-907 م).

وقد نشأ فن تماثيل العجين في شمال الصين، وتحديدا في تساوتشو بمقاطعة شاندونغ. وبلغ هذا الفن مستوى رفيعا وحقق إنجازات عظيمة على يد الفنان تانغ تسي بوه.

ولد تانغ تسي بوه في محافظة تونغتشو ببكين عام 1882، وقد أحب منذ صغره الدراسة فقرأ وبحث في فلسفة كونفوشيوس والطاوية والبوذية والطب التقليدي الصيني، وبرع في الرسم والأعمال الفخارية. في مسيرة سعيه وبحثه صادف حرفيا شعبيا، من أبناء شاندونغ، يصنع تماثيل العجين، فأحب هذا الفن وانخرظ فيه، وحقق ابتكارين، أولهما تغيير شكل تمثال العجين الذي يُحمل على عود إلى تمثال يوضع على لوح صغير؛ الثاني، اختراع صنع تماثيل العجين داخل حبة الجوز، فيما يعتبر أحد روائع التماثيل المصنوعة من العجين، حيث توضع عدة تماثيل من العجين قد يصل عددها 27 تمثالا داخل نصف قشرة حبة جوز.

توارث هذه المهارة ابنه تانغ شيوي قوه، الذي تخرج في قسم النقش بالمعهد المركزي للفنون الجميلة. برع الابن أيضا في صنع تماثيل العجين والنقش والخط والرسم والتصميم الفني، فهو مصمم وصانع أقنعة فرقة هونغ كونغ للرقص وفرقة الباليه البريطانية، ومبدع تماثيل الإنسان لحديقة الصين الساحرة بمدينة شنتشن. لم يطور فن تماثيل العجين فقط من حيث المهارة والموضوعات، بل نشره إلى العالم.

في عام 1992 أقيم معرض فن النقش على العجين الصيني في مدينة مونتريال بكندا. اشترك فيه تانغ شيوي قوه بعشرين عملا من تماثيل العجين داخل قشر الجوز، فأحدث صدى قويا هناك، وبلغ عدد الزائرين لهذه الأعمال 500 ألف. كان تانغ شيوي قوه يصنع فروخ الدجاج أمام الزوار، فحمل كل زائر تقريبا فرخ دجاج مصنوعا من العجين. بعد المعرض قال منظم المعرض متأثرا إن كندا لم تشهد معرضا بلغ عدد زواره 500 ألف في تاريخها.

في عام 1987، سافر تانغ شيوي قوه إلى اليابان تلبية لدعوة من جامعة طوكيو للفنون لتبادل الخبرة حول فن تماثيل العجين لأسرة تانغ. قدم تانغ شيوي قوه شرحا لهذا الفن باللغتين اليابانية والإنجليزية معا. أثناء الزيارة أقام معرضا لأعماله في بناية الجبال والأنهار المشهورة في اليابان، زاره عدد كبير من المتخصصين. وذكر اليابانيون أن تانغ شيوي قوه هو رابع صيني زار هذا المكان المشهور، ومن بين الثلاثة الآخرين فنان أوبرا بكين المشهور مي لان فانغ والعالم الصيني الكبير كو مو جو، مما يدل على اهتمام الأوساط الفنية اليابانية بفن النقش على العجين الصيني.

من عام 1980 إلى اليوم، زار تانغ شيوي قوه، مدعوا، أكثر من 20 بلدا للتبادل الأكاديمي، من بينها الولايات المتحدة واليابان وكندا وبيرو، وشرح فن النقش على العجين الصيني لنحو ألف شخص. وبينما كان يلقي محاضرات في الخارج، كان بعض محبي فن النقش على العجين يتبعونه في رحلاته في ثلاث مدن ليتعلموا منه هذا الفن. تُحفظ أعماله في العديد من المتاحف الوطنية والأجنبية ومعارض الفنون الجميلة والجامعات، ويحتفظ بها رئيس الوزراء الكندي السابق ورئيس كولومبيا وبعض الشخصيات المشهورة في العالم.

في مارس 1996، منحته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) لقب "أستاذ الفنون اليدوية الشعبية الجميلة".