تميزت الصين خلال عصورها المختلفة بالانفتاح على الآخر، أيا كان أصله أو ثقافته أو عقيدته أو لون بشرته. بل إن الصينيين خلال تاريخهم الطويل عُرفوا بالسعي إلى اجتلاب كل ما يعتقدون أن فيه خيرا ومنفعة لهم، والترحيب بكل من يأتيهم ضيفا أو مهاجرا، ولكنهم أيضا معروفون بالتصدي لكل من يجيئهم متنمرا مستغلا. ولهذا فإن إمبراطور الصين قديما هو الذي أرسل مبعوثيه إلى المناطق الغربية، والتي كان يُقصد بها البلاد الواقعة غربي الصين، ليأتوا له بالأسفار البوذية التي سمع بها. وعندما جاء التجار المسلمون إلى الصين من غربي ووسط آسيا، فتحت الصين ذراعيها لهم وأكرمتهم وجعلتهم من أهلها عندما استقروا بها. بل إن كثيرا من المسلمين تبوءوا مناصب هامة في الدولة الصينية القديمة وكان لهم دور كبير في نهضة البلاد، ومن هؤلاء "السيد الأجل شمس الدين، الذي ننشر قصته في هذا العدد. ويعيش في الصين ملايين من المسلمين، يمارسون حياتهم الدينية على طريقتهم الخاصة في أجواء من التسامح الجميل، كما يكشف مقالنا "الإسلام في لينغشيا، مكة الصغرى".
وعندما جاءت المسيحية إلى الصين في كنف المستعمرين نبذها الصينيون ونفروا منها، ولكنهم أقبلوا عليها ورحبوا بها عندما خُلع عنها رداء المستعمر الغربي، وبعد أن استقر في يقين الصينيين أنها دين سمح لا علاقة له بظلم واستبداد الإمبرياليين، حققت المسيحية في الصين انتشارا خلال نصف قرن لم تحققه خلال مئات السنين، حيث زاد عدد معتنقي المسيحية، بشقيها الكاثوليكي والبروتستانتي بنسبة ملحوظة، وفقا لمقالنا "الحالة الدينية في الصين".
هذا الانفتاح الصيني على الآخر يعبر عن نفسه بأشكال متنوعة، فهناك المطرب الصيني الويغوري آركن الذي يسعى إلى إدخال عناصر موسيقية عربية في أغانيه، التي يبحث في عالمها مقالنا " آركن.. يغني بأعلى صوته"، وهناك الشاب الصيني الذي كتب إلى مشاهير العالم لدعوتهم إلى تأييد استضافة بكين للأولمبياد، وفقا للتفاصيل التي يتضمنها موضوع " من أجل عيون الأولمبياد، شاب عادي يخترق حواجز المشاهير"، وهناك الإقبال الكبير على تعلم اللغة الإنجليزية، حسب مقالنا "حمى الإنجليزية تدخل مرحلة جديدة".
هذا الانفتاح على الآخر، يعكس في حقيقة الأمر الطبيعة المتسامحة والمسالمة والودودة للصينيين، تلك الشيم التي تجعل الصيني يلقى قبولا وترحيبا أينما ذهب، ولعلها أيضا من أسباب نجاح الصينيين في كل مكان يصلون إليه بالعالم.
