ã

العناصر الثقافية في تنمية الاقتصاد

لوه يوان جيون

مشهد من عرض دا يوي هوا شانغ

مشهد من عرض دا يوي هوا شانغ

الفنانة يانغ لي بينغ في عرض يوننان ينغشيانغ

في يناير عام 2007، قدم فنانو مدينة جينان، حاضرة مقاطعة شاندونغ، عرضا للأزياء والإكسسوارات الصينية التقليدية بعنوان "دا يوي هوا شانغ"(الملابس الصينية الفاخرة). بعد النجاح الكبير لهذا العرض تسابقت مقاطعات صينية عديدة، بل وشركات متخصصة من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وسنغافورة لتوقيع اتفاقيات مع العارضين لتقديم عروض مماثلة.

لقد شهدت السنوات الأخيرة تنافسا بين مختلف المقاطعات في إبداع منتجات ثقافية خاصة، أدت إلى تحقيق نتائج اجتماعية واقتصادية، فهي تعطي صورة طيبة للمدينة أو المقاطعة كما أنها توفر عائدا ماديا جيدا. أبدعت مقاطعة يوننان عرضا بعنوان "يوننان يينغشيانغ" (صورة يوننان) يجمع بين الأوبرا والباليه، تؤديه فرقة مكونة من الفلاحين الهواة، إضافة إلى عمل مسرحي غنائي بعنوان "يونلينغ تيانلاي"(ألحان الطبيعة). وفي مقاطعة خنان أبدعوا عملا مسرحيا يكشف عن روعة الووشو الصيني ويتضمن قصة حب مؤشرة، بعنوان فنغتشونغ شاولين (رهبان شاولين يتدربون على الكونغ فو في الهواء الطلق) يؤديه الرهبان. وأعدت مقاطعة قويتشو عملا فنيا يجمع بين الأوبرا والباليه مأخوذا من قصيدة "دوتساي قويتشو فنغ" (رياح قويتشو الملونة). كل هذه الأعمال تبرز التقاليد الصينية القديمة والعادات الشعبية، لذا لقيت إقبالا كبيرا من جمهور المشاهدين، وفي نفس الوقت حققت عوائد اقتصادية لا بأس بها.

 

منتجات ثقافية في العصر الجديد

في بداية ثمانينات القرن الماضي، دخلت الصين مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية، وتمنينا ألا يهمل الصينيون ثقافتهم القديمة. ولكن الذي حدث هو أن الأوبرا الصينية التقليدية بدأت تشهد كسادا اعتبارا من أواسط تسعينات القرن الماضي. يرجع ذلك إلى سببين، أحدهما ظهور أنماط ترفيهية جديدة في حياة الصينيين مثل الأفلام والبرامج التلفزيونية، والآخر وهو الأهم أن الأوبرا الصينية التقليدية لم تتطور مع تيار العصر. ونتيجة لسرعة إيقاع حياة الصينيين في ظل الاقتصاد السلعي، بات المشاهد الصيني اليوم يفضل أنماطا ترفيهية جديدة ذات إيقاع سريع وتأثير مباشر. قال الدكتور تشانغ شين، الأستاذ بكلية علم الجمال في جامعة بكين: "في ظل اقتصاد السوق، لا يمكن للأوبرا الصينية التقليدية أن تجد مكانا لها في المجتمع الصيني إلا إذا واكبت تطورات العصر، فهذا هو الطريق الوحيد".

في القرن الجديد، بدأ الصينيون سعيهم في سبيل تحقيق الحياة الرغيدة، ارتفع مستوى حياتهم إلى درجة جديدة، وانتعشت احتياجات الشعب من المنتجات الثقافية، ومن هنا تحرص حكومات المقاطعات المختلفة على تنمية صناعة الثقافة. ففي مقاطعة يوننان، على سبيل المثال، كان حجم صناعة الثقافة يمثل 1% من إجمالي الناتج المحلي (GDP) في عام 2001، لكن هذه النسبة وصلت 7% في عام 2005، و8% في عام 2006.

بالإضافة إلى الجهد الحكومي، يحاول الفنانون المعاصرون أن يبتكروا أشكالا جديدة من أجل إثارة إعجاب المشاهدين. تعليقا على هذا، قال تشانغ نينغ، مخرج أوبرا "دا يوي هوا شانغ" التي تشمل الأدوار الأربعة الخاصة في أوبرا بكين، وهي تشو (المهرج) ودان (المرأة) وجينغ (الوجه الطلي) وشنغ(الرجل): "اليوم، لا تحظى أوبرا بكين التقليدية بإقبال الشباب الصينيين، رغم أنها في بعض الأحيان تثير إعجاب المشاهدين في المسارح الدولية. أعتقد أن السبب الرئيسي هو أن الأوبرا الصينية ناتجة عن المجتمع الزراعي، حيث كان أسلوب تبادل الآراء متأخرا، مثل النثر الأدبي القديم الذي لم يكن الشباب المعاصرون يفضلون قراءته، لكن عندما ترجمناه إلى اللغة الحديثة أصبح مقبولا لديهم. علينا أن نبتكر أسلوب تعبير جديدا يكشف جمال الأوبرا". وقال لو آن كاي، وهو مؤلف موسيقي: "من أجل جعل المستمعين يستعيدون ذكريات الماضي، أعتمد على أسلوب الفن التقليدي رئيسيا، لكن أعمالي لا تقلد الموسيقى القديمة تماما، فلا بد أن تتضمن الموسيقى عاملا جديدا ناضحا، لمنح المستمعين شعورا جديدا".

 

طريق الثقافة الصينية إلى العالم

زادت صادرات الصين من المنتجات الثقافية في السنوات الأخيرة، كما ونوعا، حيث ظهرت عدة برامج ثقافية اشتهرت عالميا، مثل عرض الباليه الأوبرالي الضخم "التنين والأسد"، الذي عرض في عدة دول لمدة ست سنوات، وبلغ عدد مشاهديه نحو أربعة ملايين. والنموذج الآخر هو عمل الباليه الأوبرالي يوننان ينغشيانغ (صورة يوننان)، الذي عرض ست مرات في دول أمريكا اللاتينية منذ نوفمبر عام 2004، وحقق نجاحا كبيرا، فأبرمت إحدى الشركات الدولية المتخصصة في الأنشطة الترفيهية في أبريل عام 2005 عقدا لعرضه خمسمائة مرة في المدن الكبرى بالقارات الخمس. ووقعت شركة لاندمارك الأمريكية للأنشطة الترفيهية اتفاقا مع الجهة المسئولة لتقديم عرض "فنغ تشونغ شاو لين" الذي تؤديه فرقة تشنغتشو للأوبرا والباليه، لتقديم ثمانمائة عرض متجول في الولايات المتحدة لمدة سنتين.

من أجل تحقيق العالمية، يسعى الفنانون الصينيون إلى تكييف الثقافة الصينية التقليدية مع عادات المشاهدين خارج الصين. في يونيو عام 2005، شاركت فرقة الأوبرا والباليه بشانغهاى في الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان هاملت التي أقيمت في الدانمرك، وقدمت أوبرا صينية بعنوان" أمير الانتقام"، تمت صياغتها وفق مسرحية هاملت لوليم شكسبير. أثناء العرض، دوى تصفيق المشاهدين أكثر من ثلاثين مرة، وأثنى السيد برامسن، مدير إدارة البروتوكول بوزارة الخارجية الدانمركية على هذا العمل قائلا: "تأثرت جدا بهذه الأوبرا. إنه لابتكار عظيم أن يؤدي فنانون صينيون مسرحية لشكسبير من خلال أوبرا بكين".

العمل الفني الذي يحمل عنوان يوننان ينغشيانغ (صورة يوننان) عرفه المسرح الصيني عام 2003، وبعد ظهوره تعهدت شركة شانلين للأنشطة الثقافية بعرضه وترويجه داخل الصين. في السنة الأولي حققت نتائج عظيمة حيث وصلت نسبة بيع التذاكر ونسبة حضور المشاهدين 100%، إلى درجة أن سعر التذكرة في بعض المدن وصل إلى ما بين ثلاثين ومائة دولار أمريكي. في عام 2004، أتيحت الفرصة لفرقة هذا العرض للمشاركة في فعاليات "التعرف على الصين" للتبادل الثقافي بين الصين ودول أمريكا اللاتينية، ووقعت شركة PEGASUS & TAIHE الدولية للأنشطة الترفيهية ببكين عقدا للقيام بتسويقه في دول أمريكا اللاتينية، وتم تغيير اسم العرض إلى "البحث على شانغري لا". وقدم العرض في البرازيل والأرجنتين، فعرض ثلاث مرات في مدينة سان باولو وست مرات في بيونس آيرس، وحظي بإقبال كبير لدى المشاهدين.

 

مازال حجم صناعة الثقافة في الصين صغيرا نسبيا، حيث يوجد عجز كبير في التجارة الدولية للمنتجات الثقافية الصينية، ويبلغ نصيب صناعة الثقافة والقطاعات ذات العلاقة أقل من 3% من إجمالي الناتج المحلي بالصين، بينما تزيد هذه النسبة في الدول الأوروبية عن 10%. لم يستقر في يقين الصينيين أن الثقافة نوع من الصناعة حتى أواخر تسعينات القرن الماضي، حيث بدأت الصين تدرج التنمية الثقافية في خطط التنمية الشاملة. بينما في الولايات المتحدة، من بين أقوى 400 شركة 72 شركة ثقافية، وقد وصل نصيب صناعة الثقافة 20%؛ وتبلغ قيمة الإنتاج الإجمالي لصناعة الثقافة في بريطانيا ستين مليار جنيه إسترليني سنويا، وتأتي قيمة إجمالي صناعة الثقافة في اليابان بعد صناعة السيارات بقليل؛ في بعض الدول المتقدمة، تتجاوز قيمة استهلاك المنتجات الثقافية 30% من نفقات الاستهلاك العائلي. بينما في الصين، تحتل قيمة استهلاك المنتجات الثقافية 5% من إجمالي الناتج المحلي، ومن هنا ندرك أن هناك إمكانية كبيرة لتطوير صناعة الثقافة في الصين.

 

التطور الثقافي يدفع التنمية الاقتصادية

تتمتع مقاطعة يوننان بثقافات قوميات ذات خصائص متميزة وأشكال مختلفة، ففي يوننان 1095 نوعا من الرقص، و6718 أسلوب رقص. وعلى هذه الخلفية الثرية ولد عرض يوننان ينغشيانغ. في نفس الوقت، دفع نجاح هذا العرض نموَ الاقتصاد المحلي. حسب الإحصاء، يبلغ نصيب صناعة الثقافة في بكين وشانغهاى 6% من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة مع 8% في مقاطعة يوننان.

إن هذا العمل المسرحي الذي تكلف نحو مليون دولار أمريكي فقط، رفع صورة مقاطعة يوننان ومن ثم جذب لها استثمارات محلية ودولية قيمتها أكثر من ثمانمائة مليون دولار أمريكي، وبهذه الاستثمارات، يمكن أن تطل ثقافة يوننان بجمالها على العالم.

حاليا، لم يعد ممثلو "صورة يوننان" يعيشون اعتمادا على العرض المتجول، بل يستقرون في مدينة كونمينغ، حاضرة مقاطعة يوننان، ويتخذون قاعة هويتانغ كمكان دائم لتقديم عرضهم، وهدفهم هو جعل "صورة يوننان" ماركة مشهورة ذات خصائص إقليمية، وأن يصبح مقرهم مركزا ثقافيا لمقاطعة يوننان، يضارع مسرح الشعب في بكين وشارع برودواي في نيويورك.

صارت أسماء بعض المسرحيات والعروض والأفلام دليلا لبعض المدن، الأمر الذي يعزز السياحة الإقليمية ويدفع التنمية المحلية. في عام 2004، عرضت مسرحية "ينشيانغ ليو سان جيه" (انطباع حول السيدة ليو سان جيه) للمخرج الكبير تشانغ يي مو، بمدينة قويلين ذات المناظر الجميلة، وحظيت بإقبال جماهيري كبير، ووصلت مبيعات التذاكر خلال نصف عام عشرة ملايين دولار أمريكي، في نفس الوقت، شهدت مدينة قويلين ازدهارا سياحيا. قال أحد هواة الرحلات: إن مسرحية "انطباع حول السيدة ليو سان جيه" أخذتني في جولة حول مدينة قويلين الجميلة، ما إن أتذكر هذه المسرحية حتى تخطر في بالي فكرة زيارة قويلين.

قال خه تشون لي، رئيس مصلحة السياحة بمدينة ليجيانغ: "نحاول بشتى الطرق تنمية الاقتصاد، فدمجنا العناصر الثقافية مع السياحة الإقليمية، مما أعطى لقطاع السياحة نشاطا عظيما. وأنا على ثقة بأن تنمية صناعة الثقافة وتنمية الاقتصاد شيئان متفاعلان بينهما منفعة مشتركة".

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.