ã

وحوش وعيش غراب وبحيرات جبلية

إلى جبل تشانغبايشان في جيلين

دانييل إليان

انعكاسات

بين الجليد

أشجار صنوبر ميرن سونغ في بايخه

بيئة موقرة

لعشرات السنين اجتذبت بحيرة لوخ نيس باسكتلندا حشودا من السياح المترقبين، على أمل أن يحظوا بومضة من ساكن البحيرة في فترة ما قبل التاريخ—الآن يبدو أن نيسي له أبناء عمومة شرقيون. بمزيج من الفضول الكلبي والطفولي، قرأت أولا ما يسمى وحش البحيرة السماوية (تيان تشي) لحديقة تشانغبايشان الوطنية في مقاطعة جيلين بشمالي الصين. إنها مشاهد عادية لمخلوق له "جسم ديناصور ورأس ثور" يعيش قانعا راضيا في مياه زرقاء شاهقة الارتفاع، أثارت انتباهي، ووفرت لي أفضل ذريعة لاكتشاف واحدة من عجائب شمالي الصين.
تشانغبايشان التي تعني (الجبل السرمدي البياض)، هي أكبر محمية طبيعية في الصين، وعيارة عن مجموعة من القمم المنحدرة تحوط البحيرة السماوية، التي تحتل فوهة بركان ساكن. وقد اعتبرت أسرة تشينغ المنشورية الإمبراطورية تشانغبايشان أرضا مقدسة ومهد العرق المنشوري. وبيئتها الثرية المتنوعة تعني أن جيوشا من العلماء يقصدون إلى المنطقة كل عام للقيام بالبحوث، كما أن المحمية أدرجت في قائمة اليونسكو لمحميات المحيط الحيوي.

مواجهة الصعوبات

على الرغم من توفر استحقاقات عديدة، تشانغبايشان ليست مكانا يسهل الوصول إليه. بعد مفاوضات مطولة من خلال طرف ثالث صيني وثيق الصلة، استطعت تدبير تذكرتي سفر بقطار النوم العادي إلى تونغهوا، وهي أقرب مكان إلى الحديقة له خط مواصلات مباشر مع بكين. وبالنظر إلى التحذيرات الشديدة لي من مخاطر السفر إلى دونغبي (الشمال الشرقي) في أواسط سبتمبر، وهي فترة وفقا لكثيرين إما منتصف الرياح الموسمية  أو على أعتاب جليد عميق ممتد، فقد حزمت كميات هائلة من الملابس الدافئة والمانعة للماء. ومع حقيبتي ظهر ركبت أنا وصديق لي القطار رقم 1410 إلى تونغهوا، ووصلنا إلى السريرين اللذين سنبقى معهما لمدة سبع عشرة ساعة، وبدأنا نتعارف مع جيراننا.
كانت الرحلة إلى تونغهوا طويلة،ولكنها كانت مريحة. وقد وصلنا المحطة في الساعة السابعة صباحا. كانت الجولة الثانية في رحلتنا الماراثونية بالقطار في القطار الإكسبريس المحلي، الذي تجاوزه في نقطة معينة عجوز يقود دراجة بثلاث عجلات.

العودة إلى الأرض في بايخه

أحاط بي جمع غفير من مندوبي الفنادق، كل منهم ينافس الآخر في وضع صورة منيرة لأفضل جناح في فندقه بالقرب من أنفي. اخترنا فندقا بطريقة عشوائية ومشينا مائة متر عبر ميدان السوق حتى سقطنا منهكين تقريبا في غرفتنا الجديدة. كان محل إقامتنا مختلفا بشكل ملحوظ عن ذلك الذي كان المندوب يحاول باستماتة أن يريه لنا.
كانت الشمس منخفضة عندما غامرت بالخروج إلى بايخه في جولة سريعة بالبلدة لتناول الطعام. بايخه هي الجزء الوحيد من الصين الذي ينمو فيه نوع من أشجار الصنوبر الطويل الأنيق يسمى مايرن سونغ. كانت الشمس تتدثر خلف صف من ذلك الشجر بجرف حاد، مبدعة مشهدا رائعا ممتدا مع ظلال السماء الصافية. دخلت مطعما محليا، شدني إليه صاحبه الودود وتذوقت بعضا من عيش الغراب البري المحلي ذا النكهة الغنية.

مقدمة للصعود

استيقظت باكرا في الصباح التالي على صوت المحركات التي لا تتوقف والتنظيف الجماعي للحناجر. بسرعة ارتديت عدتي العازلة للحرارة وتناولت جياوتسه وشايا أخضر، وبعدها كنت في الأتوبيس الدائري من أجل جولة سريعة في الغابة العذراء إلى بوابة الحديقة.
بسرعة تجاوزنا صفوف سياح يلبسون قبعات البيسبول نزلوا من سيارات دفع رباعي وتوجهنا إلى محل للمأكولات الخفيفة متخصص في الأطباق التي تدفئ الجسم. ففي تقدير وإجلال للبراعة الصينية، تم تحويل الماء الكبريتي الحار من مساره الطبيعي لتسخين قفص من البيض وذرة صفراء لامعة في بركة ينطلق منها البخار. لم نشأ أن نوقظ البائع، الذي كان إما نائما بسعادة أو خنقه الدخان، وتحركنا بخفة. بعد عشر دقائق من السير فوق مجموعة من الصخور الجلمودية باتجاه الصخرة التي تحوي البحيرة السماوية، كان جسمي المتصبب عرقا بحاجة إلى إعادة تفكير في أمر اللباس. وقد أخبرتني نظرة خاطفة نحو الدرب المائل المبلل الذي أمامي أن الحفاظ على الدفء لن يكون مشكلة تهدد الحياة على الإطلاق.

طبوغرافيا سماوية

في ذلك الصباح الصافي من شهر سبتمبر، كانت تشانغبايشان رائعة الجمال، إذ كانت أشعة الشمس تتسلل ببطء متخللة الضباب المنخفض. لون أكسيد الحديديك المائي المتدرج لوجوه لصخور المحيطة كان متباينا مع النتوء الخضراء لشجر البتولا الممتد على الدرب، والصخور الداكنة لصحن الوادي والبياض الناصع لنهر آرداوباي والبحيرة السماوية الفارغة من فوق. على رأس الوادي شلال ماء هائل يتدفق فوق وجه صخرة بارتفاع سبعة أمتار تقريبا مبدعا ضبابا أبيض سديمي من قطرات الماء عندما تصطدم بالصخور أسفلها. هذا هو منبع الثلاثة أنهار الكبرى في جيلين؛ سونغهوا، تومن ويالو، والتي تشكل حواجز طبيعية مع روسيا وكوريا الشمالية. على الرغم من كوني مصورا فوتوغرافيا شرها، كنت كمن تم تنويمه مغناطيسيا بفعل هذا العرض الجليل لقوى الطبيعة، إذ أن الماء الذي كان مقيما في البحيرة يتدفق ضاربا الصخور الجلمودية المتلألئة في قاعدة الشلال، ثم ينهض ويتجمع في دقائق معدودة.
بعد صعود درب أسمنتي مستدير يوصل إلى هضبة شاطئ البحيرة، رأينا جرفا اصطناعيا بالجانب الآخر للطبوغرافيا البدائية، وكنا قد ابتعدنا مسافة قصيرة عن البحيرة نفسها. وبينما لم يكن الجو باردا لدرجة تبرر ملابسي الثقيلة، بوسعي أن أقول من خلال الانخفاض الملحوظ لدرجة الحرارة أنه في غضون شهر سوف تختفي البيئة المحيطة بنا تحت غطاء من الجليد. اللون الأزرق الكثيف للسماء الخريفية المشمسة أعطت لونا تركوازيا متدرجا لسطح البحيرة السماوية القريبة. لو أن هنا وحشا حقا، فإنه اختار بالتأكيد أفضل بيئة لتحدي النشوء والتطور.
أضافت كريات متقطعة من الريح الثلجية مزيدا من الشعور بالابتعاد، بينما آخذ أنا مخزونا من بيئتي الجديدة. هنا، أنا في واد بين قمم شديدة الانحدار وحوائط صخرية متشققة، على الرغم من شعوري بأنني تسلقت جبلا صغيرا. الماء الشفاف المتدفق من نهر آرداوباي أحدث دوامات وانساب خلال العشب الأخضر، حاملا أوراقه الخضراء إلى فوهة الشلال. قاع الوادي الفسيح كان مزينا بصخور بركانية متنوعة الأشكال والأحجام، تماما مثل رقعة شطرنج عملاقة تركت في منتصف المباراة. هناـ في تلك البراري العالية حيث قوى الطبيعة بارزة، كانت اليد البشرية موجودة، إذا تتراكم آلاف من الصخور المنمنمة التي تصور الطبيعة مزينة الأرضية. التقطت حجرا صغيرا وأضفته إلى أقرب كومة، ليس كإجلال روحي وإنما كعلامة على مرور من هنا.
على الرغم من قلة الناس على حافة البحيرة، كان وصولنا لحظة خاصة. ومع السير قدما اتخذ الشاطئ الحصوي موضع نيسي تشانغبايشان الخاص جدا، ناظرا بثبات باتجاه كوريا الشمالية، جلده المحرشف له بريق معدني، بينما أطفال يلعبون فوق ظهره العريض. ومع الاقتراب أكثر، شكلت البحيرة السماوية مرآة سائلة شاسعة، حيث هبطت الغيوم للاستحمام. إنها قطعة مجوهرات عملاقة تحوطها قمم وتلال مسننة مشدودة كأنها تخترق السماء. هكذا يصبح استخدام كلمة "السماوية" مستحقا، بل أقل من الحقيقة.                  
       

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.