ã

الباب المفتوح وأنشودة الشباب

وأدب الدفاع عن قضايا الوطن

حسانين فهمي حسين

حسانين فهمي حسين

رواية "الباب المفتوح" للكاتبة لطيفة الزيات والصادرة عام 1960 هي البداية الفعلية التي فتحت الطريق أمام الرواية الواقعية للكاتبات المصريات. وتعتبر لطيفة الزيات أحد أهم رواد التيار الواقعي في الرواية المصرية في الخمسينات من القرن العشرين. تعكس الرواية الفترة من 1946 إلى 1956 ومقاومة الشعب المصري للاستعمار الإنجليزي ومعركة بورسعيد، وتؤكد على أهمية الالتحام الشعبي والترابط بين كافة أفراد الشعب المصري في سبيل الدفاع عن الوطن. وقد غطت الرواية فترة هامة في تاريخ مصر الحديث، وتخطت الاهتمام بالقضايا السياسية إلى الاهتمام أيضا بالقضايا الاجتماعية آنذاك والتي تمثلت في التأكيد على أهمية مشاركة المرأة مع الرجل في الدفاع عن مصر وأن تخرج المرأة من عزلتها ومن داخل الأسوار التي فرضتها عليها الأعراف والتقاليد. اهتمت الكاتبة بالربط بين القضايا السياسية والاجتماعية، بل والثقافية والتأكيد على دور المثقفين في التعبير عن الموقف العام للوطن. فالقضية في نظر لطيفة الزيات أكبر من كونها سياسية، فهي تتعداها لتكون قضية عامة تشمل مختلف جوانب المجتمع المصري آنذاك. وتصل الكاتبة من خلال مسيرة بطلتها، ليلى، في نهاية العمل إلى حدث المظاهرة في بورسعيد والذي يؤكد فكرة الالتحام والترابط بين كافة أفراد الشعب المصري من رجال ونساء، مثقفين وعمال، شيوخ وشباب من أجل الدفاع عن الوطن.

أما رواية "أنشودة الشباب" (1958) للكاتبة الصينية المعروفة يانغ موه، فتعد أول رواية ممتازة تعبر عن الحركة الطلابية الوطنية تحت قيادة الحزب الشيوعي في تاريخ الأدب الصيني المعاصر. وتغطي الرواية الفترة التاريخية من 1931 إلى 1935، من خلال حادثي 18 سبتمبر و9 ديسمبر الشهيرين والمسيرة الطلابية لطلاب جامعة بكين تحت قيادة الحزب الشيوعي. وتجسد "أنشودة الشباب" بجدارة ما أكد عليه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، في خطابه الشهير في "ندوة الأدب والفن في يانآن" من أن دور الأدب في المقام الأول هو خدمة العمال والفلاحين والجنود، وعلى أهمية الالتحام بين أفراد الشعب الصيني من أجل الدفاع عن الوطن. وقد نالت الرواية فور صدورها تقديرا كبيرا من الأوساط الأدبية والسياسية آنذاك، فقد شاهد رئيس مجلس الدولة شو ان لاي عرضا مسرحيا لها، وقال عنها الناقد الأدبي والكاتب الصيني الشهير ماو دون: "أنشودة الشباب عمل ممتاز ذو مغزى تعليمي عميق، وإذا أردنا الحكم عليها فلابد من النظر إلى مدى تجسيدها لما أكد عليه الزعيم ماو في خطابه في ندوة الأدب والفن."

وقد تعددت الدراسات التي تناولت "الباب المفتوح" و"أنشودة الشباب" في مصر والصين. غير أنه لم تكن هناك أي دراسة جمعت بين الروايتين. ونحن نرى أن بين الروايتين الكثير من أوجه التلاقي، التي تتمثل في أن كلا الروايتين من الأدب النسائي، والبطولة فيهما أيضا للأنثى. وفي حين نجد في "الباب المفتوح" مفهوم الاستقلال السياسي في مصر والتحرر من القيم الاجتماعية البالية التي تنتمي إلى الموروث التقليدي، والتي عطلت بدورها تقدم المجتمع ومشاركة المرأة مع الرجل في الدفاع عن مصر، نجد في "أنشودة الشباب" التعبير عن نضال المثقفين الشباب الثوريين من أجل الدفاع عن الصين والاستغناء عن القيم المتوارثة والتي عاقت تحرير المرأة ومشاركتها في الدفاع عن قضية وطنها. ويمثل جيل الشباب عماد الروايتين؛ حيث أن "الباب المفتوح" تروي قصة البطلة ليلي مع ثلاثة شباب، هم عصام ورمزي وحسين، وثمة ثلاث فتيات، هن سناء وعديلة وجميلة، بينما تروي "أنشودة الشباب" قصة البطلة لين داو جينغ مع ثلاثة شبان، هم يوي يونغ تسه ولو جيا تشوان وجيانغ هوا، وأيضا بعض الفتيات مثل وانغ شياو يان ولين هونغ. وقد كان اختيار البطلة في الروايتين لشريك الحياة هو اختيار البطل الثوري، فكان اختيار ليلى هو حسين واختيار لين هو جيانغ هوا. وتنتهي كلا الروايتين بحدث المظاهرة التي تؤكد فكرة الالتحام بين كافة أفراد الشعب في الدفاع عن الوطن، فالنهاية في الروايتين هي نهاية مفتوحة ليس فقط لليلي ولين داو جين، بل لمصر والصين في مستقبل مشرق في سبيل التحرر ومواجهة العدو الأجنبي. "الباب المفتوح" تقودنا إلى الخاتمة المعلنة بوصفها بداية جديدة "دي البداية يا حبيبتي"، بينما تعلن "أنشودة الشباب" عن البداية والأمل في مستقبل جديد "فلنتقدم دائما إلى الأمام". وتتلاقى الروايتان في الكثير من الخصائص الفنية مثل التحليل والوصف النفسي للعالم الداخلي للشخصيات، وإبراز صورة البطلة من خلال المواقف القصيرة مع شخصيات ظهرت لمرة واحدة، ومهارة وصف بعض الشخصيات الثانوية وعالمها الداخلي وما تعكسه من تفاوت طبقي واختلاف المفاهيم والقيم من خلال المقارنة بين شخصيات مختلفة. وتظهر كلا الروايتين نزوعا واضحا إلى السيرة أو ترجمة الحياة الشخصية للكاتبتين.

غير أننا نجد في "الباب المفتوح" انحياز الكاتبة الواضح والصريح إلى بطلتها ليلى في كثير من المواقف واهتمامها بوصف بعض المشاهد الرومانسية بين الشخصيات، في حين كانت هذه المشاهد عابرة وسريعة في الرواية الصينية وانصب الاهتمام كثيرا على القضية السياسية والخطط الثورية وطموحات البطلة والشخصيات القريبة منها.

* مدرس بكلية الألسن جامعة عين شمس

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.