ã

هل الصين لا تزال بلدا كبيرا في الأدب؟

لوه يوان جيون

إقبال على الأعمال الأدبية العالمية

معرض شانغهاي للكتاب 2005

أول دورة لندوة "شيهو لونجيان" للأدب الصيني المعاصر في مدينة هانغتشو

ثمة كثير من الأدلة تثبت أن الصين كانت بلدا كبيرا في الأدب، فتاريخ الأدب الصيني أكثر من ألفي سنة؛ وقد تميز ليس فقط بتنوع المذاهب والأساليب وكمالها، وإنما أيضا بغزارة الإنتاج من العصور القديمة إلى العصر الحديث. ويعجب كل من يبحث في بحر الأدب الصيني الهائل بنوعية هذا الأدب وسعته ودقته. لكل هذا، يضارع الأدب الصيني أدب أي بلد آخر كبير في تلك النواحي.

إلى جانب ذلك، أولى كثير من كبار الكتاب والأدباء في العالم اهتماما كبيرا باستيعاب الأدب الصيني والاستفادة منه، فقد أثنى الشاعر الألماني العظيم جوهان ولفغانغ فون غوته على الثقافة الصينية ثناء عظيما، حيث قرأ عددا كبيرا من المؤلفات الصينية، ونظم الشعر بأسلوب الشعر الصيني، وتعلم كتابة الكلمات الصينية. إضافة إلى غوته، هناك الكاتب الأرجنتيني جورج لويس بورجس الذي ذات صيته كثيرا في الصين قبل عدة سنوات، حيث قام بالبحث في قصص ((لياو تشاي تشي يي))، وليس من الصعب أن نلاحظ تأثير الأدب الصيني في أعماله الأدبية المشهورة. جدير بالذكر هنا أن قصص ((لياو تشاي تشي يي)) ألفها الكاتب الصيني بو سونغ لينغ في أوائل القرن الثامن عشر. هذا الكتاب مجموعة من القصص حول الثعلب والعفريت مكتوبة باللغة الصينية الكلاسيكية توجه نقدا قويا للفساد والظلم في المجتمع الصيني آنذاك، وتكشف التناقضات الاجتماعية إلى حد كبير، وتعبر عن رغبات أبناء الشعب. يعتبر الكتاب إحدى روائع الأعمال الأدبية الصينية المكتوبة بالصينية الكلاسيكية.

وعن أسباب عدم خروج الأدب الصيني إلى العالمية، قال البروفيسور تان يوان تينغ، بجامعة هوانان للتكنولوجيا، إن اللغة الصينية لم تنتشر في العالم لظروف تاريخية معينة، مما أعاق التبادل الطبيعي بين الأدب الصيني والعالم. لكن ذلك لا يعني أن الصين ليست بلدا كبيرا في الأدب، فمكانة الصين كبلد كبير في الأدب لم تتزعزع منذ القدم.

إذن، هل لا تزال الصين بلدا أدبيا كبيرا؟ الآراء هنا تختلف.

الكاتب الصيني المشهور وانغ منغ، يعتقد أن الصين لا تزال بلدا أدبيا كبيرا، ومبرراته هي أن الصين حاليا بها أكبر عدد من الإصدارات الأدبية بالعالم، وأن حجم مبيعات كتب الأدب في الصين كبير للغاية، إضافة إلى أن عدد الروايات التي تصدر في الصين سنويا يربو على الخمسمائة.

وقال يانغ كوانغ هان، الباحث بمعهد الآداب التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إنه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، صدرت في بر الصين الرئيسي كمية هائلة من الأعمال الأدبية بأنواعها المختلفة وبأشكال وأساليب كثيرة ومتنوعة، وموضوعات وافرة، وعدد قرائها كبير، بشكل يفوق كثيرا ما كان في النصف الأول من القرن العشرين، كما أنها غير مسبوقة في تاريخ الأدب الصيني. لذلك من المعقول ضم الصين إلى صفوف البلدان الكبيرة أدبيا.

ازداد عدد أعضاء الجمعية الصينية للكتاب من 401 عام 1949 إلى 7690 عام 2006. والإبداع الشعري وافر، حيث تنشر أكثر من سبعين ألف قصيدة بالأسلوب الحديث والقديم سنويا منذ تسعينات القرن العشرين، أي أن حجم الأعمال الشعرية التي تنشر كل سنة يتجاوز حجم قصائد ((ديوان الشعر في عهد أسرة تانغ - تشيوان تانغ شي))، الذي يعتبر  أكبر ديوان من حيث عدد وحجم القصائد في عصور الصين القديمة، فيه أكثر من 48900 قصيدة لأكثر من 2200 شاعر في الفترة ما بين القرنين السابع والعاشر. 

  ولكن ثمة آراء أخرى ترى أن الصين لم تعد بلدا كبيرا في الأدب، وحجتهم في ذلك أن الأدب الصيني الحديث يفتقر إلى الكتاب الكبار والأعمال الأدبية العظيمة، وأن عدد متلقي الأعمال الأدبية الصينية قليل؛ ثم أخيرا، ضعف الروح الأدبية بصورة عامة.

والحقيقة أن نظرية افتقار الأدب الصيني في العصر الحاضر إلى كتاب كبار وأعمال عظيمة ظهرت خارج الصين. إلى جانب اختلاف المفهوم الأدبي، يعود سببها الرئيسي إلى أن عدد الأعمال الأدبية الصينية التي ترجمت إلى لغات أجنبية قليل، مما أوجد صعوبة فنية في التبادل الأدبي. ويرى قطاع النشر في الصين أن الترجمة هي أكبر عائق لتصدير حقوق النشر، والصين تفتقر إلى المترجمين الممتازين الذين يتقنون ثقافة الصين وثقافة البلد الذي يترجمون إلى لغته، الأمر الذي يعتبر السبب الرئيسي لصعوبة خروج الأدب الصيني إلى العالم.

في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عام 2006، صدرت الصين 1936 نوعا من حقوق الطباعة والنشر، واستقدمت 1254 نوعا، مما يعني أن الصين حققت "فائضا" في نشر الكتب الصينية لأول مرة. غير أن معظم حقوق الطباعة والنشر التي صدرتها الصين حقوق للقواميس الصينية والمؤلفات التقليدية الكلاسيكية، بينما كانت نسبة أعمال أدب العصر الحاضر متواضعة للغاية.

وقال البروفيسور تشانغ بين، الأستاذ بجامعة بكين، إن المشكلة حاليا أن معظم قراء الأدب الصيني في البلدان الأجنبية ليست لديهم رغبة في الأدب الصيني، وإنما في الصين. فلم تتشكل بعد مجموعة قراء الأدب الصيني بين أبناء الدول الأخرى.

تعتمد نظرية ضآلة عدد متلقي الأعمال الأدبية الصينية على حقيقة أن كمية مبيعات الأعمال الأدبية الصينية الخالصة ليست كبيرة في الصين. قال تسونغ فا، رئيس تحرير مجلة ((الكتاب)) إن وضع الأعمال الأدبية الخالصة مشكلة قديمة، ففي المجتمع الحالي، هناك مجال اختيار واسع أمام  القراء، ويعتبر انتقال القراء إلى الأعمال الأخرى ظاهرة طبيعية. إنه أمر جيد أن يكون عدد قراء العمل الأدبي الخالص بين عشرة وعشرين ألفا، ويكون ممتازا جدا إذا بلغ هذا العدد خمسين ألفا.

سبب ذلك ليس ابتعاد القراء عن الأدب، بل لأن أساليب تواصل القراء مع الأدب باتت أكثر تنوعا، خاصة مع تعميم الإنترنت تدريجيا، حيث يمكن قراءة الأعمال الأدبية على الإنترنت ، الأمر الذي يؤدي إلى انتقال قراء مجلات الأدب الخالصة إلى وسائل قراءة مختلفة.

هناك رأي عام بأن الروح الأدبية تعني اكتشاف وضع وطبيعة الإنسان والمجتمع بالكلمات الهادئة والعميقة، وتحليل عمق وتعقد النفس البشرية، وإيقاظ ضمير الإنسان بأدوات حقيقية وجميلة. يرى البعض أن أهمية هدف الأدب ورسالته يتراجعان على نحو متزايد، كما أن جماليات الأدب تتراجع تحت ضغط العمل التجاري والاستهلاك الثقافي تدريجيا.

هناك علاقة مباشرة بين تراجع الروح الأدبية وتغير شكل المجتمع. في فترة تحول المجتمع التي تتميز بشيوع "ثقافة الوجبات السريعة التجهيز"، من الطبيعي أن يميل الأدب إلى البرغماتية ويتجه إلى الابتذال مهملا رسالته الروحية. بعد أن تعود عقول الناس إلى الرزانة والرشاد، تعود الروح الأدبية طبيعيا.

يعاني الأدب الصيني في العصر الحالي مشاكل كثيرة، بينما يواجه فرصا كثيرة للتطور. قال تشانغ منغ، الباحث بمعهد البحوث الأدبية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن تجربة مرحلة تحول شكل المجتمع ثروة نفيسة لكل كاتب، لأن الوضع الروحي في هذه الفترة أكثر وفرة، يمكنه أن يجد معينا لا ينضب للإبداع الأدبي. ومن هذا المنظور "أنا مفعم بالثقة في تطور الأدب الصيني في العصر الحالي".   

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.