ã

كلاب الصين تودع عامها راضية!!

حسين إسماعيل

عام 2006، عام الكلب حسب التقويم القمري الصيني

أصحاب الكلاب سعداء بكلابهم

الكلب صديق وفي

بمشاعر مختلطة، تودع كلاب الصين في الثامن عشر من هذا الشهر، فبراير 2007،عامها، حيث يبدأ عام جديد وفقا للتقويم القمري الصين، هو عام الخنزير، ويكون على الكلاب أن تنتظر اثني عشر عاما أخرى، هي دورة أبراج الميلاد الصينية، حتى يعود لها عامها. المشاعر المتناقضة التي تسيطر على كلاب الصين، سببها ليس فقط اختفاء اللعب والأشكال والتحف التي تحمل صورها واستبدالها بلعب وأشكال ونماذج لحيوان يعتقد الصينيون أنه رمز للصحة والقوة ولهذا تحرص كثير من المتزوجات على الإنجاب خلال العام الذي يمثله، حتى يأتي أبناؤهن أصحاء متوردي الخدود ممتلؤو الأجسام، وإنما لها أسباب أخرى، معظمها في صالح الكلاب ورفاهيتها.

وإذا كان صحيحا أن أبناء جنوب شرقي آسيا هم أول من استأنسوا الكلب، فلا عجب من الحظوة التي تنالها الكلاب في الصين حاليا، لدرجة أن حجم سوق الكلاب والمنتجات ذات العلاقة بها في تايوان، مثلا، يقدر بنحو 625 مليون دولار أميركي سنويا، ويبلغ عدد الكلاب التي يتم بيعها سنويا في هذه الجزيرة الصينية التي يبلغ عدد سكانها نحو ثلاث وعشرين مليون نسمة، أكثر من مليون ونصف مليون كلب. ولكن تظل الكلاب البوليسية، في الصين أوفر حظا، حيث تبلغ مصروفات الكلب البوليسي الواحد في بر الصين الرئيسي في السنة أكثر من خمسمائة دولار أمريكي، وتخصها الجهات المعنية بعناية فائقة تصل إلى درجة توفير مقابر لها لدفنها فيها، بعد أن تمضي فترة شيخوختها معززة مكرمة في دور رعاية خاصة للكلاب المسنة!

وقد شهدت أحوال الكلاب في الصين خلال عامها تحولات عديدة، فساكن العاصمة بكين مثلا أصبح في مقدوره الحصول على كلب وقتما يشاء بتحديد موعد مع مركز إيواء الكلاب الضالة- كلاب الشوارع- في بلدة تشيليتشو بحي تشانغبينغ، وهو لا يبعد أكثر من أربعين دقيقة بالسيارة من وسط المدينة. 

مركز الإيواء الذي يغطي ثلاثين ألف متر مربع وتتولى إدارته مصلحة الأمن العام ببكين أنشئ عام 1998، ويوجد به نحو 600 كلب من الكلاب المصادرة أو الضالة، يقدم لها المركز الرعاية البيطرية والعلاج وخدمات التبني. ومنذ أكتوبر عام 2000 إلى الآن تبنت أسر بكينية مائتي كلب من نزلاء المركز، المزود بمستشفى بيطري وكافتيريا للكلاب وخبراء متخصصين وحراس لضمان المعاملة الطيبة للأعزاء الكلاب، وتأمين إمدادهم بالطعام المغذي. وبالنسبة لخدمات التبني هناك رقم هاتف مُعلن للمركز يمكن لأي شخص، تتوفر فيه المؤهلات المطلوبة، أن يتصل به يومي الثلاثاء والجمعة لتحديد موعد للذهاب إلى المركز ومعاينة الكلاب على الطبيعة لاختيار الكلب الذي يريد أن يتبناه. وأهم شرط يجب توفره في طالب تبني الكلب أن يكون لديه بيت وأن يحمل شهادة بذلك من الحي السكني الذي يقيم به.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن بكين، حتى نهاية عام 2005، كان بها  نحو ستمائة ألف كلب مسجل قانونيا من أسرة ذلك الحيوان الذي يوصف بالوفاء، ولكن مصلحة الأمن أعلنت أنها عثرت على تسع وعشرين ألف كلب آخر غير مسجل، ونحو ألف وستمائة وسبعين أسرة لديها أكثر من كلب، وهذا مخالف للوائح التي تنص على كلب واحد لكل أسرة واحدة. وحيث أن عدد سكان بكين هو خمسة عشر مليونا فإن النسبة بين الكلاب والبشر في عاصمة البلاد هي واحد إلى ثلاثين تقريبا، على أقل تقدير. 

هذا التوسع في عالم الكلاب في بكين وغيرها من مدن الصين لا يخلو من مشاكل، وعلى رأسها الإصابة بداء الكلب، فبكين التي لم تشهد من عام 1993 حتى عام 2004 حالة إصابة واحدة بهذا الداء الناتج عن عضة الكلب، مات بها اثنا عشر فردا في الفترة من أول يناير حتى منتصف نوفمبر العام الماضي، وفي نفس الفترة تم علاج نحو 120 ألف فرد مصاب بنفس المرض. وقد فرض هذا الواقع على السلطات الطبية في بكين فتح 45 عيادة لداء الكلب تعمل على مدار الساعة لاستقبال حالا ت الإصابة بعضة الكلب وتخصيص خط هاتف ساخن لمن يعضه كلب.

ومن الأخبار، ربما غير السارة، التي استقبلتها قبيلة الكلاب خلال عامها إصدار بلدية بكين لوائح تحظر وجود أي كلب يتجاوز طوله 35 سم في أماكن معينة مثل المراكز المزدحمة بوسط المدينة. وقد احتج أنصار حماية الحيوان بأن الحظر يجب أن يوجه إلى أصناف معينة من الكلاب وليس على أساس الطول والحجم. وردت مصلحة الأمن العام، المعنية بحماية وتأمين سلامة المواطن والكلب معا، بأن الكلاب الضخمة والتي يصعب تبنيها في البيوت سوف تنقل إلى الجهات التي تحتاج كلاب حراسة أو إلى مركز الإيواء حتى توافيها المنية! ورد المحتجون بأن التركيز يجب أن ينصب على رفع  نوعية أصحاب الكلاب وليس فقط أخذ الكلاب بعيدا، وطالبوا باتخاذ إجراءات مشددة ضد المزارع غير المرخصة قانونيا لتربية الكلاب والأفراد الذين يتربحون من بيع الكلاب.

انتشار الكلاب الواسع بين البشر، دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة، يمكن أن يكون عنصر تهديد ليس فقط لأمن وسلامة المواطن وإنما أيضا لصحته وحياته. وحسب تقرير لوزارة الصحة الصينية صدر في شهر ديسمبر العام الماضي، أصبح داء الكلب القاتل الأكبر من بين ثلاثة وعشرين مرضا معديا في الصين، متقدما بذلك على الإيدز والتهاب الكبد الوبائي بي، لمدة ستة شهور متتالية حتى نوفمبر 2006. لهذا شرعت بكين في نهاية أكتوبر العام الماضي في تطبيق لوائح حيازة الكلب التي تهدف إلى تسجيل كل كلاب البيوت والتأكد من تطعيمها، ومصادرة الكلاب غير المسجلة. وأصدرت مصلحة أمن العاصمة إشعارا بأن كل صاحب كلب يريد أن يتخلى عنه يمكن أن يذهب إلى أقرب قسم شرطة ويسلمه هناك. وتشهد بكين أيضا حملات لنشر التوعية بتربية الكلاب بطرق متحضرة، حيث تدعو المواطنين إلى تنظيف مخلفات الكلاب بالشوارع وتدريب الكلاب وعدم أخذها إلى الأماكن العامة، ضمانا لسلامة وطمأنينة البشر.

في شانغهاي، تم زرع شرائح رقمية تمنع انتشار داء الكلب في نصف مليون من كلابها المسجلة الستمائة والخمسين ألفا. هذه الشرائح الرقمية تتضمن رقم هوية يستخدم للاستدلال على معلومات منها فصيلة الكلب وجنسه ولونه وعنوان وصورة صاحبه. وتدرس بكين ومدينة هاربين تطبيق نظام شرائح الكلاب الرقمية.

مدينة قوانغتشو بمقاطعة قوانغدونغ، جنوبي الصين، ابتكرت طريقة جذابة لتشجيع أصحاب الكلاب المسجلة وغير المسجلة لمنع الأمراض ذات العلاقة بالكلب، وذلك بتقديم دعم مالي لهم. ولعله من المفيد هنا أن نشير إلى أن تكلفة تسجيل الكلب في تلك المدينة البالغة الثراء تصل إلى نحو ألفي دولار أمريكي، ولا يوجد خطأ في هذا الرقم. ولعل هذا هو السبب في أن عدد الكلاب المسجلة بالمدينة هو ألف فقط من بين الخمسين ألف كلب بها. وتخطط قوانغتشو تزويد كلابها ببطاقات إلكترونية تشتمل على معلوماتها الصحية وبياناتها الأخرى. وفي سبتمبر العام الماضي أصدرت المدينة الأوامر بالتخلص من كل كلب مصاب بداء بالكلب، وهو القرار الذي أثار زوبعة.

الجهود التي تبذلها السلطات المعنية في الصين للتعامل مع ظاهرة تزايد الكلاب تحظى بتقدير كبير من المواطنين، خاصة أن توجه الزيادة في اقتناء الحيوانات الأليفة في هذا البلد يتعاظم يوما بعد يوم مع التحسن الملحوظ في مستويات المعيشة والتغيرات التي يشهدها المجتمع الصيني والتي تجعل من الحيوان الأليف، وبخاصة الكلب، بديلا في أحيان كثيرة للإنسان. إن تنامي عدد المسنين وتزايد أعداد الأسر التي تختار عدم إنجاب أطفال وكثرة عدد العزاب والعازبات في الصين والحياة بعيدا عن الأهل لأسباب مختلفة، كلها ظواهر تفرض وجود تعويض نفسي، قد يكون الكلب قادرا على توفيره.

إن ما تشهده حياة كلاب الصين من تحسن ليس إلا مؤشرا آخر للارتقاء الشامل لهذا البلد، فحتى الحيوان في الصين تتحسن حقوقه ويحصل على رعاية ربما لا ينالها البشر في مناطق أخرى من العالم. لقد وجدت حكومة الصين حلولا إنسانية لكلاب الشوارع فيها، فأكرمتها وضمنت سلامة المجتمع واستقراره، بينما لا تزال حكومات كثيرة في مناطق شتى من العالم تفكر في كيفية التعامل مع أطفال الشوارع ببلادها، بكل ما تتركه هذه الظاهرة من سلبيات اجتماعية ليس أقلها شيوع الجريمة وتهديد أمن المجتمع، ثم والأهم، عدم الوفاء بأبسط حقوق الإنسان في حياة كريمة، ولو بنفس مستوى كلاب الصين! 

 هنيئا لكلاب الصين، وكل العزاء للجائعين والمحرومين والمشردين في أرجاء المعمورة.

Husseinismail@yahoo.com             

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.