يحتفل الصينيون هذا الشهر، فبراير 2007، بعيدين؛ عيد الحب في الرابع عشر منه، وعيد الربيع، رأس السنة القمرية الصينية، بعده بأربعة أيام. العيد الأول عرفه الصينيون حديثا، أما العيد الثاني فمناسبة عريقة بقدر عراقة الصين وتاريخها الطويل، ولكن الصينيين، بقدراتهم البارعة على التكيف والتحول واستيعاب الجديد، مع الحفاظ على الاتصالة والتمسك بالجذور، يتخذون من كل مناسبة فرصة للابتهاج واستعادة النشاط وتجديد الحيوية. لقد ازدانت مدن الصين قبل أكثر من شهر بأشجار عيد الميلاد وصور "بابا نويل" وغيرها من مظاهر الاحتفال بالكريسماس، لدرجة يتخيل المرء معها أنه في بلد كاثوليكية، وفي نفس الفترة عرضت محطات التلفزيون الصينية وصحفها صور حجاج بيت الله الحرام من الصينيين المسلمين في لباسهم الأبيض وهم في طريقهم إلى المشاعر المقدسة، وهي مظاهر لم يكن يتصور أحد قبل عشرين عاما أن يراها في الصين "الشيوعية".

دلالات كثيرة لا يمكن أن يتجاهلها المرء وهو يرى هذا التعايش الجميل لثقافات وعادات وعقائد مختلفة على أرض الصين المتسامحة التي دخلتها عقائد شتى فاستوعبتها وصينتها. وقد ضرب المسلمون الصينيون الأوائل مثلا رائعا في "مراعاة العادات والتكيف مع البيئة" في الصين، كما يوضح الجزء الثاني من مقال لي هوا ينغ (الحوار الحضاري الصيني العربي)، في هذا العدد. كما انفتحت الصين على الثقافات العالمية، قديما وحديثا، فنهلت منها، ويلقي مقال "الأدباء الأجانب الأكثر تأثيرا في الصين" الضوء على تأثر الأدب الصيني بالأدب العالمي.

والصين تتعاطى مع التطور العالمي في المفاهيم والقيم وفي دور مؤسسات الدولة وأجهزتها، ومنها أجهزة الأمن، فكما يكشف مقالنا "أنسنة الشرطة"، تشهد الصين تحولا في التعامل مع القضايا الأمنية وفي النظرة إلى المجرمين، وهو تحول يعطي أجهزة الأمن وجها وروحا إنسانية أكثر، ويعزز في الوقت ذاته استقرار المجتمع وتماسكه، بل إن هذه الروح تتجاوز الإنسان إلى التعامل مع الحيوان والحفاظ على حقوقه ورعايته، كما يوضح مقال "كلاب الصين تودع عامها راضية".

عيد جديد وسنة صينية جديدة، نتمنى أن يسودها السلام والأمان والمحبة وأن تتحقق فيها أمنيات كل قرائنا.