على طريق تشاما (الشاي والخيل) الحدودي القديم في جنوبي الصين تقع يونغرن التابعة لولاية تشوشيونغ الذاتية الحكم لقومية يي. وقومية يي من أكبر الأقليات القومية في الصين إذ يبلغ عدد أبنائها في كل الصين 76ر7 مليون نسمة، معظمهم يقطن مقاطعات سيتشوان ويوننان وقويتشو ومنطقة قوانغشي. وقومية يي هي أيضا أكبر الأقليات القومية في يوننان، التي يعيش بها 60% من أبناء يي. تنقسم قومية يي إلى فرو خه (الأسود وباي (الأبيض) وهوا (الأحمر والملون) يي، وهذا التقسيم يعتمد على لون الملابس والحلي التي يرتدونها، فأبناء خه يي يفضلون الملابس السوداء، وأبناء باي يي يلبسون الملابس البيضاء، بينما الملابس الحمراء والملونة هي المفضلة لدى هوا يي.
يبدأ عيد الأزياء والحلي في اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الأول حسب التقويم الصيني التقليدي، ويستمر ثلاثة أيام. في الساعة الواحدة بعد ظهر الحادي عشر من فبراير عام 2006 (اليوم الرابع عشر من الشهر القمري الأول حسب التقويم الصيني التقليدي) عشية عيد الأزياء والحلي بدأنا رحلتنا من مدينة بانتشيهوا في مقاطعة سيتشوان إلى محافظة يونغرن في مقاطعة يوننان.
في الساعة العاشرة من اليوم التالي وصلنا إلى منطقة تشيرونغ بعد رحلة استمرت ثلاث ساعات على الطرق القروية، فرأينا الجبال الممتدة والحقول المدرجة الخضراء، وقرية جبلية لأبناء قومية يي تكسوها أشعة الشمس الذهبية. جذبتنا موسيقى شعبية رنانة تناهت إلى مسامعنا في سفح الجبل. استقبلنا أبناء قومية يي بحفاوة بالغة، حيث أقاموا بوابة بأغصان الصنوبر الخضراء، ومزينة بلافتة حمراء عليها كلمات باللون الأصفر للترحيب بالضيوف.
عبرنا البوابة، والطريق مغطى بأوراق الصنوبر الخضراء، حيث رحب بنا أبناء يي بموسيقى المزمار البلدي والعود المستدير والطبل النحاسي، بينما قدمت عدة فتيات لنا نوعا من المأكولات الملفوفة بالعسل، يسمى تشياوبا ونبيذ الرز الذي يصنعونه بأنفسهم للضيوف. .
السحب الوردية
يقام مهرجان الأزياء والحلي في منصة طبيعية بمنتصف الجبل، حولها مدرجات طبيعية للجلوس، بينها أكثر من عشر أشجار عالية. خلال المهرجان يأتي إلى هذا المكان أبناء قومية يي، الرجال والنساء، بملابس العيد الرائعة.
ويحكي الناس هنا قصة أخوين من قومية يي، هما تشاو لي نوه وتشاو لا نوه، جاءا إلى تشيرونغ بغرض القنص، فوجدا مناظرها جميلة وحقولها خصبة. وصلا إلى نبع ماء بالجبل، وعندما انحنيا ليشربا سقطت من أغماد سهامهما ثلاثة بذور دخن على الأرض، فجمعاها، وزرعاها في حقل، وقالا: إذا كانت تشيرونغ هي المكان الذي يصلح ليعيش فيه أبناء قومية يي بطمأنينة ويعملون بارتياح، ستنبت البذور وتنمو، وستصبح سنابل الدخن وقت الحصاد مثل ذيل الفرس. في الخريف صارت سنابل الدخن مثلما تمنيا، فعادا إلى قريتهما يحملان حصادا وافرا من الحبوب. انتشرت بشارتهما في كل قرى أبناء قومية يي، فانتقلوا جميعا إلى تشيرونغ وعاشوا في طمأنينة وهناء، وصار الأخوان بطلين تسابقت الفتيات للزواج بأي منهما. الأخوان أعلنا أنهما سيتزوجان فتاتين ذكيتين بارعتين تستطيعان تطريز ملابسهما بكل المناظر الطبيعية التي في تشيرونغ؛ الأشجار والأحجار والأزهار والأعشاب والطيور والحيوانات.
في موسم الفراغ الزراعي تبارت الفتيات في غزل القطن والكتان والحرير، ونسج وحياكة الملابس وتطريزها بأشكال المناظر الطبيعية. في صباح اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الأول حسب التقويم الصيني التقليدي، في العام التالي أتى إلى مكان جميع أبناء قومية يي، الكبار والصغار والرجال والنساء، وجاءت الفتيات ترتدي كل منهن الملابس الملونة التي طرزتها، وأخيرا اختار كل أخ من الأخوين رفيقة العمر. بعد ذلك صار من عادات أبناء قومية يي ارتداء الملابس الجديدة التي يطرزونها بأنفسهم ويجتمعون لإقامة مسابقة في الأزياء والغناء والرقص في اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الأول حسب التقويم الصيني التقليدي كل عام، وانتقلت هذه العادة من جيل إلى جيل حتى صارت مهرجانا سنويا للأزياء والحلي لأبناء قومية يي في تشيرونغ.
تتعلم الفتاة من قومية يي التطريز منذ طفولتها، وعندما تصير صبية تصنع الملابس والحلي المزخرفة وتطرزها بنفسها، كي ترتديها في صباح اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الأول حسب التقويم الصيني التقليدي، وتتجه إلى المكان الذي يقام فيه مهرجان الأزياء والحلي. الأحمر والوردي هما اللونان الرئيسيان لملابس فتيات قومية يي، التي تزين بألوان مختلفة وتطرز بخطوط وأشكال عديدة، ويشمل ذلك القبعة والبنطلون والحذاء وحقيبة الكتف.
عندما ينتصف النهار تبدأ مسابقة الأزياء والحلي. وتقف صفوف المشجعين من القرى المختلفة يعزفون بوق سونا والمزمار البلدي، ويرقصون وينشدون محاورات غنائية مؤثرة. رجال أشداء وفتيات جميلات وأطفال مفعمون بالحيوية والنشاط ونساء يحملن صغارهن على ظهورهن، الجميع يرتدي ملابس وحلي تجمع بين القديم والحديث، تظللهم السماء الزرقاء والسحب البيضاء وأشعة الشمس الذهبية.
مسابقة أزياء وحلي شعارها الحب
عرض الأزياء والحلي هو حفل افتتاح المهرجان، بينما حفل الرقص في المساء هو أهم فعالياته. خلال المهرجان تحرص الفتاة من قومية يي على تغيير أزيائها وحليها مرات والتجول بين الحاضرين مرارا وتكرارا لعلها تفوز بقلب الشاب الذي تهواه. أما الشاب فإنه يعبر عن رغبته في الفتاة التي يريدها بخطف إحدى المطرزات التي تزين بها الفتاة نفسها فجأة ويغادر المكان إلى غابة قريبة. هنا يكون مربط الفرس، فإذا كان الفتى الذي خطف المطرزة هو الذي تهواه الصبية، تلحق به متعللة باسترداد ما خطفه منها، وهناك يتفقان على إعلان خطوبتهما ويعودان معا إلى مكان المهرجان ويشتركان مع الآخرين في الغناء والرقص ليلا، أما إذا كانت الفتاة غير راغبة في الشاب، فإنها تتركه وحال سبيله.
أشهر رقصة لقومية يي في تشيرونغ هي داتياو، التي تسمى أيضا تياوجياو، وهي عبارة عن قفزات إيقاعية قوية لمجموعة من الناس يشكلون دائرة متشابكي الأيدي، يرقصون بمرافقة عزف نوع من الآلات الموسيقية بوترين يسمى هوتشين، ويبدءون بقفزات ضعيفة وبطيئة، تزداد سرعة وقوة بانتظام. ويكون النهار مخصصا للنساء من كافة الأعمار، ومع زيادة عددهن أكثر فأكثر تتوسع الدائرة أكثر فأكثر، بينما يستمتع برقصهن الرجال من قومية يي، واقفين وجالسين ومقرفصين في منحدر الجبل أو أمام الغابات. أما الليل فمخصص لرقص العزاب والعازبات فقط، حسب عادتهم.
في الليل تتحجب جميع الفتيات، فلا يظهر من الفتاة غير عينيها ونصف وجهها، ويتحلقن حول أكوام من النار مع الفتيان الذين يعزفون الموسيقى ويغنون ويتجاذبون أطراف الحديث. ومع عزف آلة هوتشين، يبدأ العشاق الرقص يدا بيد، وقد ينصرف البعض عن المكان إلى غابة قريبة لتبادل همس الحب. على مدى ثلاثة أيام، هي مدة المهرجان، يرقص أبناء قومية يي نهارا وليلا. الأغنية التي يغنيها أبناء قومية يي في المهرجان خير تعبير عن مضمون ومغزى عيدهم، مهرجان الأزياء والحلي. تقول كلماتها: على قمم الجبال تتصافح زهور الكاميليا، ويرقص الشباب والفتيات حتى الغروب وإلى الشروق.
لمعلوماتك
الموقع: تقع محافظة يونغرن في المنطقة الجافة والحارة لوادي نهر جينشا بأقصى شمال ولاية تشوشيونغ الذاتية الحكم لقومية يي في مقاطعة يوننان. وكانت دائما ممرا هاما للخروج من مقاطعة سيتشوان ودخول مقاطعة يوننان. تبعد المحافظة عن مدينة كونمينغ، حاضرة المقاطعة، 262 كيلومترا، وعن مدينة تشوشيونغ، حاضرة الولاية، 208 كيلومترات. تتاخم المحافظة مدينة بانتشيهوا في سيتشوان، وتبعد عنها 88 كيلومترا.
المناظر الطبيعية والمواقع التاريخية: بالمحافظة أكبر قاعدة لغابات (silviculture seed production stand) لصنوبر يوننان في الصين، وتتجاوز مساحتها عشرة آلاف مو (الهكتار الواحد يساوي 15 مو)، وبفضلها تعتبر المحافظة واحة الولاية. تحتل المحافظة المرتبة الثانية في الصين، والمركز الأول في المقاطعة في مجال المعدل السنوي من أشعة الشمس، وتعتبر مدينة أشعة الشمس والسحب الوردية. بها جبل فانغشان المشهور باعتدال مناخه، وهو منطقة مناظر طبيعية جميلة ومواقع تاريخية مشهورة. يبدو الجبل من الخارج مربعا، ومن هنا أخذ اسمه، فانغ (المربع) شان (جبل). به أكثر من أربعين مزارا سياحيا، أبرزها معبد جينغده، وهو معبد بوذي مشهور في جنوب غربي الصين، وفي عام 2001 أدرج ضمن قائمة المناطق السياحية على درجة AA بالصين، إضافة إلى أنه مكان مثالي للاصطياف والاستجمام وقضاء العطلات والسياحة والاستكشاف.
التذكارات السياحية: محبرة تشيرونغ الحجرية مشهورة، وهي من كنوز المكتب الأربعة المشهورة في الصين (الريشة وسبيكة الحبر والمحبرة والورق).