ã

الشباب والأدب، رفيقان على الدرب

يانغ كوانغ هان، باحث بمعهد بحوث الأدب في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية 

الروائي المشهور وانغ منغ

تيه نينغ، أول رئيسة لاتحاد الكتاب الصيني، عام 2006

الشاعرة شو تينغ (الوسط)

في بداية خمسينات القرن العشرين، وفي إحدى ليالي أواخر الخريف، كان شاب عمره تسعة عشر عاما يجلس في الغرفة التي يقيم ويعمل بها في أحد المباني الإدارية ببكين، وتحت الضوء الخافت للمصباح يدون كلمات صينية على الوراق. كان الشاب موظفا لا علاقة لعمله  بالأدب، ولهذا السبب لم يكن أمامه إلا أن يسجل إبداعه الأدبي سرا. بعد أكثر من سنة خرجت إلى النور رواية ((عاش الشباب))، أولى أعمال الأديب الصيني المشهور، فيما بعد، وانغ منغ. ((عاش الشباب))، التي تعتبر من عيون الأدب الصيني الحديث، تعبر عن تلاحم جيل الشباب مع الثورة ومع التحرير، وتعبر عن أفكارهم وتوجهاتهم وروحهم الوطنية وآمالهم العريضة في بناء الصين الجديدة. وقد قال وانغ منغ، عن الأسباب التي دفعته للإبداع الأدبي: "الشباب يحتاج بريق الأدب ويستلهم منه الشجاعة والمواساة، فالأدب يوقظ مشاعر الشباب ويثريها، أما الأدب فيحتاج إلى حيوية الشباب وهمته وشجاعته."

كانت حقبة الخمسينات في جمهورية الصين الشعبية، الحديثة الولادة آنذاك، مفعمة بأريج أوائل الربيع. بدأ البناء على الأطلال التي خلفتها الحرب، في كل مكان تقام مصانع جديدة ومواقع البناء في أوج نشاطها، بينما الأرض العذراء في القرى النائية والمناطق البعيدة تنتظر سواعد الشباب. في ذلك الوقت، كان طلاب المرحلة الثانوية ينشدون دائما في حفل تخرجهم قصيدة ((إلى مكان بعيد))، التي أبدعها الصحفي الشاب، شاو يان شيانغ، والتي تقول كلماتها:

"أجمع أشيائي وأبدأ على الفور الرحلة إلى مكان بعيد، يودعني الرفاق، وأغادر ميدان تيان آن من." 

في نهاية القصيدة يشجع شاو يان شيانغ الشباب قائلا:

"احفظوا، علينا أن نتمسك بالقسم، لا ينبغي أن يتخلف أحد عن الزمن! سنلتقي في بكين، أو في موقع بناء في مكان بعيد!"

في خضم هذه الحياة الجديدة في العصر الجديد، ومع أمنيات وممارسات الشعب الكادح التي غيرت ملامح الوطن، دخل مجموعة كبيرة من الأدباء الشبان موسم الإبداع بحماسهم وإخلاصهم.

ولكن كتابات عدد كبير من الكتّاب الشبان، مثل وانغ منغ وشاو يان شيانغ توقفت ولم تنشر أعمال أدبية لهم بسبب الثورة الثقافية (1966 – 1976م). وعندما استعادوا حريتهم كان قد وصلوا منتصف العمر.

بعد انتهاء الثورة الثقافية، دخل أدب بر الصين الرئيسي مرحلة تطور جديدة. وقد أثارت الانتباه، المجموعة الجديدة من الكتّاب الشبان، فمعظمهم طلاب توقفوا عن الدراسة بسبب الثورة الثقافية واشتغلوا بالزراعة في المناطق النائية، وكانوا يحملون لقب "الشباب المثقف". عندما خرجوا من المدن إلى الأرياف، لم يكن بعضهم أتم المرحلة الإعدادية. ولكن أعمالهم الأدبية قدمت وصفا رائعا لتجاربهم ومعارفهم في شبابهم.

كان الكاتب الشاب ليانغ شياو شنغ أول من وصف حياة الصينيين في ظل الظروف غير المواتية أثناء فترة خاصة من تاريخ الصين وذلك في رواياته ((هذه الأرض السحرية)) و((عاصفة ثلجية في الليل)) و((شهادة البتولا البيضاء)) و((المدينة الثلجية)) الخ. الشخصيات الرئيسية في هذه الروايات هي الشباب الذين استصلحوا الأراضي البور وعاشوا في ذلك العصر المشوه، ولكنهم لم ييئسوا. تعكس هذه الأعمال الأدبية الحالة النفسية المتناقضة للشباب، الناجمة عن حيرتهم بين مثلهم السامية وعدم تحقيق هذه المثل.

وسعى الكاتب الجنوبي، ابن مقاطعة هونان، هان شاو قونغ، إلى تسليط الضوء على المشاكل التي تعوق تطور الأمة وبقاء الإنسان، وأطلق عنان الأفكار العصرية في إبداعاته. هان شو قونغ، الذي أمضى سبع سنوات في الريف بعد إتمامه المرحلة الإعدادية، يعيش حاليا في باشيتونغ بالمنطقة الجبلية في هونان، مهنته الزراعة والقراءة والكتابة، والبقاء على التواصل مع الفلاحين.

مجموعة المثقفين الشبان الذين دخلوا عالم الأدب بعد الثورة الثقافية، لم يحملوا تاريخا مثقلا مثل أجدادهم، ولكن شبابهم النفيس دفن. تجاربهم في المصانع والأرياف والمناجم والمناطق النائية جعلتهم أكثر جرأة على الحب والكراهية وقول وكتابة ما يشعرون به.

ولا بد هنا من ذكر مدرسة "الشعر الغامض"، التي تمثلها شو تينغ. توقفت شو تينغ عن الدراسة في السنة الثانية الإعدادية بسبب الثورة الثقافية، وذهبت إلى الريف، حيث أمضت ثلاث سنوات، ثم عملت في مصنع لمبات كهربائية ثماني سنوات. أشهر قصائدها ((إلى شجرة البلوط))، التي تشبه فيها الشاعرة نفسها بشجرة قابوق تخاطب شجرة البلوط، تقول فيها:

"يجمعنا التصدي لموجات البرد والعواصف والصواعق،

يجمعنا الضباب وقمم الجبال المتموجة وقوس قزح؛

برغم أننا سنبقى متباعدتين إلى الأبد،

ولكننا سنبقى جنبا إلى جنب حتى آخر العمر،

إنه الحب العظيم بيننا،

الصدق هناك،

أحب..

أحب هيكلك القوي وأحب مكانك والأرض التي تحت قدميك."

فالقصيدة، التي يبدو أنها تصف الحب بين الجنسين من خلال وصف شجرتين، تدعو في الحقيقة إلى المساواة والاحترام بين البشر.

وإذا اعتبرنا الشبان المثقفين في خمسينات القرن العشرين الجيل الأول من"أدب الشباب" في الصين، فإن الشبان المثقفين بعد الثورة الثقافية يعتبرون الجيل الثاني، والشبان المثقفين الذين ولدوا في الستينات هم الجيل الثالث، الذي تلقى التعليم النظامي في الجامعات في الثمانينات، بعضهم حصل على أعلى المؤهلات الدراسية، فالكاتبان قه في وشيوي كون حاصلا على درجة الدكتوراه في الأدب. عندما ولجوا عالم الأدب كانت الثورة الثقافية مجرد حكايات يسمعونها، وكان الفكر الواحد للثورة الثقافية قد ضعف تأثيره، فهم يعيشون في بيئة العولمة الاقتصادية والتعددية الثقافية، لإبداعهم وخيالهم آفاق أكثر رحابة.

بعضهم حلل حياة الصينيين في تلك الفترة بأسلوب فني؛ واهتم آخرون بالعالم النفسي للصينيين؛ وعبر بعضهم عن الشوق إلى هدوء الأرياف؛ واستهزأ عدد منهم بالاضطرابات والتشويش في قطاعات التجارة والأجهزة الحكومية وفي الحياة العاطفية. انتقد بعضهم السلوكيات الخيالية بأسلوب الرمز، وركز آخرون على المشاعر الدفينة في قلوب الفتيات. يمكن أن نقول إن الجيل الثالث هو القوة الحيوية التي دفعت تطور الأدب الصيني.

وبعد دخول القرن الحادي والعشرين، أصبح الأدب أكثر تنوعا وتعددا. وأثار جيل الثمانينات الانتباه في الأوساط الأدبية. بعض الكتّاب الذين ولدوا في الثمانينات مازالوا طلابا، ساعدهم الإنترنت في نشر إبداعاتهم. وقد بلغ عدد المواقع الأدبية الصينية المسجلة في السنوات الأخيرة أكثر من ثلاثة آلاف. هؤلاء الشباب يكشفون، عبر لوحة مفاتيح الكمبيوتر، عن تمردهم وتفردهم وشعورهم بالوحدة والحيرة والقلق.

تنظم دورية ((براعم)) مسابقة في كتابة المقالات ذات الفكر الجديد لطلاب المرحلة الثانوية سنويا منذ عام 1999. الغرض من هذه المسابقة هو عدم الالتزام بشكل أو موضوع معين وإنما إبراز القدرة على الابتكار والإبداع. وقد ظهر عبر هذه المسابقة مجموعات من الكتّاب الشباب، بعضهم ألف كتبا، فأصدر هان هان، كتابه ((باب من ثلاث طبقات)) وألف شيوي جيا، ((أحب أشعة الشمس)) وكتب قوه جينغ مينغ ((المدينة الخيالية)) الخ، وبلغت مبيعات هذه الكتب مئات الآلاف، ومعظم قرائها شباب.

ولكن الكتّاب الشبان متأثرون للغاية بالموجة التجارية والموضة بصورة واضحة، ويفتقرون إلى خبرة التعامل مع السوق، فالكتاب من جيل الثمانينات مثل ثمر تعجل نضوجه، ولكن من المؤكد أنه سينضج فيما بعد. 

الآن، يبلغ عدد أعضاء اتحاد الكتّاب الصيني 7690 عضوا، يقل عمر ربعهم عن أربعين عاما. ويمثل مواليد الستينات والسبعينات أكثر من نصف الأعضاء الثلاثمائة والثمانية والخمسين الجدد بالاتحاد. وتمثل روايات الكتاب الشباب الغالبية العظمى من الألف أو الألف ومائتي رواية التي تصدر في الصين سنويا.

 

لمعلوماتك: اتحاد الكتّاب الصيني

اتحاد الكتّاب الصيني منظمة غير حكومية تأسست في بكين يوم 23 يوليو عام 1947، مهماته الرئيسية: تنظيم منح الجوائز الأدبية ومكافأة الأعمال الأدبية الممتازة والكتاب الممتازين. وإجراء الدراسات الأدبية والنقد الأدبي. وكشف وتدريب القوة الجديدة في الإبداع والنقد والتحرير والترجمة لأدب القوميات المختلفة، لدفع تطور أدب القوميات. تعزيز التواصل بين الكتّاب في بر الصين الرئيسي والكتّاب في ماكاو وهونغ كونغ وتايوان والمغتربين الصينيين، دفع التبادل بين أوساط الأدب الصيني والأدب الأجنبي، والمشاركة في النشاطات الأدبية الدولية نيابة عن الكتّاب الصينيين. والتعبير عن آراء الكتاب ومطالبهم، والدفاع عن المصالح الشرعية لأعضائه.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.