من السلوكيات "غير المتحضرة" للسائح الصيني خارج بلاده، وفقا لتقرير لمصلحة السياحة الصينية، إلقاء المهملات عشوائيا والكلام بصوت مرتفع في المطاعم والفنادق. وقد ازداد عدد الصينيين الذين قاموا بالسياحة خارج بر الصين الرئيسي بنسبة 196% في الفترة من عام 2000 إلى 2005، حيث بلغ عددهم31 مليون فرد/مرة، وبذلك جاءت الصين الأولى آسيويا في تصدير السياحة، كما تتوقع منظمة السياحة العالمية أن تصبح الصين رابع أكبر دولة مصدرة للسائحين في العالم عام 2020. لكن بعض السائحين الصينيين يتركون انطباعا سيئا عنهم بسبب سلوكياتهم الغير متحضرة في الأماكن التي يزورونها مما يعطي صورة سيئة عن الصين.
لمواجهة هذه الظاهرة، صرح لي شياو مان، رئيس مجموعة التنسيق بمكتب الأعمال المتحضرة للجنة المركزية للحزب الشيوعي، أن الحكومة ستنفذ "خطة الارتقاء بنوعية السياحة المتحضرة للمواطنين الصينيين" لمدة ثلاث سنوات. هذا الأمر يعني على أرض الواقع تدشين حملة وطنية لرفع نوعية الصينيين بعد حملتين سابقتين، في بداية خمسينات وثمانينات القرن الماضي، هدفتا إلى تحسين عادات ونوعية حياة الصينيين. الجديد في هذه الحملة أنها تحمل بُعدا دوليا وترتبط بمكانة الصين في العالم. وقد قال مسئول بمكتب الأعمال المتحضرة إن السياحة تعتبر أحد مداخل أعمال رفع نوعية المواطنين، لأن الوضع الاقتصادي للسائح يكون جيدا بصورة عامة، ومكانته الاجتماعية عالية نسبيا، ومن ثم ينبغي البدء به ليكون نموذجا يؤثر في الآخرين. وقد بدأ تفعيل هذه الحملة في فترة أسبوع عطلة العيد الوطني أول أكتوبر العام الماضي، بإعلان "دليل السياحة خارج البلاد" و"تعهد السلوكيات للسياحة المحلية".
البعض قال إن مستوى تحضر المواطن الصيني ليس عاليا، ويظهر ذلك عندما يكون الصيني سائحا، فالذي يجب رفعه ليس نوعية السائحين، بل نوعية كل الصينيين. لماذا أصبح الصينيون، أبناء "بلد الإيتيكيت"، لا يهتمون بالسلوكيات والآداب العامة؟
في تفسيره، أو تبريره، لهذا يقول البروفيسور قوه شياو تسونغ، الأستاذ بقسم الثقافة في المعهد الصيني للعلاقات الدولية، إن الانفجار السكني يقود إلى مجتمع يفتقر إلى الآداب العامة والإيتيكيت. آخرون يرجعون الظاهرة إلى قلق الصينيين الناجم عن فقر الموارد الطبيعية. وهناك اتفاق على أن "الثورة الثقافية" التي استمرت من عام 1966 إلى عام 1976 خربت قواعد السلوكيات والآداب العامة التقليدية كما خربت العلاقات بين الصينيين.
ولكن ثمة نظرية تعتبر هذا الأمر "شرا لابد منه" ومرحلة لا بد أن تعبرها كل الدول النامية. وقد نبه مقال لصحيفة ((ليانخه تساوباو) السنغافورية إلى أن أجهزة الإعلام في سنغافورة وجهت نقدا شديدا لسمات "حديثي النعمة" الكريهة للسائحين السنغافوريين قبل 20-30 سنة. بعد سنوات من النقد والفحص الذاتي، راح السائح السنغافوري ينزع عنه قبعة "السائح الكريه" تدريجيا.
اللافت في حملة تعميم الإيتيكيت بالصين أنها ليست حملة توعية ذات اتجاه واحد، من أعلى لأسفل، فهناك وعي متزايد من جانب المواطن الصيني العادي بضرورة تعلم السلوكيات الصحيحة. وقد كشف استطلاع للرأي حول "الإيتيكيت" في الصين عن أن 87% من الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن الصين تحتاج الرجوع إلى الآداب والسلوكيات التقليدية، لأنها جذور الثقافة الصينية، ولأنها تبرز التناغم الاجتماعي والقوة الجامعة وقوة الجذب الوطنية، كما أنها السبيل لإبراز الثقافة الصينية في الخارج. وقال غالبيتهم إن الإيتيكيت يأتي نتيجة للتهذيب الذاتي والخارجي، وأعرب 61% منهم عن تأييدهم لمبادئ إرشاد السلوكيات والإيتيكيت التي أصدرتها الحكومة الصينية. وجدير بالإشارة هنا أن مقرر "الآداب والثقافة الصينية في العصور القديمة" الذي بدأه البروفيسور بنغ لين بجامعة تشينغهوا عام 2004 يجذب اهتمام عدد كبير من الطلاب.
وقد أصبح البروفيسور جين تشنغ كون، الأستاذ بجامعة رنمين الصينية، نجما تلفزيونيا، يعرفه على الأقل ثلث سائقي التاكسيات في مدينة بكين، سبب شهرته برنامجه الذي تبثه محطة التلفزيون المركزية وبضع عشرة محطة تلفزيونية محلية حول الإيتيكيت الحديث. يعتقد هذا الأستاذ الجامعي أن اهتمامنا بالإيتيكيت بات ضرورة ملحة بعد أن حققنا الاكتفاء وزيادة، من الطعام والكساء. وأحد الأسباب الهامة لذلك أن الصين حققت تنمية اقتصادية كبيرة وازدهار وقوة عظيمين، ومن ثم ارتفعت مطالب عامة الناس في الآداب والإيتيكيت، فذلك يعكس نوعية الإنسان ومستوى تهذبه. وقال جين: أحد أهداف عملنا أن يعرف المزيد من الناس أصول الإيتيكيت والالتزام بالانضباط. ويحرص البروفيسور جين على أن يلقي محاضراته على مستوى القاعدة، بين المسنات غير العاملات في الأحياء سكنية وبين سائقي التاكسيات، اقتناعا منه بأن تعلم مثل هذه الفئات الاجتماعية الإيتيكيت يعني أن الآداب الاجتماعية في بلادنا تتقدم بلا انقطاع.
وفي مدن صينية كثيرة، خاصة بكين التي ستستضيف أولمبياد 2008 وشانغهاي التي ستستضيف إكسبو 2010، تقام العديد من فعاليات توعية المواطنين بقواعد السلوكيات المتحضرة. منذ عام 2005، أقامت بكين نشاطات توعية وتعميم للإتيكيت تحت عنوان "بكين متحضرة، أولمبياد إنسانية". ودشنت شانغهاي حملة "تعليم مليون أسرة قواعد الإيتيكيت" في فبراير العام الماضي.
وقد أضحى رجال الأعمال اكثر الفئات الاجتماعية تحمسا لتعلم أصول الإيتيكيت، لإدراكهم أن النجاح في المنافسات التجارية لا يحتاج فقط إجادة أساليب التجارة الغربية وإنما أيضا معرفة العادات والسلوكيات الغربية.
يرجع تاريخ اهتمام الشركات الصينية المتوسطة والصغيرة بتعلم قواعد الإيتيكيت إلى تسعينات القرن الماضي، وارتفعت موجة تعلم الإيتيكيت كثيرا في الأربع سنوات الأخيرة، ولم يعد الأمر قاصرا على قطاع الخدمات، بل انضمت إليه الأجهزة والشركات الحكومية والأهلية والجامعات والأجهزة الفنية. ومازال تعلم الإيتيكيت التجاري هو الأكثر رواجا، حيث بدأ تعلُم الإيتيكيت عدد كبير من أصحاب الشركات المتوسطة والصغيرة التي تسهم بنسبة 60% من الصادرات الصينية ونحو نصف دخل الصين من الضريبة الجمركية. ومن شركات التدريب على الإيتيكيت المشهورة في الصين شركة ويلاي تشيتشو، التي تؤهل المتدرب للتعامل الدولي والتكيف مع العادات والسلوكيات الدولية. في عام 2005 تدرب في هذه الشركة خمسون ألف مدير مالي من المستوى العالي والمتوسط بالشركات المتوسطة والصغيرة، وشمل التدريب مهارات اللبس والمراسلات التجارية والإيتيكيت على المائدة والمفاوضات التجارية الخ.
ويقدم السيد ما يا دا، الذي عاش فترة طويلة خارج الصين، دورات تدريبية على الإيتيكيت للأثرياء. مدة الدورة 16 ساعة، وتكلفة الساعة الواحدة 960 يوانا (الدولار الواحد يساوي نحو 8ر7 يوانات). وبرغم هذه التكلفة العالية يقبل على دوراته عدد كبير من الصينيين، والسبب أنه بعد إتمام دورة الإيتيكيت التدريبية يمكنك أن تجلس على مائدة الطعام للملكة إهليزابيث الثانية!!