ã

الهدايا.. ديوان حياة الصينيين المعاصرة

لوه يوان جيون ويا دان وياو جيان

يقدم الأطفال الهدايا لأمهاتهم

هدية عيد الحب

الهدية التقليدية

تطور الهدايا في الصين، كماً ونوعاً، يعكس التغيرات الهائلة التي شهدتها البلاد خلال الثلاثين عاما الفائتة، وما حققته من طفرة اقتصادية ملحوظة.

في ستينات القرن الماضي، كان الصينيون يعبرون عن احترامهم للرئيس ماو تسي تونغ بتعليق صوره على جدران بيوتهم وعلى صدورهم، وتنافسوا في جمعها، ولهذا كانت صورة ماو و<<مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة>>، أثمن هدية يقدمها الفرد للآخرين.

لم يقتصر الأمر على صور ماو، وإنما شمل الكتب، حيث حظيت القراءة في ذلك الوقت بحظوة عظيمة لدى الصينيين. يحتفظ تشانغ يانغ، الباحث بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في مكتبته ببيته بهدية يعتبرها ثمينة، ألا وهي الطبعة الإنجليزية لـ <<أعمال لو شيون الكاملة>>، وقال تشانغ: "الفضل في اتقاني اللغة الإنجليزية يرجع أساسا إلى مطالعتي هذا الكتاب كاملا."

بعد انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح في بداية الثمانينات، لم يعد الصينيون يعتبرون الاستمتاع المادي ترفا برجوازيا، وشرعوا يسعون وراء الراحة والرفاهية، فأصبح الحليب المجفف واللبن الممزوج مع الملت والكعك وغيرها هدايا شائعة في المدن، بينما كان الفلاحون بالريف يقدمون الحبوب الغذائية هدايا لبعضهم البعض.

قال الفلاح وانغ وو في محافظة شيمن بمقاطعة هونان: "في بداية الثمانينات، كانت الحبوب الغذائية تحتل الأولوية في حياة الفلاحين، فكان أهل الريف يقدمونها هدايا لأقربائهم وأصدقائهم في مناسبات الزفاف، أما الآن فقليل من الناس يقدمون الحبوب هدية، والسبب أنها ثقيلة الحمل."

بالإضافة إلى الحبوب الغذائية، كان الصينيون في ثمانينات القرن الماضي يقدمون القماش هدية، حيث ظلوا بعد تخلصهم من الفقر بوقت قليل، يعتبرون الملابس من المستهلكات الغالية. في بعض المناطق الريفية كانت الفتاة تهدي قبل زفافها أحذية من القماش صنعتها بنفسها للأقارب والأصدقاء.

في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، حقق كثير من الصينيين الاكتفاء من الغذاء والكساء، فبدءوا يهتمون بمستوى ونوعية الهدايا، كونها تعكس وضعهم الاجتماعي، وفي تلك الفترة كانت الدراجات والساعات الأكثر تفضيلا.

قال تشانغ شي بنغ، طالب الدكتوراه في كلية اللغة الصينية بجامعة نانجينغ: "في بداية التسعينات وأنا طالب في المرحلة الثانوية، أهداني أحد أقربائي كوبون تموين بخمسين كيلو جراما من الحبوب، ولكن بعد فترة قصيرة توقف استخدام الكوبونات في السوق الصينية."

أصدرت الصين في عام 1993 قرارا بإنهاء استخدام كوبونات تموين الحبوب، وبعدها أصبحت الكوبونات تاريخا، وكان ذلك دليلا على أن الحبوب والقماش وغيرهما من المواد الأساسية المرتبطة بحياة الشعب أصبحت متوفرة، ومن ثم فلا حاجة إلى توزيعها ببطاقات أو كوبونات التموين.

في بداية القرن الحادي والعشرين، ومع تطور الاقتصاد الصيني وارتفاع مستوى معيشة الشعب، لم يعد الصيني يقلق على طعامه ولباسه، بل راح يفكر في كيفية الأكل بشكل علمي وكيفية الاهتمام بالصحة، ومن هنا أصبحت الأطعمة المغذية والمقويات الصحية الهدايا الرئيسية، وقد ارتفع في تلك الفترة شعار "قدم الصحة هدية لغيرك!"، وتجاوزت نسبة إعلانات المنتجات المغذية خُمس الإعلانات التلفزيونية.

في نفس الوقت، ساد اعتقاد بين الصينيين بعدم ضرورة أن تكون الهدية من اللوازم الأساسية، فدخلت أنماط جديدة من الهدايا التي تتفق مع تيار العصر وتعكس الصفات الذاتية، وعلى رأسها الهاتف النقال والكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية والرقمية. قال سون يان، الموظف في إحدى دور النشر ببكين: "أنا من أبناء الريف بجنوب الصين، والآن تتوفر لأهلي كل الأجهزة الكهربائية الضرورية، في عيد الربيع هذه السنة، سأعود إلى مسقط رأسي وأرغب في أن أقدم كاميرا رقمية هدية لأخي وجهاز MP3 لابنه."

لقد تنوعت هدايا الصينيين بشكل يفوق الخيال، بل إن المدن الكبيرة، مثل بكين وشنتشن، بدأت تعرف صناعة الهدايا الخاصة، بحيث يمكن لكل فرد أن يختار، بجهد قليل، الهدية المناسبة من بين الكم الهائل من الهدايا.

عندما كان سون يان يسافر خارج بكين للعمل، كان يحرص على أن يعود ببعض الهدايا لأصدقائه، ولكنه لم يتوقع أن يقول له الأصدقاء، إنهم يفهمون ويقدرون نيته الطيبة لكنهم حقا لا يحبون تلك الهدايا. كان سون يان يظن أن ما يُسمى "المنتجات المحلية الخاصة" لا يمكن أن يجدها إلا في مكان إنتاجها، ولكنه اكتشف أنها موجودة في أسواق بكين أيضا، وعليه قرر سون يان أن لا يشتري أي هدية خارج مدينته.

الهدية حامل للمشاعر

في بعض المناطق الريفية مازال الناس يحتفظون بتقليد يسمى "دفتر الهدايا" الذي يسجل فيه اسم صاحب الهدية ونوعها، اعتقادا بأن مستوى الهدية يعكس درجة العلاقة بين المُهدي والمهدى إليه.

مع سيطرة السعي وراء المادة، يقل التواصل بين الناس. قبل عشرين سنة، كانت هدية الصينيين في عيد الربيع عبارة عن علية حلوى، رخيصة وبسيطة، ولكنها كانت تجعل الناس في فترة العيد، التي تمتد شهرا تقريبا، يتواصلون بالزيارات المكثفة.

يحكي لي تشيانغ، وهو من أبناء الأقاليم ويعمل في بكين، عن الأيام الخوالي: "في ثمانينات القرن الماضي، كان الصيني يزور كل من تربطه به صلة قربى أو صداقة في فترة عيد الربيع. في بيت المضيف، كان الزائر يلتقي زوارا آخرين، فيتجاذبون أطراف الحديث، وسط أجواء من الألفة والمودة، وبعد هذه الزيارة، يذهبون جميعا لزيارة بيت آخر، في بعض الأحيان كان عدد الزوار يصل عشرات!".

الوضع حاليا لا يعجب لي تشيانغ: "في السنوات الأخيرة، تقل الزيارات المتبادلة بين الناس، وخاصة بيننا نحن أبناء الأقاليم الذين نعمل بعيدا عن مسقط رأسنا، فمعظمنا لا يعود إلى أهله في أيام العيد بسبب زحام القطارات وارتفاع أسعار تذاكر الطائرات. أنا شخصيا أهتم بهذا العيد التقليدي، رغم أنني لا أعود إلى أهلي، فأنا اشترى هدايا وأطلب من الزملاء من أبناء موطني حملها إلى عائلتي وأصدقائي، تعبيرا عن اشتياقي إليهم ومحبتي لهم."

يقول الصينيون: "الجميل بالمثل"، يتبادل الصينيون الهدايا وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل. قبل عشرين عاما، كان العروسان في الريف يتلقيان هدايا مختلفة، من الحبوب الغذائية إلى اللوازم المنزلية، وقليلا من الهدايا المالية، وكان يتم تسجيل كل هدية مقرونة باسم مقدمها لكي تُرد له بهدية بنفس القدر في المناسبات المماثلة. اليوم، معظم الهدايا التي تقدم للعروسين عبارة عن مبالغ مالية، فأصبحت عملية التسجيل أكثر سهولة.

قال الباحث تشانغ يانغ: "قبول الهدية لا يعني امتلاكها مجانا، فهذا امتلاك مؤقت، لأن متلقي الهدية عليه أن يرد الهدية بشيء بنفس القدر للمهدي، بل في بعض الأحيان، يردها بهدية تكلفتها أعلى. ولكن قد لا يرد المُهدى إليه الهدية إذا كان فقيرا. لقد أصبحت الهدية في الصين حاملة للمشاعر بين الناس."

ويقول المثل الصيني: "الهدية بسيطة ولكن المشاعر عميقة"، الهدية تعبر عن المشاعر، أيا كانت غالية أو متواضعة، ولهذا لا ينبغي أن ننظر إلى ثمن الهدية فقط وإلا فقدت الهدية مغزاها ومعناها.

اقتصاد الهدايا

يون بنغ، الذي يدرس الدكتوراه في الولايات المتحدة، عندما قرر أن يعود إلى الصين لرؤية أهله بعد ثلاث سنوات في الغربة، سأل زملاءه عبر الإنترنت عن الهدايا المناسبة التي يقترحون أن يشتريها، فقالوا له: "لا شيء، كل ما هو موجود في الولايات المتحدة، يباع في الصين وبسعر أرخص. "

تذكر يون ينغ ما حدث قبل عشر سنوات، عندما سافر عمه إلى الخارج للعمل، طلب منه زملاؤه أن يشترى لهم أشياء متنوعة. لقد تشكل في الصين خلال السنوات الأخيرة ما يمكن أن نطلق عليه اقتصاد الهدايا، استجابة لاحتياجات الصينيين المتزايدة من الهدايا، فالناس حاليا لا يبخلون بأموالهم لشراء الهدايا لتعزيز علاقاتهم مع الآخرين.

والصين حاليا هي أكبر دولة منتجة للهدايا في العالم، وتعتبر مدينة شنتشن أكبر مدينة هدايا حجما ونوعا، حيث يوجد بها أكثر من 1600 شركة متخصصة في إنتاج الهدايا، ويبلغ إجمالي قيمة إنتاجها 1.8 مليار دولار أمريكي سنويا، ويصل حجم صادراتها من الهدايا سنويا مليار دولار أمريكي. تحتوي المنتجات على الأعمال الفنية المعدنية والأدوات المكتبية والمنسوجات والخزف وأعمال الكريستال والراتينج والزهور والنباتات الاصطناعية وغيرها. ومعظم منتجات شنتشن تحمل براءات اختراع صينية، وتُنتج بخطوط إنتاج على أعلى مستوى تكنولوجي في العالم. على سبيل المثال تحتل هدايا عيد الميلاد التي تُنتج في شنتشن بالتكنولوجيا الإلكترونية الحديثة 75% من الأسواق الأمريكية. وتقام في الربيع والخريف كل سنة في شنتشن دورتان لمعرض الهدايا، وهو أكبر معرض من نوعه في الصين.

بالإضافة إلى شنتشن، تحمل كل من مدينة بكين وقوانغتشو وونتشو لقب "مدينة الهدايا"، نجحت بلدة لونغقانغ بونتشو في إقامة معرض وطني للهدايا لثلاث سنوات متواصلة، حسب الإحصاء غير الكامل، يوجد في هذه البلدة أكثر من 110 شركات تنتج وتعالج المنتجات الجلدية والأعمال الفنية والساعات والأدوات المكتبية الخ، وتحقق إنتاجا سنويا قيمته حوالي 50 مليون دولار أمريكي.

مع ارتفاع مستوى معيشة الشعب، لم تصبح الصين أكبر قاعدة إنتاجية في العالم للهدايا فحسب، بل أكبر سوق لها أيضا. في الصين، تكون فترة عيد الربيع موسم القمة لاستهلاك الهدايا، تتركز السلع الرئيسية في السجائر العالية الدرجة والأطعمة المغذية والصحية الخ. ومع تجدد مفاهيم الناس، قد تصبح المنتجات الحديثة والمنتجات الأكثر فعالية ووظيفية مثل الأدوات الإلكترونية والرقمية محببة للمستهلكين.

في أحد المعارض التجارية التي تقام في حي تشاويانغ ببكين، يهدي المنظمون للحاضرين هدايا تذكارية هي ماكينات الحلاقة الكهربائية ومجففات الشعرة والأدوات الكهربائية الصغيرة والحديثة ذات الوظائف الفعالة. في النشاطات التجارية الأخرى، قد يهدي المنظمون للمشاركين قرص يو أس بي أو جهاز MP3 أوMP4 أو قاموسا إلكترونيا أو كاميرا رقمية الخ، تحظى الهدايا بإقبال كبير لدى المشاركين، وتساعد المنظمين على تحقيق نتيجة إعلانية جيدة.

ينتشر جهاز التشغيل الموسيقي MP3 بين الشباب، خاصة من ذوي المؤهلات الدراسية العالية، الذين يختارونه لهداياهم. قال أحد أصحاب المحلات في شارع تشونغقوانتسون ببكين، حامل لقب شارع الإلكترونيات: "مقارنة مع السلع الرقمية الأخرى، جهاز MP3 وظائفه أكثر وثمنه أرخص، وهو جهاز موسيقي أيضا، والاستماع إلى الموسيقى في كل وقت وكل مكان من صفات الشباب المعاصر، لذا تباع أجهزة MP3 بشكل جيد. وقد نفدت السلع في محلي منذ زمان."

قال وانغ شي تشينغ، نائب رئيس الاتحاد الصيني للصناعات الخفيفة: "بدأتُ دراسة اقتصاد الهدايا منذ إقامته، فدور اقتصاد الهدايا يزداد في السوق أكثر، وهناك آفاق رحبة أمام تطوره."

كما أشار وانغ إلى أن اقتصاد الهدايا ذو تفاصيل ثقافية ثرية. قال: "الهدية، باعتبارها تعبر عن مشاعر الناس وتهانيهم للآخرين، موجودة منذ زمان، حتى في الفترة التي كان الاقتصاد متخلفا، إلا أنها وقتذاك لم تكن جميلة وأنيقة مثل اليوم. مع التطور الاقتصادي السريع وارتفاع مستوى معيشة الشعب، ستصبح الهدية سلعة استهلاكية هامة في السوق وضرورية في الشؤون الدولية والشؤون السياسية والتجارية والترويج الخ.." كما أشار إلى أن الصين دولة مراسم وايتيكيت، والهدايا تلعب دورا هاما في نشر هذه المراسم.

ولكن اقتصاد الهدايا، برغم تطوره، مازال يواجه عدة مشاكل، على رأسها:

أولا، أن حجم وقوة الإنتاج ضعيفة نسبيا، وجودة السلع منخفضة، الأمر الذي يجعل السعر رخيصا والربح قليلا. لا تتجاوز قيمة المبيعات السنوية لمعظم الشركات المنتجة للهدايا 1.25 مليون دولار أمريكي، ويتراوح عمر الشركة بين 3 و10 سنوات.

ثانيا، أن قدرة تطوير المنتجات الجديدة ضعيفة، ومفهوم الناس لبراءة الاختراع محدود، ومستوى العاملين منخفض، وتقليد المنتجات الأخرى دون الكشف عن السمات الذاتية شائع، والنزاعات حول براءة الاختراع كثيرة الخ. حسب التيار السائد، لا بد من الاهتمام بتغليف وتعبئة الأعمال الفنية الشعبية ذات الماركات المشهورة.

ثالثا، يواجه اقتصاد الهدايا الصيني تحديات متمثلة في تعديل هيكل الصناعة وإقامة الماركات المشهورة وزيادة قيمة الإنتاج المضافة ومواجهة المنافسات الدولية الخ.

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.