ã

الأفارقة يختارون

الرقص مع التنين بدلا من الرقص مع الذئاب

عزت شحرور

كاتب المقال عزت شحرور

القمة الصينية الأفريقية التي عقدت في العاصمة الصينية بكين خلال شهر نوفمبر العام الماضي، قيل الكثير عن قليلها والقليل جدا عن كثيرها. إذ أن الكثير من وسائل الإعلام الغربية لم تر في القمة التي حضرها ثمانية وأربعون من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية سوى رئيس زيمبابوي روبرت موغابي ورئيس السودان عمر البشير. وهي كذلك تجاهلت ثماني وأربعين دولة من دول القارة الثلاث والخمسين شاركت في هذا الحدث الدولي الذي اعتبر أكبر تجمع تشهده العاصمة بكين منذ تأسيس الصين الجديدة عام 1949، وانصب تركيزها على خمس دول فقط لم تشارك في القمة، كونها تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان.

البعض ذهب إلى اعتبار هذا التقارب الصيني الأفريقي توطئة لاستعمار اقتصادي صيني يهدف إلى نهب ثروات القارة وزيادة همومها وتعزيز قبضة حكامها على شعوبهم ومواصلة انتهاك حقوق الإنسان والإبادة الجماعية بحق الأقليات القومية.

غير أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية ليو جيان تشاو رد على كل تلك الانتقادات على قاعدة إذا أتتك مذمتي من مستعمر....

لكن المستعرض لأحداث القمة لا بد أن يلاحظ أن أفريقيا هي من جاء إلى الصين بمحض إرادتها، وأن خيار أفريقيا بالرقص مع التنين الصيني جاء بعد عقود طويلة من الرقص مع ذئاب أتت على القطيع كله ولم تخرج القارة من أزماتها وهمومها الكثيرة بل زادت من حدتها. كما أن المستعرض لتاريخ العلاقات الصينية الأفريقية، منذ تأسيسها قبل خمسين عاما، يلاحظ أن دخول الصين إلى أفريقيا جاء عبر البوابة المصرية، عندما كانت القاهرة آنذاك بؤرة حركات التحرر الوطني ومركزا هاما في معادلة الاستقطاب الدولي. ومن مصر إلى الجزائر وغانا وموزمبيق لم تتوقف شحنات السلاح الصيني إلى ثوار تلك الدول.

على الجانب الآخر كانت السواعد الأفريقية السمراء في أروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة هي التي أعادت للصين مقعدها وطردت مندوب تايوان من المنظمة الدولية.

أكثر من تسعمائة مشروع حيوي بنتها الصين في أفريقيا منذ ذلك الحين، وآلاف من الطلبة الأفارقة تلقوا تحصيلهم العلمي في الجامعات الصينية، ومئات من الفرق الطبية الصينية عملت في المستشفيات الأفريقية، وعشرات من مشروعات القرارات الدولية التي تنتقد سجل حقوق الإنسان في الصين أو تلك التي تدعو لانضمام تايوان إلى منظمة الأمم المتحدة جميعها تم إفشالها بأصوات أفريقيا في المحافل الدولية، وتحقيق حلم بكين باستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008 جاء بفضل الأصوات الأفريقية. إنها إذا علاقة أخذ وعطاء ومنفعة مشتركة وتلك هي الأسس المنطقية التي تُبنى، أو يجب أن تُبنى، عليها العلاقات بين الدول.

ما من شك بأن السائل الأسود في القارة السمراء هو الضالة المنشودة وإكسير الحياة لضمان استمرار حركة التنين الصيني، وما من شك بأن الأسواق الكبيرة لدول القارة تُسيل لُعاب الشركات الصينية لتسويق منتجاتها الرخيصة.

وفي نفس الوقت ما من شك أيضا بأن خبرات الصين في تجربتها الاقتصادية الفريدة، يمكن أن تشكل نموذجا تستفيد منه دول القارة في سعيها نحو التنمية دون تدخلات خارجية، ناهيك عن أن ثقل الصين الدولي وتنامي دورها، باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن، بات يثير اهتمام بعض دول القارة التي تعاني من أزمات. ولعل تهديد الصين باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لفرض عقوبات على السودان خير دليل على ذلك.

إن تعزيز الدور الاقتصادي للصين وتوسيع رقعة مصالحها الاقتصادية في دول القارة لا بد أن يفرض على بكين تعزيز وجودها السياسي لحماية مصالحها وقد بدا ذلك واضحا في السنوات الأخيرة من خلال انخراط الصين في قوات حفظ السلام الدولية لتصل مساهمتها إلى نحو أربعة آلاف عنصر في عدة بؤر توتر في أفريقيا، علما بأن بكين كانت ترفض، بل تعارض من حيث المبدأ، فكرة القوات الدولية بمجملها.

بغض النظر عن حجم الاتفاقيات التي وقعت خلال القمة، وبغض النظر عن مبادرة الرئيس الصيني هو جين تاو بمضاعفة حجم المساعدات الصينية وإلغاء الديون المستحقة على الدول الفقيرة بأفريقيا، نحن أمام نموذج جديد للعلاقات بين الدول النامية والقوى الكبرى وصفه بيان بكين الصادر عن القمة بأنه نموذج يقوم على أساس التكافؤ والمنفعة المشتركة واحترام التنوع الثقافي بين الدول، بغض النظر عن حجمها، ويسعى إلى تنسيق المواقف في المحافل الدولية لإصلاح الأمم المتحدة وإقامة نظام دولي أكثر عدلا وبعيد عن هيمنة القطب الواحد.

وعلى الرغم من تأكيد الجانبين الصيني والأفريقي بأن تقاربهما لا يستهدف أي طرف ثالث، فإن تنامي الوجود الصيني في قارة تختزن ثروات طبيعية هائلة، تضخ قوة جديدة في جسد التنين الصيني الناهض، لا بد أن يثير قلق بعض القوى الدولية الكبرى ويشكل تهديدا مباشرا لمصالحها. وهنا يكمن مربط الفرس في طريقة تغطية بعض وسائل الإعلام للقمة. إذا... إنه النفط مرة أخرى وليس حقوق الإنسان.

مدير مكتب قناة الجزيرة في بكين

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.