ã

قمة المنتدى الصيني الأفريقي: الدلالات والأبعاد

د. محمد نعمان جلال

عقد منتدى التعاون الصيني الأفريقي مؤتمره الثالث في الفترة من 4- 6 نوفمبر 2006 بكين على مستوى القمة التي شارك فيها زعماء وكبار مسؤولين من 48 دولة أفريقية بالإضافة للرئيس الصيني.

وهذا المؤتمر هو حدث فريد في نوعه من أكثر من زاوية:

الأول: أنه يشمل طرفين، أحدهما دولة تمثل خمس سكان العالم وهي الرابعة عالميا في حجم إجمالي الناتج المحلي الذي بلغ اثنين تريليون دولار أمريكي عام 2005، والثالثة في التجارة الدولية عام 2005 وإجمالي تجارتها 4ر1 تريليون دولار أمريكي وينمو اقتصادها بمعدل أكثر من 9% سنويا، أي أنها تأتي بعد الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا.

أما الطرف الثاني فهو قارة بأكملها، وهي قارة يزداد فيها معدل الفقر وينخفض معدل التنمية، وينتشر الفساد، وبها عدد لا يستهان به من الدول التي وصفتها المؤسسات الدولية بأنها في عداد الدول الأقل نموا. ورغم كل ذلك فإن بها الكثير من الموارد الطبيعية والمواد الخام.

الثاني: أنه مؤتمر على مستوى القمة، أي أن قارة بأكملها تنتقل إلى دولة هي المستضيفة وهي أيضا الطرف الثاني في المعادلة.

الثالث: أن هذا المؤتمر هو الأول من نوعه على مستوى القمة بين هذين الطرفين، وهو يسعى لتعميق التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية بين الطرفين اللذين يشعر كل منهما بالحاجة الماسة للطرف الآخر.

الرابع: أنه أول منتدى للتعاون أقامته الصين مع دول أو مجموعات دولية وقد عقد اجتماعه الأول على مستوى وزراء الخارجية والاقتصاد والتجارة في بكين في أكتوبر 2000 والثاني في أديس بابا عام 2003 والثالث تحول إلى مستوى القمة بمناسبة مرور خمسين عاماً على إقامة العلاقات الأفريقية الصينية، حيث أقامت مصر في 30 مايو 1956 أول علاقات أفريقية، وعربية مع الصين.

الخامس: أن هذا المؤتمر أثار ومازال يثير الكثير من التساؤلات والشكوك والمخاوف. فالتساؤلات نبعت من الطرفين منذ بدأت فكرة المؤتمر عام 2000 ثم تطورت وعكست المداولات والاجتماعات التمهيدية بين الطرفين هواجس أفريقية عديدة حول هدف الصين من طرح هذه الفكرة، ولكن الجميع تجاوب معها أملاً في إيجاد مخرج إضافي لمساعدة عملية التنمية في أفريقيا التي تواجه مشاكل وعقبات وصعوبات شتى منذ إخفاق عقود التنمية في أواخر القرن العشرين، ثم تراجُع الاهتمام العالمي بأفريقيا بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وانهيار الكتلة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي.

أما الشكوك فكانت تتعلق بنهوض الصين ونموها السريع وحاجتها للمواد الخام لتغذية صناعاتها وحاجاتها للطاقة وكذلك حاجتها للأسواق. ومن هنا أبدى بعض الأفارقة تخوفا من أن تكون للصين مطامع استعمارية بصورة جديدة بعد أن تخلصت القارة من الاستعمار الأوروبي القديم وما تزال ترزح تحت نير استعمار جديد أو استعمار معولم.

أما المخاوف فقد جاءت من دول أوروبا والولايات المتحدة، وإلى حد ما اليابان. حيث نظر الأوروبيون والأمريكيون إلى القارة الأفريقية باعتبارها منطقة نفوذ لهم، وهي تمثل خلفية إستراتيجية، وقد استطاع الغرب أن يتخلص من التنافس بين القوتين العظميين؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، في القارة إبان فترة الحرب الباردة، ثم ظهر له فجأة المارد الصيني في أفريقيا. ومن ثم أصبح الغرب يخشى ذلك من أكثر من زاوية، منها التنافس على موارد القارة وأسواقها، ومنها استقطاب القارة سياسيا لصالح العملاق الجديد. أما اليابان، وهي بدورها عملاق اقتصادي، ولكنها كانت قزما سياسيا والآن في مرحلة البزوغ السياسي، فقد خشيت من منافسة الصين لها في هذه الأراضي البعيدة بعد أن تعاظمت قوة الصين ووجودها في شرق آسيا. وهذا كله يوحي بحدوث اختلال في مراكز القوى ومناطق النفوذ.

ولاشك أن إلقاء نظرة على علاقة الصين بأفريقيا تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بلغ 3ر39 مليار دولار عام 2005، وأن الاستثمارات الصينية في القارة أكثر من 3ر1 مليار دولار، كما تشارك الصين في عمليات حفظ السلام في أفريقيا ولديها العديد من برامج المساعدة في مجالات الزراعة والصحة وبناء الطرق وقاعات المؤتمرات وتدريب الكوادر البشرية. كما أن لدى الصين في أفريقيا 9 آلاف مشروع، و18 ألف طالب أفريقي يدرسون في الصين و16 ألف طبيب صيني يعملون في أفريقيا وقدمت مساعدات لـ34 دولة أفريقية وقامت بإلغاء ديون على الدول الأفريقية الأكثر فقراً بلغت 3ر1 مليار دولار.

وقد سافر كل رئيس أفريقي للصين للمشاركة في القمة وهو يحمل في جعبته عدة قوائم ومطالب من الصين وتطلعات يأمل أن يحققها له المنتدى الصيني الأفريقي. ودائما تزداد قوائم المطالب الأفريقية، ويصعب تحقيقها على الصين أو غيرها من الدول المانحة، وإن كانت الصين لا تستخدم هذا التعبير الغربي الذي يدل على المن والتعالي. نقول إن مطالب القارة كثيرة، وإن تجاوب الآخرين محدود، وهنا لا بد من ملاحظات صريحة وموضوعية:

الأولى: أن كثيرا من دول القارة الأفريقية تتمتع بموارد ضخمة وكان يمكن لها أن تحقق نتائج كبرى في مجال التقدم والتنمية ولكن نظراً لمحدودية الكوادر البشرية وضعف كفاءتها فضلاً عن إخفاق الفكر السياسي والاستراتيجي لكثير من القادة في أفريقيا أدى بها إلى أن تصبح في ذيل القائمة في النمو والتقدم والديمقراطية وحقوق الإنسان.

الثانية: أن قادة الكثير من الدول الأفريقية ظلوا في مواقعهم لسنوات عديدة ومن ثم تجمد فكرهم وعجزوا عن إدراك المتغيرات وعاشوا في فكر حقبة التحرر من الاستعمار.

الثالثة: أن الصين أكدت أكثر من مرة للقادة الأفارقة أنها دولة نامية وأن قدراتها محدودة وأنها حريصة على التعاون والمساعدة في حدود قدراتها وإمكانيتها.

الرابعة: أن الصين نظراً لضخامة التوقعات منها أصبحت تشير إلى أن أوربا والولايات المتحدة علاقاتهما قديمة مع أفريقيا ومع هذا لم يستطيعا حل مشاكل القارة، ولذا فلا ينبغي أن يتوقع أحد أن لدى الصين عصى سحرية للقيام بمعجزة حل المشاكل المعقدة في القارة الأفريقية.

الخامسة: أن المبدأ السليم في تحقيق التنمية وحل مشاكلها هو مبدأ الاعتماد على الذات أولاً ثم طلب مساعدة الآخرين بعد ذلك، ومن ثم فإن الواجب على قادة أفريقيا وأيضا على العرب أن يبدءوا بالبحث في ذواتهم عن أوجه القصور ومعالجتها قبل طلب مساعدة الغير حتى يكون لمثل هذا الطلب مصداقية.

السادسة: أن الصين طورت بالفعل علاقاتها مع عدد من الدول الأفريقية التي أبدت تجاوباً حقيقياً أو مع الدول الأفريقية التي بها موارد طبيعية تحتاجها الصين وتسعى إليها.

السابعة: أن ساحة التنافس الدولي ما زالت مفتوحة، سياسيا واقتصاديا وتجاريا وثقافيا، ومن ثم فإن عملية إدارة علاقات كل دولة بغيرها من الدول تعتمد على مقدرة كوادر وقيادات تلك الدولة ورؤاها الإستراتيجية ومدى التزامها بمبادئ التعامل الدولي وإدراكها لطبيعة المتغيرات في العالم المعاصر.

الثامنة: أن الدول العربية في أفريقيا تمثل خُمس عدد الدول الأفريقية تقريبا، وهي عضو في نوعين من المنتديات مع الصين، الأول هو المنتدى الصيني الأفريقي والثاني هو المنتدى العربي الصيني، ومن ثم ينبغي أن تكون استفادتها أكبر إذا أحسنت الاستعداد وطورت آليات تعاملها الدولي.

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.