قبل أن يبدأ العام الدراسي كل عام، ينهض فان شيان لونغ، المعلم بمدرسة إعدادية في منطقة جبل شننونغجيا بمقاطعة هوبي، بمهمة أخرى. يقوم فان شيان لونغ، ابن الخامسة والعشرين سنة، بزيارات منزلية لأسر تلاميذه الفقراء بغرض التعرف على ظروفهم الاجتماعية كي تقدم لهم الحكومة معونات مالية دراسية.
في عام 2000، وبينما كان فان شيان لونغ يستعد لامتحان القبول الجامعي، تعرض والده لإصابة عمل جعلته معاقا، وأصبحت الأسرة بدون مورد مالي. وعندما التحق الشاب الريفي من مدينة جينغتشو بمقاطعة هوبي، بجامعة جنوب الصين للاقتصاد والقانون كان كل ما يملكه مائة يوان (12 دولارا أمريكيا) ليس أكثر. شعر بأن الدنيا ضاقت وأنه لا أمل له.
في ذلك الحين، طبقت الحكومة الصينية سياسة تقديم المعونة المالية للطلاب الفقراء، ضمن مشروع القروض الدراسية الوطني، وكان فان شيان لونغ من المجموعة الأولى للطلاب الذين استفادوا من هذا المشروع، فأتم دراسته اعتمادا على هذا القرض. بعد تخرجه عام 2004، اشترك في خطة المساعدة التعليمية في أرياف مقاطعة هوبي، حيث عين في منطقة جبل شننونغجيا، ليكون من المجموعة الأولى للمعلمين الذين يحملون شهادة البكالوريوس فيها.
أثناء عمله مدرسا للسنة الأولى واجه حالة طفل اسمه لاي هوا من قومية توجيا، مهدد بالتوقف عن الدراسة بسبب فقر أسرته ووفاة أبيه. استبد به القلق على مستقبل هذا الطفل، ولكن الفرج جاء مع قرار الحكومة بتطبيق سياسة "الإعفاء والمعونة" في مرحلة التعليم الإلزامي بالمناطق الريفية الفقيرة. هذه السياسة تعني الإعفاء من رسوم الدراسة والإعفاء من ثمن الكتب وتقديم معونة معيشة للتلميذ. وبفضل ذلك استطاع لاي هوا أن يقتصد خمسمائة إلى ستمائة يوان (60 – 75 دولار أمريكي) في الدراسة كل سنة. حمل فان شيان لونغ هذه البشرى وقطع جبالا وأنهارا ليلا إلى بيت لاي هوا، فسعد أهله وعاد لاي هوا إلى المدرسة مبتهجا.
السياسات الجديدة التي تبنتها الحكومة تغير حياة الناس في الأرياف الصينية، ليس فان شيان لونغ ولاي هوا إلا نموذجين للمستفيدين من تلك السياسات. في عام 2005 وصل نظام التعليم عن بعد إلى المناطق الجبلية، فلم يعد جمع معلومات التعليم مهمة تقلق فان شيان لونغ، حيث يمكنه أن يستمع إلى محاضرات كبار المعلمين في بكين وشانغهاي عن طريق الإنترنت. استثمرت الحكومة مالا كثيرا لبناء حجرات الدرس ومساكن جديدة في المدارس الابتدائية والإعدادية بالمناطق الريفية الفقيرة. الآن يسكن لاي هوا في مسكن جديد ونظيف، لم يعد يضيع ساعات في الطريق الجبلي بين بيت أسرته والمدرسة، ويستفيد من هذا الوقت في الدراسة بمسكنه الجميل.
هذا الوضع الجيد جاء نتيجة لسياسة الإعفاء والمعونة التي بدأ تطبيقها تجريبيا عام 2001، وسميت "مشروع السياسة التفضيلية" عام 2003، ووسعت الحكومة نطاق تطبيقها إلى معظم المناطق الريفية في وسط وغربي الصين عام 2005، وفي هذا العام، 2007 يحق لكل أسرة فقيرة في الريف أن تستفيد من هذه السياسة.
إن الحكومة الصينية لا تدخر جهدا في مساعدة الطلاب الفقراء، وقد غيرت في السنوات الأخيرة هيكل المصروفات الدراسية كثيرا وتحرص على توفير المخصصات المالية للمعونات الطلابية، وزيادة موازنة التعليم سنة بعد أخرى. وبعد موافقة مجلس الدولة، زادت وزارة المالية ووزارة التربية والتعليم المعونات المالية، فمنذ خريف 2004 قدمت الحكومة الكتب الدراسية مجانا لثلاثين مليون تلميذ فقير في مرحلة التعليم الإلزامي في وسط وغربي الصين، وتم تنفيذ "سياسة الإعفاء والمعونة" في 592 محافظة فقيرة، وأعفت الحكومات المحلية حوالي 14 مليون طفل فقير في هذه المحافظات الفقيرة من تكاليف الدراسة، وقدمت لهم معونات معيشة مالية في نفس الوقت.
لا شك أن "سياسة الإعفاء والمعونة" تساهم في تخفيف أعباء الفلاحين وتعميم التعليم الإلزامي في المناطق الريفية ودفع عملية تخليص الفلاحين من الفقر وتحقيق الثراء لهم. بالإضافة إلى ذلك تساعد هذه السياسة في تعزيز العلاقة بين جماهير الفلاحين والحكومة ودفع بناء المجتمع المتناغم في الصين. لكل هذا تهتم الحكومة بالإعلان عن هذه السياسة وتطبيقها.
وبالنسبة إلى المعلمين والفلاحين في منطقة وسط وغربي الصين، فإنهم يعتقدون أن "سياسة الإعفاء والمعونة" تخفف تكاليف التعليم عن كواهلهم، وترفع نسبة الالتحاق بالمدارس في مرحلة التعليم الإلزامي في المناطق الريفية الفقيرة، وتساعد العديد من التلاميذ، الذين توقفوا عن الدراسة بسبب الفقر، في العودة إلى مدارسهم.
ولكن إذا كانت "سياسة الإعفاء والمعونة" هي الأمنية التي يحلم بها أطفال منطقة وسط وغربي الصين، فإن تنفيذها لا يخلو من مشاكل ويحتاج إلى بذل الجهود لحلها من جانب كل الأطراف المعنية.
الآن لا تواجه الحكومة الصينية مشكلة في تقديم الدعم المالي للمناطق الفقيرة، ولكن معظم تلك المناطق متخلفة، وقاعدتها الاقتصادية ضعيفة. وإذا أعفت الحكومات المحلية الطلاب الفقراء من تكاليف الدراسة والكتب والسكن، سيكون عليها أن تتحمل أعباء مالية كبيرة، فتلجأ إلى تدبير الأموال بكل وسيلة ممكنة، وتعدل هيكل الإنفاق المالي، ولكن المشكلة المالية لم تحل بشكل كامل، وهذا يؤثر على تطبيق "سياسة الإعفاء والمعونة". وقد أشار مصدر من أوساط التعليم إلى وجود ظاهرتين غريبتين في تطبيق "سياسة الإعفاء والمعونة"؛ الأولى، أنه مع تزايد عدد الأطفال الذين يستفيدون من المعونة المالية، تضطر الحكومة المحلية إلى دفع أموال أكثر، ومن ثم فإن الحكومات المحلية بالمناطق الفقيرة لا ترغب في أن يستفيد عدد أكبر من الأطفال من هذه السياسة. الثانية، أنه في الظروف العادية إذا كان عدد الأطفال الفقراء كبيرا في مدرسة ما، فإن ظروف هذه المدرسة تكون فقيرة. وإذا لا تقدم الحكومة المحلية معونة مالية للمدارس حاليا، لا تسير العملية التعليمية طبيعيا، ويكون على المدرسة أن ترشد الإنفاق وتؤجل دفع رواتب المعلمين، وهذا يؤثر في العملية التعليمية.
وفي نفس الوقت، مع استفادة عدد أكبر من التلاميذ بالمعونة المالية وزيادة عدد التلاميذ في المدارس، تبرز مشكلة نقص موارد التعليم في المناطق الفقيرة، حيث يشكو المعلمون في كثير من المدارس بالمناطق الفقيرة، من أن المدارس تعمل بكامل طاقتها أو أكثر مما يؤثر على الموارد التعليمية ومرافق المدارس ونشاطات الدراسة العادية.
من أجل تطبيق "سياسة الإعفاء والمعونة"، بشكل أفضل طرحت الحكومة سلسلة من الإجراءات لحل المشاكل التي تظهر أثناء تطبيقها وتساعد في عودة عدد أكبر من الطلاب إلى مدارسهم بعد أن توقفوا بسبب الفقر، ومن هذه الإجراءات:-
أولا، وضع معايير واضحة للإعفاء والمعونة، وإجراء استطلاع لواقع كل أسرة فقيرة وسرعة تسليم المعونات المالية للأسر المحتاجة، وتبسيط الإجراءات.
ثانيا، من أجل استفادة أكبر عدد ممكن من الأطفال الفقراء من"سياسة الإعفاء والمعونة"، تقوم بعض الحكومات المحلية بتطبيق أسلوب الاستخدام الدوري للكتب المدرسية، على سبيل التجربة، في بعض مناطق غربي الصين. الوضع العادي هو أن يتسلم التلاميذ الكتب الدراسية مجانا ويستخدمونها حتى نهاية المرحلة الدراسية، وبعدها تبقى معهم، وهذه خسارة كبيرة.. الآن تطلب الحكومة رفع نوعية ورق وطباعة الكتب الدراسية واختيار كتب الدراسة بنفس الطبعة، وبدأ في بعض المدارس تطبيق نظام الاستعارة المجانية للأطفال المستفيدين من"سياسة الإعفاء والمعونة"، فالمدارس هي المالكة للكتب الدراسية وتعيرها للأطفال الذين يردونها إلى المدارس عندما تنتهي المرحلة الدراسية.
ويطالب بعض المعلمين والمسئولين الحكومة بوضع سياسة الإعفاء والمعونة في إطار قانوني، ويقترح آخرون أن يكون هناك تنسيق بين الأجهزة المالية بمختلف الدرجات لتحمل الأعباء المالية، كُل حسب حالته، وتشكيل آلية متكاملة للتمويل في النهاية.
تشير الأرقام إلى أن سياسة الإعفاء والمعونة كلفت الحكومة المركزية والحكومات المحلية في عام 2005 تسعمائة مليون دولار أمريكي، منها 380 مليون دولار أمريكي لتكاليف الكتب الدراسية، و5ر382 مليون دولار أمريكي لنفقات الدراسة و5ر137 مليون دولار أمريكي لنفقات المعيشة. وفي عام 2005 ساعدت الحكومة المركزية 34 مليون تلميذ فقير في منطقة وسط وغربي الصين (هذا العدد يمثل 32% من تلاميذ مرحلة التعليم الإلزامي في هذه المنطقة)، واستفاد أكثر من 31 مليون تلميذ من الإعفاء من نفقات الدراسة (هذا العدد يمثل 30% منهم)، ومنهم حوالي 6 ملايين تلميذ حصلوا على معونة معيشة بإقامتهم في مدارسهم (هذا العدد يمثل 19% منهم).
لقد أدى تطبيق"سياسة الإعفاء والمعونة" في عام 2005، إلى تخفيف أعباء مالية عن الفلاحين تجاوزت قيمتها 900 مليون دولار أمريكي. وقد بلغت جملة الإعفاءات التي حصل عليها تلميذ المرحلة الابتدائية من الأسر الفقيرة 26 دولارا أمريكيا في السنة الواحدة، ووصل المبلغ إلى 40 دولارا أمريكيا لتلميذ المرحلة الإعدادية، وبلغت قيمة تكاليف المعيشة التي استفاد بها التلاميذ الذين سكنوا في مدارسهم ما بين 25 و5ر37 دولارا أمريكيا للتلميذ الواحد. وحسب الإحصاءات الرسمية، عاد 350 ألف طفل إلى مدارسهم بعد أن توقفوا عن الدراسة بسبب فقر أسرهم بعد تطبق "سياسة الإعفاء والمعونة".