هذه مقاطعة يقول الصينيون إنك لا ترى فيها أرضا منبسطة في ثلاثة كيلومترات مربعة كاملة. هذا القول يعكس الطبوغرافية الخاصة لقويتشو، الواقعة جنوب غربي الصين، فمعظم أرضها جبال تتخللها بحيرات وكهوف وأودية وغابات. وقد شكلت الجبال عائقا طبيعيا بين قويتشو والمقاطعات المجاورة لها، كما أنها جعلت المواصلات أكبر حاجز بين أبناء قويتشو والحياة الميسورة، ولهذا قال رائد الثورة الديمقراطية الصينية د. صون يات صن، إن السبب الأساسي لفقر وتأخر منطقة غربي الصين هو ظروف المواصلات.

كان لا بد من"شق الطرق من أجل الثراء"، ولكن الطرق ينبغي أن تتجاوز جبالا وأنهارا وأودية. ومع الشروع في تنفيذ خطة الحكومة الصينية لتنمية المناطق الغربية، قررت حكومة مقاطعة قويتشو بناء شبكة طرق متصالبة تربط قويتشو بمقاطعة سيتشوان شمالا وبمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ جنوبا وبمقاطعة يوننان غربا وبمقاطعة هونان شرقا.

 

المواصلات.. القرار المناسب في الوقت المناسب

في قويتشو، التي يقطنها أكثر من 38 مليون نسمة، تغطي الجبال 5ر92% من مساحتها البالغة 176 ألف كم مربع. الجبال فيها كارستية شاهقة وشديدة الانحدار والأودية متقاطعة. وهي منطقة غنية بالموارد المعدنية وموارد السياحة، ولكن ذلك كله لا قيمة له مع صعوبة المواصلات. ولهذا فإن الناس في قويتشو ظلوا زمنا طويلا يعيشون على حد الكفاف من الغذاء والكساء، وتوسعت الفجوة بين قويتشو والمقاطعات الصينية الساحلية الثرية.

لقد تحلت حكومة قويتشو بالجرأة والشجاعة في مواجهة هذه الظروف العسيرة، فقد وعت أنه بدون كسر الحاجز الجبلي لن تعرف المنطقة شبكة مواصلات برية أو مائية أو جوية، ولن يجري فيها قطار. وأدركت أنه بدون مواصلات لا وجود لسوق بها ولا تنمية اقتصادية، ولهذا جاء قرارها بإنشاء شبكة مواصلات تربط مدن وقرى المقاطعة في الوقت المناسب.

في السنوات الخمس الأولى لعقد التسعينات من القرن الماضي، وضعت حكومة قويتشو خطة لبناء المواصلات بحيث يتم تأسيس القاعدة في خمس سنوات والتغلب على الصعوبات في عشر سنوات وتحقيق النتائج الأولية في خمس عشرة سنة. وكانت الفكرة المحورية هي أن يكون بناء الطرق هو الأساس، وتحديدا بناء أربعة طرق سريعة، اثنين من الشرق إلى  الغرب واثنين من الشمال إلى الجنوب، بحيث تكون مدينة قوييانغ، عاصمة المقاطعة، مركز شبكة المواصلات التي تربط كل مدن وقرى المقاطعة معا وتربط قويتشو بالمقاطعات المجاورة.

هذه الطرق الأربعة هي، الطريق الأول من الشرق إلى الغرب، انطلاقا من مدينة يويبينغ على حدود مقاطعتي قويتشو وهونان، إلى مدينة شنغجينغقوان على حدود مقاطعاتي قويتشو ويوننان بطول 734 كم. الطريق الثاني من الشرق إلى الغرب، انطلاقا من مدينة يانخه على حدود مقاطعتي قويتشو وسيتشوان إلى مدينة شانموجينغ على حدود مقاطعتي قويتشو ويوننان بطول 824 كم. الطريق الثالث من الشمال إلى الجنوب، انطلاقا من مدينة تشونغشيخه على حدود مقاطعتي قويتشو وسيتشوان إلى مدينة شينتشاي على حدود مقاطعة قويتشو ومنطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ بطول 537 كم. الطريق الرابع من الشمال إلى الجنوب، انطلاقا من مدينة ناشي على حدود مقاطعتي قويتشو وسيتشوان إلى مدينة آنلونغ على حدود مقاطعة قويتشو ومنطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ بطول 530 كم.

برغم التكلفة العالية لإنشاء هذه الطرق، وبرغم حقيقة أن قويتشو ليست مقاطعة غنية، رصدت حكومة المقاطعة مخصصات مالية كبيرة لبناء الطرق وتزداد هذه المخصصات عاما بعد آخر.

في الفترة من عام 2000 إلى عام 2005 خصصت حكومة قويتشو ستة مليارات دولار أمريكي لبناء منشآت المواصلات الأساسية، وهذا المبلغ يعادل ثلاثة أضعاف ما خصصته حكومة المقاطعة لمرافق المواصلات في الفترة من عام 1995 إلى عام 2000. وفي عام 2006 أنفقت الحكومة 9ر1 مليار دولار أمريكي على مرافق المواصلات بزيادة قدرها 25% عن عام 2005، كما أنه أكبر استثمار في المواصلات في تاريخ قويتشو. وتخطط الحكومة تخصيص أكثر من عشرة مليارات دولار أمريكي لبناء مرافق المواصلات الأساسية لتحقيق بناء شبكة مواصلات يقوم هيكلها أساسا على الطرق السريعة وتكون مدينة قوييانغ، مركزها وتربط قويتشو بالمقاطعات المجاورة، وفي الوقت نفسه تطور المواصلات المائية لتشكل منظومة مواصلات مجسمة تتكامل مع السكة الحديد والمواصلات الجوية.

وقد اصبح هناك اقتناع لدى أبناء قويشتو، من المسئول إلى الفلاح، بأن أهم شيء حاليا هو بناء الطرق في أسرع وقت ممكن، حتى وإن تكلف ذلك أموالا طائلة.

 

وداعا للدروب القديمة المتهالكة

لأسباب تاريخية وجغرافية تأخر بناء الطرق في مقاطعة قويتشو. وكان العدد القليل من الطرق بالمقاطعة عبارة عن دروب صغيرة غير متكاملة سيئة ولا تتحمل الكوارث الطبيعية، ولم يكن لدى الحكومة رأس المال اللازم لتغيير هذا الوضع في ظل ظروف طوبوغرافية معقدة.

تكلفة أي مشروع مواصلات في قويتشو عالية، فعند إنشاء طريق تشونغتسون السريع، من مدينة تشونغشيخه إلى مدينة تسونيي، شق البناءون نفق ليانغفنغيا بطول 4109 أمتار، وهو أطول نفق في المقاطعة، بعد أن تغلبوا على سلسلة من الصعوبات الجيولوجية. وقد استغرق المشروع ثلاث سنوات، لم يقع خلالها أي حادثة أثناء التنفيذ.

من أجل إكمال مشروع بناء طريق كايما السريع، من مدينة كايلي إلى مدينة ماجيانغ، في أسرع وقت ممكن، اشترك كثير من الشباب المحليين في المشروع متطوعين، ومنهم الشاب ليو، الذي جاء أهله لإبلاغه بالعودة إلى البيت من أجل حفلة زفافه، فطلب منهم إمهاله حتى يشعل الديناميت لشق الجبل. لم يرجع ليو إلى بيته ولم يحضر زفافه، فقد زهقت روحه بعد أن أشعل المواد المتفجرة.

الصعوبات التي نتحدث عنها ليست قاصرة على الطرق السريعة، وإنما موجودة  في بناء الطرق القروية، خاصة في القرى التي تقع في أعماق الجبال ويصعب أن تدخلها معدات شق الطرق الحديثة، فيضطر الفلاحون إلى إنشائها بالوسائل البدائية.

في سبتمبر 2006 وصلت مجموعة من أعضاء المجلس الاستشاري السياسي للشعب  الصيني إلى قويتشو لتفقد أحوال بناء الطرق بالمقاطعة، فأدهشتهم، وأسعدتهم أيضا، الإنجازات الكبيرة للمواصلات التي لمسوها في جولتهم التي استمرت عشرة أيام  بين طرق قويتشو.

قال بنغ بوه يوان، مدير مصلحة المواصلات لمقاطعة قويتشو، إن المنجزات الكبيرة لبناء الطرق تعتمد على جهود أبناء قويتشو، تبرز هذه الجهود شجاعتهم وجلدهم وقدرتهم على مقاومة البيئة الجيولوجية السيئة.

 

المواصلات قطار التنمية

ازداد طول الطرق السريعة في قويتشو 406 كم خلال السنوات الخمس الماضية، أي 8ر2 أضعاف الطرق التي أنشئت في تسعينات القرن الماضي. افتتح أول طريق سريع في قويتشو، من مدينة قوييانغ إلى مدينة هوانغقوشو، في عام 1991، والآن يبلغ طول الطرق السريعة بها666 كم، وطول الطرق من الدرجة الأولى والثانية 2792 كم، ويجري حاليا العمل في أربعة طرق سريعة مهمة (الطريقان من الشمال إلى الجنوب والطريقان من الشرق إلى الجنوب).

لقد أصبحت بعض المدن والمحافظات المحاطة بالجبال محاور للمواصلات بعد شق الطرق السريعة، حيث يمر طريق تشونغتسون السريع بمحافظة تونغتسي الغنية بالفحم الخام، وتسعى هذه المحافظة إلى تطوير صناعة الطاقة بعد بناء هذا الطريق بحيث يمكنها أن تحقق دخلا من 75 إلى5ر87 مليون دولار أمريكي بعد سنتين أو ثلاث سنوات. كما تسعى تونغتسي إلى تنمية صناعة مواد الألمونيوم وبناء قاعدة للخضراوات، حيث يمكن نقلها عبر الطريق السريع إلى مدينة قوييانغ ومدينة تشونغتشينغ الخ.

وبعد إنشاء طريق تشونغتسون السريع لاحت في الأفق فرص جيدة لصناعة النقل في مدينة تسونيي . كانت الرحلة من مدينة تسونيي إلى مقاطعة سيتشوان أو مدينة تشونغتشينغ تستغرق في الماضي أكثر من عشر ساعات، أما الآن فلا تستغرق أكثر من ساعتين عبر الطريق السريع.

الطرق السريعة تحمل أمل أبناء قويتشو في تحقيق الثراء، أما الطرق الريفية فتُكسب حياة الفلاحين سعادة لم يعرفوا لها طعما في الماضي .

أنفقت حكومة قويتشو 425 مليون دولار أمريكي في بناء 28 ألف كم من الطرق في الثلاث سنوات الأخيرة، وتربط الطرق الجديدة 3468 قرية لم يكن بينها رابط في الماضي. الآن يبلغ إجمالي طول الطرق في قويتشو 46 ألف كم، وترتبط 62% من قرى المقاطعة بالطرق الإسفلتية أو الطرق الأسمنتية، وتربط السيارات العامة بين 99% من بلداتها و6ر70% من قراها.

لم يكن في قرية تشيفانغ التابعة لبلدة فنغشيانغ في محافظة تسونيي طريق قبل سنتين، ولكن الآن تمر بها سيارات النقل العام مرتين كل يوم. في الماضي كانت السفرة من بلدة فنغشيانغ إلى بلدة يونغله تستغرق أربع ساعات، والآن لا تستغرق أكثر من ساعة ونصف.

تشتهر محافظة ليبنغ بإنتاج Tall Gastraodia، وهو عشب طبي يعالج الصداع، ولكن هذا المنتج لم يكن ينقل إلى خارجها  بسبب ظروف المواصلات. الآن بعد أن وصلها  الطريق يأتيها التجار من مقاطعتي قوانغدونغ وشجيانغ وغيرها لشراء هذا المنتج فزاد دخل الفرد من الفلاحين 250 دولارا أمريكيا كل سنة.

وفي ذات الوقت أصبحت منتجات المقاطعة الأخرى من المواد الغذائية تصل إلى القرى الجبلية في قويتشو، التي صارت تسلك طريق التنمية الطبيعية بفضل تحسن ظروف المواصلات.

وقد بدأت المواصلات المائية في نهر ووجيانغ ونهر نانبان ونهر بيبان بالمقاطعة، حيث تحسنت ظروف الملاحة في 495 كم من أنهار قويتشو، وتم شق قنوات مائية جديدة طولها 1191 كم خلال السنوات الخمس الأخيرة، وازداد حجم النقل بالمواصلات المائية خمسة ملايين طن في عام 2005.

 

 شبكة مواصلات أكثر ضخامة وكثافة

مع تحسن المواصلات في قويتشو، بدأت القطاعات الأخرى تشهد تنمية وتطورا كبيرا وصارت المقاطعة أكثر انفتاحا.

في ديسمبر عام 2005، تم اعتماد ((خطط شبكة هيكل الطرق لمقاطعة قويتشو))، فكان ذلك مؤشرا لدخول قويتشو مرحلة جديدة.

حسب الخطط، ستبني مقاطعة قويتشو شبكة طرق بطول 7400 كم حتى عام 2020، منها 2960 كم من الطرق السريعة و300 كم من طرق الدرجة الأولى و 4140 كم من طرق الدرجة الثانية، بحيث تربط الطرق بين كل مدن ومحافظات وبلدات المقاطعة وتربط قويتشو بالمقاطعات المجاورة، وتشكل شبكة طرق متكاملة. ومن المتوقع أن يصل الاستثمار فيها 19 مليار دولار أمريكي.

حسب الخطط  سيتم بناء طرق ريفية طولها 10000 كم في المقاطعة بتكلفة تصل 596 مليون دولار أمريكي. بالإضافة إلى ذلك ستمول الحكومة إنشاء محطات رئيسية ومواقف للسيارات في الريف.

وفي مجال بناء المواصلات المائية، يجري العمل في بناء المجرى الملاحي في نهر تشيشوي وميناء خزان تيانشنغتشياو للمياه، ويجري وضع دراسة الجدوى لمشروع إنشاء مجرى ملاحي يمتد في نهر نانبان ونهر بيبان ونهر هونغشيوي، على أن يبدأ المشروع في أسرع وقت ممكن.

لقد أصبحت شبكة المواصلات في مقاطعة قويتشو أكثر كثافة وتمتد إلى جميع الجهات.