ã

"القرآن في الصين"

الثقافة القرآنية في الصين

تشانغ قوانغ لين

نائب الأمين العام للجمعية الإسلامية الصينية ومدير مركز بحوث الثقافة الإسلامية للجمعية

بعض الترجمات لمعاني القرآن باللغة الصينية والكتب الإسلامية

الطبعة العربية الصينية لـ ((ترجمة القرآن))

دخل الإسلام الصين قبل نحو ألف وثلاثمائة سنة. في الفترة الأولى للوجود الإسلامي بالصين لم يكن بها مصحف مطبوع أو مصحف مترجم إلى اللغة الصينية، وكان نشر القرآن يعتمد على دراسة مضمونه مباشرة والشروح الشفوية لرجال الدين، وكان تعليم القرآن مقتصرا على المساجد والأسر المسلمة. لم تبدأ ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الصينية إلا في فترة أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911 م). ومنذ أكثر من خمسمائة سنة، من أجل نشر الإسلام وإبراز الثقافة الإسلامية للصينيين، شرع بعض العلماء المسلمين يترجمون معاني القرآن ويترجمون الكتب التي تتناول الشرعية الإسلامية والتاريخ الإسلامي. في البداية كانوا يترجمون معاني بعض الآيات للاستشهاد بها في كتبهم باللغة الصينية، وبعد ذلك، من أجل تلبية حاجات المسلمين لدراسة الكتب الإسلامية المكتوبة بالصينية، حاول بعض العلماء الذين يجيدون اللغة العربية ترجمة معاني سور كاملة من القرآن وبعض الآيات التي يستخدمها المسلمون الصينيون دائما إلى اللغة الصينية، وجمعوها في كراس وأصدروه، وذلك تيسيرا لقراءتها وحملها. بسبب العائق اللغوي بين المسلمين الصينيين والعربية، لم تظهر في الصين ترجمة موجزة لمعاني القرآن حتى القرن التاسع عشر، عندما ظهر كتاب ((تفسير ختم القرآن)) وهو تفسير لمختارات من آيات القرآن، ترجمه ما تشي بن؛ وكتاب ((تفسير القرآن)) الذي ترجمه ما فو تشو، لكن حتى هذه الفترة، لم تظهر ترجمة كاملة لمعاني القرآن.

في أواخر القرن التاسع عشر، ومع دخول الثقافات الغربية إلى الصين، وصلت إلى الصين ترجمات لمعاني القرآن باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية، وصادفت هذه الفترة الحركة الثقافة الجديدة الصينية، فبدأ بعض المثقفين والعلماء المسلمين محاولة ترجمة معاني القرآن كاملا. أقدم الترجمات الكاملة لمعاني القرآن هي ترجمة ((كه لان جينغ)) للقرآن عن الترجمة اليابانية، وقد قام بها لي تيه تشنغ، وهو غير مسلم، وصدرت في بكين عام 1927. وهناك عمل آخر يعتبر من أقدم الترجمات الكاملة لمعاني القرآن هو ((ترجمة القرآن باللغة الصينية)) الذي أصدرته دار النشر بشانغهاى في عام 1931، قام بالترجمة عن الإنجليزية جي جيويه مي، وهو غير مسلم أيضا. غير أن هؤلاء المترجمين غير المسلمين كانت تعوزهم المعارف الإسلامية، ولم يكن أي منهم يعرف اللغة العربية، ولهذا جاءت ترجماتهم لمعاني الكتاب العظيم صعبة الفهم وبها أخطاء كثيرة، فلم تنتشر على نطاق واسع.

في القرن العشرين، وعى المسلمون الصينيون بعمق أنه لنشر دينهم الحنيف يجب أن تكون هناك ترجمة كاملة لمعاني القرآن إلى اللغة الصينية، لأن ذلك لا يساهم في نشر الإسلام في الصين على نحو أفضل فحسب بل يفيد في تعريف وتدريس القرآن للمسلمين الصينيين ومتابعة وتطوير الثقافة والتقاليد الإسلامية الطيبة. من هذا المنطلق، اعتبر المسلمون الصينيون ترجمة القرآن "فريضة". ومن أجل تفادي وقوع الخطأ والزلل في الترجمة كان على المترجمين أن يجيدوا اللغتين العربية والصينية، ليس هذا فحسبـ، بل أن يكونوا على معرفة جيدة بقواعد الإسلام. وكان عليهم أن يترجموا معاني القرآن المنزل باللغة العربية إلى اللغة الصينية مباشرة وليس عبر لغة أخرى وسيطة. بعد ذلك الوعي، بدأ في مدن بكين وتيانجين وشانغهاى وغيرها مد الترجمة الكاملة لمعاني القرآن التي قادها العلماء المسلمون. في عام 1914 بدأ العالم الكبير الإمام وانغ جينغ تشاى ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الصينية الكلاسيكية واللغة الصينية الحديثة حتى أصدر في عام 1932، عام 1943، عام 1946 على التوالي ثلاث طبعات أ، ب، جـ من  ((تفسير القرآن)). ومن الترجمات الأخرى في تلك الفترة ((القرآن باللغة الصينية وملحقاته)) الذي ترجمه ليو جين بياو وصدر في بكين عام 1946، و((معاني القرآن)) للأستاذ يانغ تشونغ مينغ الذي صدر في عام 1947، وفي عام 1946 صدر المجلدان الأول والثاني من ((القرآن باللغة الصينية)) الذي ترجمه تشانغ بينغ دوه على طريقة الشعر النثري الصيني وهو شكل أدبي فريد.

بعد تأسيس الصين الجديدة، تبنت الحكومة سياسة حرية العقيدة والمساواة بين القوميات، ودعت وشجعت المسلمين من مختلف القوميات على متابعة وتطوير الثقافة والتقاليد الإسلامية الحميدة، ودراسة وبحث الشريعة الإسلامية والقرآن. خلال أكثر من خمسين عاما، قام العلماء المسلمون من مختلف القوميات بترجمة معاني القرآن إلى طبعات متعددة، منها طبعة ((ترجمة القرآن)) باللغة الصينية للأستاذ محمد مكين ما جيان التي صدرت في عام 1981، والتي صدرت الطبعة الثانية لها في عام 1986 في الكويت، وصدرت الطبعة العربية الصينية لها  في المملكة السعودية في عام 1987 عن مطابع الملك فهد؛ وهناك ((ترجمة القرآن بنظام القوافي)) للأستاذ يحيى صنوبر لين سونغ التي صدرت عام 1988، والتي استخدم فيها الأستاذ لين نظام القوافي القوي للغة الصينية لتجسيد جاذبية علم العروض التي يتحلى بها القرآن؛ وهناك ((تفسير القرآن بالعربية الصينية)) للأستاذ قونغ داو تشانغ الذي صدر في عام 1989، وهناك ((ترجمة القرآن)) للأستاذ ما تشن وو التي صدرت في عام 1998، وهناك ((ترجمة وتفسير القرآن)) للإمام وانغ جينغ تشاى التي أصدرتها الجمعية الإسلامية الصينية هذا العام. تجاوز عدد ترجمات معاني القرآن باللغة الصينية أكثر من عشر طبعات، تشتمل على أشكال أدبية متعددة، منها الشكل الأدبي القديم والحديث والشكل التقليدي للغة المسجدية وشكل نظام القوافي الخ. إضافة إلى اللغة الصينية، توجد أيضا ترجمات لمعاني القرآن بلغتي الويغور والقازاق. من زاوية تاريخية، ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الصينية ولغات القوميات الصينية الأخرى لا تساعد المسلمين الصينيين الذين لا يفهمون اللغة العربية على دراسة هذا الكتاب المقدس فحسب، بل تيسر نشر الإسلام في الصين وخارج شبه الجزيرة العربية، ولا شك أنها مساهمة ثقافية بارزة في تاريخ العالم.

يدرس المسلمون الصينيون القرآن ويبحثون فيه بأشكال مختلفة؛ تُعرض في الأسواق الصينية أعمال أدبية وكتب إسلامية وأعمال فنية كثيرة بعناوين متعلقة بالقرآن؛ ويبدع بعض الفنانين المسلمين الصينيين تصميمات زخرفية لكتابة آيات القرآن، ويرسمونها في لوحات زيتية وغيرها، وبها يحققون نتائج فنية جيدة.

في مكتبة الجمعية الإسلامية الصينية كثير من نسخ ((القرآن)) المخطوطة باليد وبالنقش، ومعظم النسخ ذات تاريخ يتراوح بين 300 و 500 سنة، وكلها محفوظة بحالة سليمة، وهذا يحظى بتقدير كافة الزوار المسلمين من أنحاء العالم. وسوف نواصل جهودنا في حماية هذا التراث الإسلامي، من أجل متابعة وتطوير الثقافة الإسلامية الصينية.

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.