ã

كيف يمكن أن تصبح الصين دولة كبيرة ثقافيا؟

تشاو تشي تشنغ

تصدير الثقافة الصينية مهمة وطنية

الثقافة الصينية في حاجة إلى النهوض وروح الابتكار

فرنسيات يتعلمن صنع الورق المقصوص

                         فائض تجاري وعجز ثقافي!

قدمت الصين، التي اخترعت البوصلة والبارود والورق والطباعة، إسهاما عظيما للحضارة البشرية، فقد وفرت للعالم سبل حفظ وتسجيل ثقافتها ودفعها إلى الأمام. بيد أن البلد صاحب "الاختراعات الأربعة"، تخلف كثيرا خلال مئات السنين وراح يعاني من "عجز" خطير في تبادلاته مع البلدان الأخرى. صحيح أن الصين الجديدة التي تأسست عام 1949، وخاصة بعد تبني سياسة الإصلاح والانفتاح شهدت تحسنا في تبادلاتها الثقافية مع الخارج وشرعت تنشر الثقافة الصينية في العالم، وحققت إنجازات كثيرة، لكن ظاهرة "العجز" الثقافي الخطير لم تتغير جذريا، بل إن الثقافات الأجنبية "المستوردة" التي تدخل الصين تتدفق بمعدلات متزايدة. إن الصين التي تريد أن تصبح دولة اشتراكية قوية، عليها، من وجهة نظرنا، أن تكون قوية سياسيا واقتصاديا وثقافيا أيضا.

تحقق الصين فائضا في علاقاتها التجارية الخارجية ولكنها تعاني من عجز ثقافي في علاقاتها الثقافية مع الخارج. ونظرة واحدة على منتج ثقافي واحد، هو الكتب، تكشف عن مدى هذا العجز، فالنسبة بين واردات الصين من حقوق النشر وصادراتها عشرة إلى واحد، وتصدر كتب بر الصين الرئيسي في الغالب إلى بعض دول آسيا ومنطقتي هونغ كونغ وماكاو، وتصل هذه النسبة مع دول أوروبا وأمريكا مائة إلى واحد. في عام 2004، استوردت الصين من الولايات المتحدة 4068 نوعا من حقوق نشر الكتب ولم تتجاوز صادراتنا لها 14 نوعا. واستوردنا 2030 نوعا من بريطانيا، وصدرنا لها 16 نوعا؛ واستوردنا من اليابان 694 نوعا، وصدرنا لها 22 نوعا. في عام 2005 كانت نسبة العجز في حقوق نشر الكتب بين الولايات المتحدة والصين أربعة آلاف إلى أربعة وعشرين. الأمر لا يقتصر على الكتب وإنما يشمل العروض الفنية والأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية؛ ففي الفترة من عام 1999 إلى عام 2002، قدمت 285 فرقة فنية روسية عروضا في الصين، في حين زارت 30 فرقة فنية صينية روسيا في نفس الفترة، أي أن الفرق نحو عشرة أضعاف. من عام 2000 إلى عام 2004، استوردت الصين 4332 فيلما وعملا سينمائيا، بينما عدد الأفلام الصينية المصدرة يعد على أصابع اليد. وعلينا هنا أن نشير إلى أن الأفلام الأمريكية التي تحتل نسبة 5-6% من الأفلام المنتجة بالعالم سنويا، يحتل وقت عرضها 80% من وقت عرض الأفلام بالعالم.

تصدير اللغة

على مستوى الثقافة اللغوية يوجد عجز خطير في التبادل بين الصين والدول الغربية. في المدارس الثانوية الأمريكية نحو 24 ألف طالب يدرسون اللغة الصينية، بينما يدرس أكثر من مليون طالب الفرنسية. في الولايات المتحدة يوجد مقرر اللغة الصينية في نحو ثمانمائة جامعة في الثلاثة آلاف جامعة بالولايات المتحدة. وليس أدل على العجز الثقافي الذي تعاني منه الصين في علاقاتها الخارجية مما قاله وزير المالية البريطانية غوردون براون أثناء زيارته للصين عام 2003 من أن بريطانيا يمكنها أن تحقق التوازن التجاري لوارداتها المتزايدة من الأجهزة الكهربائية المنزلية والأزياء والبضائع الصينية الأخرى بتصدير شيء واحد، هو اللغة الإنجليزية. تعليم الإنجليزية نوع من الصادرات، ازدادت قيمته من 5ر6 مليارات جنيه إسترليني إلى 3ر10 مليارات جنيه إسترليني، أي نحو 1% من إجمالي الناتج المحلي لبريطانيا.

إن الدولة التي تمتلك الهيمنة اللغوية تمتلك هيمنة المعلومات وهيمنة الثقافة، ويؤثر ذلك في حق التعبير السياسي. إن الجميع، من المسيحيين وغيرهم، يعرفون "المبدأ الذهبي" في ((الكتاب المقدس)) (عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك)، ولكن من خارج الصين يعرف مبدأ "لا تطلب من الآخرين أن يرغبوا في ما لا ترغب فيه" لكونفوشيوس الصيني، برغم أنه أقدم من المبدأ الذهبي وأبلغ منه؟!

لقد قالت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر، إن الصين لن تصبح قوة عظمى، "لأن الصين ليس لديها نظرة دولية يمكنها أن تدفع سلطتها وتضعف دولنا الغربية. الصين تصدر أجهزة التلفاز، ولا تصدر أفكارا ومفاهيم."

لقد كان للإمبراطورية الرومانية ومن بعدها بريطانيا والولايات المتحدة، قاعدة قوة مادية، اقتصادية وعسكرية وغيرهما من عناصر القوة الحقيقية، وفي نفس الوقت، اتخذت هذه القوى الثلاث المهيمنة الثقافة القوية والنظام السياسي وغيرهما من عناصر القوة اللينة قاعدة روحية. والذي يجمع بينها هو الشعور بالتفوق ثقافيا والجاذبية الثقافية. لقد حكمت روما اعتمادا على المؤسسة العسكرية والثقافة، ونشرت بريطانيا الثقافة الأوروبية في العالم وأصبحت الإنجليزية لغة عالمية. وتعتمد الهيمنة الأمريكية على ثقافتها الشعبية وفكرها وما يسمى بالنظام الديمقراطي.

الصين لا تسعى إلى الهيمنة، ولكنها، وهي نبع ثقافي عمره أكثر من خمسة آلاف سنة، إذا تصدر أجهزة التلفاز ولا تصدر شيئا مما تبثه هذه الأجهزة، أي لا تصدر شيئا من الأفكار والمفاهيم الصينية، فإن هذا يعني أنها "مصنع للأجزاء الصلبة أو الهاردوير" فقط. الثقافة ليست من المتحجرات، التي تزداد قيمتها بقدمها؛ الثقافة حياة، تكمن حيويتها الدائمة في تطورها، ويكمن تأثيرها في نشرها وتعميمها. عندما يصبح البلد قويا وكبيرا، تستمر قوته وستتواصل. لذلك لا تحتاج الثقافة فقط إلى التراكم، بل تحتاج إلى النهوض والابتكار.

مهام عاجلة

إن الصين مطالبة بأن تُنهض الثقافة، وتقدم إسهاما أكبر إلى الثقافة العالمية، وتحقيق هذا الهدف بحاجة إلى ما يلي:

  • · أن تضع الحكومة المركزية استراتيجية وطنية للتنمية الثقافية، يكون نشر وتصدير الثقافة جزءا هاما منها. الثقافة جزء هام لقوة الدولة الشاملة، وقد أصبحت بؤرة التنافس في قوة الدولة الشاملة هي "القوة الثقافية". لذلك علينا أن ندرك إدراكا كاملا دور الثقافة كالقاعدة والركيزة والمحور لمستقبل الأمة والدولة، وعلينا أن نرفع الثقافة إلى مستوى الأمن الثقافي، الذي لا يمكن بدونه أن نتحدث عن أمن القيم والأمن الفكري. علينا أن نجعل النهوض الثقافي ونشر الثقافة للخارج مرتبطا بمصير أمتنا، لأنهما يؤثران في قوة الدولة ومستقبل الأمة، لابد من إدراجهما في استراتيجية التنمية للدولة.
  • · إعداد المتخصصين وتنظيم الكفاءات لتصدير الثقافة. هذه الكفاءات ليست المترجمين فقط، بل كفاءات قادرة على النشر بين مستقبلي الثقافات والأفكار الأجنبية.
  • · تعزيز الثقافة والتعليم، مثلا، إقامة قسم علوم الثقافة في الجامعات ذات الظروف المناسبة، للقيام بتعليم وبحوث الثقافة بانتظام، وإعداد المتخصصين في الثقافة.
  • · في التجارة الثقافية يجب زيادة الشروط الملزمة للشركات الأجنبية، بالطلب منها أن تتحمل مهمة تصدير منتجات الثقافة الصينية.

لقد أكد تقدير المجلس الوطني السادس عشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ودورتها الكاملة الرابعة على أهمية استراتيجية النهوض الثقافي. ونصت الخطة الخمسية الحادية عشرة على"اكتشاف سوق الثقافة الدولية، ودفع الثقافة الصينية إلى العالم". إن بناء مجتمع اشتراكي متناغم يحتاج للتنمية المتناغمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا. لقد أثبت التاريخ والواقع أن انقطاع ثقافة أية أمة، يؤدي بالتأكيد إلى تدهور هذه الأمة. ونهوض الأمة يبدأ من النهوض الثقافي.

أبدع أجدادنا الثقافة الصينية الباهرة، علينا أن نرث مجدهم، ولابد أن ننتج ثقافة صينية متقدمة جديدة لتحقيق حلم الصين القوية الذي يراودنا.

-------------------------------------------------------------------

تشاو تشي تشنغ: الرئيس السابق لمكتب (وزارة) الإعلام.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.