ã

المنتدى الصيني الأفريقي ليس مجرد آلية تعاون

حسين إسماعيل

تستضيف العاصمة الصينية في الثالث من هذا الشهر، نوفمبر 2006، قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي، التي يتوقع أن يشارك فيها أكثر من عشرين زعيما أفريقيا. قمة 2006 كان من المقرر أن تعقد على المستوى الوزاري، مثل سابقتيها، في أديس أبابا 2004 وبكين 2002، ولكن الصين اقترحت أن يكون اجتماع هذا العام على مستوى الرؤساء، وهو اقتراح لا يخلو من مغزى عميق باهتمام الصين المتنامي بتطوير علاقاتها مع القارة السمراء.

والحقيقة أن الاهتمام الصيني بأفريقيا لم يولد مع إنشاء المنتدى الصيني الأفريقي عام ألفين، وإنما تعود جذوره إلى بداية الخمسينات من القرن الماضي عندما أدرك قادة الصين الجديدة، التي تأسست عام 1949، أن الدول الأفريقية التي كان استقل بعضها بينما البعض الآخر على طريق الاستقلال، يمكن أن تكون سندا على الساحة الدولية في وقت كانت الدول الغربية تفرض حصارا على الصين الشيوعية. وبادرت الصين بفتح خطوط الاتصالات مع مصر إلى أن أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مايو عام 1956، وهي الخطوة التي كلفت مصر إلغاء الولايات المتحدة للمعونة التي كانت قررتها لمشروع السد العالي، ولكن مواقف الصين من القضايا العربية، ثم الأفريقية لاحقا أثبتت أنها صديق يعتمد عليه. فخلال ستينات وسبعينات القرن العشرين قدمت الصين الدعم والتأييد لحركات التحرير في العديد من الدول الأفريقية، إلى جانب الكثير من المساعدات التي غطت كافة مجالات مرافق البنية التحتية.

غير أن العلاقات الصينية الأفريقية خلال حقبة الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي لم تواصل زخمها الذي كان في الخمسينات والستينات لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية في الصين، التي بدأت مرحلة الإصلاح والانفتاح في نهاية السبعينات بعد السنوات العشر العجاف لما سمي بالثورة الثقافية. في هذه الفترة ركزت الصين كل جهودها للبناء الاقتصادي الداخلي. 

غير أن هذا التراجع النسبي في الاهتمام الصيني بأفريقيا لم يستمر طويلا، فقبل أن يودع القرن العشرون بادرت الصين باقتراح إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي، وبالفعل أعلن في شهر أكتوبر من ذات العام عن تأسيس المنتدى الذي ضم في بداية إقامته 46 دولة أفريقية (47 دولة حاليا بعد أن أعادت تشاد علاقاتها الدبلوماسية مع الصين وقطعت علاقاتها مع تايوان)، من بين 53 في القارة. الهدف الذي حدده الطرفان الصيني والأفريقي للمنتدى هو أن يكون آلية للحوار الجماعي ومنصة للتعاون المشترك لمواجهة التحديات الجديدة وتسهيل التنمية المشتركة.

والحقيقة أن المنتدى أصبح بالفعل آلية مهمة و فعالة  للحوار الجماعي فمنذ تأسيسه قبل ست سنوات تبادل زعماء الطرفين أكثر من 180 زيارة منها 140 زيارة قام بها الزعماء الأفارقة للصين، وازداد حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا من5ر10 مليار دولار أمريكي عام 2000 إلى أكثر من40  مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2005، مع ملاحظة أن الميزان التجاري لصالح أفريقيا وليس الصين كما هو الحال في علاقات الصين التجارية مع معظم مناطق العالم، فالعجز التجاري الصيني مع أفريقيا وصل العام الماضي 43ر2 مليار دولار أمريكي. كما بلغ إجمالي الاستثمارات الصينية المباشرة في أفريقيا  18ر1 مليار دولار أمريكي في نهاية العام الماضي ونفذت الصين أكثر من 900 مشروع في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا وهناك حالياً نحو 700 شركة صينية تعمل في 49 دولة أفريقية.

وفى إطار المنتدى ألغت الصين ديونا مستحقة لها على دول القارة قيمتها نحو 3ر1 مليار دولار أمريكي، كما ألغت التعريفة الجمركية على 190 نوعا من الصادرات إليها من 29 دولة أفريقية، وقامت بتدريب عشرة آلاف موظف أفريقي في مختلف المجالات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وسجلت 16 دولة أفريقية على قائمة المقاصد السياحية للمواطن الصيني، وبعثت 16 ألف شخص ضمن أطقم رعاية طبية لأفريقيا، وقدمت منحا دراسية حكومية لخمسين بلدا أفريقيا وأرسلت ما يزيد على 3 آلاف ضابط وجندي ضمن قوات حفظ السلام للأمم المتحدة في عدد من دول أفريقيا بينها الكونغو وليبيريا والسودان، ودعمت صندوق تنمية أفريقيا بمبلغ خمسين مليون دولار أمريكي تخصص لتمويل مشروعات التنمية الرائدة في عدد من دول القارة. وهناك أيضاً مجلس الأعمال الصيني الأفريقي، الذي أنشئ في نوفمبر 2004، بغرض دعم استثمارات القطاع الخاص الصيني في كل من الكاميرون، وغانا، وموزمبيق، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا، وتنزانيا. ودخلت الصين أيضاً في مفاوضات لإنشاء منطقة تجارة حرة مع دول الجنوب الأفريقي، كما قامت بدور هام في مساندة قضايا القارة الأفريقية، بالتنسيق مع دولها في منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة. وقد انعكس الاهتمام الصيني بأفريقيا في جولتي الرئيس الصيني هو جين تاو ورئيس مجلس  الدولة ون جيا باو فى عشر دول أفريقية في أبريل ويونيو من العام  الحالي.  

والحقيقة أن هناك عوامل كثيرة تجعل الصين الشريك الدولي الأكثر تفضيلا لدول القارة الأفريقية ومن أهم هذه العوامل  نظرة الصين إلى العلاقات الثنائية والتنمية الاقتصادية واحترامها الثابت لسيادة الدول الأخرى ورفض الصين التدخل في الشؤون الداخلية لدول أفريقيا ورفضها طريقة الإصلاح من الخارج التي تروج لها الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. ومبدأ عدم التدخل لا يعني أن الصين ترفض الإصلاح السياسي والاقتصادي في أفريقيا وإنما أن الصين تعمل على دعم الجهود تحت القيادة الأفريقية لتطوير الحكم الرشيد والتنمية المستدامة في كافة أنحاء القارة، وأبرز تعبير عن ذلك  عدمها لنجاح مبادرة النيباد (الشراكة الجديدة للتنمية في إفريقيا) وتحقيق أهدافها والتي منها: الشفافية، الديمقراطية، الصحافة الحرّة، المجتمع المدني، سلطة قضائية مستقلة، وحكم القانون. ثم ما يسميه بعض الباحثين بالسلطة الناعمة للصين والتي تعني، قدرة دولة ما على إقناع دولة أخرى بتبني أهداف معينة من خلال وسائل الترغيب وليس الضغط والترهيب. وهذه القوة الناعمة تتضمن وفقا لجوزيف ناي الثقافة والقيم والسياسات الخارجية، والجاذبية الاقتصادية.

ولهذا فإن العنوان الذي اختارته بكين للقمة الصينية الأفريقية هذا الشهر يأتي منسجما مع هذه القوة أو السلطة الناعمة، فالقمة تعقد تحت شعار(الصداقة والسلام والتنمية والتعاون). حيث سيتم استعراض مسيرة العلاقات الصينية الأفريقية خلال الخمسين عاما الماضية، باعتبار أن القمة تعقد مع احتفال الجانبين بمرور نصف قرن على بداية إقامة العلاقات الصينية الأفريقية كما سيتم وضع خطة للتعاون الثنائي المستقبلي تهدف إلى إقامة نمط جديد من الشراكة الاستراتيجية.

هذا النمط الجديد من الشراكة الذي تسعى له الصين ويلقى موافقة أفريقية يعد تطورا آخر بعد أن أصدرت الصين في شهر يناير هذا العام أول وثيقة تحدد سياساتها تجاه أفريقيا وهي الوثيقة التي تضع الأسس لعلاقات الصين مع القارة الأفريقية خلال الفترة القادمة،

وقد نصت هذه الوثيقة على أن تعزيز التضامن والتعاون مع الدول الأفريقية جزء هام من السياسة الخارجية للصين وأكدت على أن  الصين ستتابع وتطوّر الصداقة التقليدية مع أفريقيا، وانطلاقا من المصالح الأساسية للشعب الصيني والشعوب الأفريقية ستقيم وتطور الصين نمطا جديدا من الشراكة الاستراتيجية مع أفريقيا على أساس المساواة السياسية والثقة المتبادلة والمنفعة الاقتصادية المشتركة والاقتباس الثقافي المتبادل. وحددت الوثيقة المبادئ والأهداف العامة للسياسة الصينية إزاء أفريقيا في ما يلي:

أولا: الإخلاص والصداقة والمساواة. تتمسك الصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي وتحترم خيار الدول الأفريقية المستقل في انتهاج طريق التنمية الملائم لها، وتدعم تضامن الدول الأفريقية بما يعزز قوتها.

ثانيا، المنفعة المتبادلة والازدهار المشترك. تؤيد الصين الدول الأفريقية في التنمية الاقتصادية والبناء السياسي، وتنفذ التعاون بمختلف الأشكال في مجالات التنمية الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، وتدفع الازدهار المشترك للصين وأفريقيا.

ثالثا، التأييد المتبادل والتنسيق الوثيق. تعزز الصين التعاون مع أفريقيا في المنظمات المتعددة الأطراف بما فيها الأمم المتحدة لتأييد كل منهما للمطالب العادلة للآخر ومقترحاته المعقولة، وتواصل مناشدة المجتمع الدولي كي يولي المزيد من الاهتمام بالسلام والتنمية في أفريقيا.

رابعا، الاستفادة من التجارب الثنائية والسعي إلى التنمية المشتركة. تعمل الصين وأفريقيا على الاستفادة من بعضهما البعض في خبرات الإدارة والتنمية، وتعززان التبادل والتعاون في مجالات العلوم والتعليم والثقافة والصحة، وتدعم الصين الدول الأفريقية في بناء قدراتها، ويشاركان بعضهما البعض في استكشاف طرق التنمية المستدامة.

ولم يفت الوثيقة أن تؤكد على أن مبدأ دولة واحدة للصين هو الأساس السياسي للصين في إقامة وتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية والمنظمات الإقليمية، وأعربت الحكومة الصينية عن تقديرها لالتزام معظم الدول الأفريقية بمبدأ دولة واحدة للصين وعدم إقامة علاقات رسمية وزيارات رسمية مع تايوان ودعم قضية توحيد الصين، كما أن الصين ترغب في إقامة وتطوير علاقات مع الدول التي ليست لها علاقات دبلوماسية معها، بشرط الالتزام  بمبدأ دولة واحدة للصين.

إن القادة الأفارقة الذين سيلتقون في بكين هذا الشهر أمامهم فرصة كبيرة للتعلم من الصين، ليس فقط تجربتها في التنمية الاقتصادية وإنما خبرتها في الإدارة والتعامل مع المعضلات المزمنة وعلى رأسها قضية الفساد، فعندما يحل زعماء أفريقيا بالعاصمة الصينية سيكون الحديث في الصين عن إقالة أمين لجنة الحزب الشيوعي ببلدية شانغهاي تشن ليانغ يوه، مازال ساخنا، فإقالة الرجل وهو أيضا عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب درس ينبغي أن يتعلمه القادة الأفارقة.

لكل هذا نعتقد أن المنتدى الصيني الأفريقي ليس مجرد آلية تعاون.

مرحبا على المقهى الإلكتروني: husseinismail@yahoo.com

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.