ã

السوس الذي يسكن في الشركات!!

لوه يوان جيون

بادئ ذي بدء نؤكد أن استخدام كلمة "السوس" هنا لا يحمل أي نوع من الازدراء أو الإهانة لأحد، ذلك أن "السوس المقيم" مصطلح جديد في قاموس الموظفين الصينيين، يقصد به الموظف الذي يبقى في مقر عمله بعد انتهاء الدوام، مثل الحشرات. وفي كل مرة تقع عينا تشانغ تيان على هذه العبارة وهو يتصفح الإنترنت، يبتسم فهو يعلم أنها أصدق وصف لحالته.

تشانغ تيان مصمم كمبيوتر في شركة إعلانات خاصة بمدينة قوانغتشو، وصاحب الشركة يريد أعمالا أكثر، ولهذا يواصل تشانغ تيان مع زملائه الخمس العمل ليل نهار.

صدق أو لا تصدق، هكذا قال المصمم الشاب: "ذات مرة عملت في الشركة ولم أخرج منها لمدة ثلاثة أشهر. في العادة أعمل مع زملائي أسابيع مستمرة، ولا أدري ما هو الدوام وما العمل الإضافي. وباستثناء العمل لا يوجد في حياتي شيء غير الأكل والنوم، ولا وقت حتى لقول نكتة".

صاحب الشركة التي يعمل بها تشانغ تيان رجل ذكي، فقد أقام علاقة طيبة مع موظفيه وعين طباخا ليعد لهم الطعام. قال تشانغ: "رغم أن العمل متعب، الراتب مجز وأكثر من راتب العاملين في الشركات الحكومية. بصراحة الدخل الكبير هو السبب الرئيسي الذي يجعلني سعيدا أن أكون "سوسة مقيمة" في شركة خاصة.

من الناحية القانونية، الوقت المحدد للعمل يوميا في الصين هو ثماني ساعات. وتنص المادة 41 من (( قانون العمل)) على أن الشركة لا يجوز لها أن تمدد وقت الدوام أكثر من ساعة في اليوم. وحسب حاجة العمل وبموافقة الموظف، يمكن للشركة أن تمدد وقت الدوام بحد أقصى ثلاث ساعات في ظل ظروف خاصة وبشرط عدم التأثير على صحة العاملين. ولا يجوز أن تزيد عدد ساعات الدوام الإضافي عن 36 ساعة في الشهر الواحد، ولا يجوز السماح للموظف بالعمل لوقت إضافي كيفما يشاء. هذه المادة تطبقها كل الشركات إلا الشركات التي تطبق نظام الدوام الحر، ومنها الشركة التي يعمل بها تشانغ تيان. وفي شركات أخرى الكثير "السوس المقيم"، يبقون في شركتهم بعد انتهاء الدوام، ليس من أجل العمل وإنما اللعب، ومن ثم فإنهم لا يخالفون ((قانون العمل)) أيضا.

مع انتشار ظاهرة "السوس المقيم" بدأت بعض الشركات تشتري أسرار توفير الراحة لموظفيها. البعض من "السوس المقيم" يبقى في الشركة بعد الدوام من أجل العمل، ولكن الغالبية يبقون لأغراض خاصة، ويسمح لهم أصحاب الشركات بالبقاء.

"السوس المقيم" شباب تتراوح أعمارهم بين 25 سنة و45 سنة، ويشتغلون في مجال تكنولوجيا المعلومات وتصميم الإعلانات وفي أجهزة الإعلام والإدارة الخ. وفريق "السوس المقيم" يحصلون على رواتب كبيرة ويتمتعون بنظام دوام حر ويعملون في مكاتب مريحة، فهم من ذوي الياقات البيضاء في المدن الذين يحسدهم كثير من العاملين العاديين.

ويتفق فريق"السوس المقيم" على أن الحياة هي جهد كثير ودخل كبير. وهم يواجهون ضغطا نفسيا يفوق ضغط العمل، وعندما يصبح الضغط النفسي  شيئا عاديا في الحياة، يتعود "السوس المقيم" على الدوام الإضافي، والبقاء في شركاتهم بعد انتهاء وقت العمل.

في العادة، قليلون هم الذي يختارون العمل بعد انتهاء الدوام، رغم احتياجنا جميعا للعمل، ولكننا نحتاج إلى التمتع بالحياة أيضا. وقد كشفت دراسة حول ظاهرة "السوس المقيم" عن أن هدف 78% من الذين يبقون أوقاتا أطول في شركاتهم  هو  تطوير أنفسهم، وهذا يعني سباقا بين العاملين واشتداد المنافسة، ثم الشعور بالتعب.

"السوس المقيم" لهم أسباب أخرى للبقاء داخل مكاتبهم، ولعل أهمها هو عدم معرفة أين يذهبون بعد انتهاء الدوام. كثير منهم تخرج في الجامعة قبل سنوات، ومعظمهم قادم من مقاطعات أخرى من أجل الوظيفة، يعيش بعيدا عن أهله ومعارفه. السبب الثاني أن بعضهم يريد أن يشتري، بعد فترة قصيرة من عمله، سيارة وشقة، ويتحمل فاتورة الانتقالات والاتصالات الكبير، والحل هو العمل أكثر لجمع مال أكثر.

ولكن هل ينبغي أن يصبح الشباب سوسا مقيما وأن تكون الشركات بيوتا ؟

تؤيد قاو لي، مديرة شركة للوازم السيارات في شانغهاي، أن تكون الشركات بيوتا، وتصف علاقتها مع شركتها بأنها علاقة خاصة بينها وبين صاحب بيت. تقيم خمسة أيام كل أسبوع في شقتها المستأجرة بشانغهاي، ويومين في شقتها التمليك بنفس المدينة. وتقول إن المكانين مختلفان، فأنت لا تشعر بدفء الأسرة إلا في البيت الذي تملكه.

وفي دراسة حول مفهوم "الشركة البيت" لوحظ تأييد الذين ولدوا في السبعينات من القرن الماضي لهذا المفهوم بينما عارضه الذين ولدوا في الثمانينات وما بعدها، فهم لا يعتبرون النجاح في العمل أكبر همهم والحياة كما يتخيلونها هي العمل المناسب والحياة السليمة.

قديما كانت  المؤسسات المملوكة للدولة توفر للعاملين بها كل شيء، العلاج والدواء وغير ذلك وتطالبهم بتطوير روح "حب المؤسسة مثل حب البيت" والاجتهاد لتحقيق الثروة للمؤسسات والدولة.

بعد أن تبنت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، تغير نظام المؤسسات، فظهرت الشركات الخاصة وشركات الاستثمار الأجنبي، وصار وقت الدوام في المؤسسات الخاصة طويلا والراتب قليلا وساء وضع العاملين فاستقالوا وهذا أثر على إنتاج المؤسسات. بدأ أصحاب الشركات يفكرون في حل لهذه المشكلة ويدركون أن الشركة ليست مجرد مكان يكتسب منه الفرد رزقه فحسب، بل فضاء يتبادل فيه العاملون مشاعرهم فظهرت "ثقافة الشركة" التي تدعو إلى أن "تنظيم الشركة مثل الأسرة"، والاهتمام بالمسئوليات الاجتماعية للشركات.

قال صاحب الشركة التي يعمل بها تشانغ تيان، إن الشركة التي تمنح الدفء للعاملين بها وتجعلهم يشعرون كأنهم في بيوتهم تزيد حماسهم للعمل وتحقق الشركة الاستقرار.

ولكن هناك تحذيرات للسوس المقيم من النتائج السلبية لهذا التوجه.

أولا، أن الفرد الذي يعمل تحت ضغط لمدة طويلة تتأثر صحته، وتتراجع القدرات البدنية لمن يعمل في مكتب مغلق لمدة طويلة ولا يقوم بالرياضة البدنية.

ثانيا، أن الذي يعيش وفق نمط واحد من الحياة لمدة طويلة يفقد القدرة على الابتكار والإبداع، وإذا استمر فترة أطول يتحجر فكره .

ثالثا، أن الذي يعمل فترة طويلة كل يوم ولمدة طويلة يصاب بالإرهاق. وقد أصبح الإرهاق موضوعا ساخنا في المجتمع الصيني، وسببه الرئيسي هو الضغط النفسي وسرعة إيقاع الحياة والنمو الاقتصادي السريع. من أجل يحقق الشباب آمالهم ومستقبلهم الجميلة، يتخلون عن الضرورات اللازمة لحياتهم السليمة

الذين ينتمون إلى "السوس المقيم" لا يكون لديهم وقت للراحة والاسترخاء واللعب، فتصبح الراحة رفاهية وبذخا في حياتهم.

ولكن وانغ تشي يان، مدير مركز بحوث اقتصاد الراحة في جامعة رنمين (الشعب) يقول: "الحياة ليست عملا فقط، على الفرد أن يبحث عن الحياة السعيدة". 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.