ã

علاقات الجوار المنسجمة

نهر هيلونغ.. النهر الحدودي بين الصين وروسيا

مركز التجارة الصينية الفيتنامية عند علامة الحدود رقم 52 بين البلدين

مناورات بحرية بين الجيشين الصيني والهندي

      تشانغ لي جيون الباحث بالمعهد الصيني للقضايا الدولية

     في الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني هو جين تاو في مؤتمر القمة بمناسبة الذكرى السنوية الستين لإقامة الأمم المتحدة في سبتمبر عام 2005 أعلن دعوة الصين إلى إقامة "عالم منسجم"، وهي الدعوة التي اثارت ردود فعل دولية واسعة النطاق. والحقيقة أن فكرة إقامة "عالم منسجم" هي إيجاز وتلخيص لسياسة الصين الخارجية المستقلة والسلمية. ونشير هنا إلى أنه في التقسيم الاستراتيجي للسياسة الخارجية الصينية فإن الدول الكبرى هي المحور، بينما تحتل دول الجوار الأولوية وتعتبر الدول النامية هي الأساس. وعلى هذا فإن العنصر المحوري في إقامة عالم منسجم هو تطوير العلاقات مع دول الجوار بحيث تصل إلى مرحلة "علاقات الجوار المنسجمة".

     تتاخم الصين 14 دولة على اليابسة وتقابل 6 دول عبر البحر، وهناك مشاكل حدودية، برية وبحرية، بين الصين وجيرانها خلفها التاريخ. قضية الحدود والأراضي من القضايا الهامة المرتبطة بسيادة كل دولة واستقلالها وسلامة أراضيها، وعليه فإن الحل السلس لمشاكل الحدود ونزاعات الأراضي مهم للغاية لاستقرار وتنمية الدولة، كما أن لطرق حل مشاكل الحدود والأراضي أهمية استراتيجية لسلام وتنمية العالم. وقد شهد التاريخ كثيرا من الحروب الناجمة عن نزاعات الحدود بين الدول.

     تأسيسا على هذا الوعي، تبنت حكومة الصين سياسة الحذر الشديد في حل نزاعات الحدود، ملتزمة بدعوتها الأساسية، وتستكمل منذ سنوات طويلة وضع السياسة التالية موضع التنفيذ: الحفاظ على وضع الحدود الحالي قبل حل المشكلة؛ التمسك بالمفاوضات السلمية وعدم اللجوء إلى القوة لتغيير وضعها الحالي؛ مراعاة الخلفية التاريخية والتفكير في الوضع الواقعي حاليا معا؛ إجراء بعض التعديلات الضرورية بموافقة الطرفين المعنيين.

     وتهدف الصين من حل المشاكل الحدودية إلى طمأنة الدول المجاورة لها، ومن ثم تركز قوتها في بناء اقتصادها الوطني. وقد سعت الحكومة الصينية في مفاوضاتها مع الدول المجاورة حول مشاكل الحدود، إلى الاتفاق على معاهدات دائمة يقبلها الطرفان على أساس المساواة الحقيقية، ولم تسع لاحتلال مزيد من الأرض. أما المفاوضات فيتعين أن تعتمد على البراهين النظرية والقانونية التاريخية التي يمكن الاعتماد عليها، مع اعارة الاهتمام للوضع الحالي للعلاقات بين الصين والبلد المعني. في ظل هذه السياسة، وقعت الصين في ستينات القرن العشرين معاهدات حدود وحلت مشاكل الحدود بالمفاوضات السلمية مع ميانمار ونيبال ومنغوليا وباكستان وأفغانستان. في ثمانينات القرن العشرين، وتجاه بعض الخلافات والنزاعات الحدودية الصعبة الحل والتي خلفها التاريخ، طرح زعيم الصين دنغ شياو بينغ السياسة والأساليب التالية لحلها: أولا، التمسك بحل مشاكل الحدود بالتفاوض السلمي وفق مبدأ التفاهم والتواضع المتبادل؛ ثانيا، حل النزاعات حول الأراضي والمياه الإقليمية التي خلفها التاريخ وفقا لمبدأ "ترك الخلافات جانبا، التنمية المشتركة"؛ ثالثا، تجنيب المشاكل التي لا يمكن حلها حاليا لحلها في المستقبل؛ رابعا، الفكرة المرشدة العامة لمعالجة العلاقات بين الدول هي السعي لإيجاد نقاط مشتركة وترك نقاط الخلاف جانبا، وعدم التورط في الحسابات التاريخية، والنظر إلى الأمام.

     بعد دخولنا القرن الحادي والعشرين، طرح قادة الصين المباديء الإرشادية للعلاقات مع دول الجوار والمتمثلة في "حسن معاملة دول الجوار وإقامة علاقة صداقة معها" و"حسن الجوار، وطمأنة الدول المجاورة، ومساعدتها في تحقيق الرخاء". بفضل هذه المبادئ تم حل النقاط الصعبة لمشاكل الحدود بين الصين وروسيا وبين الصين وفيتنام بسلاسة، وحقق التفاوض بين الصين والهند حول الحدود تقدما هاما.

     باستثناء روسيا والهند، معظم الدول المجاورة للصين متوسطة وصغيرة الحجم. عندما سعت الصين إلى حل مشاكل الحدود مع هذه الدول، لم تتعامل معها على طريقة إذلال القوي للضعيف وظلم الكبير للصغير، وإنما أقامت مشاورات ودية جادة لحل المشاكل بأسلوب سلمي انطلاقا من روح التفاهم والتواضع المتبادل. وعلى هذا الأساس تم حل مشاكل الحدود بين الصين وميانمار وبين الصين ونيبال بصورة مرضية.

     مشكلة الحدود بين الصين وروسيا

     يبلغ طول الحدود الصينية الروسية (السوفيتية سابقا) أكثر من 7300 كم، فهي إحدى أطول الحدود بين الدول بالعالم. في التاريخ أجبرت روسيا القيصرة الحكومة الصينية على توقيع 19 معاهدة غير متكافئة للحدود، واحتلت أكثر من 5ر1 مليون كم مربع من أراضي الصين، بل قضمت أكثر من 35 ألف كم مربع من الأراضي داخل الصين المحددة في تلك المعاهدات غير المتكافئة. بدأت الصين منذ ستينات القرن العشرين حل مشكلة الحدود بينها وبين الاتحاد السوفيتي السابق، ولمدة أكثر من 40 سنة، متمسكة بمبدأ "العدل والإنصاف، والحل الشامل". وبالفعل تم حل مشكلة الحدود مع روسيا نهائيا.

     جرت أول جولة مفاوضات حول الحدود في فبراير عام 1964 في بكين. وحتى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصين عام 2004، تم تحديد اتجاه أكثر من 4300 كم من الحدود بين الصين وروسيا، فحلت الدولتان مشكلة الحدود التي خلفها التاريخ نهائيا. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، استقلت جمهورياته الخمس بوسط آسيا. و قد توارثت قازخستان وقرغيزستان وطاجيكستان 3300 كم من الحدود بين الاتحاد السوفيتي والصين. نجحت الصين في حل مشاكل الحدود مع هذه الدول الثلاث على أساس المساواة والتفاهم المتبادل.

     مشكلة الحدود بين الصين وفيتنام

     في حل مشاكل الحدود مع الدول المجاورة، كانت الصين تحاول أن تتفاهم مع الطرف الآخر، وتفكر في مصالح الطرفين لدرجة أنها قدمت بعض التنازلات والتضحيات الضرورية في بعض الأحيان. والدليل الناطق على ذلك حل مشكلة الحدود بين الصين وفيتنام. كانت أصعب نقطة لحل هذه المشكلة هي ترسيم حدود خليج بيفو (يسمى خليج دونغجينغ في فيتنام). خليج بيفو محاط ببر الصين وبر فيتنام وجزيرة هاينان الصينية، مساحتها نحو 128 ألف كم مربع. قبل سبعينات القرن العشرين، كانت الصين وفيتنام تديرانه حسب عرض المياه الإقليمية الذي أعلنتاه بنفسيهما، لأن معظم الخليج ينتمي إلى أعالي البحار، فتتمتعان بالموارد به معا. بعد تحديد كل من الصين وفيتنام مياههما الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخاصة والرصيف القاري لتوسيع المنطقة تحت إدارتها، حدث تداخل بين منطقتيهما الإداريتين في معظم الخليج، مما سبب كثيرا من الخلافات والنزاعات. في ديسمبر 2000 وقعت الدولتان اتفاقا لتحديد الحدود بين البلدين في خليج بيفو من حيث المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخاصة والرصيف القاري، مساحة مجال البحر لكل منهما متشابهة تقريبيا؛ وتم الاتفاق على التنمية المشتركة لموارد البترول والغاز والمعادن الأخرى العابرة الحدود؛ والتعاون في تربية وحماية الموارد البيولوجية، وانسحب عدد كبير من سفن الصيد الصينية من مصايد الأسماك التقليدية، وانتقل 150 ألف صياد صيني من صيد الأسماك إلى قطاعات أخرى.

     مشكلة الحدود الصينية الهندية

     مشكلة الحدود بين الصين والهند هي أصعب مشكلة واجهتها حكومة الصين في تحديد الحدود. إجمالي طول الحدود بين الصين والهند نحو 2000 كم، ينقسم إلى الجزء الشرقي والأوسط والغربي، مساحة الأراضي المتنازع عليها نحو 125000 كم مربع.

     من أجل حل هذه المشكلة اتخذت الصين سلسلة من الإجراءات لتحقيق الانفراج والتواصل ودفع المفاوضات. أولا، سعى قادة الصين لتحقيق انفراج في العلاقات الصينية الهندية. ثانيا، عملت الصين على استقرار خط السيطرة الواقعي. ففي نوفمبر عام 1996 زار الرئيس الصيني في ذلك الوقت جيانغ تسه مين الهند، فوقعت حكومتا البلدين ((اتفاق إجراءات بناء الثقة المتبادلة في المجال العسكري بمنطقة خط السيطرة الواقعي بالحدود بين الصين والهند)). أخيرا عملت الصين على دفع استئناف وتطوير المفاوضات حول الحدود. في إبريل 2005 زار رئيس مجلس الدولة ون جياو باو الهند، واتفق الطرفان على المبادئ السياسية الإرشادية لحل مشكلة الحدود: حل مشكلة الحدود بالتشاور السلمي والودي، عدم لجوء أي طرف من الطرفين إلى القوة أو التهديد بها؛ إيجاد مشروع حل عادل ومنصف لمشكلة الحدود بحيث يمكن أن يقبله الطرفان؛ قيام كل طرف من الطرفين بتعديل دعوته بشكل يمكن أن يقبله الطرفان لحل المشكلة حلا شاملا؛ تحديد الحدود حسب العلامات التي يتفق عليها الطرفان والخصائص الجغرافية الطبيعية الواضحة والسهلة في التمييز؛ قبل حل مشكلة الحدود نهائيا، على الطرفين أن يحترما ويلتزما بخط السيطرة الواقعي، للحفاظ المشترك على سلام واستقرار منطقة الحدود، وأن يواصل ممثلو الطرفين التشاور الجاد من أجل تشكيل إطار لحل مشكلة الحدود لإرساء أساس ترسيم ومسح الحدود الذي يقوم به الطرفان لاحقا.

     عند النظر إلى مباديء وتوجهات السياسة الخارجية الصينية بصورة عامة، يمكننا أن نلاحظ خطا رئيسيا لها، ألا وهو فكرة السعي وراء إقامة وتطوير علاقات منسجمة وودية مع بلدان العالم. لخص هذه الفكرة الرئيس الصيني هو جين تاو في الدعوة إلى إقامة عالم منسجم، الأمر الذي أغنى وطور سياسة الصين الخارجية السلمية المستقلة، وقدم دليلا أفضل لأعمالها الهادفة إلى تهيئة بيئة حدودية سلمية ومستقرة وودية وإقامة علاقات طيبة مع دول الجوار.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.