ã

صدق أو لا تصدق!!

السمنة تهدد الصينيين!

حسين إسماعيل

معا للتخلص من السمنة

دعوة للرشاقة

      اعترف بداية أن أول من ستصدمه السطور التالية هو أمي، التي أدهشتها رشاقة الصينيين، فأنا أتذكر قولها لي ونحن في سوق النجوم الخمس الذهبية وصفا للصينيين، والصينيات تحديدا.. "كأنهم قطعوا بمقص واحد". ولكن الحقيقة التي لا مفر منها، يا أمي ويا كل المعجبين برشاقة الصينيين، هي أن الطعام الذي يتناوله أغنياء الصين الذين يتزايد عددهم يساوى سمنة مفرطة وصحة فقيرة، وقد يسخر الفقراء من الجزء الأخير لهذا الكلام، ولهم الحق في ذلك إلا قليلا. وتؤكد الحقائق المدعومة بالأرقام في الصين أن الطعام الثري هو العدو الأول للصحة وللجمال. وقد أصيب المواطن الصيني السيد يانغ بدهشة عندما أخبره الأطباء بأنه مصاب بالبول السكري، فالمحاسب الذي يبلغ من العمر ستة وثلاثين عاما ظن أنه أصغر من أن يصاب بهذا المرض. وقد أوضح له الأطباء بأن الأطباق الشهية التي تحتوي على كميات عالية من الدهون والسكر هي السبب في مرضه.

     وتشير الدراسات إلى أن عددا متزايدا من الصينيين يعاني حاليا من السكري والأمراض المزمنة الأخرى مثل ارتفاع ضغط الدم الذي يُعتقد أنه مرض متوسطي العمر والمسنين. ويقول تشن تشون مينغ، الرئيس السابق للأكاديمية الصينية للطب الوقائي، إن الناس، مع امتلاء جيوبهم، يأكلون أطعمة غالية ولكن ذات نوعية أقل، فسكان المناطق الحضرية يأكلون أطعمة تحتوي على كثير من الدهون وقليل من المعادن، والنتيجة أن عددا متزايدا منهم يصبح وزنهم زائدا ويعانون من الأمراض المزمنة. وبعيدا عن هذا الكلام الأكاديمي، تقول الدراسات إن واحدا على الأقل من كل خمسة بالغين في الصين وزنه زائد، وأن واحدا من بين كل خمسة يعاني من ارتفاع ضغط الدم.

     ويقول السيد تشن إن الوجبة غير المتوازنة في المدن الصينية هي العامل الرئيسي في زيادة الأمراض المزمنة، مشيرا إلى أن نسبة الحبوب في طعام الفرد يجب أن تكون بين 55 و65%، وأن نسبة الدهون يجب أن تكون أقل من 30%. ولكن أين هذا يا سيد تشن مما نراه في مطاعم كنتاكي وماكدونالد وفرايدايز في بكين، التي يصعب على الفرد أحيانا أن يجد فيها مكانا؟

      الدراسة التي نشرتها وزارة الصحة الصينية ووزارة العلوم والتكنولوجيا ومصلحة الإحصاء، في أكتوبر العام الماضي، تشير إلى أنه في المدن الرئيسية بالصين يقل نصيب الحبوب في وجبة الفرد عن 55% وتزيد نسبة الدهون عن 30% بكثير. هذه الدراسة التي حملت عنوان "مسح حالة التغذية والصحة للصينيين" أجريت على عينة من 24 ألف فرد في كل مقاطعات الصين. وتقول الدراسة إن عدد الصينيين الذين عانوا من ارتفاع ضغط الدم العام الماضي 160 مليونا، أي 19% من عدد البالغين في الصين، مقارنة مع 90 مليونا فقط عام 1991، أي بزيادة 78% خلال 14 سنة، وبلغ عدد الذين عانوا من البول السكري عشرين مليونا. ويبلغ عدد الصينيين ذوي الوزن الزائد 200 مليون، أي 22,8% من البالغين، من بينهم سبعون مليونا مصابون بالسمنة.

     عالم التغذية تشن تشون مينغ يقول إن النسبة العالية للأمراض المزمنة لها علاقة بالتغير الذي طرأ على مائدة الصينيين في السنوات الأخيرة. في عام 1959 أوضحت دراسة أن الصينيين لم يكن يتوفر لهم الطعام الكافي، فقد كانوا يأكلون رئيسيا الحبوب الخشنة، وكانت نسبة الأرز والطحين 10% من الوجبة التي كانت تفتقر بشدة إلى البروتينيات. في عام 1982، كانت المعدة الصينية تمتلئ، ولكن الوجبة كانت تتكون رئيسيا من الحبوب الخشنة. خلال العشرين عاما التالية قلت الحبوب الخشنة تدريجيا في طعام الصينيين وزادت البروتينيات والدهون.

     الأطفال أيضا أصبحوا من ضحايا الأمراض ذات العلاقة بالطعام، ففي بكين يوجد طفل واحد عمره ثلاث عشرة سنة أو أقل بين كل عشرين مصابا بالسكري، وفقا لتقرير نشرته وكالة أنباء شينخوا. وتحذر أحدث دراسة أجريت على مستوى الصين حول صحة الأطفال من أن السمنة باتت واحدا من أكبر المخاطر على صحة الطفل الصيني، وتؤكد أن مؤشرات الصحة البدنية للتلاميذ تتراجع مع زيادة أوزانهم، والسبب هو نقص التمرينات البدنية. حسب هذه الدراسة زاد عدد الأطفال السمان كثيرا بل تضاعف عددهم في بعض المدن خلال السنوات الخمس الماضية. في بكين على سبيل المثال تشير أحدث الأرقام من السلطات التعليمية بها إلى أن طول ووزن وعرض الصدر للتلاميذ الصغار يزداد بشكل متواصل، بينما مؤشرات الصحة البدنية، مثل سعة الرئتين والسرعة والقوة تتراجع. وحسب الهيئات المعنية ضغط الدم لنصف تلاميذ المدارس أعلى من الطبيعي وزاد عدد الأطفال السمان بنسبة أكثر من 50% خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفي بكين والمناطق الحضرية الأكثر حظا في التنمية الاقتصادية تصل نسبة السمنة بين التلاميذ الذكور حوالي 13%، علما بأن متوسط سمنة التلاميذ على مستوى الصين هو 8,1% في الحضر و3,1% في الريف. وأشارت إحصاءات وزارة التعليم في العام الماضي إلى أن 11,5% من الأولاد و8% من البنات في المدن في سن من 7 إلى 22 سنة مصابون بالسمنة. فهل دخلت الصين عصر السمنة؟ يقول جي تشنغ يه، من قسم صحة المراهقين والأطفال بجمعية الطب الوقائي الصينية، نعم. ويحذر جي من أن السمنة في الطفولة تؤثر على الصحة والحياة في المستقبل.

      الأسباب عديدة للسمنة، ومنها الجلوس الطويل أمام التلفزيون أو الكمبيوتر، وبالنسبة للأطفال الجلوس لأداء الواجب المنزلي، فكل ذلك يكون على حساب الخروج والحركة وممارسة النشاطات الرياضية. ولكن يظل استهلاك مأكولات مطاعم الوجبات السريعة والدسمة السبب الرئيسي. و بعض الخبراء يرى أن الأمر له علاقة بمشاكل ذات طبيعة نفسية أكثر عمقا، ليس فقط في الأطفال، وإنما في الكبار أيضا. تقول مي جيه، الأستاذة بمعهد العاصمة لطب الأطفال التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الطبية، إن الآباء في الصين يميلون إلى الشعور بالراحة عندما يأكل أطفالهم أكثر. وجيانغ يي فانغ، مدير قسم التغذية في مستشفى شانغهاي للأطفال، يلقي باللائمة على أولياء الأمور بسبب ما يسميه "سيكولوجيتهم التعويضية الخاصة"، فهم- حسب رأيه- لا يريدون أن يأكل أطفالهم الأطعمة الخشنة التي أكلوها هم في الماضي في طفولتهم، ويقدمون مزيدا من الأطعمة لأبنائهم قدر الإمكان، وغالية قدر الإمكان أيضا. ويقول الخبير الغذائي إن معظم الأطفال ذوي الوزن الزائد في المدن يأكلون ليس بسبب الجوع وإنما نتيجة لمشاكل نفسية، فعندما يشعر الطفل بالوحدة وعندما يعاني ضغطا في المدرسة وعندما يرى والديه يتشاجران، تكون الثلاجة هي وجهته!

     ويحذر جيانغ من أنه إذا احتفظ هؤلاء الأطفال بوزنهم الزائد حتى سن البلوغ، فإنهم معرضون بنسبة 80% للإصابة بالسمنة في كبرهم. ويحذر أيضا تشن تشون مينغ، عالم التغذية، من أن مشاكل السمنة لن تؤثر فقط على النمو البدني والنفسي للأطفال وإنما ستصبح قنبلة موقوتة للتنمية الاقتصادية والصحة العامة في البلاد مستقبلا.

      هذه صورة، أما القادمة فصورة أخرى.

     بينما يعاني كثيرون في مدن الصين من التخمة يعاني أيضا كثيرون في الريف من فقر التغذية، وهو وضع لم يتحسن كثيرا في السنوات العشرين الأخيرة على الرغم من الطفرة الاقتصادية في الصين. بل إن الصورة قاتمة أكثر في المناطق الأشد فقرا!

     مقارنة مع الأطفال ذوي الوزن الثقيل في المدن، 9% من أطفال الريف تحت سن الخامسة وزنهم أقل مما يجب، وفقا لمسح أجرى العام الماضي. بل إن النسبة ترتفع في المناطق الأشد فقرا إلى 14,4%. وحوالي 17% من أطفال الريف تحت سن الخامسة ينمون أبطأ مما ينبغي. وحسب مسح أجرته في سبتمبر العام الماضي وزارة الصحة الصينية، يوجد في المناطق الفقيرة مثل منطقة قوانغتشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ ومقاطعة قويتشو الأطفال الأكثر افتقارا للتغذية في الريف الصيني. ثلث الأطفال في قويتشو وربعهم في قوانغتشو ينمون أبطأ مما ينبغي.

     هناك محاولات لحل مشكلة التغذية في الريف، فمنذ سبتمبر عام 2003 يحصل الفلاحون في المنطقة الجبلية جنوبي لانتشو، عاصمة مقاطعة قانسو، على حصة من طحين القمح مقابل زراعة أرضهم بالشجر لحماية البيئة ووقف زحف التصحر. الطحين المزود بعناصر ترفع قيمته الغذائية، يقدم إلى الفلاحين في إطار مشروع بدأته مصلحة الدولة للحبوب في أغسطس عام 2002. ولما كانت الكمية التي توزع على الفلاحين مقابل التخلي عن أرضهم لزراعتها بالأشجار لا تكفي، فإن المصلحة تطرح للبيع دقيقا مدعوما يعوض فجوة الطحين.

     أحد الأطباء العاملين في هذه المنطقة قال إن فوائد طرح الطحين المغذي بدأت تظهر، حيث يقل عدد المصابين بالأمراض. وتحسنت المؤشرات الصحية للكثير من أبناء المكان.
ولكن تظل هذه المحاولات أبعد كثيرا عن معالجة مشكلة نقص التغذية في العديد من المناطق بالريف الصيني.

     من جانب آخر، وكما يقول تشن جون شي، الباحث بمعهد التغذية وسلامة الغذاء، يفتقر الصينيون بشكل عام إلى المعادن في طعامهم، ولم يتحسن الوضع خلال السنوات العشر الماضية على الرغم من أنهم يأكلون أكثر وأفضل. الحديد هو العنصر الأكثر نقصا في غذاء الصينيين، في الريف والحضر، فحسب مسح لوزارة الصحة أجري العام الماضي، يوجد واحد من كل خمسة صينيين يعاني من الأنيميا (فقر الدم)، كما أن هناك مشكلة نقص الكالسيوم، فمتوسط ما يتناوله الصيني من الكالسيوم يوميا هو 391 مليغرام، أي 40% من المعدل الذي ينصح به المتخصصون، ويعاني 40% من أطفال الصين الأقل من سبع سنوات من نقص الزنك.

     في محاولة لحل هذه المشكلة، يسعى الباحثون بمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى تطوير سبل لإضافة المعادن إلى التوابل الأكثر استخداما في الصين، وبالفعل نجحوا في إضافة الحديد إلى صلصة فول الصويا.

      الخبراء يقولون إن أول شيء يجب عمله لتحسين وجبة الصينيين هو أن تقول للناس ما الذي ينبغي عليهم أن يأكلوا منه أكثر وما الذي يجب أن يأكلوا منه أقل.

     السؤال هو، هل سيسمع الناس، إنهم يدخنون وعلبة التبغ مدون عليها تحذير يشيب له الولدان!

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.