ã

إلى الخارج ثم العودة

ريتشارد مولينز

      مازال الطلاب الصينيون يقصدون إلى الخارج بغرض الدراسة- ولكنهم هذه الأيام يعودون أيضا إلى الوطن.

     قد تكون سلاحف البحر من أكثر الأحياء المهددة بالانقراض في مملكة الحيوان، ولكنها في معناها الرمزي تتكاثر. ففي كل عام يذهب الآلاف من الصينيين إلى أراض بعيدة سعيا وراء المعرفة، والنابهون منهم يقصدون إلى أشهر الجامعات على الأرض. بيد أن البعض منهم لا يستطيع ذلك في ظل المنافسات الهائلة والظروف المالية أو الإدارية حتى قبل أن يغادروا شواطئهم. ولكن الذين يذهبون يختلفون عمن سبقوهم، فهم يعودون إلى الصين ومعهم بيضهم الأكاديمي.

     هذا التوجه الجديد عبر عن نفسه بمصطلح جديد في المفردات الصينية وهو هايقوي، الذي يعني حرفيا "سلحفاة البحر"، وهو أيضا اختصار لعبارة هايواي قويلاي، أي "العودة من الخارج". وهي عبارة تستخدم رئيسيا في وصف الطلاب أو العلماء الذين يتركون حياتهم في فردوس الغرب ويعودون ويساهمون في تنمية وطنهم. ولكن لماذا يذهبون وماذا ينبغي عليهم أن يفعلوا كي يذهبوا؟

     يتفق الأكاديميون الصينيون بشكل عام على أنه بعيدا عن مستوى التخرج، لا يمكن للجامعات في بلادهم أن تحقق التفوق ومن ثم فإنهم ينظرون نحو الخارج، وتحديدا نحو الولايات المتحدة في سعي إلى بيئة تستكشف أفضل ما لديهم من إمكانيات.

     يقول لوه هاي هوا، 27 سنة، وهو شاب صيني يدرس الماجستير في الولايات المتحدة: "الصين متأخرة، فلا يوجد جامعة صينية من بين أفضل عشرين جامعة في آسيا، فيما يتعلق بمستوى الدراسة للتخرج". ويعتقد لوه أن مقوماته التسويقية تعتمد رئيسيا على المؤهلات الجيدة. فالجامعات الأجنبية المشهورة توفر لطلابها مرافق على أحدث مستوى وموارد بحوث ثرية، وهو ما لا توفره معظم الجامعات في الصين.

     السبب الآخر في ذهاب لوه هاي هوا إلى الخارج هو التدريب العالي الجودة. يقول "هذا الصيف سوف أذهب إلى تكساس للتدريب الصيفي في شركة عالمية عملاقة للبرمجيات". ويضيف: "إن جامعة تشينغهوا ببكين هي الأفضل بين نظيراتها في الصين ولكنها لن توفر لي فرصا مثل هذه الفرصة. صحيح أن الشركات الصينية توفر فرص تدريب ولكن الطلاب لا يحصلون على الخبرة المطلوبة، حيث يجدون أنفسهم يلصقون طوابع في غرفة البريد".

     آخرون يبحثون عن الخبرة والأفق الأوسع عندما يملأون استمارات التقديم. إنهم يرون أن الصين قوة صاعدة على الساحة العالمية، وباعتبارهم قادة الغد، يريدون أن ينخرطوا في نسيج اجتماعي واقتصادي وسياسي مختلف يتواءم مع عالم اليوم لمعرفة كيف يعيش الناس في الجانب الآخر من العالم وكيف يديرون أعمالهم. ويقول آي يو، وهو طالب ماجستير عمره 25 سنة، أيضا في الولايات المتحدة: "أعلم أن النظرة العالمية الأكثر ستكون مهمة للغاية في السنوات القادمة مع مواصلة الصين لنموها".

     غير أن الالتحاق بتلك الجامعات أسهل في القول من الفعل، فالعملية مكلفة ومستهلكة للوقت. وبالنسبة للقادرين يمكنهم تعيين وكالة لترتيب موضوع تقديم الطلبات بتكلفة تتراوح بين عشرة آلاف وعشرين ألف يوان (1300-2600 دولار أمريكي). وعندما يقررون إلى أين يريدون السفر، فإن الطلاب ينظرون في عوامل مثل التكلفة والسمعة والموقع. وفي هذا الصدد، الجامعات الأمريكية هي الأكثر تفضيلا بين الطلاب الصينيين، وبعدها تأتي الجامعات في بريطانيا وأستراليا، ولكن دولا أخرى مثل أيرلندا ونيوزلندا تكتسب شعبية متزايدة مع تعقد إجراءات الحصول على التأشيرة الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر وارتفاع النفقات في بريطانيا.

     وليس مستغربا أن المقاصد الناطقة بالإنجليزية تتطلب من الدارسين الصينيين الوصول إلى درجة عالية في اللغة من خلال نظام تعليمي معترف به دوليا مثل IELTS. استمارة التقديم نفسها يجب أن تُقدم مع الكثير من الوثائق الإضافية ومنها بيان بالغرض، خطابات تزكية، تقارير اختبارات، أوراق رسمية وبيان بالسيرة الذاتية والشهادات الدراسية ذات العلاقة. وينصح آي يو، الذي جرب هذه الأكوام من الورق، بأنه: "في الجامعات الأمريكية، اعثر على بروفيسور تجمع بينكما نفس الاهتمامات البحثية، وأبرز قدراتك وأخبره عن خططك البحثية، وسوف يكون لديك أكثر من فرصة للقبول". ويقع الطلاب الراغبون في الدراسة بالخارج تحت ضغوط هائلة كي يحققوا النجاح؛ فهم نادرا ما يتقدمون إلى جامعة واحدة، ويتحمل أولياء أمورهم نفقات طلبات التقديم، وبالطبع فإن الفشل غير متوقع من الطرفين.

     بالنسبة للذين ينجحون، ينتظرهم مزيد من الإحباط عندما يحلون على الشاطئ الآخر، فالصدمة الثقافية أمر شائع بين الطلاب الصينيين الذين يعيش معظمهم حياة مؤمنة إلى حد ما في بلادهم. وقد تسفر رحلة إلى سوبر ماركت مجاور عن أزمة قلبية. تقول تشاو مينغ، وهي طالبة عمرها 28 عاما تدرس الإدارة في أكسفورد: "لم أصدق أن الأشياء يمكن أن تكون غالية هكذا، ففي بلدي ربما أستطيع شراء جهاز تلفزيون جديد بما أنفقه في محل بقالة هنا". وعدم تشابه غرف الدراسة قد يكون أكثر صدمة لطلاب يصارعون من أجل التكيف مع نظام تعليمي تفاعلي جديد يختلف تماما عن نظام بلادهم. البعض يعيد تشكيل نفسه للحيلولة دون انحدار ثقتهم ونتائجهم. ولحسن الحظ يرى معظم الطلاب الصينيين ذلك على أنه تحد وفائدة كبيرة يحققونها من دراستهم بالخارج. يقول لوه هاي هوا: "شيء عظيم أن أتحدى أساتذتي وأن أجعلهم يتحدونني. يميل الطلاب الصينيون إلى أن يكونوا متعلمين سلبيين في حين يكون نظراؤهم الغربيون مشاركين إيجابيين، لا فرق بين دارس البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه".

     يعلم آي يو أيضا الفوائد من هذه البيئة التعليمية، ويقول: "الطلاب الصينيون يدرسون بجد ولكن إلى حد ما يفتقرون إلى القدرات الابتكارية والإبداعية، فالطلاب يتبعون فقط تعليمات أساتذتهم ويلتزمون بالروتين، ونادرا ما يقومون بأي تفكير محوري بأنفسهم. وهذا هو الشيء الذي من أجله نتطلع إلى الجامعات الأجنبية. وتقول تشاو مينغ : "كل طالب هنا له مشرف أكاديمي وزميل معلم، ونكون أيضا مطالبين بتحديد مشرف على الرسالة، وليس من الغريب التواصل مع شخص آخر في مجال أكاديمي آخر في أكسفورد للمساعدة في البحث، ومن ثم فإن الاتصال أكثر كثافة."

     تقليديا، لم يكن معظم الدارسين بالخارج يرجعون إلى الصين، ولكن مع مواصلة البلاد تحقيق الازدهار يعود المزيد إلى مكان ولادتهم. والخريجون القدامى أيضا يحزمون حقائبهم ويرجعون للمساهمة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي السريع للصين. وقد سنت الحكومة الصينية سلسلة من السياسات التفضيلية للأكفاء من العقول المدربة في الغرب العائدة إلى وطنها للعمل في مجالات مثل التكنولوجيا والقانون والتمويل والتعليم والبحث العلمي. ومع الإعفاءات الضريبية والكثير من الحوافز الأخرى أصبحت حديقة تشونغقوانتسون للعلوم والتكنولوجيا (تسمى وادي السيلكون الصيني) ببكين، عنصر جذب للعائدين من الدارسين، أو هايقوي. البعض منهم ابتكر تقنيات ببراءة اختراع خاصة وكون ثروة. ونفس القصة في شانغهاي، قوانغتشو وشنتشن.

     إن السفر إلى الخارج للدراسة مع نية العودة إلى الوطن عُرف جديد في الصين. ولكن الذين لا يستطيعون السفر بسبب المستوى العلمي أو المالي يتوقون إلى اليوم الذي تكون فيه مناهج ما بعد التخرج في بلادهم منافسة لأفضل الجامعات في العالم. ويبشر الانخفاض القليل لعدد الطلبات الصينية للدراسة في الخارج بأن جامعات الصين يمكن أن تكون على المسار الصحيح.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.