ã

حياة سعيدة أم تعيسة؟

عبد الله فريح يان يويه

     حكت لي أمي عن أيام طفولتها في ستينات وسبعينات القرن الماضي. قالت إنها كانت تلعب مع أترابها من الأطفال في الأزقة بعد العشاء كل مساء. كان الأطفال يلعبون الاستغماية والريشة النطاطة وليست الألعاب الإلكترونية أو ألعاب الكمبيوتر. كان مستوى المعيشة منخفضا في تلك الأيام، ولم يكن في بيوت الصينيين أجهزة تلفزيون، ومن ثم كان المذياع وسيلة الإعلام والترفيه المتاحة. كان الجميع، وبخاصة الأطفال، ينتظر عيد الربيع لأنه يعني تناول اللحم وارتداء ملابس جديدة. كانوا فقراء لدرجة أن من كان يمتلك ساعة يد ودراجة ومذياعا وماكينة خياطة يعتبر ثريا. كان من يشتري ساعة يد ميكانيكية يشعر بأنه حاز الدنيا، وكان لدى كل أسرة دراجة أو دراجتان على الأكثر.

     مرت سنون وانتشر التلفزيون الأبيض والأسود في الصين. لم تكن كل أسرة تستطيع شراء تلفزيون تسع بوصات أو اثنتي عشرة بوصة. كانت أسرتنا الوحيدة التي لديها تلفزيون في الزقاق الذي نسكنه، فكان الجيران يتجمعون مساء كل يوم في دارنا ليشاهدوا بسعادة بالغة التلفزيون الصغير الحجم ذي القنوات القليلة. كان المكان يعبق بأجواء حميمة من علاقات الجيرة الطيبة.

     يوما بعد يوم يزداد المجتمع تقدما ويرتفع مستوى معيشة الصينيين. في ثمانينات القرن الماضي ظهر التلفزيون الملون، وفي التسعينات شرع الناس ينتقلون من المساكن ذات الطابق الواحد إلى عمارات عالية، ولم تعد ساعة اليد والدراجة والمذياع وماكينة الخياطة رمزا للثراء، فقد حل محلها التلفزيون الملون والثلاجة والغسالة وجهاز التسجيل.

     وفي أواخر القرن الماضي بدأ الصينيون يشترون الكمبيوتر وأخذت تكنولوجيا الكمبيوتر تتطور بسرعة مدهشة. لم يعد الأطفال يلعبون الألعاب الجماعية القديمة، بل يلعبون ألعاب الكمبيوتر بمفردهم في بيوتهم. وبات في مقدور الصينيين تناول اللحم كل يوم وشراء ملابس جديدة في أي وقت. قالت أمي إن اللحم لم يعد لذيذا مثلما كان. وقالت إن بهجة عيد الربيع ليست كما كانت. لا أدري متى بدأت أمي تشعر بهذا.

     الحقيقة أن السبب بسيط، فقد أصبحت البضائع وافرة، وأنت لا تشعر بلذة الطعام إلا عندما تكون جوعانا ولا تتلهف على الماء إلا عندما يشتد عطشك. تقول أمي دائما: "كل يوم الآن يشبه العيد."

     ومع دخول القرن الجديد انتقل المجتمع الصيني إلى مرحلة أخرى، فلم يعد الكمبيوتر أو التليفون المحمول رمزا للغنى، وإنما السيارة الخاصة وشقة التمليك.

     المرء، عموما، يضع لنفسه أهدافا مادية في حياته يعمل ويكد من أجلها. قد يكون الهدف ساعة يد أو تلفزيونا أو سيارة، وعندما يحقق هدفه يتطلع إلى هدف جديد. لقد ارتفع مستوى المعيشة، ولكن سقف الأهداف المادية يرتفع أيضا وبمعدلات تفوق سرعة زيادة دخل الفرد. في السبعينات كان المواطن الصيني يستطيع أن يشتري ساعة براتب شهر، وفي الثمانينات كان يستطيع أن يشتري جهاز تلفزيون براتب السنة، ولكن من يستطيع اليوم أن يشتري شقة براتب شهر أو سنة؟ إن سعر الشقة المتوسطة يصل مائة ألف دولار أمريكي، ودخل الفرد يدور حول أربعمائة دولار شهري، وهذا يعني أن شقة واحدة تحتاج ادخار الراتب كاملا لمدة عشرين سنة، وتلك مسيرة صعبة بالنسبة للمواطن الصيني.

     مستوى المعيشة يرتفع؟ نعم. هل الحياة الآن أكثر سعادة؟ مسألة فيها كلام. حتى بعد شراء الشقة يبزغ هدف جديد وتستمر الكَرّة؟ هل هذه حياة سعيدة أم تعيسة؟


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.