ã
الصين
ليست معجزة!
حسين إسماعيل
 |
متوسط
دخل الفرد
في الصين لا
يزال قليلا
|
     إذا كان معنى المعجزة هو خرق لقوانين الكون ونواميسه فإن ما يحدث في الصين لا علاقة له بالإعجاز، وقد يصدم البعض أن نقول إن ما تشهده الصين ليس أكثر من تطور طبيعي، وربما أقل من الطبيعي لدولة في حجم الصين، مساحة وسكانا وتنوعا وثراء ثقافيا. غير أن كثيرين من الذين يروجون لمعجزة الصين والصعود الصيني والخطر الصيني إنما يبغون من ذلك، ليس تقدير إنجازات الصين الاقتصادية، بل التحريض عليها والتحذير "وأحيانا الترهيب" من أن يصبح الصينيون مواطنين طبيعيين يتمتعون بما يتمتع به غيرهم من أبناء أمم كثيرة. وللأسف فإن كثيرا من المفكرين والكتاب العرب يرددون عن وعي أو غير وعي مقولة معجزة الصين غير مدركين لما تحويه من أهداف خفية، والمدهش حقا أن الصينيين لا يعتبرون ما تحققه بلادهم إعجازا بل يصرون على أن بلادهم دولة نامية، وأحيانا أقل من نامية، وليست قوة عظمى، ويكفي أن نشير إلى أنه وفقا لتقديرات خبراء الاقتصاد الصينيين مازالت هناك فجوة قدرها مائة عام تفصل بين الصين والدول المتقدمة، من حيث دخل الفرد والهيكل الاقتصادي.
     المشكلة تكمن في قراء الأرقام المطلقة عن الصين، وهي أرقام مضللة إن لم نضعها في إطارها الصحيح، فقد اهتز العالم لوصول إجمالي الناتج المحلي للصين في العام الماضي 2005 إلى 2710 مليار دولار أمريكي، لأن ذلك يعني أن الصين أصبحت خامس أكبر كيان اقتصادي في العالم، بل إن أحدث تقرير للبنك الدولي هذا العام وضع الصين في مرتبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ولكننا هنا نتحدث عن الصين التي تغطي تسعة ملايين وستمائة ألف كيلو متر مربع والتي تعيل أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة، ولهذا فإنه حتى وإن أصبحت الصين أكبر كيان اقتصادي في العالم يظل الأمر طبيعيا ولن يتجاوز التوقعات الطبيعية بالحسابات الاقتصادية، ولكن ذلك لن يعني أن الصين انضمت إلى نادي الدول المتقدمة والأسباب كثيرة.
     حسب بيانات البنك الدولي حول متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي في عام 2004، جاءت لوكسمبورج في المركز الأول، حيث يصل متوسط دخل الفرد بها 43940 دولارا أمريكيا؛ بينما كان متوسط دخل الفرد في فرنسا 24770 دولارا أمريكيا وفي بريطانيا، 28350 دولارا أمريكيا، أما متوسط دخل الفرد في الصين فقد بلغ في عام 2005 حوالي 1600 دولار أمريكي، وجاء في المركز المائة تقريبا، أي أقل من كثير من الدول النامية.
     وتقول مجلة لياووانغ (استشراف المستقبل) الصينية في تقرير لها، إن الرأي العام الدولي، في متابعته لمؤشرات الاقتصاد الصيني، يهمل عن عمد أو غير عمد، عنصر متوسط دخل الفرد، مع التركيز على الحجم الكلي المطلق للاقتصاد.
     والحقيقة أن ما يحدث في الصين من معدلات نمو اقتصادي عالية يمكن تشبيهه بشخص تعرض لمرض فترة طويلة ففقد الكثير من وزنه، إلى أن زالت أسباب المرض وراح يستعيد عافيته ويسترد وزنه، ولكنه لم يصل بعد إلى وزنه الطبيعي. يمكن أن نقول إن ما تحقق يعد تقدما وإنجازا، ولكنه يقينا ليس معجزة. لقد عانت الصين سنوات طويلة، من الحكم الفاسد والتدخل الأجنبي قبل قيام الصين الجديدة، ومن كوارث اقتصادية خلال الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، لأسباب سياسية داخلية وظروف دولية، وكان آخرها ما سمي بالثورة الثقافية، التي كانت توصف بالكبرى أو العظمى (من منتصف الستينات حتى منتصف السبعينات). بعدها شرعت الصين تسير على طريق التنمية الطبيعية، فجاءت معدلات نمو أطلق عليها البعض مذهلة، 10% وأحيانا 12% سنويا. ولكن الأمر كما وصفه عميد كلية الإعلام بجامعة رنمين (الشعب) الصينية تشاو تشي تشنغ، مثلما أن يكون لديك قطعة ملابس واحدة ثم تشتري قطعة أخرى، هنا تكون حققت نموا بنسبة 100% بينما إذا كان لدى شخص آخر عشرة ملابس ثم اشترى ملبسا جديدا فإنه حقق زيادة بنسبة 10% فقط، مع أن كل منكما اشترى قطعة واحدة، وبرغم حقيقة أنك أصبح لديك ملبسان فقط بينما الآخر لديه 11 قطعة. إن ما يحدث في الصين هو "سداد ديون" الماضي، أو قل تعويض ما فات أو استكمال الفاقد.
     وأمام ما تحققه الصين من نمو اقتصادي نجد توجهين في تقييم هذا النمو أو ما اصطلح عربيا على تسميته بالصعود. البعض يتحدث عن الصين كقوة عظمى والبعض الآخر يرى أن الصين مازالت على طريق النهوض، وبعض ثالث يرى أن "صعود الصين" ليس أكثر من مبالغة.
     هذه الرؤى الثلاث تستند إلى حقائق بعينها وتهمل حقائق أخرى، فأصحاب نظرية "صعود الصين" يقارنون حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2005، وهو كما ذكرنا سابقا2710 مليار دولار أمريكي ، بالرقم عام 1978 وهو 200 مليار فقط، واستمرار الاقتصاد الصيني في تحقيق معدلات نمو بمتوسط 9,8% لمدة 28 سنة متواصلة، برغم حقيقة أن الصين بها مليار وثلاثمائة مليون مواطن، في حين أن اليابان، برغم صغر حجمها السكاني مقارنة مع الصين، لم تستطع مواصلة زخم نموها الاقتصادي إلا أقل من عشرين سنة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
     أصحاب الرأي الآخر؛ النهوض، يقولون إن حجم الناتج المحلي للصين العملاقة سكانا وأرضا في عام 2005 لم يكن أكثر من 5% من إجمالي الناتج العالمي، مقارنة مع 4,9% عام 1955، أي أن نصيب الصين زاد خلال نصف قرن نصف نقطة مئوية ليس أكثر! علما بأن اليابان التي كان نصيبها في إجمالي الناتج العالمي عام 1955 هو 2,5% ارتفع إلى 10% في عام 1980، برغم حقيقة أن عدد سكانها يساوي عُشر عدد سكان الصين. ونشير هنا إلى ملاحظة قد تعين في فهم ما أسميته في مقدمة هذا المقال بالتعويض أو استكمال الفاقد، ففي سنة 1980 انخفضت مساهمة الصين في الإنتاج العالمي إلى 2,5%، بسبب ما شهدته البلاد في الستينات والسبعينات من فوضى "بناء الاشتراكية والباب مغلق" و"الثورة الثقافية".
     وإذا كانت اليابان، كنموذج للنهوض الاقتصادي، قد سُميت "مصنع العالم" في فترة سابقة فإن ذلك كان نتيجة ما حققه اليابانيون من اختراقات تكنولوجية في مجال الإلكترونيات، تلفزيونات وكاميرات وأجهزة سمعية وبصرية، فإن إطلاق صفة "مصنع العالم" على الصين حاليا مرده الصناعات الكثيفة الأيدي العاملة، وهي صناعات تقع في منتصف التيار، ما بين القمة الممثلة في بحث وتطوير المنتجات الجديدة، وبين النهاية الممثلة في قدرات استكشاف السوق العالمية. البعض يرى أن وصف الصين بأنها "ورشة العالم" قد يكون أكثر تعبيرا عن الواقع، فكثير من المنتجات التي تحمل علامة "صنع في الصين" ليست إلا عملية تجميع ومعالجة لصالح الشركات الدولية العملاقة، ويكفي أن نشير إلى أن نصف صادرات الصين حاليا يخرج من مصانع المشروعات المشتركة والشركات ذات التمويل الأجنبي. يضاف إلى هذا حقيقة أن متوسط نصيب الفرد الصيني من إجمالي الناتج المحلي للصين لا يزيد عن واحد على ثلاثة عشر من نظيره للولايات المتحدة وواحد على عشرين من نظيره لليابان، بل إن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي في كوريا الجنوبية يعادل عشرة أضعاف الصين!
     لعل دهشتك قد تكون تراجعت قليلا من زعمي بأن الصين ليست معجزة. ولكن يظل الصينيون شعبا مجتهدا، فالتقديرات تشير إلى أنه إذا واصلت الصين السير بنفس الخطى على طريق التنمية فإن حجم الاقتصاد الصيني يمكن أن يصل إلى 30% من حجم الاقتصاد العالمي عام 2030، أي أنه سيتجاوز نصيب اليابان ويقترب من نصيب الولايات المتحدة. في ذلك الوقت يكون من الصواب أن نتحدث عن الصين كقوة كبيرة.
     والصين ليست معجزة، في تقديري، ليس فقط للأسباب التي استعرضناها سابقا، وإنما أيضا لأسباب لها علاقة بتوزيع الثروة داخل الصين ومدى استفادة كافة الفئات من نمو الاقتصاد الصيني.
     يشير تقرير "العمليات المالية الإقليمية في الصين 2005" الذي أصدره بنك الشعب "المركزي" الصيني مؤخرا إلى ارتفاع متوسط الأجور في الصين بنسبة 14,8% مع تحقق زيادة سريعة في مدخرات المواطنين. ولكن هذه تظل نسبا عامة، وهذا ما جعل المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يدعو في اجتماع له إلى جعل توزيع الدخل أكثر رشادا لجعل الناس جميعا يتمتعون بثمار الإصلاح والتحديث الاشتراكي.
     وبالعودة إلى رقم 14,8% للبنك المركزي نجد فجوة كبيرة في الدخل بين الأغنياء والفقراء، فالأغنياء الذين يمثلون عشرة بالمائة من سكان الحضر يستحوذون على 45% من الثروة في المدن، نصيب العشرة بالمائة الأشد فقرا هو 1,4% من ثروة الحضر، وفقا لأرقام وزارة العمل والضمان الاجتماعي. نحن هنا لا نتحدث عن ريف الصين الذي يعيش فيه نحو ثمانمائة مليون نسمة. ويفسر البعض فجوة الدخل في الصين بأنها نتيجة لكبر حجم السكان الفقراء، الذين قلت نسبتهم من 30% إلى 3% من إجمالي السكان خلال عشرين عاما من فترة الإصلاح. ولكن المعيار الذي كان يستخدم لتحديد من هو الفقير في الصين يختلف عن المعيار الدولي وهو أن يكون الدخل اليومي دولارا أمريكيا واحدا. بل إن عدد الفقراء في الصين يصل إلى 75 مليونا إذا اعتبرنا خط الفقر هو 155 دولارا أمريكيا دخلا سنويا للفرد. التفاوت في الدخل ليس بين الأفراد فقط بل بين القطاعات والمهن أيضا، فمتوسط الدخل السنوي للعاملين في الحكومة ألفي دولار أمريكي وللعاملين في المؤسسات العامة ألف وثمانمائة دولار أمريكي. أما العاملون في الصناعات الاحتكارية فيصل متوسط الدخل لهم إلى سبعة آلاف وخمسمائة دولار أمريكي، وفقا لوكالة أنباء شينخوا. هذا إضافة إلى فجوة الدخل بين المناطق الصينية المختلفة، وتحديدا بين الحضر والريف.
     والحقيقة أن الممارسة الصينية خلال العشرين عاما الفائتة قد أوضحت أن تكلفة العمالة وأسعار المنتجات المنخفضة تأتي على حساب دخول العمال العاديين وبخاصة العمالة الريفية المهاجرة إلى المدن التي تحصل على أجور متدنية. والنتيجة، كما أوضحها وو جي شيو، الباحث بأكاديمية العلوم الاجتماعية في خنان، هي تدني جودة العمالة ونقص في عرض العمالة وزيادة حدة التناقض بين العمل ورأس المال ومن ثم تزايد عدم الاستقرار الاجتماعي.
     إن هذه كلها مشاكل وقضايا تواجهها الصين، ومن الطبيعي أن تواجهها، في مسيرة تنميتها. وهذا مرة أخرى ينفي عن الصينيين صفة المعجزة، فالمعجزات لا تكون لبشر والصينيون بشر، وربما الفارق بينهم وبين غيرهم من البشر في دول أخرى أنهم مجتهدون وأنهم تحت قيادة واعية تعرف كيف تقودهم، برغم حجمهم الهائل، على الطريق الصحيح.
     وإلى الباحث ياسر خليل الذي توقع في مقال له نشرته((الراي)) القطرية، أن تتجاوز الصين الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا خلال خمس عشرة سنة وقال: "إن العالم سيشهد وضعا كارثيا إذا صعدت الصين كقوة عظمي، فالاحتياجات المتنامية للصينيين مع ازدهار اقتصادهم، إلي جانب تراثهم الثقافي الذي يختلف مع معظم بلدان العالم خاصة الإسلامية والمسيحية ورؤيتهم في تسيير أمورهم الداخلية، ستنعكس بشكل سلبي علي العالم"، أقول، إنك استندت إلى مقدمات خاطئة فجانب استنتاجك الصواب. الصين ليست معجزة ونموها ليس كارثة!
مرحبا
على المقهى الإلكتروني
husseinismail@yahoo.com