ã

الصين القوية ليست تهديدا للدول الأخرى

جين ري

آراء مختلفة في العالم حول تعديل سعر صرف العملة الصينية

نمو اقتصاد الصين يفيد نمو اقتصاد العالم

يزداد حجم التبادل التجاري بين الصين والدول الأخرى بشكل متواصل

     لا يكاد دعاة نظرية "التهديد الصيني" يفرغون من حجة حتى يسارعوا إلى أخرى لمحاولة إثبات صدق دعواهم. وقد لفت الانتباه في الفترة الأخيرة صدور تقرير عن الأمم المتحدة يزعم أن "التنمية الاقتصادية بمعدلات عالية في الصين تلحق ضررا بمصالح الدول الفقيرة المجاورة". وقد جاء هذا التقرير بعد حملة خبيثة لصحيفة "وول ستريت" الأمريكية ووكالة الأنباء اليابانية، كيودو.

     الطبعة الجديدة من نظرية "الخطر الصيني" لا تعزف نفس نغمة الطبعات القديمة بأن صعود الصين يمثل تهديدا كامنا للولايات المتحدة واليابان والدول المتقدمة، بل تحول رمحها باتجاه الدول المجاورة للصين، زاعمة أن أسعار المنتجات الصينية غير عادلة، مما يشكل ضربة شديدة للدول الفقيرة التي تعتمد كثيرا على قطاعات التجميع والتركيب. وفقا لهذه الرؤية، أصبحت التنمية الاقتصادية السريعة في الصين جريمة.

     من جانب آخر يحذر بعض المحللين العسكريين من أن القوة العسكرية للصين سوف تتجاوز الولايات المتحدة في غضون عشرين عاما، وفقا لقول أندريه بنكوف، المحلل بمجلة ((كانوا ديفينس ريفيو)) المتخصصة في شئون الدفاع والدبلوماسية وتطور تكنولوجيا التسلح في شرقي آسيا.

     الحقيقة هي أنه في ظل العولمة الاقتصادية هناك تنافس تجاري بين الصين ودول الجوار نتيجة لتشابه المنتجات. والحقيقة أيضا أن رأس المال يتدفق إلى المكان الذي يحقق فيه أفضل ربح، من خلال ما توفره الدولة المتلقية للاستثمار من حوافز وسياسات تشجيعية. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن ارتفاع قوة الصين الاقتصادية لعب دورا دافعا وواقيا لاقتصادات الدول والمناطق المجاورة، ففي الفترة من عام 1990 إلى عام 2003، كان معدل نمو الاقتصاد لمنطقة آسيا والمحيط الهادي 6ر7%، وفي منطقة جنوب آسيا وصل 4ر5%، بينما كان المعدل في أمريكا اللاتينية 7ر2% وفي الشرق الأوسط 2ر3%.

     والصين لا تستغل نموها الاقتصادي لتحقيق مصالح أنانية، ولا تبخل بتقديم المساعدة لكثير من الدول والمناطق الآسيوية، فقد أقامت الصين المركز الصيني للمساعدة الدولية للدول الفقيرة في مايو 2005. يتعاون هذا الجهاز مع الأمم المتحدة في تدريب أكثر من ثلاثة آلاف مسؤول من أفريقيا والمناطق الأخرى ابتداء من العام الحالي.

     على الصعيد العسكري، يقول الأميرال يانغ يي من البحرية الصينية ومدير معهد الدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الصينية، إن الصين لن تتجاوز الولايات المتحدة عسكريا حتى ولو بعد مائة عام. كما أن هذا السباق لن يحدث مطلقا، فالقوات المسلحة للولايات المتحدة لن تثبت في مكانها والصين لن تباشر مطلقا طريق أن تصبح قوة عسكرية عظمى.

     إن التنمية السلمية هي السياسة الأساسية للصين التي تطبق بكل جدية. وبلغة العسكرية تجد هذه السياسة تعبيرا عنها في استراتيجية الدفاع الفعال التي ينتهجها الجيش الصيني. وبلغة أكثر تفصيلا، ما هو نوع القوى العسكرية التي يجب تطويرها وكيف ينبغي استخدام جيش الدولة؟ هذه على ما يبدو أبعد من مدى الشأن الصيني، على أن نضع في الاعتبار عدم إغفال سلوك القوى الكبرى على الساحة الدولية، سياسيا وعسكريا.

     الصين دولة كبيرة ومسئولة، ومن ثم فإنها تحتاج قوة عسكرية تتناسب مع مكانتها كدولة كبيرة. وهذا أمر تقرره الحاجة إلى صون أمن الصين وحماية مصالحها الوطنية.

     ولكن في سياق التحول العميق الذي تشهده الساحة العسكرية في العالم، مازالت الصين متأخرة عسكريا كثيرا عن الدول المتقدمة. وعلى الرغم من حقيقة أن النمو الاقتصادي السريع للصين يوفر سندا ماليا قويا لجيش الدولة، فإن الحاجة لحماية مصالح الصين المتنامية تفوق كثيرا قوة الصين العسكرية. فقدرات الصين في الردع والقتال الواقعي للرد على تهديدات أمنها، على سبيل المثال، غير كافية. ونفس الشيء يقال عن قدرات الصين في التعامل مع الهجمات الإرهابية والنهوض بمهام إغاثة ومساعدات إنسانية دولية وتنفيذ مهام حفظ السلام للأمم المتحدة. كما أن قدرات النقل البعيد المدى والرد في حالة الحاجة إلى إجلاء رعايا صينيين وقت وقوع أزمات خارجية أيضا ضعيفة.

     إن الصين لديها حقا أكبر جيش تقليدي في العالم، ولكن مستوى تحديث هذا الجيش منخفض، بخمس عشرة إلى عشرين سنة عن الدول المتقدمة. وعندما تشرع الصين في تحديث قواتها تبدأ أجراس الإنذار تدق في الخارج، وأعلاها صوتا نظرية "التهديد العسكري الصيني".

     لقد عانت الصين منذ حرب الأفيون عام 1840 من استقواء الدول الغربية مرارا، ومازال التأثير السلبي لهذا مستمرا إلى اليوم، فمازال بعض الصينيين يعتبرون أنفسهم ضحايا، بينما آخرون يريدون الانتقام. وإطلاق العنان لهذه العقليات سوف يسمم البيئة المطلوبة لتنمية الصين ويغذي نظرية "الخطر الصيني".

     ويعتقد الأميرال يانغ يي أن الجيش الصيني يجب أن يكون من نمط الدفاع الإيجابي، ويجب أن يكون ملتزما بشن هجمات مضادة في حالة الاعتداء على المصالح الحيوية للبلاد، وليس شن حروب عدوان على دول أخرى والاستقواء على الدول المجاورة، وهذا أيضا يمثل ردعا لأي ابتزاز عسكري أو عدوان محتمل.

     لقد حدد الكتاب الأبيض للدفاع الذي أصدرته الصين عام 2004 أن جيش التحرير الشعبي ينبغي أن يطور تعاونا عسكريا لا يستهدف طرفا ثالثا وأن جيش التحرير الشعبي غير منحاز وغير ذات طبيعة تجابهية. ويشارك جيش التحرير في مهام حفظ السلام للأمم المتحدة وعمليات مكافحة الإرهاب، ويقوم بكافة أشكال التبادل العسكري وملتزم بإقامة آليات حوار، ويشارك أيضا في تدريبات عسكرية مشتركة، ثنائية ومتعددة الأطراف، في مجالات الأمن غير التقليدي.

     وتحدد الوثيقة أن جيش التحرير الشعبي يحاول التعلم من الخبرات المفيدة للجيوش الأجنبية ويستورد، بانتقاء، المعدات العسكرية المتقدمة والطرق الإدارية.

     إن كل هذا يبين بوضوح أن الصين تجمع بين الهاردوير "القوة الصلبة" والسوفت وير (القوة الناعمة أو البرمجيات) للمساعدة في تحقيق عالم متناغم.

     في نهاية تسعينات القرن الماضي أكد الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ على أن الاقتصاد بدلا من أن يركز على صراع الطبقات ينبغي أن يركز على عمل الحكومة وطلب من الجيش أن يمارس ضبط النفس، بمعنى أن لا يطلب نصيبا أكبر من تمويل الدولة. ونتيجة لهذا ذهب الجانب الأعظم من الاستثمارات إلى القطاعات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والبحثية، بينما حصل الجيش على ما يكفي لأداء وظائفه الروتينية فقط. هذا القرار الحكيم ساعد كثيرا على تحقيق النمو السريع للاقتصاد الصيني خلال ثلاثة العقود الماضية.

     وبطبيعة الحال أدت عدم كفاية الاستثمار لوقت طويل في قطاع الدفاع إلى إبطاء تحديث الجيش، ويتضح هذا جليا في حقيقة أن التكنولوجيا العسكرية الأساسية ذات حقوق الملكية الفكرية الصينية متخلفة كثيرا عن نظيرتها في الدول المتقدمة، وأن معدات الجيش الصيني أضعف من نظيرتها في الدول الغربية. وما يزيد الأمر سوءا هو أن استيراد الأسلحة المتطورة يواجه صعوبات.

     مع ازدياد قوة الاقتصاد الصيني زادت الدولة إنفاقها العسكري، ولكن هذا الإنفاق موجه رئيسيا لتحسين هيكل قطاع الدفاع ولتعويض النقص الذي استمر زمنا طويلا.

     إن الولايات المتحدة، على الرغم من تمتعها بتفوق عسكري، تراقب على نحو دائم أي دولة أخرى قد تمثل تهديدا عسكريا. والآن تركيز العم سام منصب على الصين. فوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" في تقريرها الربع سنوي الصادر شهر فبراير هذا العام زعمت أنه من بين الدول الكبرى الصاعدة تمتلك الصين أكبر الإمكانيات لتنافس الولايات المتحدة عسكريا. وقال التقرير إن مزايا الجيش الأمريكي التقليدية سوف تختفي خلال فترة محددة من الزمن. ويقترح التقرير أن تواصل الولايات المتحدة الإنفاق بقوة في المجالات الاستراتيجية والتكتيكية الرئيسية وتعزيز قدرات المراقبة المستمرة والضربات الطويلة المدى وقدرات التعبئة القتالية والقدرات القتالية الجوية والبحرية والبرية في مدى استراتيجي.

     ليس هناك دولة تضارع الولايات المتحدة في إنفاق مبالغ هائلة على تطوير تكنولوجيا عسكرية متفوقة. وإن الصين التي بين يديها العديد من التحديات الأخرى وتسير الآن على طريق التنمية السلمية لن تشارك مطلقا في سباق تسلح مع أي دولة أخرى، وبخاصة الولايات المتحدة.


Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.