ã

خريج الجامعة موظف في الريف!

عبد الله فريح يان يويه

السيرة الذاتية لكل خريج جامعة يريد العمل بالريف

تنافس بين خريجي الجامعية لتسجيل أسمائهم للعمل بالريف

أكثر من ألفي خريج جامعي سيعملون في 1853 قرية ببكين لمدة ثلاث سنوات

     أن تكون خريجا جامعيا وتعمل في الريف، ذلك أمر لا تعرفه الصين، فلا علاقة البتة بين هاتين الصفتين. أبناء الريف عندما يلتحقون بالجامعات في المدن الكبرى لا يريدون، ولا يتوقعون، أن يعودوا إلى قراهم بعد التخرج. ولكن السنوات الأخيرة شهدت سعيا من جانب بعض الحكومات المحلية لتشجيع خريجي الجامعات على العمل بالريف من خلال حزمة من السياسات التشجيعية والحوافز.

     الخريج الجامعي الذي يعمل بالريف يتولى عادة منصب مساعد أو مستشار رئيس القرية أو البلدة، وقد أعلنت حكومة بلدية بكين في عام 2006 عن طلب ألفي خريج حديث، في أي تخصص، للعمل متعاقدين لمدة ثلاث سنوات كمساعدين لرؤساء القرى، دون اشتراط مستوى معين في اللغة الإنجليزية (هذا الشرط ضروري للعمل في أي جهة حكومية بالصين). وحسب الإعلان عن تلك الوظائف، يكون راتب الخريج الجامعي ما يعادل 250 دولارا أمريكيا شهريا في السنة الأولى وحوالي 300 دولار في السنة الثانية وحوالي 375 دولارا في السنة الثالثة، مع وجود مجال لزيادة الراتب حسب الأماكن المختلفة. هذا إضافة إلى تحمل القرية أو البلدة نفقات التأمين الطبي وتأمين البطالة والمعاش للخريج.

     الصين دولة زراعية كبيرة، يمثل الفلاحون 70% من سكانها، فإن كانت الحكومة تريد تحقيق تنمية شاملة فلا مفر من تحقيق تنمية ريفية جبارة. والصين تشهد حاليا تطورا تعليميا يتجلى بشكل خاص في زيادة أعداد المقبولين بالجامعات والمعاهد، ومن ثم ارتفاع عدد الخريجين الذين تقع عليهم مسئولية المساهمة بمعارفهم في تنمية وطنهم. على هذه الخلفية، ولدت فكرة الاستعانة بخريجي الجامعات للعمل بالريف، وهي خطوة تحقق ربحا مزدوجا؛ فالخريج الحديث يجد فرصة للحصول على الخبرة الواقعية، ومن جهة أخرى يساهم بعلمه وقدراته في بناء الريف الصيني الجديد.

     وقد اعتبر البروفيسور ليو شيوي تاو، الأستاذ بالمعهد الوطني للإدارة، أن توظيف خريجي الجامعة في الريف مسار جديد في الصين يستطيع من خلاله الخريج أن يطبق على أرض الواقع ما درس من معارف، وقال: "في السابق كنا ندعو الخريجين إلى تطبيق المعارف التي درسوها ولكننا لم نكن نجد السبيل المناسب لجذب الخريجين. الآن ومع انتهاج حكومة بلدية بكين وبعض الحكومات المحلية الأخرى سياسة توظيف خريجي الجامعة في الريف، تجذب الحكومة هؤلاء الخريجين، حيث يتم الإعلان علنيا عن الوظائف الشاغرة ويكون متاحا لكل خريج أن يسجل اسمه للحصول على فرصة العمل بالقرى والبلدات من أجل بناء الريف الجديد. وتهيئ الحكومة للخريج الذي يعمل بالريف ظروفا مناسبة تجعله لا يفكر في مشاكل شخصية. ويعتقد البروفيسور ليو شيوي تاو أن هذا الأسلوب سيكون فعالا في بناء الريف الجديد، كون هذه المهمة تحتاج أكفاء متخصصين يفتقر إليهم الريف في ظل الهيكل الاقتصادي الحالي الذي يحفز على تدفق الكفاءات في اتجاه واحد؛ من الريف إلى المدينة، وليس العكس. إن تشجيع خريجي الجامعات على العمل بالريف يعطي هؤلاء الخريجين مكانة مرتفعة كأشخاص ذوي كفاءة ويدفع حركة الكفاءات في الاتجاهين، كما أنه مع تصاعد حدة مشكلة التوظيف في المدن يصبح العمل بالريف اختيارا معقولا للخريج.

     تأكيدا لهذه الرؤية، عندما أعلنت حكومة بلدية بكين هذا العام، 2006،عن طلب ألفي خريج للعمل بالريف تقدم عشرة آلاف، مما يدل على تغير مفهوم الوظيفة وذوبان الحواجز بين الحضر والريف، فلم يعد الخريج يصر على البقاء في المدن الكبيرة، بل يذهب إلى حيث يستطيع تنمية نفسه والارتقاء بقدراته حتى وإن كانت الوظيفة الريفية غير رسمية.

     تشانغ تاو، نموذج لخريجي الجامعة الذين يريدون العمل بالريف. الشاب، ابن محافظة يانتشينغ في ضاحية بكين، الذي درس التجارة الإلكترونية في جامعة الكهرباء بشمالي الصين، قال: "المهم أولا أن أجد عملا، ثم وبعد تراكم بعض التجارب لدي أبحث عن عمل أفضل. العمل في الريف وظيفة معقولة توفر دخلا كافيا لمعيشتي، وبعد انتهاء مدة العقد أبحث عن عمل أفضل مستفيدا من خبرة تلك السنوات. لقد أصبح من الصعب أن تجد وظيفة. وراتب ثلاثمائة دولار في الشهر يرضيني".

     مع تزايد صعوبة التوظيف أصبح الخريجون أكثر واقعية في تحديد مكانتهم بالمجتمع. شن قه الذي درس التصميمات الصناعية في جامعة شمالي الصين في مدينة تاييوان بمقاطعة شانشي، ترك فرصة عمل في مقاطعة شانشي براتب يعادل 150 دولارا أمريكيا في الشهر وجاء إلى بكين على أمل الحصول على وظيفة مساعد رئيس قرية. شن قه قال: "من الصعب أن أجد عملا الآن، خاصة في بكين، فإن استطعت تأمين وظيفة مساعد رئيس قرية تابعة لبكين وبراتب أعلى من راتب وظيفة شانشي، أعتقد أن مستقبلي سيكون جيدا، فضواحي بكين ستتطور أكثر في السنوات القليلة القادمة".

     هوانغ تنغ يوي، خريج جامعة الزراعة الصينية، واحد من المجموعة الأولى لموظفي الريف الجامعيين وعددها مائة فرد، ويعمل حاليا مساعدا لرئيس قرية تاسي بمحافظة بينغقو في بكين.

     يحكي هوانغ تنغ يوي عن تجربة الأيام الأولى له بالقرية قائلا: "لم أكن أعرف أوضاع القرية في البداية، ولم أدر ماذا أفعل، فأخذني رئيس القرية لزيارة كل بيت بالقرية". وقال هوانغ تنغ يوي إنه لاحظ أن الفلاحين يرغبون في الارتقاء بمستوى معيشتهم وبناء ريف جديد، وهذا، وفقا لكلامه، جعله أكثر تصميما وعزما على بذل جهوده لتغيير أحوال هذه القرية بما درس من معارف في الجامعة. وكانت البداية بالنشاط الاقتصادي الرئيسي لأهل القرية، تربية المواشي. الفلاحون هنا يفتقرون إلى المعلومات الاقتصادية التي تمكنهم من إدارة أعمالهم، ففي العام الماضي انخفض سعر الدجاج والبط في الصين بسبب انتشار أنفلونزا الطيور فارتفع سعر الخنزير، ولكن الفلاحين حسب عادتهم القديمة لا يبيعون الخنزير إلا في نهاية السنة. هنا تدخل الشاب المتعلم وأقنعهم ببيع ما لديهم من خنازير في الوقت المناسب، وكانت النتيجة عشرة آلاف دولار أمريكي زيادة في دخل الفلاحين.

     بعد فترة قصيرة من وجوده بينهم صار هونغ تنغ يوي محل تقدير من أهل قرية تاسي. قال رئيس القرية:"أنا لم أدرس في الجامعة وليس لدي معلومات وافرة لتنمية الريف، ولهذا فإن قدوم هونغ تنغ يوي إلى هنا يساعدني في بناء القرية وتطويرها في كافة المجالات". وقالت ليو يون شيانغ، نائبة رئيس القرية: "لم يمض أكثر من عام على وجود هونغ تنغ يوي في القرية ولكن كل الفلاحين يحبونه ويطلبون منه المعارف، ونحن نأمل أن يظل في قريتنا وأن يعتبرها بيته".

     وتشير بيانات من الجهات المعنية إلى أن أعضاء المجموعة الأولى من الخريجين الذين عملوا بالأرياف قدموا 426 مسحا استطلاعيا و1200 اقتراح، كما ألقوا أكثر من 1300 محاضرة، وساعدوا في تنفيذ 410 مشروعات جديدة وساهموا في إقامة 154 قاعدة زراعية و33 ناديا ثقافيا وبناء طرق طولها أكثر من 200 كم وحلوا أكثر من ألف مشكلة واقعية للفلاحين.

     اعتبارا من العام الحالي ستطلب الحكومات المحلية في الصين عشرين ألف خريج جامعي للعمل في الريف سنويا، لمدة خمس سنوات، وهذا يعني تشغيل مائة ألف خريج جامعي في وظائف ذات علاقة بالتعليم والزراعة والطب ومساعدة الفقراء في الأرياف الصينية.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.