ã

بالهناء والصحة، والأدب والأخلاق أيضا

طعامك على الطريقة الصينية (1)

حسين إسماعيل

     آداب الطعام والمائدة

      يقول كتاب "الطعام والثقافة الصينية"، إنه كان من عادة العشائر في الصين القديمة، أن تقيم مآدب بغرض مناقشة شئون العائلة. وفي زمن أسرة شيا الإمبراطورية (2070- 1600 ق م)، كان يوجد نظام لآداب ومراسيم الطعام لمثل تلك اللقاءات الجماعية. ومازال بعض من هذه العادات باقيا إلى اليوم.

      ويحدد كتاب يي لي (المراسيم والشعائر) الآداب والمراسيم التالية لإقامة مآدب لزوار كبار. أولا، أن يُرسل الإمبراطور مسئولا رفيعا إلى مقر الضيف لنقل الدعوة إليه. ويكون من المتوقع أن ترفض الشخصيات الكبيرة، بأدب، عدة مرات قبل أن توافق في النهاية على مرافقة المبعوث إلى المأدبة. داخل قاعة المأدبة، يكون الجميع مستعدا؛ فالإمبراطور في كامل حُلته، يرحب بضيوف الشرف خارج البوابة الرئيسية. ويتبادل المضيف والضيوف التعبير عن الاحترام، ويعبر الضيوف عن امتنانهم للدعوة. وهنا يدخلون قاعة المأدبة ويتخذون مقاعدهم. يظهر الخدم ومعهم أوعية الطعام من كل نوع، مليئة بالسمك، واللحم، والخضراوات، والبهارات والمشروبات. ويكون تقديم كل طبق، وأدوات المائدة المستخدمة، وجلوس الضيوف وفق ترتيب صارم لا يجوز انتهاكه. عندما تبدأ المائدة، يعبر المضيف والضيوف عن احترامهم لبعضهم البعض مرات متكررة قبل أن يشرعوا في تناول الطعام. بعد انتهاء المأدبة، يبدأ الضيوف في الاستئذان. يقوم الخدم بلف الطعام الذي لم يؤكل للضيوف، ويرافقونهم إلى مقار إقامتهم ومعهم الطعام المتبقي.

     هناك أيضا مراسيم صارمة للمآدب العادية. كان ترتيب جلوس المضيف والضيوف يُحدد بصرامة، حيث يكون جلوس كبار السن والضيوف الكبار على رأس الطاولة. إذا جلس الضيوف متقابلين على امتداد الجانبين الشمالي والجنوبي للمائدة، كان الجانب الغربي يعتبر رأس الطاولة. وإذا جلس الضيوف متقابلين على امتداد الجانبين الشرقي والغربي للطاولة، كان الجانب الجنوبي يعتبر رأس الطاولة.

      وكان الناس في الصين القديمة، قبل اختراع الطاولة والكراسي، يجلسون فوق الحصائر على الأرض لتناول الطعام. وبشكل عام، كان الضيف الأكبر سنا، يجلس متقدما قليلا عن الآخرين. وكان الضيوف ينهضون من جلوسهم عند تقديم الطعام أو وصول ضيف كبير، كعلامة على الاحترام. وقبل تناول الطعام، يقود المضيف ضيوفه في طقس تقديم قرابين الطعام والشراب للأسلاف الذين اخترعوا الطهي. وكان مكان وضع الطعام يتبع قواعد معينة. كانت الأطباق الجافة توضع على شمال كل ضيف، بينما الأطباق المبللة، مثل المرق توضع على اليمين. وتوضع الصلصة والتوابل والخل بحيث تكون في متناول يد الجميع. ويكون المتوقع من الضيف أن يقبل مقادير من كل طبق يقدمها له المضيف. ويكون رفضه لها تصرفا غير لائق. بعد أن ينتهي الضيوف من الطعام، يشير المضيف إلى انتهاء المأدبة. هنا يبدأ الضيوف بإبداء الرغبة في تنظيف الصحون وتجنيب الطعام المتبقي. ولكن، وبعد إلحاح متكرر من المضيف، يسمح الضيوف للخدم بتنظيفها.

     كان هناك أيضا أخلاقيات مقبولة عموما لوجبات العائلة. وعلى سبيل المثال، كان على كل فرد أن ينتظر دوره في تقديم الطعام له وتناوله؛ وكان على الفرد أن يبدأ بأكل الطعام الأقرب إليه، وكان مد اليد فوق الصحون للوصول إلى طعام شهي يعتبر شراهة. وكان المضغ بصوت مرتفع أو نحت العظم، وإعادة بقايا طعام إلى الطبق الذي يأكل منه الجميع أو رمي العظم للكلاب قلة ذوق وسوء أدب. وكان من الأخلاقيات السيئة الاستحواذ على طبق معين بحيث لا يحصل الآخرون على نصيب منه. وكان ينبغي تناول المرق بدون صوت؛ وكانت قطع اللحم والخضراوات تُرفع من المرق بملاقط الطعام. ولم يكن من المفترض أن يزيل المرء الطعام العالق بأسنانه أثناء الأكل؛ وكان من غير الأدب إضافة توابل إلى أي طبق، ففعل ذلك يجعل المضيف يعتذر بشدة ويصر على أن الطعام رديء الإعداد. وكان من الوقاحة شرب الصلصة من طبق مطهو، حيث يأخذ المضيف ذلك على أنه دلالة على عدم وجود طعام كاف. كان الطعام يُقدم لكبار السن أولا؛ وينتظر الآخرون حتى يبدأ الكبار في تناول الطعام ثم يبدءون أخذ الطعام لأنفسهم. وعندما ينتهي كبار السن من تناول الطعام على كل فرد آخر أن يتوقف أيضا.

     وكان من تعاليم كونفوشيوس أنه لا كلام على الطعام، ولا ينبغي تناول طعام لم يتم إعداده وفقا للشعائر والطقوس. وقال أيضا إن الناس يجب أن يمتنعوا عن المشروبات واللحم والأطعمة ذات النكهة القوية، مثل البصل والثوم، قبل تقديم القرابين.

     ومثلما كان يفعل الفراعنة كانت شعائر الجنازة الصينية القديمة لا تشتمل فقط على تقديم قرابين من الطعام للآلهة والأسلاف، وإنما أيضا وضع طعام داخل القبر ليرافق المتوفى في العالم الآخر.

      وكان كونفوشيوس يذكر الطعام دائما عندما يتحدث عن معايير السلوك الأخلاقي. وقد قال،"إن العالم الذي يهاجم عقله الحقيقة، والذي يخجل من الملابس الرديئة والطعام السيئ لا يكون مناسبا للحديث معه". وكان يان هوي (521 -481ق م) التلميذ المفضل لدى كونفوشوس.

     ويُحكى أن كونفوشيوس كان مسافرا مع تلاميذه، و لم يكن لديهم شيء يأكلونه لمدة سبعة أيام. في النهاية ذهب تلميذه يان هوي يتسول وعاد ببعض من الأرز. وبينما كان يان هوي يطهو الأرز، لمحه كونفوشيوس يأكل خلسة شيئا من القدر. حزن كونفوشيوس للغاية، حيث كان يان هوي تلميذه المفضل وكان ذلك انتهاكا خطيرا للطقوس والشعائر. وقد ذّكر كونفوشيوس يان هوي بأن الطقوس تتطلب شخصا ساميا يقدم القرابين للأسلاف قبل أن يبدأ بالأكل. وبسرعة راح يان هوي يوضح أن بعض الغبار والأتربة سقطت في القدر، ولهذا فإنه انتشل الأرز غير النظيف وأكله قبل أن يلوث الحبوب الأخرى. هنا هتف كونفوشيوس معلنا أن "المرء يعتمد أكثر على عينيه ويكون تصديقه أكثر لحكمه هو. اليوم كنت مخطئا في كل من رؤيتي وتفكيري. إنه لمن الصعوبة بمكان أن تفهم فهما حقيقيا شخصا آخر"!

     وفي العصر الحديث، تربط العديد من القصص بين ماو تسي تونغ والطعام. ومن أشهرها قصة المأدبة التي أقامها ماو تسي تونغ لوزير الخارجية السوفيتي أناستاس ميكويان (1905- 1970م)، الذي كانت لديه قدرة كبيرة على شرب الكحوليات. وقد أدرك ماو أنه لن يستطيع مجاراة ميكويان في الشرب، ولهذا فقد تحداه في منافسة لأكل الفلفل الحار. وعندما قال ميكويان إنه غير معتاد على تناول الفلفل الحار، قال له ماو، "لا يمكن أن تكون ثوريا إن لم تأكل الفلفل الحار"!

     ومثلما هو الحال في ثقافات عديدة ارتبطت أنواع معينة بأعياد محددة في الصين، وفي الغالب تكون ثمة علاقة بين الطعام والعيد، ففي عيد البدر يكون الكعك على شكل القمر، وفي عيد الربيع يأكل الصينيون جياوتسه، وهي كرات عجين محشوة باللحم والخضراوات تُغلى في الماء، تكون على شكل القوالب الذهبية والفضية التقليدية، رمزا للرخاء. والنودلز أو الشعرية ترمز للعمر المديد، ومن ثم فإنها تؤكل تقليديا في عيد الميلاد.

      والطعام يعد من أهم وسائل التواصل الاجتماعي وإقامة العلاقات وعقد الصفقات في الصين ويعتقد الصينيون أن شخصية المرء تظهر بوضوح خلال تناول الطعام. وقد قال كونفوشيوس "المرء السامي يعطي الكثير للآخرين ويُبقي القليل لنفسه، يضع الآخرين أولا، ويضع نفسه أخيرا". هذه المبادئ نفسها تطبق على تقاليد تناول الطعام الصينية. الذين يبدءون بتناول الطعام قبل الآخرين، يأخذون أفضل الطعام لأنفسهم، والذين لا يقدمون مزيدا من الطعام للآكلين الآخرين يعتبرون أجلافا أنانيين. خلال تناول الطعام، يكون عرض أفضل الطعام من كل طبق على الآخرين والإلحاح عليهم مرارا بأن "خذوا أكثر قليلا" تعبيرا عن الاحترام وإقامة الصداقات. وفي قديم الزمان عندما كانت الدويلات الإقطاعية لفترة الربيع والخريف تهاجم بعضها، كانت تقيم تبادلات دبلوماسية وتحالفات قوية من خلال المآدب الرسمية. وكانت مآدب البلاط فرصة للحكام لمكافأة المسئولين وتمتين ولائهم. وفي المناسبات المباركة، على نحو خاص، كأن يرتقي إمبراطور جديد العرش أو يتحقق نصر عظيم، كانت البيانات تصدر آمرة بإقامة احتفالات كبيرة في كل أرجاء البلاد.

     وتلعب المأدبة دورا أساسيا في الزواج عند الصينيين، فمنذ قديم الزمان لعب الطعام والشراب دورا لا غنى عنه في طقوس الزواج. بدءا من الخطوبة، يدخل الطعام في كل نشاط احتفالي له علاقة بالزواج. ومازالت الولائم تقام للاحتفال بالخطوبة والزفاف وللاحتفال بمرور شهر على ميلاد الطفل وعيد الميلاد الأول. ومن الميلاد إلى الممات يُحتفي بكل محطة هامة في حياة الفرد بتجمع الأهل والأصدقاء لتناول الطعام والشراب، وعلى طريقة المصريين، عيش وملح معا. وإذا أهمل شخص هذه التعبيرات الاحتفالية عن المشاعر فإنه يخاطر بأن يُنظر إليه على أنه عديم الإحساس وعديم الثقافة.

     وعلى مستوى العمل وحين تظهر مشكلة فإن الخاطر الأول هو أن تدعو إلى الطعام الشخص القادر على حل الموقف. ويُعتقد أن النتائج الأفضل يمكن التوصل إليها بمناقشة الأمور على عشاء، وليس في جلسة عمل. والمأدبة هي الطريق إلى تحقيق المآرب لدى ذوي النفوذ، وقد قالوا قديما في الصين:"ارفع الكأس تلين السياسة".

     وأخيرا إليك عدد من النصائح التي قد تفيدك إذا جلست على مائدة صينية:-

      أولا: لا تضع ملاقط طعامك عموديا في سلطانية الأرز، ولكن ضعها في طبقك، لأن ذلك تصرف غير مهذب بحق المضيف والحضور. والسبب في هذا هو أنه عندما يموت الشخص في الصين يتضمن ضريحه سلطانية من الرمل أو الأرز بها ملقاطان طعام عموديان. ومن ثم فإنك عندما تضع ملقاطي الطعام في سلطانية الأرز على هذا الشكل فإنها تبدو مثل الضريح وتعادل تمني الموت لشخص على طاولة الطعام.

      ثانيا، تأكد من أن صنبور إبريق الشاي لا يواجه أي فرد وإنما يكون مواجها خارج الطاولة.

     ثالثا، لا تنقر على سلطانيتك بملقاطي الطعام، فهذا يفسر على أنه إهانة للمضيف أو الطباخ، فالشحاذون هم الذين ينقرون على سلطانياتهم وأيضا عندما يتأخر وصول الطعام في المطاعم ينقر الناس على سلطانياتهم. إذا كنت في بيت شخص ما فإنه من الإهانة للمضيف أو الطباخ أن تنقر على السلطانية.

     رابعا، لا تحاول قلب السمكة أو تخليصها من الشوك بنفسك، حيث أن فصل الهيكل العظمي للسمكة عن لحمها مهمة المضيف أو النادل في المطعم. ويُعتقد أن ذلك يجلب سوء الحظ ويسبب انقلاب مركب في البحر.

 

مرحبا على المقهى الإلكتروني

husseinismail@yahoo.com

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.