ã

تطوير مقابر المسلمين في الصين

مقبرة لانتشو بعد الإصلاح

مقبرة لانتشو قبل الإصلاح

المقبرة الإسلامية في لانتشو

      من تقاليد المسلمين الصينيين في الجنازة الإسراع بدفن المتوفى في الثرى مع الحرص على البساطة، وهذا يجسد رؤيتهم الإيجابية للموت. وقد لقي هذا الأسلوب في الدفن احتراما من كافة أبناء الصين. ولكن مع ارتفاع مستوى المعيشة بزغت ظواهر البذخ والتبذير متجسدة في زيادة حجم القبر إبرازا لنفوذ وجاه عائلة المتوفى. يضاف إلى ذلك، انتشار القبور العشوائية في الريف، وهو الأمر الذي يبدد الأرض الزراعية. يبلغ عدد المسلمين الصينيين 20 مليونا وثلاثمائة ألف نسمة، وحيث أن المعدل السنوي للوفيات في الصين هو 6.5%، فإن هذا يعني وفاة مليون وثلاثمائة ألف مسلم سنويا في الصين، وهذا يعني أيضا زيادة مساحة المقابر الإسلامية حوالي 3400 هكتار، وهي مساحة تكفي لزرع حبوب تغذي ثلاثة ملايين نسمة في السنة. وهذا يفرض ضرورة تطوير مقابر المسلمين الصينيين.

     منذ انطلاق سياسة إصلاح الدفن في الصين قبل خمسين عاما أولت الحكومة والمسلمون اهتماما بالغا لتطوير مدافن المسلمين، على أساس الدعوة إلى أن يكون الدفن "عميقا ومتواضعا" وأن تخصص الدولة أراضي لمقابر المسلمين، وتقوم بتشجيرها وتجميلها. وقد حظيت الجهود التي بُذلت في هذا الصدد بقبول المسلمين، ودفعت العلاقات بينهم وبين كافة القوميات، وتحسنت ظروف المقابر كثيرا.

     إعادة بناء مجمع مقابر لانتشو وتشجيره

     يبلغ عدد المسلمين في مدينة لانتشو حاليا أكثر من 190 ألفا، يمثلون 19.8% من إجمالي سكانها، وينتمي معظمهم إلى قومية هوي. زيارة مقابر ذويهم جزء لا يتجزأ من حياة كل واحد منهم. لا يشير أحد إلى المقبرة الحديثة البناء بالمدينة إلا ويثنى عليها. تقع هذه المقبرة بجانب طريق لانتشو – نينغتشا وتبعد عن المدينة بكيلومترين. تتجاوز مساحتها 67 هكتارا، وتحيط بها الجبال من ثلاث جهات. يشكل مجمع المقابر حصنا طبيعيا، وينقسم إلى ثلاثة عشر جزءا، وهو منطلق طريق المطار، لذا يعتبر مدخل المدينة.
أنشئت مقبرة لانتشو الإسلامية في فترة إصلاح الدفن الذي بدأ عام 1958 وقد دفن فيها مئات الآلاف من المسلمين. معظم المدفونين بها نقلت رفاتهم من المقابر الأخرى في مدينة لاتشو ومنطقة الجبلين الجنوبي والشمالي بعد إخلاء تلك المقابر لغرض البناء وشق الطرق وإنشاء الحقول ولأسباب أخرى. لقد أدى الصدام والإعاقات التي سببها اليسار المتطرف الذي استمر في تاريخ الصين لفترة طويلة، إلى تراجع الاهتمام العام بالشؤون الإسلامية تدريجيا، فأهملت إدارة المقابر وتعرضت مقابر المسلمين لسلب الأحجار والرمل منها، وقطع الأشجار والرعي المفرط في الأراضي المجاورة لها ، فتكسرت شواهد بعض القبور وانكشفت قاعدة بعضها وأصبحت القبور في حالة فوضى وتكدست بها القمامة، الأكثر أن قبور المسلمين اختلطت بقبور غير المسلمين. هذه بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية التي تعرضت لها المقابر خلال نصف القرن الماضي، فانهار بعض القبور وهبطت أرضها وتصحر سطحها. كل هذه العوامل شكلت تأثيرا سلبيا على صورة المدينة الطيبة وخطرا كامنا للانسجام بين القوميات وخاصة بين المواطنين المسلمين وغيرهم.

      لذا، طلب المسلمون في الست عشرة ناحية بالمدينة، بعد موافقة الحكومة، إنشاء مكتب خاص لإدارة مجمع المقابر بحيث يتولى إصلاحها وتنظيمها لإنهاء كل المشكلات المزمنة من أجل تعزيز الوحدة القومية وتوطيد الاستقرار وحماية العلاقة المنسجمة بين قوميتي هان وهوي.

     من أجل استئصال العوامل التي تهدد الاستقرار وجعل مدينة لانتشو أكثر جمالا، وضعت حكومة لانتشو ومقر قيادة إصلاح منطقة الجبلين الشمالي والجنوبي ولجنة الشؤون القومية في مدينة لاتنشو ومؤسسة خدمات الجنازة ولجنة تنمية الحضارة الإسلامية في لانتشو والجهات المختصة في شهر إبريل من عام 2000 خطة مشروع إعادة بناء وتشجير وتجميل هذه المقبرة، بتكلفة تعادل أكثر من خمسين آلاف دولار أمريكي. وما إن أعلنت هذه الخطة حتى بادر المسلمون في مدينة لانتشو للمشاركة في تنفيذها. إن المسلمين هنا لا يريدون إعادة بناء قبور أسلافهم من جديد فحسب، بل يغتنمون فرصة إصلاح وتحسين المقابر لتهيئة بيئة إيكولوجية جيدة من أجل تنفيذ استراتيجية الدولة للتنمية الكبرى لمناطق غربي الصين ومنها مدينة لانتشو.

     بسبب التضاريس المعقدة وضعف نفاذية التربة، واجهت عملية التشجير صعوبات كثيرة. بعد مناقشات مستفيضة قرر المنظمون ضرورة الجمع بين أعمال زراعة الأشجار و تطوير نظام الري، والتشجير من أجل حجب حالة الفوضى في القبور وتشجير الأرض الخلاء ومنطقة القبور، والجمع بين زراعة الأشجار الضخمة وزراعة الشجيرات، وزراعة الأشجار الدائمة الخضرة والنبات المقاومة للجفاف، والتشجير من أجل الوقاية من الفيضانات.

      استنفرت الحكومة أصحاب المقابر لتغيير العادات والتقاليد الخاطئة مثل البذخ والتبذير في الجنازة والإصرار على أن تكون قبور الخلف محيطة بقبور السلف، اعتبار ارتفاع القبر رمزا لمكانة العائلة، وبناء حوائط بالأسمنت والخشب حول القبر لإبراز ثراء العائلة. وشجعتهم الحكومة على اتخاذ "الاهتمام بالصحة في الحياة والتواضع عند الموت" كمبدء في التعامل مع شئون الجنازة، حيث دعت إلى تجميع القبور وترتيبها في صفوف متماسكة دون أن يحتل كل قبر مكانا واسعا وذلك من أجل إخلاء أماكن أكثر لزراعة الزهور أو الأعشاب وغيرها من المحاصيل الاقتصادية.

     في عام 2001، خصصت الحكومة ما يعادل عشرين ألف دولار أمريكي لتشجير مقبرة لانتشو العامة، وما يعادل أكثر من عشرة آلاف دولار أمريكي لدعم أصحاب القبور لزراعة الأشجار الخاصة. ومن أجل ضمان حياة الشتلات واستمرار نموها استخدم المنظمون أربع سيارات صهريج لنقل الماء من وسط المدينة، مع ري الأشجار بأنابيب مياه طولها الإجمالي يبلغ ألفي متر. خلال السنوات الخمس الماضية، زُرع أكثر من مائة ألف شجرة صنوبر وسرو، يعيش منها اليوم أكثر من خمسين ألف شجرة.

     دعت الحكومة أيضا أبناء قومية هان إلى نقل القبور العشوائية لموتاهم خارج المقبرة الإسلامية، ودعمتهم في عملية النقل بمنحهم قطعة أرض جديدة في مقبرة أخرى، ومنح تفضيل للمبادرين منهم. وقد لقيت هذه الدعوة تقديرا عاليا من المسلمين كما اعتبر أبناء قومية هان غير المسلمين هذا القرار منطقيا وأيدوه وتعاونوا مع الحكومة في تنفيذه على نحو شامل.

     يقوم بأعمال حفر الحفرة التي يوارى بها جثمان المتوفى متخصصون يعينهم المكتب التنفيذي، والعمل في المقبرة الإسلامية تطوعي. يتكون المكتب التنفيذي من المسلمين في مدينة لانتشو بترشيح من المساجد بالمدينة ويختارهم المسلمون عبر الانتخاب. يعملو المتطوعون دون مقابل ومع ذلك يتسابق أبناء المسلمين في لانتشو للعمل التطوعي في المكتب التنفيذي ويعتبرونه فخرا لهم.

     القبور في مقابر لانتشو مجانية، فلا يكلف نقل رفات المتوفى إلى قبر جديد بهذه المقابر إلا ما يعادل ثلاثين دولارا أمريكيا، مع إعفاء الأسر الفقيرة والمتوفين المجهولين، بشرط الحصول على شهادة من أحد المساجد تفيد بأن الأسرة فقيرة أو أن الرفات لشخص مجهول.

     من أجل السيطرة على التخريب البيئي في المنطقة، أزال المتطوعون المسلمون القمامة التي سدت قناة صرف مياه الفيضان وعلى جانبي الطريق في المنطقة، ويقومون بدوريات حراسة حول المقبرة لمنع التسلل إليها ونقل الرمل والأحجار منها ومن المنطقة المجاورة لها، وقام المنظمون والمتطوعون بتمهيد قطعة أرض بجانب المقبرة مساحتها أربعة هكتارات لتكون ميدانا مفتوحا يقيم فيه المسلمون نشاطات إسلامية خيرية. استغرق المشروع أكثر من شهرين، وشارك فيه 500 عامل متطوع وتكلف ما يعادل 10 آلاف دولار أمريكي، وتم خلاله معالجة عشرين ألف متر مكعب من النفايات الصلبة.

     بعد سنوات من التحسين والإصلاح تغيرت ملامح مجمع المقابر كثيرا. وقد ساهم نقل قبور أبناء قومية هان غير المسلمين من المقبرة الإسلامية في تعزيز الوحدة القومية. واليوم يظهر مجمع مقابر المسلمين في لانتشو بوجه جديد تماما، لدرجة جعلت أحد المسلمين يقول: " تحققت السلامة بين الدنيا والآخرة".

     مقابر المسلمين في مدينة هامي بشينجيانغ

     يقطن نحو مائة وعشرة آلاف مسلم في مدينة هامي بجنوب منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم. وهم ينتمون إلى قومية هوي وويغور وقازاق، ويشكل عددهم 28.17% من سكان المدينة. كان المسلمون في هامي يدفنون موتاهم بشكل عشوائي، فلكل قرية مقبرة ولكل منزل قبور، وتبنى المقابر في الغابات الطبيعية. كان بناء مقبرة إسلامية عامة هو أفضل حل لهذه المشكلات.

     في عام 2000 بدأ بناء طريق دائري حول المدينة، يمر بقطعة أرض ينتشر بها أكثر من 500 مقبرة عشوائية صغيرة. كان الأمر يتطلب نقل أكثر من أربعة آلاف قبر للمسلمين لإخلاء المكان. ولكن إلى أين تُنقل؟ أثارت القضية جدلا غير بسيط بين المسلمين. بفضل روح التسامح والوعي بالمسئولية التي يتحلى بها المسلمون من أبناء هامي ونبذهم لفكرة أن حفر القبر يزعج الميت، تقرر بعد المناقشة أن ينقلوا قبور أسلافهم إلى المقبرة العامة الجديدة التي حددتها الحكومة. وقد بادر عمدة مدينة هامي بنقل رفات أمه من المقابر القديمة إلى المقبرة العامة، فكان قدوة للآخرين.

     بدأت المؤسسة العامة للتنمية في مدينة هامي مشروع بناء المقبرة الجديدة في هامي عام 1999 بتكلفة تعادل حوالي 1.25 مليون دولار أمريكي. انقسم المشروع إلى ثلاث مراحل، هي إنشاء مقبرة عامة تتسع لستين ألف قبر على قطعة أرض شبه صحراوية، وثانيا إنشاء بستان له طابع الحياة الحديثة، وثالثا بناء قاعة لخدمات الجنازة. بعد ست سنوات من العمل أصبحت المقبرة أكثر حداثة ونظافة ومتعددة الخدمات، وتتحسن ظروفها الطبيعية حيث تم تشجير خمسين بالمائة من مساحة المقبرة ورصف خمسين بالمائة من شوارعها الترابية. وحتى اليوم دفن فيها حوالي اثني عشر ألف مسلم، تتجاوز مساحة قبورهم خمسين هكتارا.

      يتجسد جمال المقبرة في هدوءها وفي القاعدة البيضاء لكل قبر فيها والهلال المنقوش ذي اللون الذهبي الذي يعكس ضوء الشمس. وتحيط بالمقبرة مساحة خضراء يعيش فيها عدد كبير من الطيور. قال محمد، رئيس مؤسسة خدمات الجنازة بمدينة هامي، إن المقبرة العامة في هامي صممت لتكون بستانا يجمع بين الطراز الإسلامي وخصائص شينجيانغ، حيث تُزرع فيها أشجار فواكه كثيرة تحقق حصادا وافرا، والآن بها حوالي عشرين هكتارا من المحاصيل الاقتصادية، ومنها العنب الذي يدر حصادا يكفي العاملين بها لمدة نصف سنة. ومن المخطط جعل منطقة المقبرة أكثر جمالا في المستقبل وفتحها للسياحة.

      بعد إتمام بناء المقبرة الإسلامية العامة في هامي، تغيرت أفكار المسلمين بشأن الجنازة تغيرا جذريا. كانوا من قبل، إذا مات أحدهم يبحثون عن مكان خلاء عشوائي ويدفنوه به، ولكنهم اليوم يأتون إلى هذه المقبرة للدفن بها ويزرعون الأشجار متطوعين ويتبرعون بالصدقات لتطوير المقبرة. يبلغ سعر القبر الواحد هنا ما يعادل 65 دولارا أمريكيا فقط، ويقدم القبر مجانا لأبناء الريف والفقراء كمعونة من التبرعات العامة.

     في مقبرة هامي، تندمج عادات وتقاليد الجنازة مع الأفكار الحديثة لإدارة المؤسسات، حيث تقدم مؤسسة شؤون الجنازة لعائلات المتوفين خدمات حفر القبر والغسل والكفن والنعش والدفن الخ. وأنشئت بها قاعة جنازة وصالة استقبال واستراحة ومطعم مساحته 200 متر مربع يتسع لمائة وعشرين شخصا، مع وجود سيارتين لخدمة الموتى جاهزتين على مدار الأربع والعشرين ساعة، بالإضافة إلى خدمة الاستعلامات والحجز وإصلاح القبر وذبح الأضاحي، وهكذا أصبحت الجنازة أكثر بساطة وسهولة.

     بهدوئها وذوقها السليم وحداثتها، لقيت المقبرة العامة في هامي تقديرا عاليا من قبل المسلمين. قال محمد، في الربيع، يأتي كثير من المسنين والمسنات هنا للزيارة، فيحجزون أماكن القبور ويزرعون الأشجار متمنين أن يُدفنوا هنا بعد وفاتهم. الأكثر أن العاملين في الدوائر الحكومية، حتى من أبناء القوميات الأخرى غير المسلمين يؤتون لزراعة الأشجار، للمساهمة في تجميل الحديقة. تقديرا للنجاح الكبير للحكومة المحلية في بناء المقبرة، قام وفد من لجنة الدولة لشؤون القوميات بزيارة لها وأشار إلى أن بها تجارب كثيرة يمكن لمناطق المسلمين الأخرى أن تفيد منها.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.