ã

مشاهد جديدة في الريف الصيني

لي شيا

غسالة الأطباق الكهربائية

غسل الملابس في النهر

فيلات في الريف

     بدأت حكومة الصين في أوائل هذا العام تنفيذ مشروع "بناء الريف الاشتراكي الجديد" على نحو شامل. بعد مرور أكثر من 20 عاما منذ بداية سياسة الإصلاح والانفتاح، بدأت الحكومة تدرك أن عدد سكان الريف ضخم. وأنه لا يمكن ضمان أن يتمتع الشعب كله بمنجزات التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومواصلة توسيع السوق المحلي وتعزيز التنمية المستدامة للاقتصاد الوطني إلا بتطوير الاقتصاد الريفي وبناء بيوت الفلاحين جيدا وإرشادهم إلى الحياة الميسورة.

     من أجل تحقيق هدفها بناء الريف الاشتراكي الجديد، تتخذ الحكومة الصينية سلسلة من الإجراءات، منها تخصيص 42.46 مليار دولار أمريكي للأرياف والزراعة ولدعم الفلاحين في عام 2006، بزيادة 5.27 مليار دولار عن العام السابق؛ ومن هذا المبلغ 12.5 مليار دولار أمريكي لإنشاء الطرق العامة في الريف، وألغت الحكومة اعتبارا من هذا العام الضريبة الزراعية، وهو ما يعني توفير 4.2 مليار دولار أمريكي للفلاحين هذه السنة، بالإضافة إلى ضرائب أخرى قدرها 8.75 مليارات ألغتها الحكومة عن الفلاحين في مجالات مختلفة. وخلال السنوات الخمس القادمة، ستخصص الحكومة أكثر من 2.5 مليار دولار أمريكي من خزانة الدولة لإعادة بناء المستشفيات والعيادات الريفية وتجديد تجهيزاتها، وبحلول عام 2008 سيكون في الريف الصيني نظام طبي وصحي تعاوني جديد. لقد تعهد رئيس مجلس الدولة السيد ون جيا باو بأن يكون الريف مركز الثقل في المخصصات المالية المرصودة لبناء المنشآت الأساسية، مع التركيز على تطوير مرافق الري والطرق الريفية واستخدامات غاز الميثان والكهرباء والاتصالات.

     إن مشروع الريف الجديد يستهدف بناء ريف متطور الإنتاج، ميسور الحياة، متحضر وديمقراطي. في مارس هذا العام، قام وفد صحفي من مجلة ((الصين اليوم)) بزيارة بعض الأرياف في منطقة قوانغشي، لرصد التطور السريع الذي تشهده أرياف الجنوب التي حققت الثراء تحت راية "بناء الريف الجديد".

     على جدران غرفة الاجتماعات في المكتب الإداري لقرية شيالو صور معلقة لماركس ولينين وستالين وماو تسي تونغ ودنغ شياو بينغ. مازالت الماركسية اللينينية هي مرشد أعمال الحزب الشيوعي الصيني. في ثلاثينات القرن الماضي قام ماو تسي تونغ بالإصلاح الزراعي، فوزع أراضي الأغنياء على الفلاحين الفقراء. وفي الخمسينات تأسست الكومونات الشعبية، حيث صودرت أراضي الفلاحين لتصبح ملكية جماعية، وذلك استعدادا لتحقيق الشيوعية المثلى. في الثمانينات، أدرك الزعيم دينغ شياو بينغ، مهندس إصلاح الصين وانفتاحها، أن تطور الصين الاقتصادي والاجتماعي ما زال في المرحلة الأولية للاشتراكية، فأعاد الأراضي إلى الفلاحين مرة ثانية، فأحبه الشعب وأيده. لذا لا عجب أن نجد صور هؤلاء الزعماء على جدران الأرياف، على الرغم من أن هذا الأسلوب يعتبر متخلفا بالنسبة للمدن الكبيرة مثل بكين وشانغهاى وقوانغتشو، ولكن الفلاحين الصينيين لهم وجهة نظرهم الخاصة ونمط حياتهم الفريد، فالأرض بالنسبة لهم هي الحياة. في القرى الأربع التي زرناها، يزرع الفلاحون أشجار الفواكه والمحاصيل الاقتصادية المربحة، والقليل منهم يزرع الحبوب. لقد بات الفلاحون يتطلعون إلى حياة أفضل.

     في دار وي شنغ ذات الطابقين، القريبة من مدخل القرية، رأينا حوائطها مغلفة بالسيراميك، بنفس الأسلوب الذي كان شائعا في المدن الكبيرة قبل أكثر من عشر سنوات، والمنتشر حاليا في القرى الغنية جنوبي الصين. على جانبي الباب بيتان من الشعر نفهم منهما أن صاحب البيت قد تزوج مؤخرا.

     وي شينغ، البالغ من العمر 26 عاما، يعيش هو وزوجته مع والديه. تمتلك الأسرة مزرعة أشجار فواكه مساحتها 2.6 هكتارا، هي مورد الرزق الأساسي لهم. في سنة 1999، عمل شينغ في شركة كهرباء مدة سنة براتب شهري 300 يوان، في ظل ظروف عمل قاسية، لذا عاد إلى حقله ليزرع البرتقال والتفاح، وهما نوعا الفاكهة الأكثر رواجا في أسواق المدن.

     بعد ست سنوات من عودته إلى حقله، اشترى وى جرارا ودراجة نارية . ومع زيادة ثراء أهل المدن ورغبتهم في العودة إلى الطبيعة، استفاد الشاب الأريب من قرب قريته من مدينة ناننينغ عاصمة منطقة قونغتسي، فأقام مشروعا أسماه "زيارة لأسرة ريفية" حيث جهز مكانا بثمانية عشر سريرا لاستضافة السياح من أهل المدن الراغبين في تجربة حياة الريف. وهكذا تحقق أسرة وي دخلا إضافيا يصل إلى 1200 دولار أمريكي سنويا.

     ولد وى في قرية شيالو بمحافظة وومينغ، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 800 نسمة، 90% منها ينتمون إلى قومية تشوانغ، وهي القومية المعروفة بانسجام العلاقة بينها وبين قومية هان – أكبر قومية في الصين- منذ قديم الزمان. عمدة هذه القرية، واسمه وي شي نينغ، قال إن مساحة الأرض الزراعية في قريته 60 هكتارا مملوكة كلها للقرويين، إضافة إلى مائتي هكتار عبارة عن أحراش لا تزال ملكيتها جماعية، يقاولها الفلاحون من خلال عطاءات علنية. وعلى جدار بوابة القرية قائمة بأسماء المتأخرين عن دفع إيجارات الأرض لحثهم على الدفع. يزرع الفلاحون هنا عين التنين والبرتقال وفاكهة ليتشي الخ، ويبلغ متوسط دخل الفرد 450 دولارا أمريكيا سنويا.

     الفلاح الحديث لم يعد يكتفي بالأرض والمال، وإنما يتطلع إلى حياة أفضل. كان حلم الفلاح الصيني في خمسينات القرن الماضي أن يمتلك دارا من عدة طوابق وتليفونا ومصباحا كهربائيا. في بيت وى لم نر تلك الأشياء فحسب، بل رأينا التلفاز والثلاجة وغسالة الأطباق الكهربائية وغيرها من الأجهزة الكهربائية الحديثة. هدف الناس هنا أن يجعلوا قريتهم قرية متحضرة أيكولوجية، وهو العمل الذي بدأ بالفعل في عام 1998. مواصفات القرية المتحضرة هي: تعميم استخدام مياه الحنفية وغاز الميثان في كل بيت، وتمهيد الطرق الإسفلتية وإصلاح المراحيض العامة ووجود بيت ثقافة ومرافق ترفيهية مثل ملاعب الكرة.

     على الطريق إلى محافظة قونغتشنغ الذاتية الحكم لقومية ياو، سلسلة من التلال المتموجة تبزغ من بينها مشاهد الفلاحين وهم يشتلون الأرز. لقد تغيرت طرق شتل الأرز كثيرا عما كانت قديما، فالآن يقف الناس في الحقل ويرمون الشتلات في الماء، دون حاجة إلى تكبد مشقة حني ظهورهم، فالآن جذر الشتلة مغروس في قليل من الطين، مما يجعلها تلتصق بالأرض عند رميها. قال تشانغ مينغ بي، رئيس مكتب الزراعة لمنطقة قوانغشي، إن هذه الطريقة تتبعها كل قرى المنطقة تقريبا، لكن قرية دالينغ حققت الثراء لسبب آخر.

     أشجار الدراق هي العامل الأساسي وراء ثراء قرية دالينغ الجبلية التي تبعد 400 كيلومتر عن عاصمة المنطقة. إنها قرية تفتقر إلى الأرض الزراعية، فهي محاطة بجبال صخرية جرداء غير صالحة لزراعة أي شيء، إلا بنقل قطع من الصخور وملء مكانها لكي تنمو جذور المزروعات في شقوق الصخور. وقد حكى لنا لي مينغ، وهو من أبناء القرية، تجربته في إحياء الأراضي الموات: قبل عام 1992، كان لي وآخرون من القرية عمالا في منجم. عادوا إلى القرية وكلهم أمل في أن ينفضوا الفقر عن حياتهم بعد أن رأوا القرى المجاورة تزرع المحاصيل الاقتصادية. اختاروا أشجار الدراق بعد دراسة للسوق، وقد شجعهم على هذا زوجاتهم وحقيقة أن الأجيال القديمة في قريتهم نجحت في زراعة هذه الفاكهة.

     زراعة الجبال الجرداء ليست عملية سهلة، بل تحتاج نقل الصخور الضخمة قبل التفكير في غرس شجرة. قال الفلاح لي عن هذه الأيام: "نقلنا صخرة كبيرة وزنها عشرة أطنان لإخلاء مساحة تكفي لزراعة شجرة واحدة. لم يكن لدينا التراب الكافي والخصب، ولهذا نهضت كل القرية برجالها ونسائها وكبارها وصغارها لنقل التراب من مكان بعيد، حتى قال الناس إن الفقر أصابنا بالجنون". اليوم، جبال الصخور أصبحت حقولا خصبة مساحتها 80 هكتارا وقفز متوسط الدخل السنوي للفرد في القرية من أقل من 24 دولارا أمريكيا في عام 1992 إلى 740 دولارا أمريكيا عام 2005، وبدأ الفلاحون يركزون جهودهم على إدارة الحقول وتعلم تقنيات زراعية تجعلهم يجنون ثمار الخوخ ثلاث مرات في السنة. بفضل زيارة الدخل، بنت كل أسرة دارا جديدة وتم إنشاء الطرق بالجهود الذاتية، وأدرجت القرية ضمن قائمة " الست عشرة حديقة أيكولوجية مثالية في المحافظة."

     يتجسد جمال قرية قوبان بمحافظة سويانغ في ثلاث وأربعين فيلا جدرانها بيضاء وسقوفها قراميد خضراء وسط منطقة تزرع رئيسيا البرتقال الذهبي. قال السيد تسوه مدير مكتب الإعلام بالمحافظة إن قرية قوبان كانت في الثمانينات فقيرة بائسة، عدد سكانها كبيرة وأرضها وطرقها قليلة. كانت معيشة سكان القرية تعتمد على المعونة الحكومية وقطع الأشجار، منذ عام 1990 اضطر أهل القرية إلى شق طريقهم للتخلص من الفقر، فبدءوا بتطبيق تقنيات جديدة في زراعة البرتقال الذهبي، الذي يلقى رواجا كبيرا في الأسواق لاعتقاد معظم الصينيين أنه يخفض الحرارة ويسكن الكحة، لكن وقت جني ثماره لا يناسب وقت الطلب عليه في السوق فينخفض سعره. التقنية الجديدة، كما أوضحها السيد تشانغ مينغ بي، رئيس مكتب الزراعة للمقاطعة، هي "المقاومات الثلاث" أي مقاومة الضوء والماء والبرد باستخدام أغشية بلاستيكية. بهذه التقنية زادت جودة البرتقال وأمكن التحكم في أوقات جني الثمار، تنيجة لها ارتفع سعر الكيلوجرام من نصف دولار أمريكي إلى ثلاثة دولارات. وعينت المحافظة مسئولا خاصا لجمع الأغشية البلاستيكية المستعملة من أجل الحفاظ على البيئة.

     برغم وجودها في منطقة جبلية، أنشأت قرية قوبان طرقا سريعة وشبكة اتصالات سهلة تربطها بالعالم الخارجي، حيث يستطيع القرويون الآن البحث عن معلومات الأسعار والإنتاج في أنحاء الصين عبر شبكة الإنترنت لتحديد كمية الثمار التي يجنونها. علاوة على ذلك، أسس القرويون جمعية تسويق وأنشئوا لها أكثر من 30 فرع تسويق في مختلف المقاطعات. أصبحت القرية غنية بفضل التكنولوجيا والعلوم، ووصل متوسط دخل الفرد الصافي عام 2005 ما يقارب 1600 دولار أمريكي سنويا. بعد تنفيذ مشروع "بناء القرية المتحضرة" الذي بدأ منذ عام 1998 بجهود القرويين الذاتية ومساعدة الحكومة، أصبح 85% من سكان القرية يسكنون في بيوت جديدة و98% من أهلها لديهم تلفزيونات ملونة وغسالات وثلاجات وبوتاجازات، و95% من البيوت تصلها خدمة التلفزيون الكابلي. ويوجد في القرية 400 دراجة نارية و200 سيارة.

     يقوم الاقتصاد الفلاحي التقليدي الصغير النطاق الذي تشكل خلال آلاف سنين على الاكتفاء الذاتي في الإنتاج والاستهلاك، وقد أدى هذا النمط الاقتصادي إلى تخلف الفلاحين وانغلاقهم الفكري. ولكن خلال فترة قصيرة، تزيد على العشرين سنة قليلا، تغيرت أحوالهم وأصبحت زراعة المحاصيل الاقتصادية والسياحة أهم مصدرين لثرائهم، وأطلق العنان لمبادرات الفلاحين. من جهة أخرى، بناء الريف المتحضر يحافظ على روح الفلاحين البسيطة.

     زرنا منزل لي شين جيوي. امرأة ذكية عمرها 38 سنة. زوجها فلاح يزرع الكاكا والبرتقال، لديهما طفلة عمرها 12 عاما، تدرس في المدرسة الابتدائية وطفل عمره سنة مازال في المهد. تملك الأسرة نصف هكتار من الأرض الزراعية وجرارا وبيتا من طابقين على مساحة 200 متر مربع، تكلف أكثر من عشرين ألف دولار أمريكي. مثل كل أسرة ريفية، باب البيت مفتوح طوال اليوم، حتى في الليل، ولا شيء يضيع من البيت. إن هذا دليل حي على أن القرية مازالت تحتفظ بعاداتها البدائية والبسيطة. في بيتها، قالت لي شين جيوي: "بيتي من أنظف بيوت القرية ". سألتنا هل نشرب الشاي الزيتي، قلنا نعم، فقد سمعنا أن هذه القرية تتميز بالشاي الزيتي اللذيذ الذي يقوي الجسم ويفيد في الرشاقة. توجهت السيدة نحو الحديقة حيث قطفت بعض أوراق الشاي العاطر ووضعته يغلي في إناء خاص مع بعض الزنجبيل والثوم، وقدمته لنا والبسمة ملء شدقيها قائلة: "حساب الشاي دولار أمريكي ونصف". ألجمت الدهشة ألسننا عجبا من ضياع بساطة القرويين، وتسرب الفكر الاقتصادي إليهم.

     تنتمي أسرة السيدة لي إلى قرية هونغيان بمحافظة قونغتشنغ. منذ قديم الزمان تزرع هذه القرية فول الصويا والفول السوداني والبطاطس، وهي مزروعات ذات عائد اقتصادي منخفض. قبل عشرين عاما قاد رئيس القرية الجميع إلى زراعة الفواكه، واليوم فاكهة الكاكا هي المحصول الرئيسي فيها. على قمة الجبل وقف السيد جو بي مينغ، رئيس القرية البالغ من العمر 34 عاما، وأشار إلى آلاف الهكتارات من حقول الكاكا الخصيبة قائلا: " ازداد دخل الفرد كثيرا وقد وصل أعلى دخل لأسرة في القرية 15 ألف دولار أمريكي هذا العام، وهو رقم لا يقارن بدخل الفرد في الثمانينات الذي كان 50 دولارا أمريكيا فقط. و من أجل الدعاية لهذه القرية الجبلية النائية في الخارج، حددنا شهر أغسطس كل عام شهرا للكاكا، حيث نقيم نشاطات مختلفة ويأتينا مئات التجار للشراء، وأسسنا مصنعا لمعالجة الكاكا، حيث تباع المنتجات المصنعة أغلى من الكاكى النيئة".

     قرية هونغيان وضعت برنامجا طويل المدى للتنمية على ضوء خطة بناء الريف الجديد، وقد أنشئ بها بعض المعالم ذات خصائص قومية ياو و43 بناية سياحية أيكولوجية واستقبلت القرية أكثر من 360 ألف زائر في الفترة من عام 2003 إلى عام 2005، والآن تحقق السياحة 40% من إجمالي الدخل السنوي للقرية التي أدرجت في نهاية 2005 ضمن قائمة "مقاصد السياحة الزراعية في الصين".

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.