ã

الصين والقضية الفلسطينية

د. نعمان جلال- خبير في الشؤون الدولية

العلاقات الاقتصادية بين الصين وفلسطين جيدة دائما

وزير خارجية فلسطين محمود الزهار يتحدث للصحفيين بعد لقائه مع وزير خارجية الصين لي تشاو شينغ أثناء المؤتمر الوزاري للمنتدى الصيني- العربي

     الصين دولة كبرى نامية وصاعدة بصورة مذهلة تثير الرعب في قلوب دول أخرى تريد الاستمرار في سيطرتها على مقدرات العالم. ولكن الصين من ناحية ثانية تؤكد وتتصرف بمقتضى ذلك، وخاصة منذ ثورتها للإصلاح والانفتاح عام 1979 التي قادها زعيمها دنغ شياو بينغ، على أن ركائز سياستها هي السلام والتنمية وأن هذين الشقين متكاملان ولا انفصام للعرى والوشائج بينهما. هذا التوجه يعكس عقلانية وحكمة سياسية عميقة ولذلك لا عجب أن ورد في الأثر عن النبي صلى الله علية وسلم: " اطلبوا العلم ولو في الصين" ويمكنني أن أضيف هنا و"اطلبوا الحكمة من الصين" وهي حكمة قائمة على الصبر والتروي والتفكير العقلاني الواقعي منذ مدرسة كونفوشيوس والمشرعين ولاو تسي ومنغ تسي وغيرهم حتى الفلسفة الصينية الحديثة.

     من هذا المنطلق وجهت الصين دعوة للسيد محمود الزهار، وزير الخارجية الفلسطيني في حكومة حماس، لزيارتها للمشاركة في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عقد في بكين يومي 31/5 و1/6 وشارك فيه أمين عام جامعة الدول العربية ووزراء الخارجية العرب. وقد احتجت إسرائيل على هذه الدعوة، ولكن الصين كدولة كبرى وذات ثقل وتتقبل الصدمات أو اختلاف الآراء لم تتراجع عن قرارها وشرحت لإسرائيل وجهة نظرها، وليس أمام الأخيرة سوى القبول بذلك.

     ومن ناحية أخرى فان الصين طالبت حكومة حماس بالاعتراف بإسرائيل وأوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية "أن بلاده تدعو حكومة حماس للتخلي عن العنف والاعتراف بإسرائيل انطلاقا من المصلحة الأساسية للشعب الفلسطيني وقبول الاتفاقيات المبرمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين".

     وطرحت الدعوة الصينية تساؤلا رئيسا: لماذا جاءت هذه الدعوة واضحة وصريحة بلا مواربة من دولة صديقة ومعروفة بتأييدها للمواقف العربية والقضية الفلسطينية؟ وقد أجاب على ذلك المتحدث الرسمي باسم الخارجية الصينية: "إن ما يهم الصين هو المصلحة الأساسية للشعب الفلسطيني." في حين أجاب الباحث الصيني المتخصص في الشؤون العربية السيد ين قانغ، من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، بأن هذه الدعوة الصينية تتمشى تماما مع المواقف الدائمة للحكومة الصينية. وأنها تقوم على الاعتراف المتبادل بحق الوجود وترك العنف ومواصلة السير على طريق السلام وكلها مطالب أساسية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ويضيف الباحث الصيني بأنه مضت على حكومة حماس بضعة شهور وما تزال مواقفها غامضة وإن أي تأخير في توضيح الموقف سيشكل ضررا خطيرا بالمصلحة الفلسطينية وبالسلام في المنطقة. ولهذا فان دعوة الحكومة الصينية هذه لحكومة حماس تعد أمرا ضروريا ومعقولاً.

     والتساؤل الذي نطرحه من جانبنا: على أي أساس استندت الصين في دعوتها هذه؟ وهنا يمكن الإجابة على مثل هذا التساؤل بالعناصر التالية:

     الأول: أن حكومة حماس جاءت للسلطة عبر انتخابات هي أساسا نتيجة لاتفاقات أوسلو التي أقامت السلطة الوطنية الفلسطينية فهي من الناحية الفعلية، ودون تصريح، اعترفت بإسرائيل كدولة، كما اعترفت بالاتفاقات التي سبق عقدها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ولكن من ناحية أخرى فان هذا المعنى الضمني يحتاج إلى إفصاح وهو ما يجب على حكومة حماس القيام به.

     الثاني: أن حكومة حماس لابد أن تتحرك للإفصاح الصريح عن موقفها لان ذلك هو الركيزة لشرعيتها. وهذا الموقف لا يتعلق بحكومة حماس وإنما بكافة الحكومات التي تصل للسلطة وتعبر عن اتجاه سياسي مختلف ومناقض للحكومات السابقة عليها. فعلى سبيل المثال، اثر قيام انقلاب عسكري في أية دولة فان أول عمل أو بيان للحكومة الجديدة هو تأكيد اعترافها واحترامها للاتفاقيات السابقة الموقعة بين بلادها ودول العالم الأخرى، وهذا النوع من الاعتراف الصريح يرتبط بالقاعدة القانونية الدولية المتصلة بمبدأ التوارث الدولي، وهذا التوارث له استمرارية وأي خروج عليه يعني أن المجتمع الدولي سيرفض التعامل مع الحكومة الجديدة.

     الثالث: أن حكومة حماس مسئوليتها الأولى هي رعاية الشعب الفلسطيني وتحقيق متطلبات حياته الأساسية، وهذا لن يتحقق فعليا إلا بتعاون إسرائيلي مع السلطة الفلسطينية. فإسرائيل هي سلطة احتلال قائم ومسيطر على مقدرات الشعب الفلسطيني، وبحكم مبدأ الضرورة لابد من التعامل معها، فإذا رفضت حكومة حماس هذا التعامل، ونقطة البدء فيه هي الاعتراف بالطرف الآخر، فإن النتيجة ستكون استمرار معاناة الشعب الفلسطيني، وإخفاق حماس عن الوفاء بمتطلباته، ومن ثم الفشل في الأداء العملي للحكومة.

     ولكن السؤال لماذا ترفض حماس مثل هذا الاعتراف؟ هناك عدة تفسيرات منها:

     أولا: إن حكومة حماس لم تحصل على اعتراف من إسرائيل فلماذا تقدم لها ورقة بلا مقابل. وللرد على هذه الحجة فإن الاعتراف الدولي له شقان؛ الاعتراف بالدولة والاعتراف بالحكومة. وما حدث من اتفاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل كان يتضمن اعترافاً مزدوجاً بين الاثنين وأدى ذلك إلى نوع من اللبس في التصور وما تطلبه إسرائيل ليس اعترافا بحكومتها وإنما بالدولة الإسرائيلية وهو الأهم مقابل اعترافها هي بالفعل بضرورة قيام دولة فلسطينية، ومن ثم فإن اعتراف حماس بدولة إسرائيل ليس بلا مقابل. أما اعتراف إسرائيل بحكومة حماس فسوف يتحقق عاجلا أو آجلا بقبول إسرائيل التفاوض معها إذا قبلت حماس الاعتراف بإسرائيل.

     الثاني: أن المعضلة هو أن حماس لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية أيضا لان المنظمة قامت قبل نشأة حماس وأخذت حماس منها موقفا سلبيا، أو لنقل إنه موقف سلبي متبادل من الطرفين. ولكن الآن تغير وضع حماس فأصبحت حكومة ومن ثم فإنها مطالبة بالتصرف بمنطق ومنهج مختلف عن تصرفاتها كحركة مقاومة أو حركة ثورية.

     المأزق الجوهري هو كيف يمكن أن تنتقل حماس من المفهوم الثوري إلى المفهوم الحكومي، من ممارسات الثورة ومنهجها الرافض إلى ممارسات الدولة ومنطقها بأن ما لا يؤخذ كله لا يترك جله، وأنه لا ينبغي إضاعة عصفور في اليد انتظارا لعصفورين على الشجرة.

     ولعل الأمر البالغ الخطورة بالنسبة للقضية الفلسطينية يتمثل في ثلاثة أبعاد.

     البعد الأول: الفكر الإسرائيلي الأحادي الجانب الذي تبناه شارون وسار على نهجه إيهود أولمرت بطرحه ما أطلق عليه سياسة تجميع المستوطنات وسيؤدي ذلك إلى حل منفرد بدعوى أنه لا يجد شريكا فلسطينيا.

     البعد الثاني: استمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلي الذي يقتطع الأرض الفلسطينية تباعا وما يخشاه المرء هو أن طول الانتظار سوف يؤدي إلى عدم وجود أرض للتفاوض عليها. وفي تقديري المتواضع أن الزمن ليس في صالح العرب أو الفلسطينيين على الأقل لو أخذنا مفهوم الزمن في مدى الخمسين عاما القادمة. وما كنا نردده بعد عدوان 1967 من أن الزمن في صالح العرب ثبت خطؤه، فكل يوم يتراجع العرب والفلسطينيون ويتقدم الإسرائيليون.

     وما يقال عن القنبلة السكانية الفلسطينية لا يقدم كثيراً من الإقناع لأن شواهد التاريخ عكس ذلك، فقد ظل الإنجليز، وهم قلة، يحتلون بقاعا عديدة من العالم ومنها الهند العملاقة لعدة قرون. ولا شك أنه ربما تتغير الأمور بعد مائة أو مائتين عام، كما حدث مع جنوب إفريقيا، رغم وجود فوراق ضخمة بين الحالتين. ولكن هل المطلوب اليوم هو استمرار معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وقياداته ترتدي أجمل الثياب وتركب أفخر السيارات.

     البعد الثالث: هو مأزق الشعارات العربية غير الواقعية والتي تجعل الشعوب تعيش في أوهام بالنسبة للسياسات العملية التي تنبع من أرض الواقع. وهنا مأزق الحركة الفلسطينية والحركة العربية بوجه عام.

     الحكمة الصينية تقول، كما عبر عنها كونفوشيوس في رده على سؤال حول عالم الميتافيزيقا والغيب"، أننا لم ننته من اليوم ومن بناء عالم الواقع حتى نفكر في عالم الميتافيزيقا" وهذا ما تتصرف بمقتضاه الصين التي تترك تايوان لمائة عام قادمة أو ربما مائتين وهي واثقة من أنها ستعود إليها، مع الأخذ في الحسبان كافة الفوارق بين حالتي علاقة طرفي المضيق وحالة فلسطين وإسرائيل. وأيضا ينبغي إدراك أن الصين تبنى دولتها عبر السلام والتنمية، وليس عبر الشعارات التي تعكس المشاعر وتدغدغ الوجدان والحقيقة الماثلة للعيان هي غير ذلك. وحقا قال النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- فيما هو منسوب إليه: "اطلبوا العلم ولو في الصين" ونضيف اطلبوا الحكمة أيضا من الصين العريقة والصين الحديثة التي تعرف قدرها وقوتها ولا تناطح السحاب والأوهام.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.