ã

ماذا تحقق تنمية الصين للعالم؟

لو قوه تشنغ

ورشة في الصين

مزيد من الشركات الأجنبية تستثمر في الصين

إقبال كبير من التجار الأجانب على المنتجات الصينية

     تلقت مجلة ((الصين اليوم)) رسائل من بعض القراء، يطرحون فيها بعض القضايا ذات العلاقة بالاقتصاد الصيني ويسألون عن مدى استفادة العالم من التنمية الصينية. الباحث لو قوه تشنغ، بمعهد التعاون التجاري والاقتصادي الدولي التابع لوزارة التجارة الصينية، وهو أيضا المستشار الاقتصادي للمجلة يجيب عن هذا السؤال في المقال التالي.

     الواقع أن الاقتصاد الصيني يندمج على نحو متزايد في الاقتصاد العالمي، فهل هذا الاندماج يسلب لقمة العيش من أفواه العاملين في البلدان الأخرى، وهل يضر المنافسين الآخرين؟ الإجابة: قطعا لا.

     من الواضح أن هذا السؤال يكتنفه شيء من سوء الفهم.

     يتمثل سوء الفهم الذي نتحدث عنه في تصور أن الصين تخطف الاستثمارات من الدول الأخرى. هنا علينا أن ندرك أن المستثمر يفكر أولا في بيئة الاستثمار وكلفة الإنتاج وعائدات استثماره، ومن ثم فإن تدفق بعض الاستثمارات الأجنبية من الدول الأخرى إلى الصين، أمر يقرره المستثمرون، ولا علاقة للصين بهذا القرار. الصين حاليا هي أكبر دولة نامية مستقبلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة بالعالم، لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. في السنوات الأخيرة، بدأ الاستثمار الأجنبي في بعض القطاعات يتحول من الصين إلى الهند وفيتنام وغيرهما من الدول النامية ذات كلفة الإنتاج الأقل. أمام هذا الوضع لا يجوز للصين أن تشكو من أن الدول الأخرى تخطف لقمة العيش من فم أبنائها، بل عليها أن تحلل أسباب ذلك حتى تستكشف فرصا جديدة للتنمية.

     يتجسد سوء الفهم أيضا في الإدعاء بأن الصين هي "مصنع العالم". الواقع أن "صُنع في الصين" ليس أكثر من علامة توضح فقط بلد المنشأ للمُنتج. فالصين تصدر منتجات كثيرة، لكنها لا تتحكم في تكنولوجيا الإنتاج مثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان لتحتكر السوق الدولية ولا تحقق أرباحا هائلة. فالوضع في الصين لا يختلف كثيرا عن صناعة المعالجة في كثير من الدول النامية، حيث تتولى المعالجة والتصنيع والتجميع رئيسيا. معظم المنتجات التي تحمل علامة "صنع في الصين" ذات مكون تكنولوجي محدود، وليس لها حقوق ملكية فكرية ذاتية. لذلك يصح أن يُقال إن الصين مجرد "ورشة معالجة وتجميع للعالم". من الطبيعي أن تتمنى الصين أن تكون"مصنع العالم"، لكنها لكي تحقق ذلك عليها أن تقطع أشواطا طويلة لفترة طويلة. الصين تخطط لبلوغ مستوى الشريحة المتوسطة من الدول المتقدمة في عام 2050. في ذلك الوقت يمكن أن يشهد تركيب منتجات "صنع في الصين" تغيرا جوهريا، ويمكن أن تقدم الصين للعالم مزيدا من المنتجات ذات الجودة العالية والسعر الرخيص.

     يتمثل سوء الفهم أيضا في القلق من"صعود الصين". ولكن يجب أن لا ننظر فقط إلى الحجم الإجمالي للاقتصاد الصيني، وهو حجم كبير نسبيا، وإنما علينا أن نعرف أن ترتيب متوسط نصيب الفرد الصيني من الناتج المحلي يحتل المركز بعد المائة. بهذا المعنى، الصين ليست "دولة قوية". الصين التي تنمي نفسها وتركز قوتها في بناء نفسها، ولا تسلب الموارد الرخيصة من الدول الأخرى، ولا تعتدي على الآخرين، كيف تكون تهديدا للدول الأخرى؟ ربما يفرض صعود الصين ضغطا معينا على بعض الدول، مما يشكل تنافسا بدرجة معينة، لكنها لا تشكل تهديدا. التنمية الصينية سلمية وتعاونية، ومتناغمة مع الدول الأخرى.

     إذن، ماذا يجني العالم من التنمية الصينية؟

     أكبر فائدة تحققها التنمية الصينية للعالم هي اندماج الصين، بمبادرة ذاتية، في الأسرة العالمية الكبرى ومشاركتها الفعالة في العولمة الاقتصادية. ولا بد أن تلعب التنمية الاقتصادية الصينية المستدامة لفترة طويلة دورا دافعا إيجابيا للاقتصاد العالمي. وكلما كانت التنمية الاقتصادية الصينية أكثر استقرارا وأطول أمدا كلما كانت فائدتها لسلم العالم ونمو اقتصاده أكثر وضوحا. في عام 2004، بلغ حجم التجارة الخارجية للصين 1ر1 تريليون دولار أمريكي، أي المركز الثالث في العالم. وهذا يعني أن الصين كانت أكبر مساهم في نمو التجارة العالمية، بنسبة 3ر11%. وبلغت نسبة إسهام الصين في نمو الاقتصاد العالمي نحو 20%؛ وفي عام 2005، بلغت نسبة إسهام الصين والولايات المتحدة الأمريكية معا في نمو الاقتصاد العالمي نحو 50%.

     التأثير الآخر غير مباشر، ونضرب مثالا هنا بالدول العربية. فمن الواضح أن معدل زيادة الصادرات الصينية إلى بعض الدول العربية أعلى من معدل زيادة وارداتها من هذه الدول، لذلك يوجد عجز تجاري كبير لها. يمكن اعتبار هذا العجز مشكلة، لكن إذا نظرنا إليه من زاوية أخرى، لا نراه أمرا سيئا. زيادة الصادرات الصينية بسرعة كبيرة تدل على ارتفاع الطلب وقدرة الاستيعاب في الأسواق العربية. المنتجات الصينية ذات جودة ممتازة وأسعار رخيصة، وعليها إقبال كبير من جانب أفراد الطبقة الوسطى والدنيا في هذه الدول، وهذا أمر يفيد في السيطرة على التضخم المالي فيها. طبيعي أن يطلب الأصدقاء في هذه الدول تضييق العجز التجاري، لكن اللجوء إلى الإجراءات الحمائية التجارية ليس هو الحل. الأسلوب الإيجابي هو زيادة صادرات هذه الدول إلى الصين، ويكون ذلك بأن تعزز الشركات في هذه الدول قوتها في استكشاف السوق الصينية. هذا الأسلوب الإيجابي قابل للتطبيق، فالدول العربية بها كثير من المنتجات ذات المستوى العالي أو المتوسط التي يمكن أن يكون لها عدد كبير من المستهلكين في السوق الصينية.

     في العشرين من ديسمبر العام الماضي، 2005، قالت صحيفة ذي كرستيان ساينس ديلي الأمريكية إن ربة بيت في الولايات المتحدة قررت أن لا تشتري أسرتها أي منتجات مصنوعة في الصين طوال عام 2005 لتقييم تأثير المنتجات الصينية في حياة أسرتها، ولحساب التكلفة الزمنية والمادية لعدم شراء المنتجات الصينية. بعد هذه التجربة المثيرة قالت السيدة الأمريكية: "يمكن أن تعيش بدون المنتجات الصينية، لكن الحياة تكون أصعب، وستزداد مصروفات الأسرة كثيرا."

     هذه القصة الحقيقية لها أهمية عامة. وقد لخص بعض المستهلكين العرب الميزات الثلاث لمنتجات "صنع في الصين" بأنها، الجودة الممتازة، الشكل الجميل، السعر الرخيص. لذلك عليها إقبال عالمي.

     هذه بلا شك أكبر فائدة مباشرة تحققها التنمية الصينية السلمية والتعاونية والمتناغمة للمستهلكين في كل العالم.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.