ã
بيهاي.. دائما أنت بقلبي!
ماجد تشنغ بوه رونغ
     
في بكين مواقع
أثرية كثيرة،
لعل حديقة بيهاي
من أشهرها. يرجع
تاريخ حديقة
بيهاي إلى ما
قبل ألف سنة،
في عهد أسرة
لياو (907-1125)، فعندما
قرر الإمبراطور
تشو دي، ثالث
أباطرة أسرة
مينغ الإمبراطورية
نقل عاصمة ملكه
من مدينة نانجينغ،
في جنوب الصين،
إلى بكين عام
1420، أصبحت بيهاي
جزءا من قصره
الإمبراطوري
(المدينة المحرمة)،
كان اسم القصر
هو "شيوان"
أي الحديقة
الغربية للقصر.
وفي عهد أسرة
تشينغ قام الإمبراطور
تشيانلونغ
(1711-1799)– خامس أباطرتها
– بتوسيع بيهاي،
مما شكل الهيئة
الأساسية لصورتها
الحالية. كانت
في ذلك الوقت
منتزها يتردد
عليه الأباطرة
وزوجاتهم ومحظياتهم
للعب وصيد السمك،
أو للاستمتاع
بمناظر الجبل
والمياه تحت
ضوء القمر،
أو لإقامة الولائم
الفخمة على
شاطئ البحيرة
الجميلة. ابتداء
من عام 1925 وبعد
سقوط أسرة تشينغ
تحولت بيهاي
إلى حديقة عامة.
     بيتي
قريب من بيهاي،
ولهذا ارتبطت
حياتي بها منذ
طفولتي وإلى
يومنا هذا.
     لا
أزال أتذكر
عندما كنت أرجو
والدي أن يأخذني
للتنزه في بيهاي
وأنا ابن خمس
سنوات. كانت
بيهاي بالنسبة
لي، في ذلك الزمان،
المكان الوحيد
في الدنيا الذي
يمكن أن ألعب
فيه. ذات يوم
خرجت مع والديّ
إلى بيهاي بحذائي
الجديد الذي
اشتراه لي أبي.
كنت أضحك وألهو
وأركض مسرورا
أمامهما، وفي
طريق جبلي منحدر
لم أستطع أن
أسيطر على سرعة
خطوي، فسقطت
بشدة، وتدحرجت...
وطار حذائي
الجديد.
     وعندما
وصلت الصف الثالث
أو الرابع في
المرحلة الابتدائية،
بدأ أبي يعلمني
صيد السمك بالصنارة.
اشترى لي عصا
طويلة من الخيزران
وخيطا وصنارة
وغيرها من مستلزمات
الصيد. صحبني
أبي إلى منطقة
الصيد داخل
بيهاي، وجلسنا
على شاطئ البحيرة.
طلب مني أبي
أن ألقي بالصنارة
مع الطعم إلى
المكان المناسب
في الماء وأنتظر
بصبر... وبعد
مرات من الفشل
نجحت في صيد
سمكة صغيرة،
وتذوقت لأول
مرة حلاوة النجاح
بعد الجهد والاجتهاد.
كنت أشارك في
النشاطات التي
تنظمها مدرستي
في حديقة بيهاي
من نزه وزيارات،
مما وسع أفقي
تجاه الطبيعة
وغرس في نفسي
الوعي الجماعي.
     في
المرحلة المتوسطة
كانت مدرستي
قريبة من بيهاي
أيضا، فاستفاد
مدرس التاريخ
من قيمة هذه
الحديقة في
تاريخ الصين،
ونقل بعض دروسه
إليها، حيث
غرس في نفوسنا
الخلفية الثقافية
والتاريخية
للآثار القديمة
فيها، مثل جواسق
التنين الخمسة
ومعبد يونغآن
والبرج الأبيض
وغيرها. في سنوات
الشباب الأولى
كنت أشارك زملائي
وجيراني في
استكشاف كل
ركن من أركان
الحديقة أو
تجديف القوارب
على سطح البحيرة
الفسيح في العطلة
الصيفية، أما
في الشتاء فكنا
نتزلج على جليد
البحيرة.
     أثناء
الثورة الثقافية
(1966-1976) أغلقت أبواب
حديقة بيهاي
أمام عامة الشعب،
حيث تحولت إلى
حديقة خاصة
لبعض المتطرفين
الذين استولوا
على جزء من السلطة
المركزية للدولة،
ثم أطيح بهم
في نهاية تلك
الفترة المضطربة،
وعادت الحديقة
إلى الشعب.
     خلال
الثلاثين سنة
الأخيرة تزوجت
وأنجبت، وظلت
حديقة بيهاي
أكثر مكان أذهب
إليه مع زوجتي
وولديّ. وخلال
نفس الفترة
أيضا شهدت هذه
الحديقة القديمة
ازدهارا متزايدا
مع التنمية
الاقتصادية
السريعة للبلاد،
فقد خصصت الحكومة
المال لترميم
آثارها القديمة
وتجميل مناظرها
الطبيعية وتحديث
مرافقها، والآن
يأتيها السياح
من أنحاء البلاد
ومن العالم،
فيصيبها الزحام
أحيانا.
     تقدمت
السنون بأبي
وأمي ولكن حبهما
لبيهاي لم يتغير،
لذلك اشتريت
كرسيا ذا عجلات
أدفع أمي به
إلى الحديقة،
ويمشي أبي وراءنا
بخطوات بطيئة.
نتفرج على مناظرها
الطبيعية الخلابة
وعلى حلقات
الرقص والغناء
وعزف الموسيقى
وملاكمة تايجي.
     
قريبا سأخرج
إلى التقاعد
وسوف أذهب إلى
بيهاي كل يوم،
لأنها دائما
بقلبي.