ã

بيت المسلم الصيني زخارف ومعارف

أثاث حديث في غرفة النوم

أثاث تقليدي في غرفة الاستقبال

      يتمتع المسلمون الصينيون بحرية كاملة في اعتقادهم الديني، ولهم ثقافتهم الإسلامية الخاصة التي تميزهم عن أبناء القوميات الأخرى، ولكنهم في الوقت ذاته يعيشون في البيئة الاجتماعية الصينية الكبيرة، ولذلك فإنهم متأثرون بالثقافة الصينية الأصيلة. هذا الوضع الاجتماعي الفريد للمسلمين الصينيين ينعكس جليا في بيوتهم.

     تصميم البيت وتوزيع الغرف والمرافق

     تختلف مساكن المسلمين في الصين عن مساكن غير المسلمين من حيث اتجاه الغرف وتصميمها، حيث تكون الغرفة الرئيسية الخاصة برب الأسرة في أقصى غربي البيت، بينما تقع غرف أفراد الأسرة الآخرين في الشرق والجنوب والشمال. المغزى وراء هذا التقسيم هو أن رب الأسرة، في صلواته الخمس يوميا بغرفته، يولي وجهه شطر المسجد الحرام، أما أفرد الأسرة الآخرون فينبغي أن يكونوا خلفه وليس أمامه عند أداء الفرائض. ومن حيث المواصفات المعمارية، مثل قياسات الباب والنوافذ ومواد الديكور المستخدمة فيها، تكون الغرفة الرئيسية أوسع وأكبر، من أجل إبراز مكانة صاحب البيت بين أفراد الأسرة. وهذه ظاهرة من ظواهر الثقافة الإسلامية الفريدة في الصين، حيث أن الصينيين غير المسلمين لا يؤدون صلوات نحو الغرب، ومن ثم ليس هناك أسباب لتخصيص مواقع الإقامة لأفراد الأسرة.

      وتكون قاعة الاستقبال أفضل مكان زخرفة في بيت المسلم الصيني، ليس فقط لأنها المكان الذي يُستقبل فيه الضيوف ويلتقي فيه أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء وإنما أيضا لكونها تستخدم في إحياء المناسبات الدينية المختلفة. وتتوسط قاعة الاستقبال غرف البيت في العادة، أو تقع في مكان يغمره نور الشمس، ويفضل موقعها سواها من الغرف، وتكون أكثر رحابة وذات نوافذ مرتفعة وزخارف فخمة، وتعلق على جدرانها لوحات رسم كبيرة وأعمال خط ذات مضمون ديني باللغتين العربية والصينية. وفي وسط القاعة توضع طاولة طويلة عليها مبخرة نحاسية أو فخارية، وعلى جانبيها زهرية خزفية زرقاء وعلى المبخرة والزهرية نقوش لعبارات دينية بالعربية أو الفارسية أو رسوم إسلامية تقليدية، وأمام الطاولة طاقم من الأرائك الفاخرة. أما أرضية القاعة فتبلط بسيراميك مربع كبير، ويزين السقف بأشكال إسلامية تقليدية مصنوعة بالجص الأبيض الناصع، وتتدلى منه نجفة فاخرة، وكل هذا يعكس ثراء صاحب البيت وذوقه للثقافة الإسلامية.

     ليس كل مسلم عادي يستطيع أن يزخرف بيته على الصورة التي ذكرناها آنفا، ولكن الجميع، كُلٌ حسب إمكانياته المادية، يسعى لزخرفة بيته. في الريف يبني الفلاح المسلم، عادة، غرفة كبيرة في وسط داره لتكون غرفة الاستقبال، ويحرص على أن تكون جدرانها لامعة ونظيفة إن لم يكن في مقدوره دهانها بالطلاء الغالي، ويضع في وسط تلك الغرفة طاولة مربعة صغيرة بدلا من الطاولة الطويلة ومبخرة وزهريتين خزفيتين، وكراسي خشبية بدلا من الأرائك، ويكون بلاطها رمليا عاديا وليس من السيراميك. وحتى الذين يسكنون في البيوت الطينية ("ياودونغ" في اللغة الصينية) في شمال غربي البلاد، على رغم قلة غرف بيوتهم وضيق مساحتها، يبنون مصاطب كبيرة من الآجر مجوفة من الداخل ("كانغ" في اللغة الصينية)، ويضعون عليها منضدة صغيرة، يدعون ضيوفهم للجلوس عليها، بعد الترحيب بهم بعبارة "السلام عليكم" ويقدمون لهم الشاي الساخن، في طقس يحرص عليه الجميع، فقراء وأغنياء. جملة القول إن غرفة الاستقبال تلعب دورا كبيرا لا غنى عنه في حياة المسلمين الصينيين، لذلك يكون تزيينها وزخرفتها أمرا ضروريا لهم في بناء بيوتهم.

     ويميز بيت الصيني المسلم عن غيره وجود جرة ماء، من الفخار أو الصفيح، كبيرة معلقة في كل غرفة نوم، كي يستخدمها الفرد في وضوئه قبل الصلاة. هذه الجرار تكون ضرورية حتى في المناطق الجافة التي يعاني فيها الإنسان والحيوان والنبات من شح الماء. ويوجد في بيت المسلم الصيني أيضا قنينة، تصنع من الصفيح أو الألومنيوم، توضع على منضدة قاعة الاستقبال أو في غرفة النوم، يستخدمها صاحب الدار وضيوفه في غسل الوجه واليد، وأيضا للوضوء. وتوضع القنينة في أحيان كثيرة على موائد المطاعم الإسلامية ليغسل الزبائن أيديهم قبل تناول الطعام، لذلك فهي من العلامات المميزة للمطاعم الإسلامية في شمال غربي الصين.

     ومن أهم معالم بيت المسلم الصيني المصطبة المجوفة، أي "كانغ"، التي تُحمى من الداخل في الشتاء وتكون بمثابة السرير الذي ينام عليه ويستريح أهل البيت. هذه المصطبة تكون عادة تحت نافذة غرفة النوم، وتكون أعرض من النافذة بقليل، وتمتد إلى الداخل. وفي جوف "كانغ" مدخنة متصلة بموقد داخل الغرفة التي في طرف، وفي الطرف الآخر منفذ إلى السقف الخارجي للمسكن، وبهذه الطريقة تصبح مصطبة "كانغ" دافئة عند إشعال النار في الموقد. تبنى مصطبة "كانع" من الآجر رئيسيا ويغطى سطحها بألواح حجرية أو بلاط ترابي، وعليه طبقة من الطين أو الإسمنت ليكون منبسطا، ثم تفرش عليها حصيرة أو سجادة. "كانغ" شيء ضروري هام في حياة المسلمين المقيمين في شمال غربي البلاد.

     وإذا كانت الحرارة المنبعثة من "كانغ" لا تكفي للتدفئة في الشتاء القارس البرد، يشعل أهل الدار النار في وعاء نحاسي عريض مربع، ويبلغ طول كل طرف سبعين سنتمترا تقريبا. البعض يضع الوعاء على الأرض في وسط الغرفة، وآخرون يفضلون أن يكون تحت منضدة صغيرة توضع دائما على مصطبة كانغ. أما الوقود الذي يستخدم فهو الفحم النباتي في معظم أنحاء الصين، ولكن المسلمين في منطقة نينغشيا يشعلون الفحم المحلي الممتاز الذي لا دخان له ولا رائحة، وحرارته أقوى من الفحم النباتي.

     السحارة، وهي صندوق خشبي كبير، قطعة أثاث لا يخلو منها بيت المسلم العادي في شمال غربي الصين، يشتريها الشاب عند الزواج إن لم يكن قادرا على شراء مستلزمات عش الزوجية الأخرى. يبلغ طول هذا الصندوق عموما مترا وعرضه ستين سم، وارتفاعه سبعين سم. الصندوق الذي يصنع من ألواح خشبية سميكة وله أربع أرجل يستخدم لجملة واسعة من الأغراض: لتخزين الحبوب أو لحفظ الملابس وغير ذلك. يطلى الصندوق بدهان أحمر فاتح، وترسم عليه أشكال ورسوم تقليدية ذات خصائص إسلامية.

     هذه الخصائص الإسلامية التي يحرص عليها المسلمون يستقدمون لأجلها الفنانين الحرفيين، لزخرفة بيوتهم بنقوش لأشكال هندسية أو رسوم للزهور والنباتات أو عبارات عربية دينية على السقوف والحوائط أو على هياكل الأسرة والشبابيك، فتكون تلك النقوش ميزة أخرى لبيت المسلم الصيني.

     الزخارف الإسلامية في البيت

     يهتم المسلم الصيني بتزيين جدران ونوافذ وسقوف وأرضية، بل ومصطبة كانغ في بيته بالزخارف الإسلامية التقليدية.

     أبناء قومية هوي المسلمون معروفون بالبساطة والتقشف في حياتهم، برغم ما يتمتعون به من مواهب وقدرات تجارية وإنتاجية. في السنوات الماضية كانت ظروف الحياة والعمل في مناطقهم صعبة فعانوا من مشقات جمة ولم تكن لديهم القدرة على تحسين أحوالهم في طعامهم وشرابهم، فما بالك بزخرفة دورهم. ولكن منذ انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج في نهاية العقد الثامن من القرن الماضي شهدت مناطق المسلمين، شأنها شأن أنحاء البلاد الأخرى، نموا اقتصاديا سريعا أتاح الفرصة للمسلمين لإظهار مواهبهم التجارية والإنتاجية، فشرع كثير منهم يتخلصون من الفقر والتخلف تدريجيا، وينطلقون على طريق الحياة الميسورة فبنوا مساكن واسعة جديدة، واشتروا أجهزة تلفزيون ذات شاشات كبيرة وأطقم من الأثاث الحديث وأجهزة كهربائية منزلية متطورة وغيرها، وأيضا زخرفة بيوتهم بأساليبهم القومية.

     ولعل أكثر ما يميز زخرفة بيت المسلم الصيني هو الدمج الرائع بين أشكال متنوعة من الرسوم وأعمال فن الخط العربي والصيني وأعمال التطريز، والميزة الثانية هي التناظر الطبيعي بين الأساليب التقليدية وبين المفاهيم العصرية، والميزة الثالثة هي توظيف الخصائص الرائعة للزخرفة المعمارية للقوميات الأخرى في تزيين بيوتهم.

     ومن أهم الزخارف الداخلية المميزة لبيوت المسلمين:

      الستارة الزرقاء للباب. تعليق ستارة زرقاء على الباب عادة قديمة لمسلمي الصين، يقال إن تاريخها يرجع إلى أواسط عهد أسرة تانغ الإمبراطورية (618-907) عندما وقعت اضطرابات اجتماعية في أنحاء البلاد، جعلت إمبراطور الصين يطلب دعما عربيا لاستعادة النظام في ملكه فجاءه جيش عربي قمع المتمردين وأعاد الهدوء إلى البلاد. بعد إنجاز مهمتهم استقر أفراد الجيش العربي في الصين، وتزوجوا من صينيات. وقد أصدر الإمبراطور وزوجته مرسوما كُتب على الحرير الأزرق يطلب من جميع المواطنين عدم إزعاج المستوطنين الجدد وأفراد أسرهم، ومن يومها اعتاد المسلمون الصينيون تعليق ستائر زرقاء على أبواب بيوتهم لتمييزها عن بيوت أبناء القوميات الأخرى.

     الستائر الخضراء للنوافذ. الأخضر لون محبب للمسلمين الصينيين، فهم يرونه رمزا للحياة الطيبة في الدنيا والسعادة في الجنة. لهذا السبب يستخدم اللون الأخضر كثيرا في البنايات الإسلامية، مثل المساجد وقباب المباني الإسلامية الهامة وغيرها. وهذا اللون يظهر دائما في بيوت المسلمين أيضا، مثل إطارات النوافذ ولوحات فن الخط المعلقة على جدران الغرف الرئيسية وأوجه الأثاث. وعلى هذا فإن الأخضر هو اللون المفضل في ستائر نوافذ بيوتهم، وإن كان القماش الذي تصنع منه الستائر يختلف، من الحرير الغالي إلى الأقمشة الرخيصة، فإن الأخضر يجمع بينها. وقد أضيف إلى الستائر الخضراء في السنوات الأخيرة الستائر البيضاء، كرمز للحداثة من جانب الجيل الجديد من مسلمي الصين.

     الديكورات الداخلية. تأثر أبناء قومية هوي في المناطق الشمالية الغربية، وخاصة الذين صارت حياتهم ميسورة في السنوات الأخيرة، بعادات أبناء قومية ويغور المسلمين القاطنين في منطقة شينجيانغ بشمال غربي البلاد، فأصبحوا يعلقون سجاجيد ذات ألوان زاهية في بيوتهم ويغطون بها الأرضية. هذه السجاجيد، إلى جانب تجميل البيت، تلعب دورا هاما في الحفاظ على الحرارة داخل البيت في موسم الشتاء، مما يوفر بيئة مريحة لقاطنيها، كما أنها بأسلوبها الفني الشائع في إيران والدول العربية، تعبق بأريج الثقافة الإسلامية.

     المسلمون في المناطق الريفية الذين لا يستطيعون تأثيث بيوتهم بالسجاجيد الغالية يزينون مصطبة "كانغ" بأشرطة قماش ملونة عليها رسوم لأشكال إسلامية تقليدية مثل الدائرة والمعين والأشكال المتعددة الزوايا، وفي وسط هذه الأشكال يوجد عادة رسم لزهرية جميلة فيها نباتات خضراء وثمار يانعة، وهذا يجعل أيضا البيت يعبق بنكهة قومية خاصة.

     وإلى جانب سجاجيد الحائط والأرضية أضحى المسلمون الشباب في السنوات الأخيرة حريصين على تزيين جدران مساكنهم بلوحات من الرسوم الصينية التقليدية، وبذلك يضيفون عناصر ثقافة صينية أصلية إلى بيئة معيشتهم التي تحمل لونا دينيا كثيفا.

     لوحات ورقية باللغتين العربية والصينية أو رسوم لبنايات دينية مشهورة. تعتبر هذه اللوحات زخارف لا غنى عنها في بيت المسلم الصيني، وهي تعلق دائما في وسط الحائط الرئيسي أو الحائط الغربي لغرفة الاستقبال أو غرفة النوم لرب الأسرة. ويكون مضمونها إما رسم لبيت الله الحرام أو آيات قرآنية الكريم، وإذا كانت باللغة الصينية فتبدو في شكل دُوَبْيت من الشعر القديم يعبر عن التهنئة أو التنبيه. وتناغما مع اللوحات المعلقة يضعون طاولة طويلة في وسط الغرفة على كل من طرفيها طبق خزفي منقوش عليه عبارات عربية لتعظيم الله ودينه. هذا الديكور يضاعف من كثافة الأجواء الدينية في بيت المسلم الصيني.

     أما زخارف الأسرة في بيوت المسلمين فقد تغيرت مع ارتفاع مستوى حياتهم. في الماضي كانوا ينامون فوق مصطبة "كانغ". ولكن كانغ، وبرغم دفئها في الشتاء فإن الافتقار إلى الأغطية الكافية يعرض الجانب المكشوف من جسم الراقد عليها للبرد. الآن تحسنت حياتهم، وصاروا قادرين على شراء الألحفة والمفروشات الممتازة، مثل الألحفة المصنوعة من زغب البط والسجاجيد الصوفية المصنوعة في منطقة شينجيانغ وغيرها. أما المسلمون الذين يعيشون في المدن فيفضلون السرير اللين الفاخر على السرير الخشبي أو مصطبة "كانغ" الترابية، وينصبون الناموسية الشفافة فوق السرير في الصيف، لكي يناموا في راحة.

     وهناك عادة فريدة يتميز بها المسلمون الصينيون، وهي أنهم يهتمون باقتران اللونين الأبيض والأسود في زخارف بيوتهم. ففي غرفة الاستقبال مثلا يكون السقف باللون الأبيض، بينما تكون الأريكة باللون الأسود، والسجاجيد الداكنة اللون تعلق على الجدران البيضاء. هذا الجمع بين الأبيض والأسود يعبر عن موقف المسلم من الحياة، فهو يسعى إلى نقاء السريرة وينأى عن النوايا الشريرة.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.