ã



إعادة اكتشاف ليوننان

لين ليانغ تشي

أشجار شاي عمرها ألف سنة

طريق تشاما (الشاي والخيل) القديم

العجوز فانغ شون شنغ

     بيني وبين مقاطعة يوننان علاقة لا تنقطع. بعد تخرجي في الجامعة عام 1970 انتقلت من شانغهاي إلى يوننان، حيث عملت بها ثماني سنوات، قبل أن آتي إلى بكين عام 1978. في مارس هذا العام أتيحت لي الفرصة لزيارة الريف في يوننان. كانت أول محطة في هذه الرحلة الصحفية مدينة سيماو، وهي ذات المدينة التي بدأت فيها حياتي العملية قبل 36 سنة. في هذه الفترة شهدت كل مناطق الصين، ومنها يوننان، تغيرات هائلة بفضل الإصلاح والانفتاح الذي بدأ قبل 28 سنة. لكن الجبال الشامخة تفصل العديد من قرى يوننان عن الحضر، فكيف تبدو هذه القرى اليوم؟ أمضيت في يوننان ستة أيام قطعت فيها 1500 كم، وشاهدت تغيرات فاقت توقعاتي، ورأيت أيضا مشاكل تحتاج حلا فوريا.

     الطريق السريع: من ثلاثة أيام إلى ست ساعات

     لقد دهشت عندما رأيت برنامج الزيارة: الانطلاق بالسيارة من مدينة كونمينغ، عاصمة يوننان، في الساعة الثامنة والنصف صباح 21 مارس والوصول إلى مدينة سيماو في الساعة الثانية والنصف في نفس اليوم. قلت لمرافقي، السيد داي: هذه الرحلة كانت تستغرق ثلاثة أيام. قال الرجل: كان ذلك في الماضي، الآن يوجد طريق سريع اختصر الرحلة إلى ست ساعات فقط. كيف أصدق ذلك والمسافة 600 كم، كلها جبال!

     في اليوم التالي كنت أعايش التجربة على الواقع. السيارة تنهب الطريق المكون من ست حارات بسرعة 120 كم في الساعة، ولا أشعر بصعود أو هبوط بين الجبال، بل يعبر الأنفاق واحدا تلو الآخر، كأننا نسير على طريق مستو نظيف. لم يلوث الغبار أجسامنا مثلما كان الحال في الماضي.

     بدأ سيل من الأسئلة من جانبي عن تطور المواصلات بيوننان في السنوات الأخيرة. قال مرافقي: يوننان مملكة جبال، وكانت المواصلات هي عنق الزجاجة لتنميتها الاقتصادية والاجتماعية السريعة. كان بناء الطرق أكبر أمنية لأبناء يوننان، لكن يوننان نائية في جنوب غربي الصين. كانت معدلات التنمية متواضعة والمخصصات المالية قليلة، لهذا قررت حكومتها "بناء الطرق بالقروض، وسد القروض من رسوم المرور بالطرق"، وحصلت على دعم مالي من الحكومة المركزية للإسراع في بناء الطرق. من عام 1998 إلى عام 2003، تم بناء طرق جديدة طولها أكثر من ضعفي إجمالي طول الطرق التي بنيت من عام 1950 إلى عام 1995. وحتى نهاية عام 2005، بلغ إجمالي طول الطرق العاملة 6ر167 ألف كم، وهذا يضعها في المركز الأول بين كل مقاطعات الصين. أصبحت هضبة يوننان طرقا ممهدة، وارتقت مرافق الطرق بها من أدنى مستوى بالصين إلى أفضل مستوى بجنوب غربي الصين. وفي نفس الوقت دبرت مختلف الأقاليم فيها الأموال بنفسها لبناء الطرق حسب ظروفها.

     بفضل بناء الطرق العامة، تسارعت عملية التحول الحضري وتقدم الأرياف الحدودية، مما جعل انتقال البشر واللوجستيات والمعلومات أيسر بكثير. في ناحية شيبيله بمحافظة منغشان الجبلية، كانت المنتجات الزراعية تنقل على ظهور الدواب والبشر، فيفسد ثلثا الفواكه في حقولها نتيجة بطء النقل. في عام 2004، وصل طريق عام إلى الناحية، فازدهرت التنمية الاقتصادية على جانبي الطريق وازداد دخل الفلاحين ثمانية أضعاف خلال سنة واحدة، بل خرج مزيد من الفلاحين من الجبال وتنفضوا الفقر عن كاهلهم.

     قال مرافقي أيضا: منطقة الصين- آسيان (دول رابطة جنوب شرقي آسيا) للتجارة الحرة التي يجري العمل فيها ستحقق فرصا كثيرة ليوننان، لا تقل عن الفرص التي حققها الإصلاح والانفتاح لشنتشن قبل أكثر من عشرين سنة. يمكن الوصول بريا من يوننان إلى سبع دول من رابطة آسيان مباشرة. وبناء الطرق يعزز مكانة ودور يوننان في منطقة التجارة الحرة، لذلك بات الإسراع ببناء الطريق الدولي من كونمينغ بويننان إلى بانكوك بتايلاند أمرا لا مندوحة عنه لترسيخ مكانة يوننان المحورية في منطقة التجارة الحرة. الطريق الذي نسير عليه حاليا جزء من الطريق الدولي المؤدي من كونمينغ إلى بانكوك.

     بينما كنت غارقا في دهشتي وسعادتي بما حققته يوننان في بناء المواصلات، إذا بنا نعاني في اليوم التالي، في الطريق إلى حقول الشاي التي يعود تاريخها إلى ألف سنة بريف محافظة بور. قبل السفر بدلت سياراتنا بسيارات جيب. ما إن غادرنا حاضرة المحافظة، حتى سلكنا طريقا عاما غير مستو ممهد بالرمل والحجر، وبعض أجزاء الطريق ضيقة، ويبدو أن يد الترميم لم تلمسها منذ سنوات، ومعرضة للانهيار، أما الغبار فلم ينقطع. قطعنا ثلاثين كم في تسعين دقيقة. الطرق الريفية في يوننان تعاني مشاكل عديدة لا تنسجم مع احتلال المقاطعة للمركز الأول بالصين في إجمالي طول الطرق العامة. والحقيقة أن يوننان تحتل المركز الأخير في طول الطرق الجيدة بالصين، ففي الأرياف طرق طولها أكثر من مائة ألف كم غير مسفلتة، وأكثر من 50 ألف كم من الطرق السيئة. لذلك يمكن القول إن حل مشاكل المواد والأجهزة ونوعية العاملين والإدارة والمفهوم والنظام والاستثمار في بناء الطرق الريفية أصبح مهمة ملحة للغاية لبناء الريف وتحسين حياة الفلاحين حقيقيا.

     سيماو: أرض الأوبئة التي صارت مدينة الشاي في الصين

     في مدخلها رأيت مدينة غريبة، جديدة. وسألت نفسي: هل هذه هي مدينة سيماو التي عرفتها قبل ست وثلاثين سنة؟

     لم تكن سيماو أكثر من شارع واحد، تتناثر على جانبيه بيوت قديمة، معظمها من طابق واحد، وعدد قليل من البنايات ذات الطابقين أو الثلاثة طوابق فقط. على مقربة من الشارع بيوت الفلاحين والحقول. وكان الفلاحون يأتون إلى المدينة يربطون أبقارهم أو خيلهم أو حميرهم بالأشجار في الشارع، ويجلسون على الأرض لتدخين النارجيلة.

     كان عدد سكان المدينة قليلا وأنواع البضائع في المتاجر تعد على الأصابع، معظمها دعم من مدينة شانغهاي. لم تكن الأطعمة متوفرة وكانت الخضراوات تختفي في موسم المطر، فتقدم المطاعم الحشيش البحري المجفف وبراعم البامبو المجففة وشعرية النشا وغيرها من المجففات، أما تناول السمك واللحم فكان رفاهية لا يستطيعها إلا قلة قليلة.

     كانت صحة سكان المدينة تثير القلق وكانت الملاريا من الأمراض المستعصية في ذلك الوقت. أتذكر عندما كنت في الطريق إلى سيماو ونزلت في فندق بكونمينغ، بعد أن عرفت عاملة مسنة بالفندق وجهتي، قالت: سيماو، أرض الأوبئة، تعيش فيها الزواحف والذئاب والنمور!

      لم تكن سيماو، عندما وصلت إليها، بتلك الصورة المخيفة، لكنها كانت فقيرة ومتخلفة للغاية. أما اليوم فكيف أصدق عيني. الشوارع الواسعة تتقاطع وتجري فيها سيارات جميلة، والبنايات الشامخة تتألق تحت أشعة الشمس، وبين الأشجار تظهر التماثيل المتنوعة حينا وتختفي حينا آخر، والبضائع المعروضة في المتاجر متنوعة وجميلة، لا تقل عما يراه المرء في بكين وشانغهاي وقوانغتشو وغيرها من المدن الكبيرة.

     بعد أن صعدنا حديقة جبلية تراءت أمام عيوننا مدينة حديثة. مدرج المطار المجهز لهبوط طائرات بوينغ وطائرات إيرباص وغيرها من الطائرات الضخمة، يبدو من بعيد كشريط رصاصي فاتح.

     الهواء في مدينة سيماو، المحاطة بحقول الشاي والغابات الخضراء، نقي ومنعش. قال صديق من سيماو إن المدينة هي أكبر واحة بل الواحة الوحيدة على مدار السرطان، لذلك تحظى باهتمام خاص، فهناك حماية جيدة للغطاء النباتي وتغطي الغابات 9ر62% من مساحتها.

     وقال الصديق السيماوي إن سيماو هي منبع "شاي بور" المشهور محليا وعالميا، ونقطة البداية لطريق تشاما (الشاي والخيل) القديم، تقع على جبال ارتفاعها أكثر من ألفي متر، ولا تزال بها أشجار شاي قديمة يعود تاريخها إلى أكثر من ألف سنة، منتشرة على مساحة أكثر من أربعة عشر ألف هكتار، وقد بدأت سيماو نهضتها الاقتصادية الحالية من إنتاج الشاي، حيث يوجد بها أكثر من أربعة وأربعين ألف هكتار من حقول الشاي، وتزدهر صناعة معالجة الشاي، فتحولت إلى مدينة الشاي بالصين، وقد اندثرت إلى الأبد سيماو الفقيرة والمتخلفة وأرض الأوبئة، فقد أدى تحويل سفوح الجبال الجرداء إلى حقول للشاي إلى زيادة دخل سكانها وحماية الغطاء النباتي بها.

     بينما كنت مشدودا لحديث صديقي، جاءني صحفي من صحيفة سيماو اليومية وسألني أن أتحدث عن مشاعري بعد أن عدت إلى سيماو مرة ثانية بعد ست وثلاثين سنة، فقلت دون تفكير: لم أر ماضيا، رأيت فقط ما لم يكن موجودا في الماضي! حقا أحب سيماو الحالية، سيماو المزدهرة.

     قرية تشاشولين: من الجدران إلى الحياة الرغيدة

     لعل أكبر مفاجأة أذهلتني هي ما رأيت وسمعت في قرية تشاشولين (قرية أشجار الشاي). رغم أن الفترة التي عشتها في سيماو لم تكن طويلة فإن فقر الفلاحين في ريفها ترك إنطباعا عميقا للغاية في ذهني. لا أزال أذكر الفلاحين الذين كانوا يقيمون على طول الطريق العام في بيوت متداعية مبنية من الطوب اللبن ومسقوفة بالقش، ولا تملك كل أسرة أكثر من جدران البيت، فلا مال لديهم لتبديل ملابس أو لتحمل تكاليف دراسة الأطفال في المدارس، فيكون مصيرهم رعي البقر في الجبال، حفاة عراة النصف العلوي من الجسم. تلك الصورة المحزنة لفلاحي سيماو لا تزال عالقة في ذهني حتى اليوم.

     في اليوم الثاني من زيارتي سلكنا الطريق إلى قرية تشاشولين. قال مرافقي: يقيم في القرية 275 فردا ينتمون إلى64 أسرة من أبناء قومية يي. كان اقتصادها متأخرا والفلاحون فقراء والأوبئة منتشرة ولم تكن بيئتها نظيفة أو مرتبة. بدأت تتغير منذ عام 1995.

     في مدخل القرية رأينا حقول الأرز الخضراء، حيث يؤدي طريق إسمنتي محيط بالقرية إلى كل بيت. على جانبي الطريق ثمار وزهور أشجار المانجو والبن. الهواء المشبع برائحة الزهور منعش. لم نر الدواجن والمواشي ترعى هنا وهناك بالقرية والطرق نظيفة وهادئة. استقبلنا عمدة القرية وقال: تفضلوا بزيارة أي بيت وأي مكان كما تشاءون!

     وقفت في ساحة أمام مركز الثقافة بالقرية لأطلق نظري في كل جوانب هذه القرية، حيث تتراص البيوت القديمة والجديدة بانتظام؛ فوق كل بيت جهاز تسخين الماء بالطاقة الشمسية.

     دخلت بعض البيوت فرأيت التلفزيون والهاتف ومشغل الأقراص VCD والجرار والدراجة النارية. في فناء كل بيت حوض ميثان يربط الحظيرة والمرحاض والحمامات معا لتحقيق التوظيف الشامل للموارد.

     الحياة الرغيدة التي رأيتها بعيني شكلت تضادا صارخا مع الحياة الريفية الفقيرة الماضية بسيماو. ما الذي حدث؟ أسجل هنا حواري مع الفلاح فانغ شون شنغ-63 سنة- بالقرية.

     س: كم عدد أفراد أسرتك؟

     ج: ستة أفراد، أنا وزوجتي وابني وزوجته وحفيدان.

     س: كم بلغ دخل أسرتكم في العام الماضي!

     ج: بالاعتماد على ابني وزوجته زرعنا 8 مو (الهكتار الواحد= 15 موا) بأشجار الشاي والبن، و7 مو بالذرة كعلف للمواشي، و4 مو بالأرز، ومو واحدا بالخيزران، ربينا 11 خنزيرا، وحققنا دخلا بلغ 30 ألف يوان. (الدولار الواحد= 1ر8 يوانات في ذلك الوقت)

     س: كيف أنفقتم هذه الأموال؟

     ج: 300 يوان لشراء الأسمدة، 2000 يوان لشراء الأعلاف، 300 يوان على العلاج، 1000 يوان في المصاريف اليومية، 400 يوان لدراسة الطفلين.

     س: كم تبقى؟

     ج: عشرة آلاف يوان!

     س: هل كان الوضع في السنوات السابقة هكذا؟

     ج: لا. كنا نزرع الأرز فقط قبل عام 1995، فكان دخلنا السنوي 300-400 يوان فقط!

      أضاف عمدة القرية قائلا: لم يكن المجتمع هنا مستقرا بسبب الفقر والتخلف. لقد أدركنا أن أهم عمل لبناء الريف الجديد هو تنمية الاقتصاد، ليثرى الفلاحون. لذلك تخلت فرقة قيادة القرية عن فكرتها السابقة في تطوير إنتاج الحبوب الغذائية وحدها وقررت استغلال بعض أراضي الشجيرات والأدغال بصورة مناسبة لزراعة أشجار الشاي والبن والفواكه وغيرها من المحاصيل الاقتصادية، ونتيجة لذلك زاد دخل الفلاحين كثيرا فارتفع متوسط دخل الفرد من 800 يوان عام 1996 إلى 2700 يوان عام 2005. حاليا أصبح زواج شباب القرية من فتياتها سهلا ، فالفتيات أصبحن لا يفضلن الزواج خارج القرية. وقد عبر بعض أبناء مقاطعتي سيتشوان وقوانغشي عن الرغبة في العمل بالقرية والقيام بالتجارة فيها، وطلب بعضهم أن ينضموا إلى أبناء القرية. هكذا استقرت قلوب الناس، وخطت القرية خطوات واسعة في البناء وتتحسن أوضاعها شيئا فشيئا.

     بعد ذلك زرنا العديد من القرى، منها قرية داينغجيه بضاحية مدينة يويشي فوجدنا أن الفرق في سرعة التنمية بينها وبين قرية تشاشولين مثل فرق السرعة بين الطائرة والسيارة.

     لقد تخلصت قرية داينغجيه تماما من قيود الأرض ومن الزراعة التقليدية، وحياة الفلاحين فيها لا تختلف عن حياة أبناء الحضر. أمام هذه الحقيقة تساءلت الصحفية اليابانية هارا آياكو والصحفية الكندية جوريا إرين، اللتان كانتا معنا في هذه الرحلة: "هل هذا ريف؟ هل لا يزالون فلاحين؟"

      أما أنا فتذكرت ما كتبه أحد السفراء الأجانب في مقال له بعد انتهاء عمله في الصين: "الحضر في الصين يشبه أوروبا، أما الريف فيشبه أفريقيا". وهذا في اعتقادي رأي مطلق، والأكثر دقة أن نقول إن الحضر في الصين حقق تقدما كبيرا حقا، لكن لا تزال هناك فجوة بينه وبين مستوى أورويا. بالنسبة للريف الصيني أعتقد، أولا، أنه لا يجوز تقييمه بانطباعات قديمة؛ ثانيا، لا يمكن رؤيته وتحليله برؤية مطلقة. في الواقع تنمية الريف في الصين غير متوازنة، بعض الريف متخلف مثل أفريقيا، وبعضه، مثل قرية تشاشولين بدأ يحقق تقدما كبيرا، وحقق بعضه الآخر التحول الحضري تماما وبدأ يقترب من مستوى الريف الأوروبي مثل قرية داينغجيه. تختلف أساليب التنمية حسب السياسات التي توضع وفقا للواقع المحلي.

     العمدة: من التعيين إلى الاختيار الديمقراطي

     منذ آلاف السنين، يتم تعيين عمدة القرية، وهو أدني مسؤول إداري بالريف الصيني، من قبل القيادة الأعلى، فكان الفلاحون يعلقون أملهم في مستقبل أفضل على حكمة واستقامة ونزاهة القيادة الأعلى وعمدة القرية، لكن الواقع لم يكن دائما يتفق مع الرغبة. اليوم أصبحت حياة الفلاحين ميسورة، ولهذا فإنهم باتوا راغبين في أن يختاروا بأنفسهم عمدة لقريتهم يمكنه أن يحافظ على، بل يحمي مصالحها وأن يستطيع قادتهم تحقيق مستقبل واعد لهم. وبالفعل ولد نظام جديد لاختيار عمد القرى بالانتخاب المباشر. وقد لاحظنا خلال زيارتنا لأرياف يوننان أن القرويين راضون عن هذا النظام.

     في منطقة هونغتا بمدينة يويشي 66 لجنة قروية، تم اختيار أعضائها جميعا بالانتخاب المباشر من قبل سكان القرى. عند انتخاب عمدة القرية، يتم تشكيل "لجنة الانتخاب لسكان القرية" علنيا بأسلوب الاقتراع السري. ثم تقوم هذه اللجنة بتسجيل كل ناخب في كل أسرة حسب بطاقات الانتخاب، وتعلن قائمة أسماء من لهم حق الانتخاب في موعد محدد. ثم تعقد اللجنة اجتماعا لتحديد شروط عمل رئيس لجنة سكان القرية (أي عمدة القرية) ونوابه وأعضاء اللجنة، وتعلنها، وتعقد اجتماعات لمندوبي سكان القرية لتحديد المناصب وعددها وتعلنها. على هذا الأساس، تحدد اللجنة موقع الاجتماع المركزي ومراكز الاقتراع، ليزكي سكان القرية المرشحين لمنصب رئيس لجنة سكان القرية ونوابه وأعضاء اللجنة مباشرة بأسلوب الاقتراع السري. ويجب أن يكون عدد المرشحين أكثر من عدد أعضاء اللجنة المطلوب، ويتم تحديد المرشحين حسب أهلية وشروط تولي المناصب وعدد الأصوات، ثم تعلن أسماؤهم حسب ترتيب المقاطع الصينية.

     يجري الانتخاب الرسمي وفق مبدأ "الانتخاب المباشر، المساواة في التنافس، عدد المرشحين أكثر من عدد أعضاء اللجنة المطلوب، الانتخاب العلني، الاقتراع السري"، حيث تعقد لجنة الانتخاب لسكان القرية مؤتمرا انتخابيا في مكان يحدد مسبقا، وبعد إحصاء عدد المنتخِبين يتم التحقق من أن عدد الحاضرين أكثر من نصف إجمالي عدد الذين يحق لهم الانتخاب، يمكن مواصلة عملية الانتخاب؛ ثم يتعين الموافقة على <<أسلوب التصويت>> والتحقق من أن عدد المرشحين أكثر من عدد أعضاء اللجنة المطلوب، ويبدأ رئيس المؤتمر بتقديم نبذة عن كل مرشح؛ ويلقى المرشح لمنصب رئيس لجنة سكان القرية (عمدة القرية) خطابا انتخابيا؛ وأيضا يجب الموافقة على تعيين مراقبي عملية الاقتراع وقارئ أوراق الاقتراع والقائم بإحصاء الأصوات أمام الجمهور؛ ويجري فحص صندوق الاقتراع وإغلاقه بإحكام؛ ويتم شرح مضمون أوراق الاقتراع وكيفية نقل صناديق الاقتراع المتجولة، فيجري فحص وتوزيع أوراق الاقتراع، وتعد الأصوات أمام الجمهور. بعد ذلك تجري عملية التصويت السري ووضع أوراق الاقتراع في الصندوق؛ وتبطل لجنة الانتخاب أوراق الاقتراع الزائدة لتجمع الأصوات وتعدها علنيا؛ ثم تعلن النتيجة أمام الجمهور وتعلن قائمة أسماء المنتخَبين وتوزع عليهم شهادة تولي المناصب المعنية وتمنحهم الختم الرسمي للقرية. وتجري كل عملية الانتخاب تحت مراقبة الناخبين. اثناء الانتخاب يخصص مكان للكتابة على ورق الاقتراع سريا، ليعبر الناخبون عن رغبتهم، ولتجنب التشويش من الآخرين. ويمكن لأي فرد من سكان القرية له حق الانتخاب، ويكون خارج القرية يوم الانتخاب، أن يوكل شخصا آخر ليدلي بصوته نيابة عنه.

     بعد إقامة لجنة سكان القرية، يطبق نظام اتخاذ القرار ديمقراطيا في إدارة شؤون القرية. أولا، إذا كان هناك أمر يحتاج إلى مناقشة مؤتمر مندوبي سكان القرية، يعقد اجتماع لجنة سكان القرية لتضع مشروعا أوليا له. ثانيا، يقوم مؤتمر مندوبي سكان القرية المكون من 30-60 شخصا منتخبا من سكان القرية بمناقشة الشؤون العامة التي تقدمها لجنة سكان القرية ويتخذ القرارات فيها. ثالثا، تحيل لجنة سكان القرية كل أمر إلى فرقة سكان القرية المعنية به لتعقد اجتماعا للمناقشة والاستماع إلى آراء الجماهير. هذه كلها إجراءات تحظى برضا وقبول الفلاحين. قال لنا فلاح مسن: في الماضي كنا نشعر دائما أن كوادر القرية يخفون بعض الأشياء عنا خشية أن نعرفها، مما كان يزيد شكوكنا فيهم، ولا نصدق كلامهم. حاليا يعقد اجتماع لمناقشة كل الأمور، صغيرها وكبيرها، فنعرف ماذا نفعل وكيف ولماذا نفعل، وهم يستمعون إلى آرائنا، فنعرف كل ما يحدث في القرية، هذا هي الديمقراطية الحقيقية.

     لا ينتخب الفلاحون مسؤولي قراهم فقط، بل يحق لهم أن يقيلوهم أيضا. مثلا، لم يؤد رئيس لجنة سكان بايشان (عمدة القرية) واجبه جيدا، ولم يكن يتابع الإنتاج الزراعي، بل كان غارقا في القمار، فأثار غضب سكان القرية. في أغسطس 2003 قدم أكثر من خُمس سكان القرية الذين لهم حق الانتخاب طلبا لإقالته. ناقشت لجنة سكان القرية هذا الطلب يوم 28 أغسطس، ونظمت فرقة تحقيق فورا، وعقدت مؤتمرا لمندوبي سكان القرية للنظر في طلب الإقالة، في 27 سبتمبر أجرى مؤتمر سكان القرية التصويت. اشترك 1725 شخصا من سكان القرية من الذين لهم حق التصويت البالغ عددهم 1794 شخصا في مؤتمر الإقالة، وصوت 1371 شخصا بالموافقة على الإقالة، فأقالوا عمدة القرية. هذا الأمر كانت له ردود فعل قوية، فقال كوادر القرى في حي هونغتا: إن لم نجتهد في عملنا حاليا، فسوف نضطر للبحث عن عمل في المستقبل.

     تجدر الإشارة إلى أن الانتخاب المباشر لعمدة قرية هونغتا أثار اهتمام الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كاتر، فبعث مراقبين لمتابعة عملية الانتخاب، وأثنى عليها. لكن عندما كنا نتبادل الحديث مع بعض الفلاحين وجدنا أن فهم بعضهم للحقوق الديمقراطية التي تنفذ حاليا ليس صحيحا تماما، فهم يعلقون أملهم على عدد قليل من "ذوي القدرة" أو "المسؤولين الشرفاء"، طبعا لا يجوز لنا أن نطلب من الأرياف الصينية التي عاشت آلاف السنين من التقاليد الاقطاعية أن تنبذ تلك التقاليد فورا وبصورة قاسية. لكن، من أجل ضمان مستقبل الريف الصيني ومصالح الفلاحين الحقيقية، أتمنى أن يرفعوا وعيهم بالنظام القانوني، ويزيدوا اهتمامهم بالبناء القانوني، وأن لا يعلقوا آمالهم على عمدة القرية النزيه فقط. حسب المعلومات المعنية، أدركت يوننان بل كل الأرياف الصينية هذه القضية، وقد تراكمت تجارب في هذا المجال لدى بعض المناطق. أتمنى أن يجري بناء السياسة الديمقراطية في يوننان وفي كل الأرياف الصينية بسلاسة.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.