ã

الشاب الأكثر تأثيرا في الصينيين .. لا مساعدة بدون مقابل!

عبد الله فريح يان يويه

قصة هونغ تشان هوي في مجلة ((لأطفال الصين))

هونغ تشان هوي يتسلم الجائزة في حفل تكريم الشخصيات العشر الأكثر تأثيرا في الصين عام 2005

تأثر كبير بأعمال هونغ تشان هوي

     من بين الشخصيات العشر الأكثر تأثيرا في الصين عام 2005 شاب عمره أربع وعشرون سنة، له وجه طفل ولكن روحه صلبة مثل الفولاذ. في حفل تكريم هذه الشخصيات جاء في حيثيات اختياره أنه: تحمل في طفولته المسئولية عن طفلة أصغر منه، وقام برعاية أسرته الفقيرة البائسة. عرف معنى الصداقة والشجاعة والصلابة. صلبت الحياة عوده فصار رجلا لا تفت في عضده صعوبة. أتم، برغم فقره، تعليمه حتى وصل الجامعة. الآن، قد يبدو شابا ضعيفا، ولكن روحه قوية.

     إنه هونغ تشان هوي، طالب جامعي عادي، على الأقل هكذا يعتبر نفسه.

     برغم مرور اثنتي عشرة سنة، مازالت عينا شقيقته الصغيرة حية في ذاكرته، ولكنه لا يجرؤ على ذكر تلك الأيام. ذات ليلة ليلاء أصيب أبوه بمرض عقلي، ورأى الطفل أباه يحمل أخته التي لم تتم بعد عامها الأول ويلقي بها على الأرض، ففارقت روحها الطاهرة الحياة على الفور. ارتجف قلبه الصغير لأول مرة. بعد فترة قصيرة في نفس تلك السنة المشئومة، عثر الأب على طفلة لقيطة في الشارع عمرها أقل من شهر حملها وعاد إلى البيت، نظر هونغ تشان هوي في عيني الطفلة، فأحبها وقرر أن يسميها "الصغيرة المحبوبة".

      منذ ذلك اليوم اتخذت حياة هونغ تشان هوي شكلا آخر، فقد أصبح الفتى يتحمل المسئولية الكاملة عن أسرته: الأب مريض عقليا، عاطل عن العمل، الأم غادرت البيت دون رجعة هربا من الفقر. كان عليه أن يدرس وأن يرعى "الصغيرة المحبوبة" وأن يكدح ليعيل الأسرة. ودع هونغ تشان هوي طفولته مبكرا.

     قال هونغ تشان هوي: " في ذلك الوقت كنت طفلا، لم أكن أعي حجم صعوبة تربية طفلة. كنت أفرح عندما أرى "الصغيرة المحبوبة" وأحب اللعب معها. كنت أطعمها وأسعد لرؤية ابتسامتها. قالت أمي إننا لن نقدر على تربيتها، فالأسرة فقيرة معدمة، ولكنني لم أوافق على هذا، فتربية الطفلة، كما ظننت، لا تحتاج أكثر من تقديم الطعام لها. لم أكن أعلم من الذي ينبغي أن يتحمل مسئوليتها، ولكن حرصت على أن لا تجوع ولا تبكي. منذ أن وُجد الإنسان على الأرض، عرف كيف يأكل الطعام ويحيا، فكل إنسان يعرف كيف يتحمل المسؤولية عن نفسه." بمرور الوقت شعر الطفل/ الرجل بأن الحمل ثقيل على كاهله، وبدأ يعي معنى المسؤولية والمصير.

     بمغادرة أمه البيت ذهب آخر عماد له في الحياة. ضم هونغ تشان هوي الطفلة التي اعتبرها أخته إلى صدره ولم يدر ماذا يفعل، عندما بكت في الليل، شعر بالقلق فحملها بين يديه يذرع بها الغرفة جيئة وذهابا. ولكن لم تراوده قط فكرة التخلي عن تربيتها.

     بعد أن وصل المرحلة الثانوية، بدأ هونغ تشان هوي يعرف معنى تحمل المسئولية. قالت أخته له: "لا تتركني". صمم أن يواصل تربية البنت حتى تكبر، مهما كانت الظروف. حرص على إخفاء سر فقر أسرته عن الآخرين ظنا منه أن هذا يجرح كرامته. كان يكدح في العمل بعد انتهاء الدراسة. في البداية ظن معلمه أن هونغ تشان هوي يعمل لأنه فتى محب للمال. ولكن بعد فترة عرف الحقيقة فطلب من مدير المدرسة تقديم مساعدة مالية للطالب الفقير. قال هونغ تشان هوي متذكرا ذلك: "لم أفرح بل حزنت، عندما تسلمت المعونة المالية، خاصة عندما وقعت على أوراق استلامها. أحسست أنني بعت جزءا من قلبي، ربما بعت احترام الذات. وكانت هذه أول وآخر مرة أحصل على معونة، اقتناعا مني بأن المساعدة تجعلني أفقد الروح المستقلة وقدرتي على تغيير ظروفي بجهودي ".

     الحقيقة أن هونغ تشان هوي حصل، بعد ذلك، على مساعدات مالية من آخرين، ولكنها مساعدات لا تجرح كرامته. حصل على مساعدات من زملائه وأصدقائه، وساعد هونغ تشان هوي من ساعده من قبل. ذات مرة أقرضه زملاؤه بعض المال ووعد برده إليهم بعد أسبوع. وقد كان، حيث عمل وأوفى بوعده، وأدهش زملاءه. قال هونغ تشان هوي إنه يفضل هذا النوع من المساعدة، فهي مساعدة حقيقية ومخلصة. على كل إنسان أن يرد المساعدة التي يحصل عليها، فليس هناك مساعدة بدون مقابل.

     ربما إذا كان هونغ تشان هوي تخلى عن بعض المسئوليات، لاستطاع أن يحسن من ظروف حياته، ولكنه لم يفعل، بل اعتمد على روحه فتغلب على صعوبات تنوء الجبال عن حملها. قال هونغ تشان هوي: " أفضل الموت على أن أتخلي عن روحي المستقلة. أظن أنني أشبه الحلزون الذي يتقدم إلى الأمام حاملا بيته."

     بعد سنوات، اشتد مرض أبيه، وعجز الصبي عن الاقتراض من الأهل والأقارب لعلاج الأب، فالناس لا يعلمون متى يمكن أن يسدد هونغ تشان هوي ديونه. أب مريض وأخت مازالت صغيرة، وإرهاق ذهني وعصبي، فكيف ينام ملء الجفون؟

      عمل هونغ تشان هوي بائعا في متجر لبيع الكتب، وذات يوم لم يستطع بيع الحصة المقررة له، فضربه صاحب المتجر في إحدى عينيه، ففقأها. اسودت الدنيا في عينيه. جلس هونغ تشان هوي على درج البيت ورفع رأسه نحو السماء قائلا: إن كنت تعلم السر وأخفى وإن كنت عادلا، فلماذا تثقل كاهلي هكذا؟. وفي لحظة قنوط فكر في أن يضع نهاية لحياته، ولكنه سأل نفسه: "إذا اخترت الموت، من يرعى أختي وأبي. إذا اخترت الموت، كيف أحقق أملي وكيف أنهض بالمسؤولية التي التزمت بها". من يومها أدرك هونغ تشان هوي معني المسؤولية، ومنذ ذاك أصبح رجلا حقيقيا.

     مرة أخرى، اقترب هونغ تشان هوي من حافة الموت. كان على دراجته في الطريق إلى المستشفى حيث يرقد أبوه. في الطريق أغمي عليه وهوي من فوق دراجته فاقدا الوعي. عندما بدأ يفيق لم يشعر بشيء إلا دراجته راكبة فوقه، فتح عينيه، ولكن لم ير شيئا، فظن أنه انتقل إلى العالم الآخر، حتى شعر بالألم في جسمه، فأدرك أنه مازال على قيد الحياة. تمدد على الأرض واستراح قليلا ثم واصل الرحلة بالدراجة إلى المستشفى. قال لنفسه: ثمة أمل مادمت حيا. بعد أن أفاق من غيبوبته شعر بسعادة غامرة، فقد بات متيقنا أن تحطيمه أمر جد صعب، وأنه يستطيع أن يخرج من أي صعوبة.

     كان يعمل ويدرس ويرعى أخته في نفس الوقت، وفي عام 2003 أتم الفتى هونغ تشان هوي دراسته في المرحلة الثانوية والتحق بقسم إدارة الأعمال في معهد هوايهوا بمقاطعة هونان.
لم يكن الانتقال إلى المرحلة الجامعية يعني أن حياة هونغ تشان هوي باتت سهلة، فكيف يترك أخته ذات الثماني سنوات بعيدة عنه، ومن يرعاها؟ قرر الشاب أن تعيش أخته معه في غرفة مساحتها عشرة أمتار بالمسكن الجامعي.

     كان عليه أن يعمل أكثر لدفع تكاليف الدراسة وتكاليف معيشته هو وأخته وتكاليف علاج والده المريض. توزع وقته بين الدارسة والعمل ومكتب البريد، لإرسال الحوالات المالية لوالده.

     بلغ ما جمعه هونغ تشان هوي من عمله في هذه السنوات أكثر من عشرة آلاف دولار أمريكي، لم ينفق منها شيء على نفسه باستثناء تكاليف الطعام والدراسة، بل إنه لم يعالج عينه بما كسب من مال، فقد قال إنه سيعالج عينه عندما يكون لديه مال كثير، وإنه الآن يستطيع أن يرى الدنيا بالعين الأخرى. الأهم حاليا هو علاج أبيه وتربية أخته. قال هونغ تشان هوي: "إذا كان لدي مال وخُيرت بين علاج عيني ومساعدة شخص في ضيق، اخترت مساعدة المحتاج.

     تولى هونغ تشان هوي تربية أخته، ولكنه يعاملها بشدة وصرامة. قال: "لا أؤدي عملا ينبغي عليها هي أن تقوم به، فلا أغسل ملابسها، إلا الملابس الكبيرة، لا أعلمها بنفسي كلمات جديدة بل اشتريت قاموسا لها وعلمتها كيف تبحث في القاموس. ربما توجد فجوة بيننا ولكنني أعتقد أن هذا الأسلوب مفيد لها. لا أضع ضغطا على أختي في الدراسة، فقط أطلب منها الاجتهاد للتقدم إلى الأمام". هونغ تشان هوي، الشاب الذي تتحدث عنه الصين، طلب من أخته أن تسجل ما تنفقه يوميا لترده إليه عندما تكبر، اقتناعا منه بأن الإنسان يجب أن يكون شاكرا ويعرف رد الجميل، هذا الأمر الهام بالنسبة للإنسان.

     قام هونغ تشان هوي على تربية الطفلة اثنتا عشرة سنة، معتبرا نفسه دائما الأخ لها وليس الأب، وهدفه من أسلوبه في التربية هو جعلها قادرة على الحياة مستقلة، ففي رأيه، ينبغي على الإنسان أن يعيش بنفسه مستقلا منذ أن يكون قادرا على ذلك. قال هونغ تشان هوي: " أتمني أن تكبر أختي بسرعة وأن تتمتع باحترام الذات والثقة بالنفس. فإذا توفرت فيها هذه الخصال، سأكون راضيا عنها في كبرها.

     هكذا عاش هونغ تشان هوي اثنتي عشرة سنة. ما فعله يثير دهشة الناس ولكنه يبدو عاديا عندما يتحدث عن ما فعل. قال إن الشعور بالمسؤولية كان السند له في ما فعله خلال اثنتي عشرة سنة.

     عندما دوى التصفيق بجانب أذني هونغ تشان هوي، لم يكن يبدو سعيدا أو متأثرا كثيرا. واصل حياته العادية، فقد قال: "الطريق الذي أسير فيه هو مصيري. أنا شخص عادي ولا أريد إلا أن أكون شخصا عاديا". وقال: "الآن كثيرون يقدرونني ويثنون على لأنني أفعل ما لا يفعلون. في الحقيقة معظم الناس يستطيعون أن يفعلوا ما فعلت ولكنهم لا يفعلون، يستطيعون أن يتحملوا المسئولية مثلي ولكنهم لا يجرءون أو لا يرغبون في تحملها. المسئولية والشجاعة والأمانة موجودة في قلب كل إنسان، ولكن الناس لا يتحملون مسئوليتهم ولا يظهرون شجاعتهم وأمانتهم، أما أنا فأتحمل مسئوليتي وأظهر شجاعتي وأمانتي، فيقدرني الناس. المسئولية والأخلاق موجودة في قلب الإنسان منذ ولادته، إذا عمل كل شخص مثلي فلن يثني عليَ الناس هكذا."

     عندما سُئل عن أمنيته في المستقبل، قال: "أتمنى أن تصبح حياتي أفضل، يكون الغد أفضل من اليوم، باجتهادي في دراستي وعملي.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.