ã

العلاقات الصينية العربية في البيئة الدولية الجديدة

جين ري

     شهد الوضع الدولي تغيرا كبيرا خلال السنوات الأخيرة. هذه التغيرات التي تواجهها الصين كما تواجهها الدول العربية لها تأثير كبير على سياسات الطرفين الداخلية والخارجية.

     على الجانب الصيني، بعد أكثر من عشرين عاما من انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، ارتفعت القوة الشاملة للدولة بصورة ملحوظة، واستطاعت الصين من خلال جهود دبلوماسية دءوبة أن تهيئ لنفسها بيئة دولية جيدة. وبشكل عام فإن تطورات الوضع الدولي تصب في مصلحة الصين، التي اغتنمت الفرص التي حققتها العولمة.

      على الجانب العربي، أدت الاضطرابات المتواصلة لزمن طويل في الشرق الأوسط إلى أن يظل العالم العربي في وضع هش في النظام السياسي والاقتصادي الدولي. وقد ازداد تدهور وتعقد الوضع الدولي الذي تواجهه الدول العربية بعد حادثة 11 سبتمبر وحرب العراق. ومنذ أن عدلت الولايات المتحدة استراتيجيتها في الشرق الأوسط، يواجه العالم العربي على نحو متزايد ضغوطا نتيجة حملة الإصلاح الديمقراطي التي تتبناها الولايات المتحدة في المنطقة العربية، وهذا أدى إلى بروز المزيد من عوامل عدم الاستقرار بالمنطقة. ولكن، على الرغم من كل ذلك هناك رغبة عربية شديدة في التنمية، فمازالت التنمية الاقتصادية هدف الدول العربية الأساسي.

     العلاقات الصينية العربية جزء من العلاقات الدولية. وفي ظل الأوضاع الدولية الجديدة يجب أن تتكاتف جهود الجانبين لاستكشاف المصالح المشتركة الجديدة مع الحفاظ على علاقات الصداقة التقليدية، والتوصل إلى توافق حول مصالح وأمن كل دولة على أساس تطور الوضع العام، من أجل ضمان استمرار تطور هذه العلاقات في المستقبل. وهنا نشير إلى عدد من الاعتبارات التي نعتقد أنها عوامل حاكمة للعلاقات الصينية العربية في المستقبل.

     أولا، شهدت الصين في أكثر من ربع قرن من التنمية تغيرات جذريا. والصين تتمسك بمفهوم "التنمية السلمية". هذا النهوض السلمي يقوم في أحد أركانه على العلاقة الوثيقة بين تحديد المصالح العليا للدولة وأمنها من جانب، والمهام الثلاث الكبرى للصين (التحديث الاشتراكي، التوحيد السلمي للوطن، حماية السلام العالمي)، من جانب آخر المهمة الأولى هي محور العمل، والثانية والثالثة هما ضمان تحقيق العمل. وعلى هذا فإن لُب المصالح العليا للوطن هو تنمية الإنتاج ونهوض الاقتصاد وبناء مجتمع متناغم ورفع القوة الشاملة للدولة والارتقاء بمعيشة المواطنين. ومن ثم فإن هذه المصالح، وبخاصة رفع المكانة الدولية للصين وتأثيرها الدولي وضمان وجود بيئة دولية مناسبة لتنميتها الاقتصادية، هي التي ستقرر السياسة الخارجية الصينية في المستقبل.

     لقد شهدت السنوات الأخيرة، ومع تنامي توجه العولمة، ظهور تجمعات إقليمية سياسية واقتصادية جديدة. وقد اختار الشعب الصيني قبول العولمة الاقتصادية وعدم الانفصال عنها. ومع زيادة المصالح المشتركة بين الصين والعالم، تتوسع مصالحها السياسية والاقتصادية. على هذه الخلفية، ظهرت خصائص جديدة للسياسة الخارجية الصينية، نجملها في ما يلي:

     1) أصبح الحفاظ على سلام واستقرار البيئة الدولية أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية الصينية.

     2) الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الصينية هو تهيئة بيئة دولية مستقرة وآمنة، أما المضمون الرئيسي لها فهو تعديل العلاقات مع الدول الكبرى وكسب اعتراف هذه الدول بمكانة الصين، وتأييد دول الجوار، وتعزيز الثقة المتبادلة مع الدول الكبرى والتفاعل الإيجابي مع دول الجوار والعمل لإزالة شكوك بعض الدول في النهوض السلمي للصين، وإقامة علاقات دولية جديدة دون النظر إلى الاعتبارات الأيدلوجية.

     3) السعي من أجل جعل التعاون الدولي توجها رئيسيا في العلاقات الدولية، خاصة العلاقات بين الدول الكبرى. وفي نفس الوقت دفع تطور التعددية القطبية وحماية دور الأمم المتحدة، والمشاركة في حل مشاكل الأمن الجماعي من خلال التعاون بين الدول الكبرى في الأمم المتحدة، لإبراز نوايا الصين الحقيقية في العمل على حماية السلم العالمي والإقليمي، وإظهار دورها الهام في هذا الخصوص.

     4) التأكيد على أن العلاقات الدولية في المستقبل ستتجسد على نحو متزايد في المصالح المشتركة. وعلى هذا، من الضروري التمسك بنظرية دولية وعالمية تقوم على أساس التعايش الطويل المدى بين الثقافات والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.

     هذه الخصائص الجديدة تجد تعبيرا لها في العلاقات الصينية العربية أيضا. مع زيادة قوة الصين وارتفاع مكانتها الدولية وامتداد مصالحها إلى خارج حدودها، أضحت منطقة الشرق الأوسط، التي تمثل الدول العربية جُل دولها، ذات أهمية خاصة في سياسة الصين الخارجية، يتمثل ذلك رئيسيا في ما يلي:-
1- أصبحت منطقة الشرق الأوسط جزءا من استراتيجية الجوار الموسع الصينية؛
2- بترول الشرق الأوسط وعلاقته بأمن الطاقة الصيني؛
3- سوق الشرق الأوسط الكبيرة للبضائع والتكنولوجيا الصينية؛
4- دول الشرق الأوسط تمثل موارد سياسية يمكن أن تستفيد منها الصين على الساحة الدولية.

     انطلاقا من الواقع الحالي، وفي ظل الأوضاع الجديدة والبيئة الدولية الجديدة، حقق التعاون الصيني العربي في مجال الطاقة نجاحا كبيرا نسبيا مقارنة مع المجالات الأخرى، وهناك مستقبل واعد للتعاون الصيني العربي في الطاقة. كما تحقق تقدم إلى حد ما في مجال العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية والتكنولوجية. وعلى الرغم من توفر الرغبة والإرادة من الجانبين لدفع التعاون في هذه المجالات، لم يخطو التعاون فيها خطوات كبيرة بصورة عامة. تفسير ذلك أن المصالح الحقيقية والمشتركة للتعاون في مجال الطاقة واضحة، على عكس المجالات الأخرى التي لم يكتشف الطرفان فيها بعد نقاط مصالح اقتصادية مشتركة ملحة جدا.

     علينا أن نوضح هنا أن منطقة الشرق الأوسط أحد المصادر الهامة لواردات الصين من البترول، لكنها ليست المصدر الوحيد، والتعاون في الطاقة هو أحد أهم مكونات التعاون الصيني العربي، وليس المكون الوحيد له. إن الدرس المستفاد من نجاح التعاون الصيني العربي في مجال الطاقة هو أن تحقيق تطور شامل ومتين للعلاقات الصينية العربية مشروط بأن تقوم هذه العلاقات على أساس تحقيق مصالح الطرفين. ولعل أهم أسباب بطء تطور التعاون الصيني العربي في المجالات الأخرى هو أن العلاقات العربية الصينية لا تزال مبنية على الصداقة التقليدية وآرائهما القديمة حول بعض القضايا الدولية، في ظل وضع دولي يتغير بسرعة، وتتغير معه أسس العلاقات التقليدية وفقا لواقع التطور السياسي والاقتصادي لكل دولة. وعلى سبيل المثال فإن منطقة الشرق الأوسط تعد سوقا كبيرة للبضائع الصينية، ومن ثم تكمن فيها مصالح للصين، غير أن بعض الدول العربية لا ترى في ذلك مصلحة مشتركة للطرفين خشية أن تؤثر الصادرات الصينية على الصناعات العربية.

     ثانيا، أن تعاظم نمو الصين الاقتصادي في السنوات الأخيرة، وفي نفس الوقت ضعف التنمية في الدول العربية، لأسباب عديدة، يفرض واقعا جديدا في العلاقات الصينية العربية. ولا شك أن التنمية في العالم العربي مستقبلا سيكون لها تأثير كبير على العلاقات الصينية العربية. وهنا ينبغي أن نشير إلى أن العالم العربي يواجه تحديات في مجالات كثيرة، منها:

     (1) استمرار التوتر الإقليمي نتيجة للقضايا الإقليمية الساخنة المستمرة منذ أمد طويل، مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومشكلة العراق الخ؛ وأيضا نتيجة لانتشار فكر التطرف في العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة وتزايد النزعة القومية الراديكالية، وهذان العاملان يتفاعلان معا، فيما يعد أحد عناصر عدم الاستقرار في الإقليم. لقد شنت واشنطن بعد حادثة 11 سبتمبر، حرب العراق تحت عنوان"الحرب على الإرهاب"، فاغتنمت إسرائيل هذه الفرصة لضرب قوى المقاومة الفلسطينية والمنظمات الإسلامية الراديكالية، مما زاد حدة التناقضات الإقليمية. بعد حرب العراق لم يعد باستطاعة الولايات المتحدة أن تسيطر على العراق سيطرة فعالة، وبات من الصعب عليها الخروج من المأزق العراقي، فدخل العراق دورة جديدة من الاضطرابات، فيما يجعله مصدرا جديدا لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

     (2) استراتيجية إصلاح الشرق الأوسط الجديدة التي طرحتها الإدارة الأمريكية التي تقوم على السير في اتجاهين متوازيين: الأول، توجيه ضربات للإرهاب حتى توقف بعض الدول دعمها لما يسمى بالإرهاب، وإن وصل الأمر إلى شن حرب على تلك الدول؛ الثاني، دفع عملية التحول الديمقراطي، في محاولة لاستبدال سياسة الاستبداد والديكتاتورية بما يسمى السياسة الديمقراطية. لقد أصبح الإصلاح الديمقراطي في الدول ذات الأساس الديمقراطي الضعيف، والتي تفتقر إلى هذا الأساس مكونا هاما، بل والهدف الرئيسي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، كما أنه ركيزة جديدة لتعديل علاقاتها مع دول الشرق الأوسط. ومن هنا نلاحظ تراجع مكانة بعض حلفاء واشنطن من الدول العربية "المعتدلة" في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط.

     (3) على الرغم من معارضة الدول العربية لاستراتيجية أمريكا الجديدة، وعدم ثقتها بها بصورة عامة، استطاع الضغط الأمريكي الهائل تحريك عصب الحس السياسي لوضع العالم العربي على طريق التحديث السياسي. وحاليا مازالت معظم الدول العربية في المرحلة الأولية للتحديث، بعد أن سعت، لفترة طويلة، لاستكشاف توجه الإصلاح السياسي وأسلوب التنمية المناسبين لظروفها. لكن التدخل الأمريكي في هذه العملية يفرض عوامل متغيرة عليها.

     (4) مازال العديد من الدول العربية يقف حائرا في مواجهة العولمة، حيث تولي هذه الدول اهتماما كبيرا للآثار السلبية للعوملة، وهذا يجعلها غير مؤهلة بشكل كاف لمواجهة صدمات العولمة، اجتماعيا وسياسيا وفي نظرية القيم. ومشكلة فقدان القيم التقليدية الاجتماعية، وهذا أمر يضع قيودا على تنمية الدول العربية أيضا.

     رغم ذلك، شهد العالم العربي تغيرات إيجابية في السنوات الأخيرة، منها.

     أولا، نضوج الظروف الخارجية لاستقرار الوضع على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية يوما بعد يوم؛ثانيا، بداية تغير دلالة السياسة الإقليمية القديمة للشرق الأوسط، حيث تضع كل دولة تنمية اقتصادها في المقام الأول، وتنسق علاقاتها مع فلسطين وإسرائيل والعالم الخارجي حسب مصالحها وحاجة تنميتها؛

     ثانيا، بداية تغير دلالة السياسة الإقليمية القديمة للشرق الأوسط، حيث تضع كل دولة تنمية اقتصادها في المقام الأول، وتنسق علاقاتها مع فلسطين وإسرائيل والعالم الخارجي حسب مصالحها وحاجة تنميتها؛

     ثالثا، في ظل اضطرابات ما بعد حرب العراق، تعمل الدول العربية على تعديل سياساتها لتقليل علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية؛

     رابعا، تولي الدول العربية اهتماما غير مسبوق للصين.

     ثالثا، العنصر الأمريكي له دور دائما في تطور العلاقات الصينية العربية. بعد الحرب الباردة، أصبحت العلاقات مع الدول الكبرى ودول الجوار محور السياسة الخارجية الصينية، وهذه سياسة براغماتية وتتفق مع مصالح الصين بصورة عامة، لكنها أدت، في الوقت ذاته، إلى انخفاض التأثير السياسي للصين في العالم العربي. إلى جانب ذلك، أدت بعض سياسات الولايات المتحدة بزعم مكافحة انتشار الأسلحة إلى تحجيم التجارة والتعاون العسكري بين الصين وبعض الدول العربية، إلى حد كبير. كما أن موقف الولايات المتحدة المتشدد في قضايا مكافحة الإرهاب والديمقراطية وحقوق الإنسان يمثل اختبارا جديدا للعلاقات الصينية العربية.

      شهدت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة ارتفاع نبرة "تهديد الصين"، وهي نظرية تقوم على أن التحدي الصيني للولايات المتحدة يتركز في ثلاث مناطق: آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، أما منطقة الشرق الأوسط فهي المنطقة القادمة للمواجهة بين بكين وواشنطن، لماذا؟

     1) أن جهود الصين في البحث عن الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط تتعارض مع المصالح الأساسية للولايات المتحدة

     2) أن هناك رغبة عربية متزايدة في نمط التنمية الصيني، والرؤية الأمريكية هي أن تعلم الأسلوب الصيني قد يوقف عملية التحول الديمقراطي الأمريكية في الشرق الأوسط.

     الحقيقة أن الصين لم ولن تفكر في تصدير نمط تنميتها، لكنها لا تمانع أن تتشارك مع الدول النامية، ومنها الدول العربية، في الاستفادة من تجربة نجاح الصين ودروسها أثناء عملية الإصلاح والانفتاح، وهذا هو ما يثير رغبة الدول العربية في تنمية الصين. لكن واشنطن التي تسعى إلى تنفيذ استراتيجية الإصلاح في الشرق الأوسط، تخشى أن يسيء نمط التنمية الصيني لمصالحها السياسية في دفع الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولهذا فإنها تراقب بحذر التبادلات الصينية العربية في مجالات السياسة والثقافة والإصلاح الديمقراطي، بل يمكن أن تسعى لوقفها.

     وتجدر الإشارة إلى أن العنصر الأمريكي كما كان له تأثير هام في العلاقات الصينية العربية في الماضي فإنه سيظل كذلك في المستقبل. هناك خلافات كثيرة بين الصين والولايات المتحدة، وتوجد تناقضات عميقة بين العالم العربي والولايات المتحدة أيضا، وفي نفس الوقت يوجد كثير من التداخلات في المصالح بينهما، أي أن هناك تعارضا ليس قليلا ولكنه ليس مطلقا. في الماضي، عندما كانت هناك مواجهة بين بكين وواشنطن، كانت بعض الدول العربية من حلفاء الولايات المتحدة. وإلى اليوم توجد قواعد عسكرية في عدد من الدول العربية، وعلى الرغم من رفض الدول العربية الموقف الأمريكي المدافع عن إسرائيل، فإنها لا تزال تعلق أملا على الدور الأمريكي في عملية السلام بالشرق الأوسط. بالنسبة للصين، وعلى الرغم من كثرة مشاكلها مع الولايات المتحدة، يظل التعاون التيار الرئيسي بينهما، العلاقات مع واشنطن تحتل دائما مركز الثقل في السياسة الخارجية الصينية، لذلك تبقى الولايات المتحدة عنصرا لا يمكن تجنبه في العلاقات الصينية العربية.

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.