ã

شبح الحرب الأهلية في العراق

لي رونغ

      باحث بالمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة

     انقضت ثلاث سنوات على دخول قوات الولايات المتحدة الأمريكية بغداد والإطاحة بنظام صدام حسين، ولكن العنف والموت والمصادمات الدامية مازالت مستمرة إلى اليوم في أرجاء العراق، وهو ما يجعل فكرة "العراق الديمقراطي الحر" مجرد وهم وأمل كاذب لمعظم العراقيين.

      إلى أين يتجه العراق؟ هذا هو السؤال الذي يشغل، ليس فقط العراقيين، وإنما شعوب العالم كله. إن العراق يصارع في مستنقع الاضطرابات السياسية منذ أن دخلته الدبابات، على الرغم من اتخاذ كل خطوة وصفتها الولايات المتحدة لإعادة البناء السياسي. في يوليو عام 2003 أقيم مجلس الحكم الانتقالي وتبعه إقامة الحكومة المؤقتة في يونيو عام 2004 والجمعية الوطنية في يناير عام 2005 وانتخاب البرلمان الرسمي في ديسمبر نفس العام، ومع ذلك فشلت الأحزاب والفصائل السياسية في التوصل إلى اتفاق حول تنظيم الحكومة الجديدة، وظلت العملية السياسية متجمدة.

      وفي نفس الوقت تسير حياة العراقيين من سيئ إلى أسوأ وحسب إحصاءات لوزارة شئون الضمان الاجتماعي العراقية زادت كثافة الفقر في العراق بنسبة 30% منذ عام 2003، ويمثل عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر 20% من السكان ويتجاوز عدد المشردين مليونين، يعيش الفرد منهم بأقل من دولارين أمريكيين في اليوم. ويصل معدل النمو الاقتصادي في العراق نحو 5% سنويا، على الرغم من توفر الشروط المواتية لتحقيق معدلات عالية، وخاصة ارتفاع أسعار النفط. ووصلت البطالة معدلات عالية للغاية. أما الأسوأ فهو العمليات الإرهابية، سواء في شكل سيارات مفخخة أو تفجيرات انتحارية تطال الأحياء السكنية والمتاجر ومراكز الشرطة والحواجز. وتقع حالات الاختطاف والاغتيال واحدة تلو الأخرى. وكل هذا يمنع الاستثمار الأجنبي من دخول العراق، ناهيك عن المخاوف الأمنية المتزايدة للعراقيين أنفسهم.

     ومما زاد الطين بلة، تصاعد النزاع الطائفي بين المسلمين السنة والشيعة منذ تفجير مرقد الإمام الحسن العسكري، وهو مكان مقدس للشيعة في سامراء، يوم 22 فبراير. وإلى الآن تعرض ما يربو على مائتي مسجد، سني وشيعي، لهجمات أودت بحياة أكثر من خمسمائة فرد، ويفر عدد متزايد من الشيعة من الأحياء السكنية ذات الأغلبية السنية، كما يترك السنة الأحياء ذات الأغلبية الشيعية. ويهدد الانتقام والانتقام المضاد بالدخول في دائرة مفرغة تجعل العراق على حافة حرب أهلية.

     عشية الذكرى الثالثة لحرب العراق التي قادتها الولايات المتحدة، شنت قوات الولايات المتحدة والقوات العراقية حملة واسعة النطاق ضد المتمردين بالقرب من بغداد أسفرت عن عدد كبير من الضحايا، ولكن أحدا لم يتوقع أن تؤدي هذه الحملة إلى حل كل مشاكل العراق نهائيا. كما أن الفشل، لفترة طويلة، في تشكيل حكومة جديدة يعني أن الفوضى سوف تستمر وتحكم البلاد. والافتقار إلى القيادة السياسية يكشف عنه افتقار الأحزاب السياسية للقدرة على المساومة والمسئولية من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، فعلى مائدة المفاوضات، تضع الأحزاب السياسية التي تمثل مصالح المجموعات العرقية والدينية، مطالب غاية في التطرف يستحيل على الطرف المعارض أن يقبل بها، وذلك من أجل الحصول على تنازلات، وهكذا لا يمكن أن تتقدم المفاوضات.

      كل هذا يشير إلى نقطة واحدة، وهي أن تشكيل حكومة رسمية جديدة مهمة جد صعبة، وحتى إذا تم تشكيلها في إطار السيناريو الحالي، لن تستطيع أن تكون حكومة وحدة وطنية قوية ومؤثرة، بل على العكس ستكون مسرحا للقوى السياسية المختلفة للمناورة من أجل مكاسبها السياسية والاقتطاع من نصيب بعضها البعض. والعداء بين مختلف الطوائف الدينية والمجموعات العرقية مشكلة أخرى يصعب حلها. فمن بين الخمس والعشرين مليون عراقي يمثل العرب 74% والأكراد 21%، ويدين 95% من العراقيين بالإسلام، منهم 55% شيعة و22% سنة. ولكن السنة ظلوا لوقت طويل في موقع الحكم بينما الشيعة والأكراد كانوا في ظروف غير مواتية، وقد أدى الاضطهاد العرقي والديني خلال حكم صدام حسين إلى تغذية التناقضات وغرس بذور الصراعات التي نشهدها اليوم.

     عندما أطيح بنظام صدام ارتفعت مكانة الشيعة والأكراد كثيرا فأصبحوا اللاعب رقم 1 و2 في المعادلة السياسية العراقية، وهذا أدى إلى تغيير توازن القوى التقليدي، وعليه فإن السنة، الذين يعانون من شعور قوي بالخسارة، بدءوا مقاومة مسلحة. في البداية استهدفوا القوات الأمريكية التي أدت إلى سوء أوضاعهم، ولكن مع تقدم العملية الديمقراطية في العراق زادت التناقضات بين العراقيين أنفسهم، وهو ما أدى إلى فتح الصراع الطائفي. وإذا فشلت القوات الأمريكية والحكومة العراقية في وقف المصادمات الطائفية قد ينتهي الأمر بالعراق إلى التقسيم، وقد صرح زعيم كردي بأن الأكراد سوف يسعون إلى فك الارتباط مع العراق إذا اندلعت حرب أهلية بين السنة والشيعة. وقد بدأ السنة والشيعة يتباعدون عن بعضهم البعض، ويتزايد عدد أبناء كل مجموعة منهما الذين يتجنبون الزواج من المجموعة الأخرى، وتلك ظاهرة جديدة مقلقة.

     إن كل هذا يعني أن العراق في مفترق طرق حرج. ويضاعف تصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة من تدهور الأوضاع ويساعد تنظيمات إرهابية، مثل القاعدة، في العمل بارتياح شديد في العراق. فخلايا القاعدة في العراق تستفيد استفادة كاملة من هذا وتسعى إلى خلق مزيد من المشاكل لقوات الولايات المتحدة الأمريكية، وتنفذ تفجيرات متعددة وتختطف الأجانب وغير ذلك. كما أنها أيضا تعمل على إثارة السنة والشيعة ضد بعضهم البعض من خلال تدبير سلسلة من الهجمات. لقد أصبح هناك اختلاط بين الإرهابيين والعراقيين العاديين، وتراجعت إلى حد كبير فاعلية الحملات العسكرية لقوات الولايات المتحدة والقوات العراقية، وربما هذا يفسر الصعوبات الجمة للخلاص من الوضع الأمني المتردي في العراق.

     إن الولايات المتحدة تحاول تشكيل حكومة ديمقراطية موالية لها في العراق مقابل تكلفة وصلت إلى أكثر من 2300 قتيل أمريكي شاب و250 مليار دولار أمريكي، ولكن الولايات المتحدة مازالت بعيدة عن هدفها وتشعر بمزيد من الصعوبات في قيادة السياسة العراقية، مع بزوغ إعادة البناء السياسي، فالعديد من مقترحات الولايات المتحدة يرفضها العراقيون لأنهم لا يريدون تدخلا في شئونهم الداخلية.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.