ã

بعد خمسين عاما من العلاقات الدبلوماسية

الصينيون والعرب يتحدثون لغة مشتركة

حسين إسماعيل

      كانت مصر أول دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين الجديدة، في مايو 1956، وكانت السعودية آخر دولة عربية اعترفت بالصين الشعبية، يوليو 1990. وفي عام 1993 أنشأت جامعة الدول العربية بعثة دبلوماسية لها في الصين، أي أن الصين أصبح لها علاقات عربية كاملة على المستويين الثنائي والجماعي؛ وهذا الأخير شهد دفعة في بداية 2004 بالإعلان عن قيام منتدى التعاون العربي الصيني خلال زيارة الرئيس الصيني هو جين تاو لمقر الجامعة العربية في 30 يناير 2004. حيث دعا إلى تعزيز التعاون الصيني العربي في أربعة مجالات رئيسية وهي تطوير العلاقات السياسية على أساس الاحترام المتبادل وتوثيق التعاون التجاري والاقتصادي لتحقيق التنمية المشتركة وتوسيع التبادل الثقافي للاستفادة من الجانب الآخر وتعزيز التنسيق والتشاور حول الشؤون الدولية بهدف حفظ السلم والأمن الدوليين. وقال أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى إن دعوة الرئيس الصيني تعتبر مبادئ هامة لإرشاد التعاون العربي الصيني. وتستضيف بكين يومي 31 مايو والأول من يونيو هذا العام الدورة الثانية للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي.

     لقد شهدت العلاقات العربية الصينية خلال الخمسين عاما الفائتة مدا وجزرا؛ ولكنه ظل دائما في محيط هادئ؛ فالصين تحولت عام 1978 إلى اقتصاد السوق ووصفته بالاشتراكي، بينما غيرت بعض الدول العربية توجهاتها السياسية والاقتصادية في حين بقي البعض الآخر على خياراته الأيديولوجية، بدرجات مختلفة. ومع بداية القرن الحادي والعشرين بدت مؤشرات على أن كلا الجانبين، العربي والصيني، يسعى حثيثا لإعادة اكتشاف الآخر.

     وتجدر الملاحظة هنا بأن الصين لا تتعامل، على المستوى البيروقراطي، مع المنطقة العربية كنظام إقليمي واحد، وإنما ضمن إطار جيوسياسي يتسع لدول غير عربية (إيران، إسرائيل) ويستثني دولا عربية (جزر القمر)، باعتبار عضوية الجامعة العربية معيارا لتصنيف الانتماء العربي. فالإدارات المسئولة عن جُل الدول العربية في الأجهزة الصينية، ومنها وزارة الخارجية، تسمى (إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا). وهذه التسمية وإن كانت تلتقي كثيرا مع مصطلح الشرق الأوسط فإنها ذات دلالات جغرافية أكثر منها سياسية.

     محددات العلاقات العربية الصينية

     ثمة عدد من العوامل يضع أطرافا لحدود العلاقات العربية الصينية، يصعب تجاوزها، كما لا يمكن محوها.

     أولا: الحاجة إلى الدعم السياسي المتبادل

     كانت بداية العلاقات العربية الصينية اقتصادية، ولكن لأغراض سياسية، اتخذت فيما بعد وجوها أخرى. ولكن البعد السياسي في هذه العلاقات يظل ذا أهمية بالغة، فالصين في سعيها الحثيث لتسوية مشكلة تايوان على أساس صيغة دولة واحدة في حاجة إلى دعم 22 دولة عربية، أي ما يزيد على 10% من أعضاء الأسرة الدولية بأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية. كما تحتاج الصين إلى أصوات الدول العربية في المحافل الدولية، ومن هنا كان موقف الدول العربية الرافض لقرار "رئيس" تايوان تشن شوي بيان بوقف عمل"قانون التوحيد الوطني" ووقف تنفيذ "الخطوط الإرشادية للتوحيد"، وقد قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية "نحن في الجامعة العربية والعالم العربي لنا موقف موحد وهو دعم مبدأ الصين الواحدة، ونؤكد على هذا الموقف في جميع المناسبات والمحافل الدولية" مؤكدا أن هذا الموقف أساسي وإجماعي. وفي إطار سعيها لاكتساب مزيد من المكانة الدولية تحتاج الصين إقرارا عربيا بدورها في قضايا تهم الدول العربية، وقد عينت الصين منذ عام 2002 مبعوثا خاصا للشرق الأوسط، استجابة لمطلب عربي. على الجانب الآخر، الصين عضو دائم في مجلس الأمن وقوة اقتصادية تصعد بقوة. صحيح أن الصين لم تستخدم حق الفيتو في أي قضية لا تخص مصالحها المباشرة ولكنها أيدت كافة قرارات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني، وإن كانت هناك آراء عربية بأن الصين لم تعد تتخذ مواقف واضحة وقوية إزاء القضايا العربية، فإن الرؤية الصينية البراغماتية تضع مصالح الصين على قمة الأوليات في إطار من التوازنات المحسوبة التي لا تخل بالمواقف المبدئية ولا ترتب تبعات غير مرغوبة، لا تتجاوز الحدود ولا تمحوها. فالصين تنظر لعلاقاتها العربية في إطار دولي أوسع.

     ثانيا: التكاملية الاقتصادية وإمكانات الإفادة المتبادلة

     يوما بعد يوم تزداد أهمية البعد الاقتصادي في العلاقات العربية الصينية، ويعزز من هذا التوجه العناصر التكاملية في اقتصادات الطرفين، فالصين دولة مصدرة لمعظم الاحتياجات السلعية للمنطقة العربية، وهي منتجات تنافسية من حيث الأسعار، وفي ذات الوقت الصين لكي تحافظ على دوران عجلة نموها الاقتصادي بحاجة إلى تأمين إمدادات الطاقة لها، والمنطقة العربية تكاد تكون الخيار الأمثل المتاح حاليا لتزويد الصين بالنفط، كما أن هناك مجالا واسعا للتعاون بين الطرفين في مجال مقاولة المشروعات والعمالة، وفيما يلي تفصيل ذلك:

     1- التعاون في مجال النفط

     أصبحت الصين منذ عام 1993 مستوردا خالصا للنفط، ويأتي أكثر من وارداتها النفطية من المنطقة العربية، ومنذ عام 2003 هي ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتّحدة. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يبلغ حجم طلب الصين على النفط 14.2 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025 سوف تستورد منها 10.9 مليون برميل يومياً. وحسب توقعات شركة أويل غاز الأمريكية سيأتي 95% من واردات الصين النفطية من الدول العربية عام 2010. والحقيقة أن الصين استوردت في عام 2005 نحو 45% من وارداتها النفطية من الدول العربية، التي تمثل حاليا أكبر مصدر نفط للصين.

     ومن أجل تأمين إمدادات الطاقة لها اتجهت الصين إلى الاستثمار في مجال النفط والغاز بالدول العربية، حيث بدأت الصين منذ التسعينات الاستثمار في حقول النفط رقم1، 2، 4 بالسودان وفي مصفاة النفط بالخرطوم، وحصلت شركة صينوبك الصينية على امتياز التنقيب عن الغاز في منطقة الربع الخالي بالسعودية، وتتعاون وزارة البترول المصرية والمؤسسة الصينية الوطنية للبترول " CNPC “ في مجال التنقيب عن البترول في مصر، ويشمل التعاون في النفط كافة الدول العربية المنتجة له تقريبا.

     وبالمقابل تستثمر دول عربية في قطاع الطاقة الصيني، فالتعاون الصيني السعودي في هذا المجال يشمل توسيع مصفاة نفط سعودية في مدينة ماومينغ بمقاطعة قوانغدونغ ومصفاة أخرى في مدينة هايكو بمقاطعة هاينان. ويتعاون البلدان في أكبر مشروع من نوعه بالصين، وهو مصفاة للنفط والبتروكيماويات بمقاطعة فوجيان تتعاون فيه الشركة الصينية للبترول والكيماويات وشركة إكسون موبل وارامكو السعودية.

     2- التجارة السلعية

     تشهد العلاقات التجارية الصينية العربية تناميا سريعا منذ تسعينات القرن الماضي، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين من 2,42 مليار دولار عام 1992 إلى أكثر من خمسين مليار دولار أمريكي في عام 2005، لتكون المجموعة العربية ثامن أكبر شريك تجاري للصين. أهم صادرات الصين للدول العربية هي الماكينات والمنسوجات والمنتجات الجلدية والإطارات، في حين يحتل النفط أكثر من 70% من الصادرات العربية إلى الصين، إضافة إلى المواد الكيماوية الخام والأسمدة.

     وبعد انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في نوفمبر 2001 تسعى إلى تنويع أسواقها الخارجية والدخول إلى مناطق تفرض شروطا بيئية ونوعية وتقنية أيسر، وفي هذا تمثل المنطقة العربية خيارا جيدا للمنتج الصيني. وقد بدأت الصين إقامة مراكز تخزين وتوزيع لها في دبي ويجري العمل لإقامة المشروع الصيني المصري المشترك شرق التفريعة في السويس بمصر. وتثير السوق العراقية الكامنة لعاب الشركات الصينية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن صادرات الصين إلى الدول العربية من المنتجات ذات التكنولوجيا العالية تتزايد، وهذا تطور هام حيث يمكن أن تقدم الصين دعما تقنيا وصناعيا هائلا للدول العربية، وبأسعار تنافسية، إضافة إلى تقديم الخبرة الإدارية والاقتصادية لتحقيق التنمية والتقليل من البطالة وإدارة الاستثمارات وجذبها.

     3- المقاولات والعمالة والاستثمار

     الدول العربية كانت الأرض التي ضربت فيها الصين أول فأس لمشروعات الاستثمار الخارجي وخدمات العمالة. في نهاية عام 2001 كان إجمالي اتفاقيات المقاولات الهندسية والتعاون العمالي بين الطرفين 6900 قيمتها 15 مليار دولار أمريكي، وهي تشمل المنشآت السكنية ومرافق المواصلات والاتصالات والنفط والمصايد، وفي عام 2005 بلغ إجمالي عقود المقاولات التي وقعتها الشركات الصينية مع الدول العربية 30,2 مليار دولار أمريكي، تم إنجاز مشروعات منها قيمتها 20,1 مليار دولار، وبلغ عدد الصينيين العاملين في المشروعات المقاولة في الدول العربية 156 ألفا.

     وفي مجال الاستثمارات تشهد حركة انتقال رؤوس الأموال بين الطرفين زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والمخاوف التي اعترت رؤوس الأموال العربية في الدول الغربية، مع وجود بيئة استثمار آمنة في الصين التي قفزت إلى المركز الأول لتلقي الاستثمارات الخارجية المباشرة في العالم عام 2003. وتماشيا مع سياسة الصين بتوسيع إطار تأثيرها الاستراتيجي وربط ذلك بشبكة من المصالح الاقتصادية فإن الصين تشجع الآن شركاتها للاستثمار في الخارج. وحسب الأرقام المتاحة، حتى نهاية عام 2005 بلغ عدد مشروعات الاستثمار العربية في بر الصين الرئيسي (لا يشمل هونغ كونغ وماكاو) 1067 مشروعا باستثمارات تعاقدية قدرها 1,52 مليار دولار أمريكي.

     ثالثا: التعاون التكنولوجي والعسكري

     يرجع تاريخ التعاون العسكري بين الصين والدول العربية إلى خمسينات القرن العشرين، حتى قبل إقامة العلاقات بين الصين وبعض الدول العربية. ومازال التعاون العسكري الصيني العربي مستمرا، وتستطيع الدول العربية الاعتماد على السلاح الصيني والتكنولوجيا العسكرية الصينية التي تحقق تقدما سريعا في السنوات الأخيرة، وقد آن الأوان للدول العربية أن تفكر في التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وهذا ما دعا إليه أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في القمة العربية الأخيرة بالخرطوم. والصين التي تقدم دعمها التكنولوجي دون شروط أو طلب امتيازات هي الخيار الأمثل للدول العربية. ومن جانب آخر ومع تغير البيئة الدولية بعد 11 سبتمبر 2001 تعول الصين كثيرا على سوق السلاح العربية، التي تضم دولتين، السعودية ومصر، من أكثر دول الشرق الأوسط إنفاقا على التسلح.

     علاقات الصين مع دول الجوار العربي

     علاقات الصين مع دول الجوار العربي، وتحديدا إسرائيل وإيران وتركيا، أحد المحددات التي تلعب دورا في تقرير طبيعة العلاقات العربية الصينية. وتعتبر العلاقات الصينية الإسرائيلية أكبر تهديد للعلاقات العربية الصينية، وهو أمر يدركه الجانبان العربي الصيني عن وعي، ومن هنا يأتي التأكيد الصيني دائما على أن العلاقات مع إسرائيل علاقات عادية وأنها لا تؤثر على علاقات الصين مع الدول العربية. ولكن الصين في حاجة إلى ما يمكن تسميته "حملة إعلامية" متواصلة للحفاظ على رصيدها من التأييد لدى الشارع العربي وشرح مواقفها وعلاقاتها تجاه إسرائيل والمسارعة بتلافي الضرر الذي ينجم أحيانا عن تصريحات وتعليقات لباحثين صينيين أو أجهزة إعلام صينية تتبنى الرؤية الإسرائيلية.

      بالنسبة لإيران التي تتمتع بعلاقات عسكرية واقتصادية، وبالطبع سياسية، قوية مع الصين. تراقب دول الخليج تطور هذه العلاقات عن كثب، غير أن التحولات الإقليمية في المنطقة العربية، والتحولات الداخلية في إيران تجعل تطور العلاقات الصينية الإيرانية لا يتعارض مع علاقاتها العربية، على الأقل في الوقت الراهن.

     رؤية للمستقبل

     تنطلق سياسة الصين الخارجية، ومنها سياستها تجاه الشرق الأوسط، منذ ثمانينات القرن الماضي، على أساس مصالحها وليس على أسس أيديولوجية، وهو توجه مستمر بقدر ما نرى في المستقبل، وعليه يمكن استشراف التوجهات التالية في العلاقات العربية الصينية:

     1) حيث أنه لا توجد مشاكل جوهرية بين الصين والدول العربية، ومع سعي الصين إلى توسيع نفوذها الدولي، وعلى الرغم من السيطرة الأمريكية على سياسات الشرق الأوسط، فإن إفرازات مرحلة ما بعد حرب العراق تصب في مصلحة القوى الدولية الأخرى ومنها الصين، وعليه فإنه من المتوقع أن تواصل العلاقات العربية الصينية إحراز مزيد من التقدم على الصعيد السياسي.

     2) سيزداد حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين الصين والدول العربية، ومع تضاؤل فرص الصين في الحصول على نفط منطقة آسيا الوسطى تبقى المنطقة العربية أفضل الخيارات المتاحة لأمن الطاقة الصيني، وهذا ما يفرض على الصين تأمين خطوط إمداداتها النفطية في أعالي البحار وهو ما يعني حاجة الصين إلى تعزيز علاقاتها العسكرية وتنسيقها مع الدول العربية، التي تحتاج أيضا تأمين أسواق لإنتاجها من النفط الذي يمثل المصدر الرئيسي لعدد كبير منها.

     3) ستبقى علاقات الصين مع إسرائيل أكبر تهديد لعلاقاتها مع الدول العربية، ولكن هناك أيضا عوامل عدم استقرار ثانوية مثل ظهور خلافات تجارية ممثلة في قضايا الإغراق ومخالفة شروط الجودة مع زيادة التبادل التجاري، وهذا يقتضي من الطرفين إنشاء آلية للفصل في النزاعات التجارية، كما أن هناك ظاهرة تزايد عدد الصينيين الذين يسافرون إلى الدول العربية ويتخلفون بها للعمل في مجال التجارة، وبالمثل العرب الذين يقيمون في الصين، وبخاصة في مدن الجنوب بصورة غير قانونية للعمل في مجال التجارة أيضا. وهذا بحاجة إلى تعاون الجهات المعنية بالعمالة من الجانبين للتعامل مع هذه الظاهرة والسيطرة على التداعيات التي تترتب عليها.

     ولكن المؤكد هو أن العلاقات الصينية العربية دخلت مرحلة جديدة وسوف تشهد انطلاقة كبيرة، وعندما تأتي الذكرى المائة لإقامة العلاقات سيظل الصينيون والعرب يتكلمون لغة مشتركة، أو على الأقل هذا ما نتمناه.

مرحبا على المقهى الإلكتروني

husseinismail@yahoo.com

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.