ã

في ليلة العمر، الصينيون يدفعون أكثر

لو رو تساي

     قبل ثمانينات القرن الماضي، كان غالبية الصينيين فقراء ولهذا كانت مراسم الزفاف بسيطة. بيد أن هذه البساطة أخذت تتلاشى شيئا فشيئا بعد أن تبنت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، التي أدت إلى تحسن مستويات معيشة الشعب، فراح الناس ينفقون في حفلات زفافهم مالا كثيرا. وبرغم احتفاظ مراسم الزفاف ببعض عادات وتقاليد الماضي، انسلت إليها بعض الأشكال الغربية والحديثة، وتوسعت تلك المراسم وزادت كلفتها إلى أرقام فلكية أحيانا.

     تقول السيدة سون، التي دخلت القفص الذهبي في ثمانينات القرن الماضي: "أنفقت أنا وزوجي ما يعادل سبعين دولارا أمريكيا على حفل زفافنا، وهذا المبلغ كان يساوي دخلي ودخله في عام كامل ".

     وتضيف السيدة سون: على الرغم من أننا سجلنا زواجنا (لدى مكتب تسجيل الزواج) في عام 1981، فإنني بقيت في بيت أهلي حتى عام 1983، عندما أقمنا حفل الزفاف، ذلك أن أفكار الناس في ذلك الوقت كانت متحفظة، حيث كانوا يعتبرون أن الزواج الحقيقي يكون بعد حفل الزفاف حتى وإن كان مسجلا قانونيا قبل ذلك سنة أو سنتين.

     أما عن عش الزوجية فتقول: كانت الصين في بدايات عملية الإصلاح والانفتاح، تنتهج نظام الاقتصاد المخطط، ولم تكن البضائع متوفرة في السوق، فلا مجال لشراء ما تريد، مثلما هو الحال الآن. أما إقامة العريس وعروسه في شقة مستقلة، فكان ضربا من الخيال، فأسرة الزوج كانت تخصص غرفة من مسكنها لابنها وعروسه. وتتذكر السيدة سون قائلة: عندما انتقلت إلى بيت زوجي، كانت الغرفة التي خصصت لنا بدون ديكور أو زخارف. وفي ذلك الزمان كان جهاز العروس عبارة عن بعض الأشياء البسيطة، ومنها ماكينة خياطة وراديو ودراجة وساعة وغيرها، ولكن لم يكن كل فرد يستطيع أن يشتريها، فنظرا لعدم توفر السلع كانت الحكومة تقدم للزوجين الجديدين ما يسمى ببطاقة الشراء لاستخدامها في شراء السلع الكهربائية. في بداية زواجنا اشترينا خزانة وسريرا فقط، واشترينا التلفزيون بعد سنتين من الزواج، وكان سعره يعادل مائتي دولار أمريكي.

     العرف التقليدي يقضي بأن يقام حفل الزفاف في بيت العريس، حيث تستأجر الأسرة طباخا لإعداد الطعام، وتوجه الدعوة لأهل وأقارب وأصدقاء العريس والعروس لحضور الحفل. وكان الواجب يقضي بأن يقدم كل مدعو هدية إلى العريس والعروس، وكانت معظم الهدايا من سلع الاستخدام اليومي: طست أو ترمس أو قدر الخ، ولكن هدايا بعض المدعوين تكون نقدية، ما يعادل دولارا أو دولارين.

     كانت البساطة السمة المشتركة لحفلات الزفاف في تلك الأيام وكانت الحفلات متشابهة، فدخول الأفراد متساوية تقريبا ولا توجد فجوة كبيرة بين الدخول.

     جاءت حقبة التسعينات ومعها رياح التغيير التي عصفت بحفل الزفاف البسيط. تقول السيدة لي، التي تزوجت في تلك الفترة: "في ذلك الوقت شاعت عادة إقامة حفل الزواج في فندق فخم لاستعراض الثروة".

     وتضيف: تزوجت في عام 1994، وكان تيار الإصلاح والانفتاح قد امتد إلى أرجاء الصين، وتطور اقتصاد السوق إلى مرحلة جديدة، وصار الصينيون، الذين تحسنت حالتهم المادية كثيرا، ينظرون إلى الزفاف كأهم حدث في حياة الإنسان، فاتجهوا صوب الفنادق الكبيرة يقيمون فيها حفلات زفافهم. لم يكن الأمر مقتصرا على الحفل وإنما انضم إلى قائمة النفقات الكبيرة تصوير العروسين فوتوغرافيا بملابس الزفاف، والتصوير بالفيديو. ولأنني وزوجي كنا نلهث وراء أحدث موضة، فقد أنفقنا ما يعادل 140 دولارا أمريكيا على صور الزفاف الفوتوغرافية. كانت الصور موضة في ذلك العصر، ولكنها أصبحت عادية الآن. أقمنا حفل الزفاف بقاعة في فندق، وساعدنا واحد من أصدقائنا في تصوير الحفل بالفيديو.

     وكان من جديد الزواج في التسعينات أن يتبادل العريس وعروسه خاتمين من الذهب وأن يهدي العريس بعض الحلي الذهبية، خاتما أو قرطا أو عقدا، لعروسه وهذا أمر لم يقدر عليه من قبل. اشترينا خاتمين من الذهب الخالص، وبينما كانت العرائس ترتدي فستان زفاف مستأجرا اشتريت أنا فستانا بما يعادل مائة دولار أمريكي واشتري زوجي بدلة على أحدث موضة. كان حفل زفافي يعتبر بذخا بمعايير ذلك الزمان.

     وتستكمل السيدة لي حديثها: أنفقنا أكثر من ستة آلاف دولار أمريكي على حفل الزفاف الذي أقمناه في قاعة بفندق وعلى ديكور الشقة وشراء الأثاث. كان هذا المبلغ يساوي دخلنا في سنتين، ولكن والدي زوجي قدما لنا حوالي أربعة آلاف دولار أمريكي. ولم تكن هدايا الأصدقاء من بضائع الاستخدام اليومي وإنما أجهزة كهربائية منزلية صغيرة.

     جاء القرن الجديد بأنماط مختلفة وأساليب متنوعة للزواج والزفاف. تقول السيدة تشين، التي تزوجت عام 2004: "تولت أسرة زوجي كل ترتيبات الزفاف، وتحملت كافة النفقات". وتضيف الشابة المولودة في مقاطعة شاندونغ: "زوجي هو الابن الوحيد لوالديه، وأنا أكبر اخوتي، ولهذا اهتمت أسرتانا بزفافنا كثيرا وقدمتا لنا الكثير من المال. وقد أقمنا ثلاث حفلات زفاف، في شاندونغ حيث مسقط رأسي، وفي مقاطعة هوبي، حيث أهل زوجي، وفي بكين، مكان عملي أنا وزوجي. في الحفل الذي أقيم في هوبي، وهو الأكبر، حجزنا مطعما، وأعددنا سبعين مائدة، ودعت أسرة زوجي مذيعا ومذيعة من محطة التلفزيون المحلية للإشراف على الحفل، كما استأجرنا مصور فيديو. بلغت تكاليف هذا الحفل، بما فيها قيمة ملابس الزفاف المستأجرة، ما يعادل أكثر من اثني عشر ألف دولار أمريكي، تحملتها أسرة زوجي وأسرتي، ولكن الهدايا (النقوط) التي حصلنا عليها بلغت نفس هذا المبلغ تقريبا.

     لقد تحول الزفاف في السنوات الأخيرة إلى نشاط اقتصادي جديد، فالآن يوجد العديد من الشركات المتخصصة في تقديم خدمات الزفاف، من التصوير بملابس الزفاف وتأجير الملابس والحلي وإقامة حفلات الزفاف وتنظيم الرحلات السياحية للعريس وعروسه. وحسب الاستطلاع الذي قامت به اللجنة المنظمة للمعرض الصيني الدولي لمستلزمات الزواج، ستين ألف لكل من الشباب والفتيات في المدن الرئيسية الراغبين في الزواج خلال الفترة من نوفمبر 2004 إلى فبراير 2006، 88% منهم أعربوا عن رغبتهم في عمل ألبوم صور للزفاف، و49% منهم قالوا إنهم في حاجة إلى خدمات شركات الزفاف في العرس، و79% منهم أرادوا أن يقيموا حفل الزفاف في قاعة بفندق، و37% منهم قالوا إنهم سيشترون فستان الزفاف، و68% منهم اعتزموا القيام برحلات سياحية بعد الزواج. وحسب الاستطلاع، يبلغ دخل الفرد الشهري لحوالي 70% منهم أقل من ستمائة دولار أمريكي، ولنحو 26% منهم بين ستمائة دولار أمريكي وألف دولار أمريكي، بينما يتجاوز دخل الفرد الشهري لعدد قليل منهم ألف دولار أمريكي. و26ر74% منهم يأخذون مساعدات مالية من أسرهم، وبعض الأسر تتحمل كافة تكاليف الزفاف.

     وحسب تشانغ لي، وهو مندوب المبيعات والتسويق بشركة كانغنينغ لخدمات الزفاف في بكين، ترتفع فاتورة الزفاف سنة بعد أخرى، فالشخص الذي يشرف على الحفل ويقدمه يتقاضى بين مائة دولار وأربعمائة دولار أمريكي، وتكلفة الكوافير تزيد عن مائة وعشرين دولارا أمريكيا، واستئجار سيارة كاديلاك للزفاف لمدة ست ساعات يُكلف ألف دولار أمريكي، وبهذا تصل تكلفة ألفين وخمسمائة دولار أمريكي على الأقل، ومع هذا يختار هذا الأسلوب الكثير من الشباب، لأن الزواج هو أهم حدث في حياة الإنسان. أما شركات خدمات الزفاف التي تحقق أرباحا هائلة فهي المستفيد الأكبر.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.