ã

وجها لوجه.. سفير الصين لدى مصر وسفير مصر لدى الصين

     تحتفل الصين ومصر في الثلاثين من هذا الشهر بمرور نصف قرن على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. وقد قطعت علاقات الدولتين خلال هذه الفترات أشواطا عديدة وحققت ما يعتبره البعض إنجازات عظيمة في حين يراها البعض أقل من كافية.

     ((الصين اليوم)) وضعت سفير الصين لدى مصر وو سي كه وجها لوجه مع سفير مصر لدى الصين محمود علام. فكان بينهما هذا الحوار:

     سفير مصر: عملتم في مصر أكثر من مرة، كعضو في السفارة الصينية بالقاهرة، والآن تتبوأ مركز سفير لبلادك، فما هي أهم التغيرات التي شهدها المجتمع المصري خلال هذه الفترات، وأبرز ما حققته العلاقات بين البلدين خلالها؟

     سفير الصين: أولا: لقد شهد شهر أكتوبر من عام 1973 عملي بمصر لأول مرة بعد أن بدء دخان الحرب في الهدوء تدريجيا، وفي هذه الأثناء كانت هناك بعض مدن قناة السويس مازالت تحمل صورة لأنقاض الحرب في الوقت الذي كانت تسعي فيه مصر للنهضة، ومن جهة أخري كانت الصين قد خاضت عدة سنوات من الاضطرابات التي شهدتها الثورة الثقافية فقد انهار الاقتصاد الصيني وتفاقمت أحوال المجتمع ووصلت أحوال الصين إلي ذورة الصعوبة، ولحسن الحظ، صادف هذا الوقت كلا من الصين ومصر في دخول مرحلة الإصلاح، وهذا ينطبق عليه القول الصيني المأثور الذي يعني أن "بعد العسر يسر"، وبعد مرور أكثر من 20 عاما من بداية سياسة الانفتاح والإصلاح شهدت كلا من الصين ومصر تغيرات جذرية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي وغيرها من المجالات وانكشفا على العالم بوجه جديد كليا.

     إن التطور المستمر في علاقات التعاون بين الصين ومصر في مجالات عديدة نتج عنه التعاون الاستراتيجي المشترك بين البلدين وهذا التعاون لم يعد بالمنفعة على البلدين فقط بل أعطي شعورا بالسعادة والأمل لكلا الشعبين كما جاء في مصلحة السلام وارتقاء التعاون بين البلدين من المستوي الإقليمي إلي المستوي العالمي .

     سفير مصر: يشعر البعض أن حركة الاستثمار والسياحة من الصين إلى مصر لم تصل بعد إلى ما نأمله في مصر، ففي رأيكم ما هي الأسباب، وكيفية زيادة تدفق الاستثمارات والسياحة؟

     سفير الصين: في الوقت الحاضر شهد التعاون بين مصر والصين في مجالي الاستثمار والسياحة ازدهارا واضحا فقد بلغ إجمالي استثمارات 184 مشروع صيني في مصر حتى أواخر عام 2005 حوالي 2ر2 مليار دولار . وخير دليل على ذلك انك تري الوفود الصينية وسط الأجناس المختلفة في كل الأماكن السياحية في مصر ومن جهة أخري يزداد عدد المصرين اللذين يذهبون للصين للتجارة أو السياحة، ولذلك فأنا اعتقد أن التعاون المتبادل بين البلدين في هذان المجالان لم يصل إلي ما كان يطمح إليه الجانبان من استغلال للقوة الكامنة الموجودة بهما، كما أدعو الجانبين إلي العمل على زيادة التفاهم خاصة فيما يخص المهام والواجبات الخاصة بمجالي الاستثمار والسياحة وأن تتضمن هذه المهام تعديل القوانين المنصوص عليها لتنفيذها بصورة أسهل.

     سفير مصر: ما هي في رأيكم أبرز المشروعات الصينية والمشتركة التي تمثل قصص نجاح للتعاون الثنائي؟

     سفير الصين: التعاون الذي وصل إليه كلا من البلدين كان محل تشجيع و إعجاب من الجميع، وإني في غاية السعادة للنجاح الذي حققه البلدان في مجال التكنولوجيا العالية وخير مثال على ذلك النجاح الباهر الذي حققه مشروع الطائرة الحربية التعليمية وشركتي هواوي وتجونشين في مجال الاتصالات في مصر، إن الحكومة الصينية تعمل على تشجيع المؤسسات الصينية للاستثمار في مصر وعلى الأخص في المنطقة الصناعية الجديدة شمال غرب خليج السويس.

     سفير مصر: لقد تعرفتم خلال إقامتكم في بين الشعب المصري على العديد من العادات والتقاليد، فما هي في رأيكم أبرز الصفات التي تجمع الشعبين المصري والصيني في هذا الشأن.

     سفير الصين: قدمت حضارتا مصر والصين باعتبارهما أعرق حضارتين في العالم إسهامات كبيرة في تتقدم الحضارات الأخرى، وهناك تشابه كبير في العادات والتقاليد بين البلدين على سبيل المثال يجتمع الجانبين على حب السلام، الاحترام المتبادل، والكد في العمل بالإضافة إلي حب الدراسة والذكاء، وهناك أقوال صينية مأثورة تقول"السلامة أولا"، " الاعتراف بالخلاف "، " لا تفعل بالآخرين ما لا تريده لنفسك" وكل هذه الأقاويل من الممكن أن تجد نفس معناها في التراث المصري، وإني لأشعر بالفخر لما وصل إليه التقدم بين أقدم حضارتين وأيضا أشعر بسعادة بالغة لعلاقات الصداقة التي جمعتني بالعديد من المصريين في مختلف المجالات واعتز بهذه الصداقات وسوف أبذل قصارى جهدي لتوطيد هذه الصداقة

     وأتمني ألا يتوقف العمل على تطويرها لتفعيلها بشكل اكبر.

     سفير مصر: يشهد الجميع بنجاحكم وشعبيتكم في مصر لدى دوائر المجتمع المصري، فما هي أكثر الإنجازات التي تعتز بها خلال عملكم في القاهرة؟

     سفير الصين: تعلم سيادتكم أنه يتم الاحتفال بمرور خمسين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين هذا العام وقد قام الجانبان بتجهيز سلسلة من الأنشطة للاحتفال بهذه المناسبة، وسوف تهدف هذه الأنشطة إلي استعراض وتلخيص التجارب الصينية – المصرية للوصول إلي مستقبل زاهر.

     سفير الصين: كيف يمكن تفعيل علاقات التعاون الاستراتيجي بين البلدين التي تم الإعلان عنها عام 1999 ونحن الآن في قرن جديد؟

     سفير مصر: فيما يتعلق بكيفية تفعيل علاقات التعاون الاستراتيجي بين البلدين والتي تم الإعلان عنها عام 1999، فإنه كان من المفيد أن توضع العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين بلدينا في إطار محدد ومفصل تمثل في اتفاق التعاون الاستراتيجي كي يتم البحث في كيفية تفعيلها بصورة مستمرة، واعتمادا على علاقات بلدينا المتميزة فقد بدا الحرص الصيني على أن يكون أول اتفاق للشراكة الاستراتيجية بينها وبين دولة نامية هو مع مصر.

     لا يخفى على سيادتكم أننا نسعى لتطوير هذه العلاقات الاستراتيجية إلى درجة حوار استراتيجي يتطرق كما تطرقت الشراكة الاستراتيجية قبله إلى العديد من الموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بين دولة عضو دائم في مجلس الأمن ودولة بثقل مصر السياسي في الدوائر العربية والإفريقية والإسلامية والدولية، بالعديد من القضايا الدولية فإصلاح الأمم المتحدة ومصالح الدول النامية وحقوق الإنسان ونزع السلاح والإرهاب والأوضاع في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية والوضع في غرب ووسط آسيا جميعها مواضيع تهم البلدين، وتحتاج بالإضافة إلى المنظومة الموجودة المتمثلة في المشاورات السياسية الدورية إلى تعزيز تبادل الآراء بين وفودنا الدائمة وبعثاتنا الدبلوماسية بالخارج بشكل شبه دوري بما يعكس مستوى العلاقات السياسية الفعلي بين بلدينا.

     خرجت العلاقات الاستراتيجية بين الدول حاليا من إطار العلاقات السياسية البحتة لتطرق أبعادا جديدة تتمثل في العلاقات الاقتصادية وسبل نقل التكنولوجيا، حيث أنه من الواضح أنه لكي يستمر ازدهار ثمرة العلاقات السياسية فإنه من الأهمية بمكان أن يتسق هذا مع علاقات اقتصادية وتجارية واستثمارية أعمق، وذلك في عالم باتت الشركات متعددة الجنسيات والتجارة العالمية محورها وهدفه في الوقت نفسه، وهو ما يمكن أن يتم تطبيقه على نموذج العلاقات المصرية الصينية والتي سوف يضيف لها هذا البعد زخما أكبر وفائدة مضافة، ويخدم في الوقت نفسه مصالح البلدين المشتركة، والتي أثبتت الممارسة الفعلية أنها مصالح تتفق ولا تختلف ومن هنا تأتي أهمية وضع هذه المصالح المشتركة في بوتقة واحدة لتصب في النهاية لصالح رخاء ورفاهية الشعبين من خلال مشاريع وعمليات تنموية مشتركة.

     سفير الصين: طبقا للوضع الحالي أتسائل عن كيفية أن تلعب الحضارتان العريقتان (الصينية والمصرية) دورا فعالا في تطوير التعاون وتبادل وجهات النظر بين البلدين ومن ثم تعمل على دفع الحوار مع مختلف حضارات العالم من أجل الإسهام في تحقيق السلام والأمن على مستوى العالم؟

     سفير مصر: هذا سؤال ينم على تقدير الشخصية الصينية للآخر بوجه عام، وهو ما لا يعد غريبا على أصحاب حضارة راقية كالصينيين، فنحن كمصريين وصينيين كأصحاب حضارة شرقية عانينا من هجمات وغزوات الحضارات الغربية وما كان لها من تداعيات سلبية، ولدينا مهمة ومسؤولية ضخمة تتمثل في الارتقاء بالحوار بين الحضارات ونقله من مرحلة وأسلوب المواجهة والصدام الذي قد ينتهي إليه في بعض الأحيان إلى أسلوب من الحوار والاحتواء.

     مصر والصين بكونهما جناحي الحضارة الشرقية يقع على عاتقهما شرح العديد من المفاهيم المغلوطة عن حضارتينا للحضارات الغربية، وإيصال رسالة مفادها أن مبدأ الاختلاف الحضاري والثقافي هو مبدأ ثابت في الحوار ليس معناه رفض الآخر وإنما هو مبدأ ثابت في العلاقات البشرية، فلكي يستمر التبادل والحوار يجب أن يكون هناك تنوع أو حتى اختلاف في وجهات النظر، وبما يمثل عاملا للتكامل وليس للتنافر، أو كما يقول الصينيون "يانغ" و"ين" أو بلغة فن الأرابيسك العربي "العاشق والمعشوق" وهي التركيبة التي تضمن نسيجا قويا من المفاهيم المتبادلة.

     يعتمد إيصال هذه الرسالة الحضارية على عدة وسائل تتمثل في خطاب إعلامي وثقافي مناسب، مؤتمرات وتبادلات فكرية، تبادل إرسال مبعوثين ودارسين ومثقفين، وذلك فيما بين البلدين من جانب وما قد يكون بشكل مشترك للتخاطب مع الحضارة الغربية من جانب آخر، وهي كلها أدوات وإن لم تكن جديدة فإن تطويرها هو الذي يشكل التحدي الحقيقي وذلك بالشكل الذي يرسخ التفاهم بين الثقافات ويعزز من دورها كعامل إيجابي في تطوير علاقات الشعوب.

     وفي النهاية لا يسعني إلا أن أتقدم لشعبينا بخالص التهاني بمناسبة ذكرى مرور خمسين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، مع تمنياتنا للشعب الصيني الصديق بدوام التقدم والرخاء والرفعة.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.