ã

ذاكرة التاريخ لا تنسى

شو ان لاي والدول العربية

شي يان تشون

شو ان لاي وجمال عبد الناصر في مصر، ديسيمبر عام 1963

شو ان لاي وتشن يي (الأول من اليمين) خلال زيارتهما لمصر، ديسمبر عام 1963

شو ان لاي في تونس، عام 1963

     من أبرز رجال الدولة الذين عرفهم العالم في العصر الحديث، وزير خارجية الصين شو ان لاي؛ ذلك الدبلوماسي الفذ الذي قدم مساهمات عظيمة لأمته في كافة المجالات. لقد لعب شو ان لاي، برؤيته الثاقبة وفكره الدبلوماسي المميز، دورا بالغ الأهمية في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، تلك العلاقات التي نحتفل هذا الشهر، مايو 1956، بمرور نصف قرن عليها. وقد تواصلت مساهمات شو ان لاي في تطوير وتعزيز العلاقات الصينية العربية حتى آخر أيام حياته.

     خلق وضع دبلوماسي جديد

     عندما تأسست الصين الجديدة عام 1949 كان العالم منقسما بين معسكرين متعاديين: الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي السابق والإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. ولأن الصين الجديدة اختارت الجانب الاشتراكي، رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بها، بل أرسلت "الأسطول السابع" إلى سواحل تايوان لمنع الشعب الصيني من تحرير جزيرة تايوان، وأعاقت مساعي جمهورية الصين الشعبية لاستعادة مقعد الصين الشرعي في الأمم المتحدة، كما حاولت أمريكا تقويض الصين من خلال عزلها سياسيا وتطويقها عسكريا وحصارها اقتصاديا. كانت الصين تواجه وضعا دوليا خطيرا ومهمة دبلوماسية جد شاقة، ففي نهاية عام 1955، لم يكن عدد الدول التي تقيم علاقات مع الصين يتجاوز 23 دولة، معظمها دول اشتراكية ودول آسيوية مجاورة للصين وعدد قليل من دول أوروبا الغربية.

     الدول العربية ذات التاريخ العريق والحضارة المشرقة، والتي تقع في ملتقى ثلاث قارات هي أوروبا وآسيا وأفريقيا، وتعبرها خطوط المواصلات الهامة في العالم منذ قديم الزمان، لم يكن معظمها حصل على الاستقلال أو استقل قبل فترة وجيزة من تأسيس الصين الجديدة، ومن ثم كانت هذه الدول تفتقر إلى المعلومات الكافية عن الصين الجديدة وظروفها. في ذلك الوقت لم تقم أي دولة عربية علاقات دبلوماسية مع الصين الجديدة.

      عندما تأسست الصين الجديدة، وبعد دراسة معمقة وتحليل دقيق للوضع الدولي والوضع في المنطقة العربية، قرر شو ان لاي، رئيس مجلس الدولة، ذلك المخطط الاستراتيجي البارع والدبلوماسي المحنك، تبني سياسة نشيطة وإيجابية تجاه الدول العربية، بحيث تقيم الصين اتصالات مع تلك الدول أولا كمقدمة والخطوة الأولى على طريق إقامة العلاقات الدبلوماسية معها.

     مصر هي أول دولة عربية وأفريقية أقامت العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. وقد بدأ الاتصال بين مصر والصين في إبريل عام 1953، عندما بعثت مصر برجل أعمال إلى الصين ليبحث المسائل التجارية بين البلدين، ويعرض على الجانب الصيني استيراد القطن المصري. في ذلك الوقت، وعلى الرغم من عدم حاجة الصين إلى استيراد القطن، قرر رئيس مجلس الدولة شو ان لاي، استيراد القطن من مصر، من أجل تعزيز الصداقة بين الجانبين.

     في إبريل عام 1955، قبيل وخلال المؤتمر الأفروآسيوي، التقى شو ان لاي بالزعيم المصري جمال عبد الناصر في رانغون ببورما (ميانمار) وفي باندونغ بإندونيسيا. وتبادل الزعيمان الآراء حول إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتوصل الجانبان إلى اتفاق مبدئي لتطبيع العلاقات الثنائية تدريجيا بدءا بالتجارة ومرورا بإقامة مكاتب تجارية. وقال الرئيس عبد الناصر إن مؤتمر باندونغ أرسى الأساس لتعزيز العلاقات بين مصر والصين.

      في مايو عام 1955، وصل إلى الصين وزير الأوقاف المصري أحمد حسن الباقوري ليكون أول وزير مصري يزور الصين رسميا، وقد حظي باستقبال حار، حيث استقبله شو ان لاي وأكد له أن حكومة الصين تدعم النضال العادل لمصر والدول العربية ضد عدوان إسرائيل وتوسعها. وأعرب الجانبان عن موقفهما المشترك في مكافحة الإمبريالية والاستعمار والدفاع عن الاستقلال الوطني وسيادة الدولة، وأكدا على تعزيز التعاون بين البلدين خاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والثقافة. كما أجرى وزير التجارة الخارجية الصيني يه جي تشوانغ محادثات مع الباقوري، وتوصلا إلى اتفاقات محددة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

     في أغسطس عام 1955، قام وزير الصناعة والتجارة المصري محمد أبو نصير بزيارة إلى الصين، ووقع بروتوكول تعاون تجاري مع الجانب الصيني، ينص على إنشاء كل طرف مكتب تجاري له لدى الطرف الآخر، وتبادل الجانبان الوثائق وتم إقرارها. وحسب الاتفاق يحق للمكتب التجاري رفع العلم الوطني والشعار الوطني واستخدام الشفرة، ويتمتع رئيس المكتب ونائبه والوثائق الرسمية والمحفوظات للمكتب بالحصانة. في الحقيقة، كانت الامتيازات الدبلوماسية التي منحت للمكتب التجاري أكبر من الامتيازات التي تمنح للقنصلية. وبالفعل قررت الصين افتتاح مكتبها التجاري في القاهرة، الذي كان بمثابة الخطوة الأولى لإقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع مصر. كان هذا العمل المنظم غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية الصينية الجديدة، كما أنه جسد بجلاء حنكة وذكاء شو ان لاي.

     في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1955، وصل الممثل التجاري الصيني لي ينغ جي ونائبه تشانغ يويه إلى مصر ومعهما رسالة من رئيس مجلس الدولة شو ان لاي إلى الرئيس عبد الناصر. وفي يناير عام 1956، أُفتتح المكتب التجاري الصيني لدى مصر بشكل رسمي. وفي فبراير ذلك العام، وصل الممثل التجاري المصري مدحت الفار إلى بكين، حيث أقام المكتب التجاري المصري. في فبراير عام 1956، قام وفد ثقافي وفني صيني برئاسة نائب رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ورئيس الجمعية الإسلامية الصينية برهان الدين شهيدي بزيارة إلى مصر، وحظي باستقبال حار. وفي مارس ذلك العام، قام وزير التجارة الخارجية الصيني يه جي تشوانغ بزيارة إلى مصر، والتقى مع الرئيس جمال عبد الناصر ونقل إليه رسالة من رئيس مجلس الدولة الصيني. وخلال فترة زيارته، أقيم في مصر معرض كبير للبضائع الصينية. كل هذا مهد الطريق وخلق الظروف لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر.

      في السادس عشر من مايو عام 1956، استقبل شو ان لاي في بكين الممثل التجاري المصري لدى الصين مدحت الفار الذي قدم له مذكرة رسمية، وفي القاهرة، استقبل وزير الصناعة والتجارة المصري محمد أبو نصير ومدير مكتب رئيس الوزراء المصري علي صبري الممثل التجاري الصيني لدى مصر لي ينغ جي، وأخبراه بشكل رسمي بأن حكومة مصر قررت الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وترغب في إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين وتبادل المبعوثين الدبلوماسيين. في الثامن عشر من مايو ذلك العام، بعث شو ان لاي برسالة إلى الرئيس عبد الناصر أعرب فيها عن ترحيبه الحار بقرار مصر الودي وتمنياته بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل المبعوثين الدبلوماسيين في أسرع وقت. وفي الرابع والعشرين من مايو ذلك العام، التقى الرئيس عبد الناصر مع الممثل التجاري الصيني لي ينغ جي لمناقشة المسائل المتعلقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وفي الثلاثين من مايو، أصدرت حكومتا الصين ومصر بيانا مشتركا بإقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بشكل رسمي. في يوليو ذلك العام، وصل إلى القاهرة تشن جيا كانغ، أول سفير للصين لدى مصر لمباشرة مهام منصبه. وفي السابع عشر من سبتمبر، وصل إلى بكين حسن رجب، أول سفير لمصر لدى الصين، وقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس الصيني ماو تسي تونغ، في حضور رئيس مجلس الدولة، وزير الخارجية الصيني شو ان لاي. قال الرئيس ماو للسفير رجب إن الصين ومصر من أعرق الحضارات في العالم، والصداقة بين الشعبين عميقة ولها تاريخ طويل. وقال إن الشعب الصيني حريص للغاية على تطوير علاقات تعاون ودية جديدة مع الشعب المصري، وسوف يعزز الجانبان هذه العلاقات يوما بعد يوم بالتأكيد، ولا شك في أن التعاون الودي بين الصين ومصر، اللتين ترغبان في السلام، سوف يقدم مساهمة كبيرة للحفاظ على، وتعزيز السلام في آسيا وأفريقيا والعالم.

     سورية هي ثاني دولة عربية أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين، وكان موقفها من مسألة استعادة الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة وديا. وفي عام 1954، بدأت سورية دعوة الصين للمشاركة في معرض دمشق الدولي.

      خلال فترة المؤتمر الأفروآسيوي عام 1955، التقى رئيس مجلس الدولة الصيني شو ان لاي مع الوفد السوري، الذي أعرب أعضاؤه عن تقديرهم لموقف الصين المؤيد والداعم لنضال الدول العربية ضد الإمبريالية والعدوان الإسرائيلي. وقال أعضاء الوفد إنهم سيقترحون على حكومة سورية إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الصين بسرعة. وفي نفس العام، وقع البلدان اتفاقا تجاريا وبدأت العلاقات التجارية تتطور. في مايو عام 1956، قام وفد من القانونيين السوريين بزيارة إلى الصين، حيث استقبلهم شو ان لاي وأكد لهم أن الصين تؤيد وتدعم نضال سورية والدول العربية الأخرى ضد الإمبريالية والعدوان الأجنبي. وفي يونيو ذلك العام، قام وفد ثقافي وفني صيني بزيارة إلى سورية، ووقع الجانبان اتفاق تعاون ثقافي بين البلدين.

      في الثاني من يوليو عام 1956، أعلن رئيس الوزراء السوري الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية. وفي الثالث من يوليو، بعث وزير الخارجية السوري صلاح الدين البيطار برقية إلى وزير الخارجية الصيني شو ان لاي أبلغه فيها بهذا القرار، وقد رد شو ان لاي ببرقية أعرب فيها عن ترحيبه الحار واقترح إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وفي الأول من أغسطس ذلك العام، بعث البيطار ببرقية إلى شو ان لاي لإبلاغه بأن حكومة سورية قررت إقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء مع حكومة جمهورية الصين الشعبية. في العاشر من أغسطس، أصدرت حكومتا الصين وسورية بيانا مشتركا بإقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء. وحسب اتفاق الجانبين، بعثت حكومة الصين بممثل تجاري إلى سورية أولا في أغسطس ذلك العام. وفي التاسع عشر من ديسمبر، سلم تشن تشي فانغ، أول سفير صيني لدى سورية، أوراق اعتماده. وفي عام 1957، وصل إلى بكين إحسان حسني، أول سفير سوري لدى الصين، لمباشرة مهام منصبه.

     اليمن هو ثالث دولة عربية أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين، ولم يعارض اليمن استعادة جمهورية الصين الشعبية المقعد الشرعي للصين في الأمم المتحدة. خلال فترة المؤتمر الأفروآسيوي عام 1955، التقى الوفد الصيني مع الوفد اليمني، مما عزز التفاهم وأرسى أساسا لإقامة العلاقات الدبلوماسية.

      في الخامس من يونيو ذلك العام، أدلى ولي عهد اليمن، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية اليمني الأمير محمد البدر بن أحمد حميد الدين، بحديث لجريدة "الأهرام" المصرية، قال فيه: "ليس هناك ما يمنع اعترافنا بجمهورية الصين الشعبية" وقد اهتم شو ان لاي بهذا التصريح كثيرا وطلب من الجهات المعنية دراسة الوضع دراسة دقيقة، وعليه قرر استكشاف إمكانية إقامة العلاقات الدبلوماسية مع اليمن.

     وعندما قام ولي عهد اليمن بزيارة إلى الاتحاد السوفييتي، في الثلث الأخير من يونيو عام 1956، أوعزت وزارة الخارجية الصينية إلى سفارة الصين لدى الاتحاد السوفييتي للاتصال به. فقام تشن تشو، المستشار بسفارة الصين بزيارة ولي العهد، وحسب توجيهات حكومة الصين، أعرب له عن رغبة الصين في تطوير العلاقات الودية مع اليمن وتمنى عليه أن يقوم الجانبان باتصالات من خلال بعثتيهما الدبلوماسيتين لدى مصر. وقد وعد ولي العهد بنقل هذا الاقتراح إلى الملك.

     وفي الحادي والعشرين من أغسطس عام 1956، دعا رئيس الوزراء ونائب وزير الخارجية اليمني محمد عمري السفير الصيني لدى مصر تشن جيا كانغ للقاء معه. وحسب تعليمات حكومة اليمن، طلب رئيس وزراء اليمن من السفير تشن جيا كانغ نقل ما يلي إلى حكومة الصين: قرر صاحب الجلالة ملك اليمن وحكومته الاعتراف بأن جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية للصين". أعرب السفير تشن جيا كانغ عن ترحيبه بهذا القرار. وفي الثاني والعشرين من أغسطس ذلك العام، بعث رئيس مجلس الدولة، وزير خارجية الصين شو ان لاي برسالة إلى ولي عهد اليمن، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، أعرب فيها عن ترحيبه الحار بقرار اليمن الودي واقتراح إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين وتبادل المبعوثين الدبلوماسيين.

      جرت محادثات إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليمن بسلاسة. في الرابع والعشرين من سبتمبر عام 1956، أصدرت حكومتا البلدين بيانا مشتركا بإقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى الوزراء المفوضين، كما اتفق الجانبان على أن يباشر سفيرا البلدين لدى مصر مهام القائم بالأعمال لدى الصين واليمن كل على حدة. وقررت الصين أن يتولى السفير الصيني لدى مصر تشن جيا كانغ مهام القائم بالأعمال الصينية لدى اليمن. في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، وقع انقلاب بقيادة عبد الله السلال أطاح بالحكم الملكي وتأسست الجمهورية العربية اليمنية. في فبراير عام 1963، وافقت الصين على اقتراح قدمته السلطات اليمنية حول رفع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى السفراء. في مايو عام 1964، وصل إلى اليمن وانغ روه جيه، أول سفير صيني لدى اليمن.

     كانت مصر وسورية واليمن هي الدول الوحيدة التي أقامت الصين معها علاقات دبلوماسية عام 1956، لذا ارتفع عدد الدول، التي لها علاقات دبلوماسية مع الصين إلى 26 دولة. بعد ذلك، أقامت دول عربية أخرى هي العراق والمغرب والجزائر والسودان والصومال وغيرها العلاقات الدبلوماسية مع الصين على التوالي. و في الرابع من أكتوبر عام 1959 أقامت غينيا العلاقات الدبلوماسية مع الصين، فأصبحت أول دولة من أفريقيا جنوب الصحراء تقيم العلاقات الدبلوماسية مع الصين. وبعد ذلك، أقامت الدول الأخرى في هذه المنطقة العلاقات الدبلوماسية مع الصين. في نهاية عام 1965، تضاعف عدد الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين. وفي الفترة ما بين عام 1955 وعام 1965، كانت جميع الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين، من آسيا وأفريقيا، باستثناء فرنسا، وكانت كل هذه الدول إما عربية أو أفريقية باستثناء سريلانكا وكمبوديا ولاوس وكوبا. في الدورة السادسة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1971، بلغ عدد الدول التي تبنت مشروع قرار إعادة الصين إلى مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة 23 دولة، منها سبع دول عربية هي الجزائر والعراق وسورية والجهورية العربية اليمنية واليمن الديمقراطية (أثناء الانفصال) والسودان وموريتانيا. وقد أيد العديد من الدول العربية والأفريقية الأخرى مشروع القرار، ولهذا يقال دائما إن الدول النامية هي التي أدخلت الصين إلى الأمم المتحدة.

شو ان لاي وتشن يي في السودان، يناير عام 1964

شو ان لاي يقيس نبض لاعب مصري بأسلوب الطب الصيني، ديسيمبر عام 1963، مصر

شو ان لاي ونائب رئيس المجلس الوطني لنواب الشعب (سابقا) قوه موه روه مع أول وفد كويتي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الأمة، بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية الكويتية في يوليو عام 1972

     دعم النضال العادل

     في سبتمبر عام 1949، أجاز المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في اجتماعه الأول "المنهاج المشترك للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني" الذي ينص على "أن مبدأ السياسة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية هو ضمان استقلال الصين وحريتها وسيادتها وسلامة أراضيها، دعم السلام الدولي الدائم والتعاون الودي بين شعوب كافة الدول، التصدي لسياسات العدوان والحرب الإمبريالية." حسب هذا المبدأ، دعمت الصين الجديدة حركات التحرير في الدول الآسيوية والأفريقية واللاتينية بحزم. وقد حدد رئيس مجلس الدولة الصيني شو ان لاي سياسة الصين تجاه منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، فيما يلي:

     * أن تدعم الصين بقوة كفاح دول وشعوب هذه المنطقة من أجل تحرير الوطن، وتعترف بهذه الدول فور استقلالها؛

     * أن تدعم الصين الكفاح العادل والمشروع للدول العربية ضد الإمبريالية والاستعمار وتدعم بقوة وعزم كفاح شعب فلسطين لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة؛

     * أن تطور الصين علاقات تعاون ودية مع كافة الدول على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي.

     بعد تأسيس الصين الجديدة، كان نضال الدول العربية ضد الإمبريالية والاستعمار في أوجه، وقد أولى شو ان لاي هذا اهتماما كبيرا، ودعمت الصين بقوة الكفاح العادل لشعوب هذه المنطقة. وقد تمثل ذلك في ما يلي:

     أولا) دعم نضال الشعب الفلسطيني. في المؤتمر الآسيوي الأفريقي عام 1955، بذل الوفد الصيني برئاسة شو ان لاي، مع وفود الدول العربية المشاركة في المؤتمر الجهود معا للتغلب على معارضة بعض الدول، وأدرجت مشكلة فلسطين على جدول الأعمال، وأُجيز في النهاية قرار بدعم حقوق الشعب الفلسطيني. وفي الرابع والعشرين من إبريل، وفي الجلسة الختامية للمؤتمر أعرب شو ان لاي من جديد عن تعاطف الشعب الصيني مع الشعب الفلسطيني ودعم النضال العربي لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني. في مارس عام 1964، شارك ياسر عرفات وأبو جهاد، بدعوة من لجنة التضامن الآسيوي الأفريقي الصينية في مؤتمر جماهيري ببكين بعنوان "دعم أبناء شعب العاصمة من مختلف الأوساط للشعب الفلسطيني والعربي" وألقى كل منهما كلمة أمام الجماهير.

      في مارس عام 1965، قام رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري بزيارة إلى الصين، والتقى مع الرئيس الصيني ماو تسي تونغ ونائبه ليو شاو تشي، كل على حدة، وأجرى ثلاث جولات من المحادثات مع رئيس مجلس الدولة شو ان لاي أكد خلالها شو من جديد على دعم الصين حكومة وشعبا لنضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المشروعة وحق العودة إلى وطنهم وإعادة بناء بلدهم. واتفق الجانبان على افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في بكين، ووافق الجانب الصيني على تقديم مساعدات عسكرية لدعم الكفاح المسلح لمنظمة التحرير الفلسطينية. في مايو عام 1965، افتتحت منظمة التحرير الفلسطينية مكتبا لها في بكين يتمتع بمعاملة البعثات الدبلوماسية. والصين من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية.

      في عام 1969، تولى ياسر عرفات رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، وقام بزيارة إلى الصين في أغسطس عام 1970، أجرى محادثات مع شو ان لاي. وبعد ذلك، قام أبو جهاد، الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، ووفود أخرى من المنظمة بالعديد من الزيارات إلى الصين، وكان شو ان لاي، برغم انشغاله، يحرص على الالتقاء بهم، حيث أكد على دعم الصين بقوة للنضال العادل للشعب الفلسطيني وعلى أهمية أن يعتمد الشعب الفلسطيني، في نضاله، على نفسه أولا وعلى شعوب دول الجوار ثانيا؛ وأن يضع الشعب الفلسطيني خطط وسياسات نضال سليمة تتفق مع الواقع في فلسطين. وأطلعهم شو ان لاي على التجارب والعبر المستفادة من ثورة الصين، وأكد على أهمية النضال الطويل الأمد، وأكد على ضرورة أن يتغلب الفلسطينيون على النكسات والفشل وأن يثقوا في أنفسهم ويعززوا وحدتهم لمقاومة العدو المشترك، ونصح ببناء ثلاث جبهات متحدة، هي الجبهة المتحدة داخل فلسطين والجبهة المتحدة بين شعوب الدول العربية والجبهة المتحدة بين شعوب العالم لمقاومة العدوان الأمريكي الإسرائيلي. لم تدعم الصين النضال العادل للشعب الفلسطيني سياسيا ومعنويا فحسب، بل قدمت المساعدات الاقتصادية والعسكرية لفلسطين وقبلت الطلاب الفلسطينيين للدراسة في الصين أيضا.

      ثانيا) دعم نضال الشعب المصري. في السادس والعشرين من يوليو عام 1956، أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس. في الرابع من أغسطس، أعرب شو ان لاي في لقاء مع مراسلين أجانب في بكين بوضوح عن أن الصين تؤيد قرار مصر بتأميم قناة السويس. في الخامس عشر من أغسطس، أصدرت حكومة الصين بيانا حول مسألة قناة السويس، جاء فيه أن الصين، حكومة وشعبا، تؤيد هذا القرار العادل للحكومة المصرية للحفاظ على سيادة واستقلال مصر. وفي السابع عشر من سبتمبر، أكد الرئيس الصيني ماو تسي تونغ في لقائه مع السفير المصري لدى الصين حسن رجب أن الصين، حكومة وشعبا، ستبذل كافة الجهود لدعم نضال شعب مصر الشجاع للحفاظ على سيادة قناة السويس. وفي العشرين من سبتمبر، في المؤتمر السادس والأربعين للجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب لجمهورية الصين الشعبية، قدم رئيس مجلس الدولة شو ان لاي تقريرا حول مسألة قناة السويس، مشيرا إلى أن شعب مصر سوف يحصل على الدعم الكامل من الشعب الصيني في نضاله العظيم للحفاظ على استقلال الوطن وسيادته. وبعث شو ان لاي ببرقية إلى الرئيس عبد الناصر، وقدم، نيابة عن حكومة الصين عشرين مليون فرنك سويسري لحكومة مصر. وبعد أن شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل حرب السويس في التاسع والعشرين من أكتوبر ذلك العام، أصدرت الحكومة الصينية في الأول من نوفمبر، بيانا أدانت فيه هذا العدوان السافر بشدة وأيدت نضال شعب مصر المقدس للحفاظ على سيادة واستقلال وطنه. وفي الثالث من نوفمبر، طرح الرئيس الصيني ماو اقتراحا حول الترتيبات العسكرية والسياسة الاستراتيجية لنضال مصر ضد العدوان، ونقله شو ان لاي إلى الحكومة المصرية. وفي نفس اليوم، بدأت في بكين اجتماعات ومظاهرات جماهيرية استمرت ثلاثة أيام وبلغ عدد المتظاهرين نصف مليون فرد، كما تظاهر أكثر من مائة مليون فرد في أنحاء الصين للتنديد بعدوان بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ودعم نضال شعب مصر العادل. وفي العاشر من نوفمبر، بعث شو ان لاي ببرقية إلى الرئيس عبد الناصر، أعرب فيها عن الدعم الحازم لنضال شعب مصر الشجاع. في الثاني والعشرين من نوفمبر، رد الرئيس عبد الناصر برسالة أثنى فيها على دعم الصين.

     ثالثا) دعم نضال شعب الجزائر. في المؤتمر الآسيوي الأفريقي في إبريل عام 1955، أُجيز قرار حول حق شعب الجزائر في تقرير المصير وحق الاستقلال بفضل الجهود المشتركة للوفد الصيني برئاسة شو ان لاي ووفود الدول الأخرى المشاركة في المؤتمر. في الثامن والعشرين من يونيو عام 1956، أعلن شو ان لاي في المجلس الوطني لنواب الشعب لجمهورية الصين الشعبية، عن دعم الشعب الصيني للنضال العادل لشعب الجزائر. وبعد ذلك، استقبل شو ان لاي العديد من الوفود الجزائرية، وأكد على هذا الموقف مرات. لم يكن دعم الصين للجزائر دعما سياسيا ومعنويا فحسب، بل قدمت مساعدات مادية وعسكرية ومالية كبيرة لها أيضا. وقد أعرب الرئيس الجزائري هواري بو مدين عن الشكر والتقدير للدعم والتأييد الصيني خلال زيارته إلى الصين عام 1974.

     رابعا) دعم نضال شعب سورية. في الخمسينات من القرن العشرين، ساءت العلاقات بين سورية والولايات المتحدة بسبب معارضة الأولى لمبدأ أيزنهاور. وفي عام 1957، حرضت الولايات المتحدة تركيا لشن هجوم على سورية وأرسلت "الأسطول السادس" لتهديد هذه الدولة العربية. في الثلاثين من سبتمبر عام 1957، أعرب رئيس الوزراء شو ان لاي دعم نضال الشعب السوري، قائلا إن شعب الصين يعتبر نضال الشعب السوري نضاله هو نفسه. ولم تستطع الولايات المتحدة تحقيق أغراضها البغيضة بفضل الإدانة الشديدة من الدول العربية والصين وغيرها من دول العالم التي تتمسك بالعدل.

     خامسا) دعم نضال شعوب العراق ولبنان والأردن. في الرابع عشر من يوليو عام 1958، اندلعت ثورة أسقطت حكم الملك فيصل في العراق، وتأسست جمهورية العراق وأعلن العراق الانسحاب من منظمة "حلف بغداد"، فكان ذلك ضربة للقوى الغربية. ونشرت الولايات المتحدة وبريطانيا قواتهما في لبنان والأردن للتدخل المسلح في العراق. في السادس عشر من يوليو، اعترفت الصين بالعراق بتوجيهات من شو ان لاي. وفي السادس عشر والثامن عشر من يوليو، أصدرت حكومة الصين بيانين لدعم نضال شعب العراق. وفي السادس عشر من يوليو، بدأت حركات الدعم والإدانة في أنحاء الصين، وبلغ عدد المشاركين فيها أكثر من مائة مليون فرد واستمرت هذه الحركات أسبوعا. دعمت الصين بكل الأساليب نضال شعوب الدول الثلاث وعارضت تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا في شؤون الدول العربية الداخلية وطالبت الدولتين بسحب قواتهما من لبنان.

     سادسا) دعم نضال شعبي المغرب وتونس. في المؤتمر الآسيوي الأفريقي في إبريل عام 1955، أعرب شو ان لاي بوضوح عن تعاطف الصين، حكومة وشعبا، مع شعبي المغرب وتونس ودعم نضال الشعبين من أجل الاستقلال. في الثاني من مارس عام 1956، أعلنت المغرب الاستقلال، وفي العشرين من مارس ذلك العام، استقلت تونس، وأرسل شو ان لاي برقيتين إلى رئيسي البلدين، كل على حدة، للتهنئة بالاستقلال.

      سابعا) دعم نضال شعب اليمن. في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، اندلعت ثورة أسقطت الحكم الملكي في اليمن وتأسست الجمهورية. في السادس من أكتوبر، بعث شو ان لاي ببرقية للتهنئة والاعتراف بالحكومة الجديدة. في الفترة بين عام 1967 وعام 1968، عندما شنت القوى الملكية حربا داخلية لإعادة النظام القديم في اليمن، أعلن شو ان لاي دعم الصين لنضال شعب اليمن ضد تدخل الإمبريالية في شؤون اليمن الداخلية، واختار بنفسه فرقا طبية لتقديم المساعدات إلى اليمن، وأوعز إلى سفارة الصين لدى اليمن والمساعدين الصينيين بالتشبث بمواقعهم، وقدر الجانب اليمني عملهم في تلك الظروف الصعبة. منذ خمسينات القرن العشرين، دعمت الصين نضال شعب اليمن الجنوبي ضد الاحتلال البريطاني وسعيه للاستقلال. في الثلاثين من نوفمبر عام 1967، عندما أعلن اليمن الجنوبي الاستقلال، بعث شو ان لاي ببرقية تهنئة. قام العديد من قادة اليمن الجنوبي واليمن الشمالي بزيارات إلى الصين، وأجرى شو ان لاي محادثات معهم، وقدمت الصين مساعدات هائلة إلى اليمن الجنوبي واليمن الشمالي. في عام 1972، عندما توترت العلاقات بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، بذل شو ان لاي جهودا كبيرة لإزالة أسباب التوتر وتعزيز التضامن بينهما، وقرر عدم تقديم مساعدات عسكرية من الصين إلى أي منهما، حيث قال: "نحن لا نجيز الحرب بين الأشقاء."

     ثامنا) دعم نضال الدول العربية والشعب العربي ضد العدوان. في الخامس من يونيو عام 1967، شنت إسرائيل حرب الشرق الأوسط الثالثة بدعم من الولايات المتحدة. في اليوم الثاني بعد اندلاع الحرب، بعث شو ان لاي ببرقيات إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس السوري نور الدين الأتاسي ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري كل على حدة، معربا عن دعم نضال الدول العربية والشعب العربي ضد العدوان. وفي السادس من يونيو، أصدرت حكومة الصين بيانا لشرح هذا الموقف. في الوقت نفسه، تظاهر نحو مليون فرد في بكين لمدة ثلاثة أيام دعما للنضال العادل لأبناء مصر وسورية وفلسطين. كما قدمت الحكومة الصينية مساعدات عاجلة لهذه الدول.

     لقد قدم شو ان لاي دعما كبيرا لنضال الدول العربية والشعب العربي، ولهذا حظي بصداقتهم واحترامهم وحبهم، مما دفع تطور العلاقات بين الصين والدول العربية، كما أن هذا أصبح الأساس السياسي الثمين لتحقيق مزيد من تطور علاقات التعاون الودية بين الصين والدول العربية، وهذا إرث سياسي قيم تركه شو ان لاي للشعب الصيني.

     تطور العلاقات

     منذ ستينات القرن العشرين، شهدت الأوضاع في العالم العربي تغيرات كبيرة، وتطورت العلاقات بين الصين والدول العربية تطورا كبيرا. وقد درس شو ان لاي هذه التغيرات بعمق ودقة وقرر اتخاذ إجراءات فعالة لدفع تطور العلاقات بين الصين والدول العربية.

     في ديسمبر عام 1963، قام رئيس مجلس الدولة شو ان لاي، مع نائبه، وزير الخارجية الصيني تشن يي بزيارة إلى خمس دول عربية هي مصر والجزائر والمغرب وتونس والسودان. كانت هذه أول زيارة يقوم بها رئيس مجلس الدولة الصيني إلى هذه المنطقة بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وكان لها مغزى هام في دفع التفاهم والتعاون الودي بين الصين والدول العربية وبين الشعب الصيني والشعب العربي. لذلك، تُعتبر هذه الزيارة زيارة استراتيجية هامة.

     طرح شو ان لاي خلال محادثته مع الرئيس عبد الناصر المبادئ الخمسة التي تحكم علاقات الصين مع الدول العربية، وهي: أولا، أن حكومة الصين تدعم نضال أبناء كافة الدول العربية من أجل تحقيق الاستقلال الوطني بدءا بالاستقلال السياسي ومرورا بالاستقلال الاقتصادي؛

      ثانيا، أن حكومة الصين تدعم حكومات كافة الدول العربية في انتهاج سياسة الحياد وعدم الانحياز؛

     ثالثا، أن حكومة الصين تدعم تضامن ووحدة أبناء كافة الدول العربية، وتحترم ما تتخذه في هذا الشأن من خطوات وإجراءات دون تدخل؛

     رابعا، أن حكومة الصين تدعم انتهاج حكومات الدول العربية في انتهاج الأساليب السلمية لحل النزاعات بينها وعدم اللجوء إلى القوة؛

      خامسا، أن حكومة الصين تدعو الدول غير العربية إلى احترام سيادة الدول العربية بدون تدخل، وترفض كل التدخلات من قبل الدول الغربية أو الدول الأخرى. وخلال زيارته إلى الجزائر طور شو ان لاي هذه المبادئ الخمسة فجعلها المبادئ التي تتمسك بها الصين في علاقاتها مع الدول العربية والأفريقية.

     هذه المبادئ المرشدة دفعت تطور العلاقات بين الصين والدول العربية بصورة فعالة.

     وفي الوقت نفسه، أشار شو ان لاي بوضوح إلى أن الدول الآسيوية والأفريقية حديثة الاستقلال، بحاجة إلى التنمية الاقتصادية لتثبيت دعائم الاستقلال، وهذا يفرض على الدول الآسيوية والأفريقية أن تتبادل العون والمساعدة لدفع التنمية والرخاء المشترك. ومن هذا المنطلق، طرح شو ان لاي في يناير عام 1964، خلال زيارته إلى أفريقيا، المبادئ الثمانية التي تلتزم بها الصين في تقديم المساعدات الخارجية، ألا وهي:

     أولا، أن حكومة الصين تقدم المساعدات الخارجية حسب مبدأ المساواة والمنفعة المتبادلة، ولا تعتبر المساعدات منحة من جانب واحد بل متبادلة؛

     ثانيا، أن حكومة الصين تحترم سيادة الدول التي تحصل على المساعدات، ولا تفرض أي شرط عليها أو تطلب منها أي امتياز؛

     ثالثا، في حال تقديم الصين مساعدات اقتصادية في شكل قروض بدون فائدة أو بفائدة قليلة، يمكن تمديد أجل القرض لتخفيف العبء عن الدول التي تحصل عليها؛

     رابعا، أن حكومة الصين لا تهدف من تقديم المساعدات الخارجية أن تعتمد الدول الحاصلة على المنح عليها، بل مساعدة تلك الدول في تحقيق الاعتماد على الذات والتنمية الاقتصادية المستقلة تدريجيا؛

      خامسا، أن حكومة الصين تسعى إلى الاستثمار القليل وتحقيق الأرباح السريعة في المشروعات التي تساعد الدول المتلقية للمنح على بنائها، من أجل زيادة الدخل وتوفير رأس المال لحكومات الدول التي تحصل على المنح؛

      سادسا، أن حكومة الصين تقدم أفضل الأجهزة والمواد، التي تنتجها الصين، إلى الدول المتلقية للمنح، وتتم مناقشة أسعارها حسب السعر في السوق الدولي. وتضمن حكومة الصين تبديل وإعادة الأجهزة والمواد المخالفة للمواصفات؛

     سابعا، أن حكومة الصين عندما تقدم أي نوع من المساعدات التقنية إلى الدول الممنوحة، تضمن إجادة المتخصصين في الدول المتلقية للمنح لهذا النوع من التقنية؛

      ثامنا، أن يتمتع الخبراء الصينيون، الذين ترسلهم حكومة الصين إلى الدول المتلقية للمنح من أجل تقديم المساعدات، بنفس المعاملة المادية للخبراء من الدول المتلقية للمنح دون أي امتياز.

     هذه المبادئ تجسد روح المساواة والمنفعة المتبادلة بين الدول المختلفة، وهي جزء هام من السياسة الخارجية الصينية. كما أنها من إسهامات شو ان لاي الإبداعية في مجال الاقتصاد الدولي وتعد من الإرهاصات الأولى لبناء النظام الاقتصادي الدولي الجديد.

      تحت رعاية رئيس مجلس الدولة شو ان لاي وبإرشاد من هذه المبادئ الثمانية، تطورت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية بخطوات ثابتة، قدمت الصين المساعدات إلى هذه الدول حسب قدرتها. في عام 1963، قدمت الصين قرضا اقتصاديا إلى مصر، وفي ديسمبر عام 1964، قدمت لها قرضا قيمته 345 مليون فرنك سويسري بدون فوائد. في عام 1965 وعام 1967، قدمت الصين لمصر أيضا قرضين سلعيين قيمتهما مائة ألف طن من الذرة وخمسين ألف طن من القمح على التوالي. وفي عام 1963، قدمت الصين لسورية قرضا قيمته 70 مليون فرنك سويسري بدون فوائد، وفي عام 1969، بدأت الصين مساعدة سورية في بناء مصنع للغزل. في يناير عام 1958، قدمت الصين لليمن قرضا قيمته 70 مليون فرنك سويسري بدون فوائد لبناء طريق صنعاء – الحديدة وغيره من المشروعات. في عام 1959، قدمت الصين عشرة آلاف طن من القمح إلى اليمن بدون مقابل. وبعد ذلك، قدمت الصين قروضا كثيرة بدون فوائد لليمن الجنوبي واليمن الشمالي لبناء المصانع والمدارس والطرق العامة والمستشفيات وغيرها من المشروعات وأرسلت فرقا طبية إلى البلدين. وقدمت الصين دعما كبيرا لنضال الجزائر المسلح. وبعد استقلالها، أصبحت الجزائر أكثر دولة عربية وأفريقية مستفيدة من المعونات الصينية النقدية والعينية والطبية، ففي عام 1963، قدمت الصين لها قرضا قيمته 250 مليون فرنك فرنسي بدون فوائد وأرسلت فريقا طبيا كان أكبر فريق طبي بعثت به الصين إلى الخارج في ذلك الوقت. في عام 1967، قدمت الصين قرضا لموريتانيا قيمته عشرين مليون فرنك فرنسي بدون فوائد، وتعهدت ببناء مشروع حقل إرشادي لزراعة الأرز ومشروعات مائية وأنشأت "بيت الشباب" و"بيت الثقافة" وغيرهما من المشروعات. كما قدمت الصين قروضا بدون فوائد ومساعدات للعراق والسودان والمغرب الخ.

      هذه المساعدات عززت قدرة البناء الاقتصادي للدول المتلقية ودفعت تطور علاقات التعاون الودية بين الصين وتلك الدول، وأرست أساسا ثابتا لتحقيق مزيد من تطور هذه العلاقات. بعد تنفيذ الصين سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج، اتجهت المؤسسات الصينية إلى الخارج حيث قامت بتنفيذ أعمال مقاولات، وكانت الدول العربية مقصدها الأول، كما كانت المشروعات التي ساعدت الصين في إقامتها من أوائل المشروعات التي قاولتها الشركات الصينية. وبعد ذلك، شهد التعاون الاقتصادي بين الصين والدول العربية وضعا جديدا من أبرز سماته التنوع والمنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة.

     في الثلاثين من مايو عام 2006 يكون قد مضى نصف قرن على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر. في هذه الفترة، شهد الوضع على الساحتين الدولية والعربية تغيرات كبيرة، وشهدت الصين تغيرات هائلة أيضا، ولكن، أفكار شو ان لاي وتجربته الدبلوماسية، ما زالت مرجعا جديرا بالدراسة.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.